اصطحبت السيدة ميروب، الخادمة الرئيسية، فريسيا الى الغرفة الأكثر عزلة في القلعة، و قد هيأت تصرفات السيدة إلكترا الأجواء في القلعة بأكملها. كانت تلكَ الفتاة، التي تجرأت على التطلع إلى مكانة الدوقة، تستحق أن تعيش كما كانت في أيامها كـراعية.
عندَ وصولها، أمرت السيدة ميروب بتعالي:
“عندما تستقرين، تذهبين فورًا لتقديم التحية للسيدة إلكترا. لديكِ ساعة واحدة مِنَ الآن.”
لم تكلف نفسها عناء إرسال خادمة واحدة لرعاية فريسيا.
حتّى أنها لم تُطلعها على مكان غرفة السيدة إلكترا، تاركةً إياها في الغرفة الباردة قبلَ أن تذهب.
تُرِكت فريسيا وحدها في الغرفة، برفقة “ثيا”.
نظرت ثيا حولَ الغرفة، ثُمَّ تفوهت بكلمات مليئة بالغضب:
“بِحق آدامانت، ما هذا؟”
حتّى لخادمة لم تكِن قد أصبحت وفية لفريسيا بعد، كانت هذه الغرفة بائسة تمامًا في عينيها.
“أليست هذه غرفة لأدنى الخدم، لا، لخادمة، و ليسَ لدوقة؟”
مُجرّد وجود سرير لم يعني أنهُ يمكن تسميتها غرفة.
كانت البطانية مُمزقة، و العفن يتناثر في أماكن، و ورق الحائط يتقشر عن الجدران، و الأثاث الوحيد كانَ طاولة صغيرة و كرسي واحد.
“العاصمة كانت أفضل بكثير! على الأقل كانَ هُناك غرفة نوم مناسبة!”
استدارت ثيا فجأة لتنظر إلى فريسيا، التي ظلت صامتة طوال رحلتهما إلى هنا.
‘لا أحد هُنا يعترف بها.’
وجبة واحدة لا تكفي لتغيير رأي الفرسان. تغيير آراءهم سيستغرق وقتًا طويلًا جدًا.
مواجهة خادمة مع سيدة كهذه جعلت ثيا تكاد تبكي.
“آه، يا قدري.”
لكن كانَ قد فاتَ الأوان على التراجع الآن، بعدَ أن قبلت الشريط الثمين بحماسة.
كانت ثيا تعلم أن الأمر تافه، لكنها قررت أنها قد تستخدم قيمة الشريط لتستجمع ضميرًا لسيدتها مرّة أو مرتين على الأقل.
لذا، قررت مناقشة الوضع معَ فريسيا، التي كانت صامتة كـالفأرة الميتة.
“سيدتي، أفهمُ أنكِ غاضبة… ألن نتحدث إلى السيدة إلكترا عن هذا؟”
“……”
“سيدتي؟ سيدتي!”
تجاهلت فريسيا إلحاح ثيا بلا مبالاة. كانت أفكارها مشغولة بأمر آخر.
‘كيفَ لم يمنحني فرصة واحدة طوال الرحلة بأكملها.’
كانَ سلوك إيزار بارد طوال رحلتهما.
و معَ مراعاة سلوكه المستمر في حياتها السابقة، كانَ مخيبًا للغاية أن تفكر في أنَّ لا شيء قد تغير.
“هل سيعود كل شيء إلى ما كانَ عليه سابقًا؟”
و معَ ذلك، نظرت فريسيا إلى قلادة الزر داخلها.
العُمر المُتبقي كانَ… 329 يومًا.
العدد أيقظَ فريسيا بحدة.
لقد حانَ الوقت للبدء في الرد على ثيا.
“سيدتي…! لنطلب غرفة أخرى!”
“لا. لن يكونَ ذلكَ مناسبًا.”
“ماذا؟”
عندما أجابت فريسيا بنبرة حاسمة، توقفت ثيا في دهشة.
“لنستخدم هذه الغرفة لبعض الوقت. لكننا سنحتاج إلى مزيد من الأغطية.”
“ماذا؟ لكن!”
“توزيع الغرف من صلاحيات السيدة إلكترا. لا يمكننا أن نبدأ بالشكوى بمُجرّد وصولنا.”
“لكن معَ ذلك…”
“و إلا، قد ننتهي بالنوم في الإسطبلات، ثيا.”
سكتت ثيا في النهاية، معترفةً بصحة كل نقطة ذكرتها فريسيا.
و بالنسبة لفريسيا، كانَ هُناكَ سببٌ آخر لعدم استفزاز غضب السيدة إلكترا.
