‘ستجهشُ بالبكاء قريبًا، حين تُدرِك خطورة الموقف.’
عندها، لا بُدَّ أن تتمسّك بثوب السيدة إلكترا، تتوسّل إليها طلبًا للعون.
و كانت تلك ستكون فرصة مناسبة لتأديبها بقسوة تكفي لطردها هاربة.
لكن تلك الراعية، اكتفت فقط بالانحناء بأدب.
“نعم، يا سيّدتي. سأُحضّر كُلَّ شيء بعناية.”
تعثّرت ابتسامة إلكترا للحظة.
‘ما الذي تعرفه هذه الفتاة حتّى تقول نعم بكل هذه الثقة؟’
رُبما قد علّمتها عائلة أنتاريس شيئًا ما.
إذن، لابُدَّ أنها تنظر إليها بتعالٍ، مُتظاهرةً بالتهذيب.
‘تلكَ الصغيرة المتعجرفة!’
حتّى بعدَ مغادرة الراعية، لم يهدأ غضب إلكترا.
“ميروب، تأكدي من عدم تعيين أي خادمة لها.”
“هل أفعلُ غيرَ ذلك، يا سيّدتي الجليلة؟”
“و نفس الشيء ينطبق على الحدث نفسه. دعها تحاول التدبير بدون خادمة مناسبة.”
كانت النساء النبيلات بحاجة إلى خدم من طبقة النُبلاء الأدنى ليخدموهن عن كثب. بدون مثل هؤلاء الخدم، لن يكون لدى الحاضرات أي سبب للشعور بالراحة.
لكن هذا وحدهُ لم يكن كافيًا.
“و ايضًا… ماذا قالت السيدة ميريوت؟ ما هيَ الفاكهة التي تُسبب لها الطفح الجلدي؟”
—
بعدَ مغادرتهما غرفة السيدة العجوز، كانت ثيا، التي خرجت معَ فريسيا، تبدو مرتابة.
‘هيَ حقًا تشبه الدوق…!’
بمعنى آخر : مُرعبة للغاية.
و فوقَ ذلك، كانت قد هددت بعدم مساعدة هذه الراعِية أبدًا.
لكن، من خلال مراقبة تعبير فريسيا الهادئ، لم تستطِع ثيا أن تفهم ما كانت تفكر فيه سيدتها.
هل هي هادئة لأنها لا تدرك خطورة الموقف؟
هل فعلاً الجهل يولد الشجاعة؟
لم تستطِع أن تكبحَ نفسها أكثر، فـسألت برفق.
“سيدتي، هل أنتِ متأكدة أنكِ ستكونين بخير؟ هل سبقَ لكِ أن نظمتِ شيء مثل حفلة شاي من قبل…؟”
“……”
على سؤال ثيا، اكتفت فريسيا بابتسامة غامضة. قبلَ أن تتمكن ثيا من الاستفسار أكثر إذا كانت قد مرّت بتجربة مشابهة، طرحت فريسيا سؤالًا مفاجئًا.
“…ثيا، هل لديكِ أفراد من عائلتكِ يعملون هُنا أيضًا؟”
“نعم؟ أوه، نعم.”
كانَ مركز ثيا في منزل العاصمة منخفضًا.
لكن، بما أنَّ ثيا من أصول أركتورية، كانَ لديها أقارب يعملون في كل مكان في القلعة.
‘لكن هل ذكرتُ ذلك من قبل…؟’
تساءلت ثيا، مشوشة، بينما كانت سيدتها، الراعية، تُلقي عليها سؤالًا محيرًا آخر.
“ثيا. أين تمَّ تعيين أقاربكِ الآن؟”
“حسنًا، ثلاثة منهم يعملون في المطبخ، و أعتقد أنَّ عمي قد يكون يعمل كـحدّاد…؟”
“جيد. هل يوجد أي من أقاربكِ الذكور يعملون كـخدم؟”
“أعتقد أن بعض من أبناء عمومتي قد يعملون كـحمالين.”
“أفهم…”
تأملَت فريسيا للحظة قبلَ أن تسأل بابتسامة خفيفة.
“هل يوجد أحد يعمل في المكتبة الآن؟”
“آه، نعم، يجب أن يكون هُناك أحد من أقاربي. بالتأكيد.”
“أفهم… ثيا، سأكونُ صادقة معكِ بشأن حفلة الشاي هذه.”
توقفت فريسيا عن المشي و نظرت مُباشرةً إلى ثيا بتلكَ العيون الخضراء العميقة. كانت كبيرة جدًا على وجهها الصغير لدرجة أنها شعرت و كأنها تُجذب إليهم.
“لن نتمكن من الحصول على مساعدة من الأشخاص هُنا. سيكون علينا العمل نحنُ الاثنان فقط، لكننا نفتقر إلى الأيدي المساعدة.”
“آه… أمم.”
“لكن إذا استطعنا تحريك أقاربكِ للمساعدة في حفلة الشاي هذه، سأضمن أن يحصل الجميع على مكافآت.”
“لكن، ماذا؟”
ثُمَّ قامت السيدة الراعية بخلع إحد خواتمها.
