كانت فريسيا تَشعُرُ بِحرَجٍ عميقٍ، خاصَّةً أَمامَ الغريب، الدوق إِيزار، الذي كانَ يَراها في تِلكَ الحالة المبلَلةِ بِالكامِل.
احتضنت الخروف كدِرعٍ يَحميها، غيرَ أَنَّها كانت في غايةِ القلق.
“ماذا عَليَّ أَن أفعل؟”
كانت ملابسها المَبللةُ تَتَشبثُ بِجِسمِها، ممّا جعلها في غايةِ الخجلِ، لكِنَّ ذلكَ لم يَكُن الحرَجَ الوحيدَ الذي دَفعَ قلبها للاِنقِباضِ.
وجودُ الدوق إِيزار أمامها كانَ أَشبَهَ بِشبحٍ يَطغَى على كُلِّ شَيءٍ، بينما هيَ لا تساوي شَيئًا أقلُ قيمة من خروفٍ واحد. كانَ هوَ مهيبًا، و هيَ كانت لا شَيءٍ مُقارنَةً بِهِ.
“أَنتِ، الراعية.”
جاءَ صَوتهُ العَميق، مِما جَعلَ فريسيا تَقِفُ كما لو كانت قد تجمدت. لم تَستطِع رفعَ عينيها، فَمَضت تَردُّ بِارتِباكٍ.
“نعم، سُموك.”
“خُذي هذا.”
نعم؟
و في لحظة، امتَدَّ أمامها مِعطَفٌ أَزرقُ داكِنٌ، يَحتَمِلُ أن يكونَ مِعطَفًا صيفيًّا لِلنُّبَلاء، و كانَ مِنَ المُحتَمل أَن يَكونَ المِعطَفُ الذي خَلعهُ الدوق إِيزار قبلَ أَن يَقفِزَ في البحيرة.
—
بالنِّسبةِ للدوق، لم يَكُن ذلِكَ المِعطَفُ سِوى قِطعَةِ قُماشٍ عاديَّةٍ، ولكن بالنِّسبةِ فريسيا، كانَ الأمرُ مُختلِفًا.
“لا أستَطِيعُ… قَبولَ شَيءٍ كهذا—”
“إذن، هل تَعتَزمينَ العودَةَ وأنتِ بِهذِهِ الحال؟”
صفعت والدتها وجنتها بقوة مرة أخرى. على الرغم من وهنها وهذيانها، إلا أن يدُها النَّحيلة تَحملُ قُوَّةً لا تَرحم.
“آآه، آه!”
“توقَّفي— آه!”
في ذلك اليوم، كانت أمُّها في أكثر حالاتِها جنونًا، تُنهال على فريسيا بالضَّرب بلا رحمة. لاحقًا، عندما استعادت شيئًا من وعيها، بدأت تَحفرُ و تكتبُ بغضبٍ على أرضيَّة التُّراب بأصابعها النَّاحلة.
كيفَ يُمكنكِ أن تكوني بهذه الوقاحة لتقبلي ملابس من الرِّجال؟ هل سيَرضى والدُكِ بابنةٍ كهذه؟
هل كان من المنطقيِّ أن تتخيَّل أنَّ رجلاً تخلَّى عن امرأةٍ حاملٍ بطفله سيعود يومًا ما؟
لم تكن فريسيا تعتزم التعلُّق بأحلامٍ بائسةٍ كهذه. وبدلاً من ذلك، ركَّزت على المعطفِ المُحترقِ أمامها.
كلُّ ما استطاعت إنقاذَه كان طرفَ كُمٍّ متفحِّم. فصلت زرًّا عن القماشِ المتفحِّم وعلَّقته على سلسلةٍ قديمةٍ.
كان ذلك الزرُّ زينتَها الوحيدة، الشَّيءَ الوحيدَ الذي يلمعُ في حياتها.
“جميلٌ جدًّا.”
رغمَ خدِّها المُتورِّم والمُكدَّم، ابتسمت فريسيا. كانت حياتُها تبدو فارغةً بلا نهاية، لكنَّ هذا العقد، الذي أصبحَ الزرُّ فيه قلادةً، منحها سببًا لتنهضَ في اليوم التالي.
وكذلك كان إيزار.
في ظلامِ حياةِ فريسيا، أصبحَ إيزار نجمًا ساطعًا.
خمسُ سنواتٍ مَضَت مُنذُ أن بدأت فريسيا تُكنُّ حبًّا غيرَ مُتَبادل تِجاهَ إيزار.
منذُ لقائهما، لم يجمَع بينَهما أيُّ تواصُلٍ آخر.
كانت تُراقِبُه من بعيدٍ فقط.
من على تلٍّ وقت الغروب، وسطَ عددٍ قليلٍ من الأغنام، كانت تنظرُ إلى المرجِ المُمتدِّ أدناه، حيث يتواجدُ هو.
أحيانًا، كان السيِّدُ يُلقي الأوامر وهو يمتطي جوادَه، أو ينخرطُ في تدريباتٍ خفيفةٍ على السيف.
رؤيتُه في هيئتِه البهيَّة وسطَ ضوء الغسق، كانت الأكثرَ إيلامًا. أشدُّ وجعًا من ضرباتِ والدتها، ولكنَّ هذا الألم لم يكن مزعجًا.
هذا الشعور كان أشبَهَ بطعمِ حلوى السُّكر النادرة التي كانت تتناولُها في أيَّام المهرجانات.
مُرَّةٌ على اللِّسان لكِنها لا يُمكِنُ
مقاومتُها، و مُستَحيلةٌ نسيانها بمجرد تذوقها.
كانت فريسيا تُراقِبُهُ بِصمتٍ ثُمَّ تَتَّجِهُ إِلى منزِلِها.
آمله أَن تَرَى صورَتَهُ مَرَّةً أُخرى في أَحلامِها.
التعليقات لهذا الفصل "3"