‘قريبًا، سيغادر إيزار لقتل الوحوش.’
خلال هذه الفترة، ستظهر الوحوش عند الحدود. في حياتها السابقة، كانَ إيزار و فرسانه يغادرون لصيدها، تاركين القلعة دونَ حراسة لفترة من الوقت.
و كانت هذه هي اللحظة التي أمرت فيها السيدة إلكترا فريسيا بإقامة حفلة شاي.
حفلة الشاي في قلعة آركتوروس كانت تعني دعوة زوجات العائلات التابعة من قِبل السيدة الجديدة للمنزل، مما يُشجع على بناء علاقة جيدة معَ مرور الوقت.
‘عادةً، كانَ من دور الدوقة السابقة أن توجه زوجة أبنها.’
لكن عندما تذكرت تلكَ الأوقات، أطلقت فريسيا ضحكة جافة.
“هااه.”
كانت حفلة الشاي الأولى لها قد تحولت إلى أسوأ نكتة في آركتوروس.
عادةً، عندما تُجلب العروس من عائلة أخرى، يجب أن يتجمع الجميع في المنزل حولها، و يعلمونها كيفية التصرف.
لكن في حياتها السابقة، كانَ الجميع في هذا المكان مُتلهفين لرؤيتها تفشل. كانوا يجهلون أسلوب الحياة النبيلة، و يسخرون منها لعدم معرفتها “كيفَ تستضيف حفلة شاي”.
الألم، و الإحراج، و الأهانة أجبرتها على اتباع أوامر السيدة إلكترا، مما أدى إلى كارثة.
‘لم يخبروني حتّى بأي عائلة كانت الأكثر ولاءً أو التي قدمت أكبر عدد من الفرسان.’
لزيادة الأمور سوءًا، كانت إحدى السيدات قد تعرضت لرد فعل تحسسي بسبب الحلوى التي أعدتها فريسيا.
بالطبع، تسببت في طفح جلدي بمُجرّد أن تناولتها.
〈آه! بشرتي! ماذا أفعل! 〉
و؛ كانت تلكَ التي أمرت بتقديم تلكَ الحلوى هيَ…
‘السيدة إلكترا و ميروب، كبيرة الخدم.’
كانت المرأتان قد كذبتا على فريسيا، قائلتين إنَّ الجميع سيحبون حلوى الجريب فروت أكثر من أي شيء آخر.
كيفَ يمكن لها، التي كانت تكافح للتخلص من أصولها العامة، أن تعرف أفضل من ذلك؟ من كانت لتسأل إن كانت تلكَ الحلوى مناسبة للنبيلة؟
لذا، في النهاية، و على الرغم من شعورها بتوقعات سيئة حيالها، تبعت نصيحتهما.
لكن، و لسوء الحظ، كانت هُناكَ سيدة واحدة لا تستطيع تناول الجريب فروت، و بعدَ تناولها، ظهرَ عليها طفح جلدي و سقطت مغشيًا عليها، و كانَ يخرج من فمِها رغوة بيضاء.
بالطبع، كانَ زوج السيدة النبيلة غاضبًا جدًا.
<كيفَ يمكنكم فعل هذا؟ لقد خدمنا عائلة آركتوروس لمدة خمسة أجيال!>
و كانَ تعبير إيزار عندَ عودته من حملة صيد الوحوش شيئًا لا يُنسى.
فقط الآن استطاعت فريسيا التعبير عن ذلك هكذا.
و لكن في ذلكَ الوقت، كُنتُ أرتجف من رأسي إلى أخمص قدماي من الخجل.
‘لن أسمح للأمر بأن يحدث بهذه الطريقة هذه المرة.’
كانَ إيزار يبدو دائمًا مشككًا فيها.
حتّى لو استطاعت إدارة حفلة الشاي دونَ أي مشكلة، فقد يتعمق شكّه مرّة أخرى.
‘لكنني أريد أن أنهي هذا الحدث بشكلٍ جيد.’
كانت ترغب في محو تلكَ الفترة تمامًا، تلكَ الفترة التي لم تستطِع فيها التوقف عن البكاء أثناء التحضير.
من الأفضل أن يُشَكّ بها حتّى و إن قامت بعمل جيد، من أن تتعرض للإهانة و الشك على أي حال.
في تلكَ اللحظة، جلبت ثيا ملابس جديدة لفريسيا لتُلبسها. و بينما كانت لا تزال تشكو، أشارت إلى النافذة.