كانَ خاتمًا صغيرًا من الياقوت، أحد مقتنيات المهر من أنتاريس.
على الرغم من أن ثيا كانت قد أُعجبت بجماله، لم تتخيل أبدًا أنهُ سيُوضع في يدها.
“هل يناسبكِ هذا الخاتم؟”
“هذه الأشياء الثمينة لي؟”
“نعم. يمكنكِ الاحتفاظ به، أو إذا قررتِ بيعه، فـلن يكون هُناكَ مشكلة كبيرة.”
“آه…!”
“سأعطي شيئًا سريًا لكل فرد من أفراد عائلتكِ يساعدنا، خلفَ ظهر السيدة إلكترا. و بالطبع، الأفضل سيكون لكِ.”
“ممن يجب أن أُخبر؟”
“موظفو المطبخ، البستاني، الحمالين، و أيضًا ابن عمكِ في المكتبة.”
“حتّى المكتبة؟ حقًا…؟”
فهمت ثيا فكرة رشوة موظفي المطبخ، و البستاني، و حتّى الحمالين. معظم الخدم هُنا سيكونون معَ السيدة إلكترا.
و لكن من تجهيز مكان حفلة الشاي إلى إدارة الطعام، كانَ من الضروري أن يكون هُناك شخصٌ واحدٌ على الأقل من كُل قسم إلى جانب السيدة الراعية.
لكن، ماذا يمكن أن يفيد شخص يعمل في المكتبة؟
ابتسمت السيدة الراعية ابتسامة خفية.
“هُناكَ وثيقة سنحتاجُ إليها هُناك.”
“آه… نعم، فهمت! سأذهب لمقابلتهم وأعود!”
“شُكرًا لكِ.”
و بذلك، تحركت السيدة الراعية.
كانت جديدة في هذه القلعة، و معَ ذلك، لم يكن هُناك أي تردد في خطواتها، و لا أي علامة على عدم معرفتها بالطريق.
و أثناء مراقبتها، تذكرت ثيا ما شعرت به في اليوم الأول الذي التقيا فيه.
كانَ شعورًا بعدم التوافق عندما يُقلل من قيمة شخص بناءً على مظهره.
‘هل تلقت إرشادًا إلهيًا من آدامانت؟ ما الذي يحدث؟’
بينما لم تستطِع ثيا التكهن، كانَ هُناكَ شيء واحد مؤكد.
سيدتها، التي كانت قد قللت من شأنها في البداية، لم تكن شخصًا عاديًا، على عكس مظهرها.
***
سيدةٌ نبيلةٌ لا تتورطُ مُباشرةً في تعليم من هُم ادنى منها. كانَ من المعتبر أكثر رُقيًا أن تستخدم الآخرين لشد الحبل حولَ رقبة شخص ما تدريجيًا.
في حالة إلكترا، تمَّ تفويض هذه المهمة إلى الخادمة الرئيسية، ميروب.
كما أنَّ إيزار قد حظر على فريسيا دخول منطقة الطعام حيثُ كانَ حاضرًا، مؤكدًا أن وجباتها يجب أن تقتصر على تلكَ الغرفة الكئيبة.
علاوة على ذلك، كانت الوجبات التي تُسلم تُسمى باستخفاف بأنها طعام خنازير.
‘إذا تذمرت من الطعام، سيتعينُ عليَّ إبلاغ السيدة إلكترا مُباشرةً.’
و معَ ذلك، في كُلِّ مرّة، كانت رؤية الصحون الفارغة تمامًا تُذهل ميروب.
لدرجة أنها لم تستطِع إلا أن تواجه فريسيا مُباشرةً.
“أنتِ… أكلتِ هذا؟ كُله؟”
“نعم، كما ترين.”
ابتسمت فريسيا ابتسامة خفيفة.
بينما تركت ثيا حصتها، كانت صحن فريسيا نظيفًا تمامًا. خلال أيامها كراعية، كانت تأكل أسوأ من هذا بكثير، و حتّى في بداية “زواجها”، كانَ عليها أن تتحمل هذا النوع من القمامة.
“من فضلكِ قولي للسيدة إلكترا أنني استمتعتُ بالوجبة كثيرًا، يا سيدة ميروب.”
“…”
تلوى وجه ميروب بينَ الغضب و الاشمئزاز.
كانَ من الواضح لأي شخصٍ عاقل أن هذا لم يكن خضوعًا.
بل كانَ سخرية.
لذا، هذه المرة، قاموا ببساطة بتقليل وجباتها.
أو أنهم اختلقوا أعذارًا عن كونهم مشغولين للغاية لإرسال الغداء.
بحلول ذلك الوقت، كانت فريسيا قد فازت من خلال ثيا بشخصٍ من المطبخ.
و بفضل ذلك، أصبحت قادرة على تناول الخبز الجيد أو اللحم.
‘يجِبُ أن أبقى هادئة الآن، و ألا آكل أي شيء جيد بشكلٍ لافت للنظر.’
كانت هذه الفترة قبل حفلة الشاي وقتًا للاختفاء لتجنب الاضطرابات غير المتوقعة.
كما كانَ متوقعًا، لم يتطوع أحد لمساعدتها في يوم الحدث نفسه.
‘لن يجرؤ أحد على معارضة السيدة إلكترا.’
بالطبع، كانَ هُناك الخيار، كما في حياتها السابقة، لجمع المساعدة بعدَ أن تتعرض للعقاب الوحشي من إلكترا.
لكن هذه المرة، اظهرت عناد غير معروف. لم تكن ترغب في أن تُضرب بلا سبب مرة أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، ألم تكن قد رتبت بالفعل “شبكة أمان” على عكس السابق؟ و بشكل غير متوقع، من خلال ثيا نفسها التي كانت تشكل صداعًا في حياتها السابقة.
“سيدتي، قد وافقَ أقاربي على المساعدة!”
في الماضي، كانت المشكلة مع ثيا تكمن في أنَّ لديها العديد من الأقارب الذين يعملون هُناك.
‘إذا شكوتُ من خطأ، كانَ يتمّ تصويري كأنني المرأة القاسية التي تعاقب قريبتهم المسكينة.’
لكن هذه المرة، كانت استراتيجية ترويضهم بالهدايا من البداية قد نجحت بشكلٍ جيد.
بينما كانَ جميع الخدم الآخرين يتجنبون فكرة المساعدة في حفلة الشاي الخاصة بتلكَ “الراعية”، تقدمَ أولئك الذين تمت رشوتهم بدون حرج، باستخدام أعذار مثل “من أجل قريبتهم ثيا” لكسب التعاطف.
“لكنهم لم يسبق لهم تحضير حفلة نبلاء من قبل… هل سيكون ذلك على ما يرام، يا سيّدتي؟”
“سيكونُ على ما يرام.”
على الرغم من أنَّ العمال كانوا مبتدئين، فإن الأمر الأكثر أهمية كانت وضوح التعليمات من أولئك المسؤولين.
“إذا حدثَ خطأ في يوم حفلة الشاي، سأكونُ هُناك من الفجر لتصحيحه.”
“أوه، نعم. لكن رئيسة الخادمات قالت إنها لن تُخصص أي خادمات.”
حتّى لو كانَ بإمكانها رشوة و تحريك العمال بواسطة ثيا، فإنَّ “الخادمات” كانن فئة مختلفة تمامًا.
“ألا يجب أن تكون هُناكَ خادمات لمثل هذه المناسبة؟ لخدمة تقديم الشاي، و المساعدة في المحادثات؟”
“لا تقلقي حيالَ ذلك أيضًا.”
ضحكت فريسيا، و هيَ تتصفح بعض الوثائق البالية. و كانَ هذا أيضًا “التأمين” الذي تأكدت منه عبرَ ثيا.
‘لقد كُنتُ غاضبة للغاية عندما اكتشفتُ هذا.’
في ذلكَ الوقت، لم يكن يبدو أنَّ هُناك فائدة من ذلك. و معَ ذلك، كلمات ثيا التالية جعلت ابتسامة فريسيا تختفي.
“سيّدتي، هل لاحظتِ الفرسان و هم يلمعون دروعهم مؤخرًا؟”
“…”
“لقد عادوا للتو، و الآن هم يستعدون للرحيل مرة أخرى؟”
استمرت ثيا في الكلام بكل حماسة، لكن فريسيا ظلت صامتة، فقد كانت تعرف بالفعل أن إيزار و الفرسان الآخرين على وشك المغادرة مجددًا.
‘قريبًا، سيتوجهون لحملة صيد الوحوش.’
و سيعودون بعدَ وقتٍ طويل من انتهاء حفلة الشاي.
“…”
أعادت التفكير في تصرفات إيزار مرة أخرى. الرجُل الذي وضعَ جدرانًا طوالَ الرحلة التي استمرت عشرة أيام ألى هُنا. “زوجها”، الذي لم يُظهر أي اهتمام بما كانت تفعله، على الرغم من أنهما كانا يعيشان تحتَ نفس السقف.
‘يا لهُ مِن قلبٍ بارِدٍ حقًا.’
على الرغم من أنها كانت قد اختبرت و تهيأت لموقفه، إلا أنَّ ذلك لا يزال يؤلمها بشدة.
كونها إنسانًا، كانَ من الطبيعي أن تشعر بالألم.
‘كانت هُناكَ أوقاتٌ تمنيتُ فيها لو أنني اختفيتُ فقط…’
كانت لا تزال تتساءل إن كانَ من المبالغة أن تتمنى أن تُذرفَ عليها الدموع و لو لمرة واحدة.
كانت تخشى أنهُ لا يوجد شيء أدنى يمكنها أن تهبط إليه، مرعوبة من كيفَ أنَّ كرامتها تتآكل معَ كل رفض من جانبه.
لكن…
فريسيا كانت تعبث بهدوء في قلادتها.
و بما أنَّ لديها عُمرًا محددًا و تعرِفُ أنَّ لديها أقل من عام مُتبقي…
ساعدها ذلك حقًا في إعطاء الأولوية لحياتها الخاصة.
لقد دفعت الكبرياء الأجوف و الجروح إلى أسفل قلبها.
التعليقات لهذا الفصل "19"