“و معَ ذلك، رائحة الزهور القادمة من هُناك جميلة. هل هيَ ورود برية؟”
“لو لم يكُن ذلك، لكانت هذه الغرفة أسوأ ما يمكن.”
“…نعم.”
نظرت فريسيا من خلال النافذة. كما قالت ثيا، كانَ أسفل النافذة شجيرة مليئة بالورود البرية.
على عكس الورود الفخمة، كانت بسيطة و لكنها تحمل عطرًا مدهشًا.
و تحتَ تلكَ الشجيرة العطرة كانَ هُناكَ طفلٌ ميت.
طفلٌ كانَ مِنَ المُفترض أن يُسميه “زوجها”، لكنها في النهاية هيَ من اضطرت لدفنه قبلَ وصوله.
“……”
ظهرَ اليأس من تلكَ الأيام برفق مثلَ حُلمٌ بعيد.
في الحقيقة، كانَ بإمكانها أن تتذكره بوضوح إذا رغبت في ذلك، لكنها كانت تعرف أنَّ القيام بذلك سيكسرها. فأغمضت عينيها ببطء.
‘في هذه الحياة، لا أعتقد أنني سأتمكن من لقائك، يا طفلي.’
نظرًا لأنَّ إيزار لن يشاركها غرفة نوم هذا العام.
بعدَ أن غيرت ملابسها لتناسب المناسبة، ألقت فريسيا نظرةً أخيرة على النافذة.
فقط استنشاق العطر كانَ كافيًا ليحطم قلبها.
“…هيا بنا، ثيا.”
لم يعد بإمكانها تحمل المزيد من الألم من الرائحة.
حانَ الوقت للقاء الشخص المسؤول عن حقيقة أنَّ دموعها على مدار السنوات الثلاث الماضية قد جُففت قسرًا.
—
كانت السيدة العجوز إلكترا قد حكمت كـملكة على عائلة أركتوروس حتّى قبلَ الزواج.
كانت والدة إيزار البيولوجية من عائلة نبيلة منخفضة الرتبة، بالكاد كانت في وضع يمكنها من مواجهة إلكترا.
إلكترا، معَ نساء النُبلاء الأخريات، قد “نصحتها بلُطف و بشكل غير مُباشر” عدة مرات بشأن قصورها مُنذُ أن دخلت الدوقية. و لكن، بما أنها كانت تفتقر إلى النبُل الكافي لقبول تلكَ النصائح، انتهى بها الأمر إلى الهروب معَ الثوار.
و بعدَ ذلك، أصبحت إلكترا بشكلٍ طبيعيّ الدوقة الثانية، تدير المنزل. و كانَ من الطبيعي أن تكون نساء العائلات النبيلة التابعة للدوقية مخلصات لها.
‘إذاً، لا يمكن لرعاة الغنم التافهين أن يكونوا في نفس مستواي.’
تفحصت إلكترا المرأة التي جاءت لرؤيتها.
بالطبع، كانَ مِنَ المُفترض أن تكون هذه المرأة خائفة تمامًا. فـبناءً على خلفيتها، لم يكُن مِنَ المُفترض أن تجرؤ حتّى على مواجهة سيدة بهذه المكانة!
لكن هُناكَ شيء غير طبيعي في هذه المرأة.
تصرفاتها كانت بلا شك مُهذبة للغاية، لكنها كانت هادئة بشكلٍ يثير الاستفزاز لدى إلكترا.
تحولت شفتا إلكترا الرفيعتان إلى ابتسامة متعجرفة.
“من كانَ يظُن أنني سأرى وجه من كانت ترعى الغنم هكذا. الحياة فعلاً مليئة بالمفاجآت.”
“…أنا فقط مُمتنة لقبولكم لي رغم نقصي.”
“مُمتنة؟ ها، مِنَ المُبكر أن تشكري حينما لم أقُل حتّى إنني سأقبلك.”
ضحكت إلكترا بسخرية.
لم يكُن هُناكَ داعٍ لمثل هذه المجاملات حينما كانت تخطط لجعلها تبكي و تجعلها تهرب.
“لكن إذا كُنتِ حريصةً إلى هذا الحد على الانضمام إلى هذه العائلة، هُناكَ بعض الواجبات التي يجب أن تؤديها.”
“سأتبعُ تعليماتكِ.”
“حقًا؟ إذًا، حضّري حفلة شاي لعشر سيدات خلال أسبوعين.”
بادلت إلكترا النظرات مع السيدة ميروب، مبتسمة قليلاً.
“في زماني، كُنتُ أعد كل شيء من البداية حتى النهاية بنفسي. بالطبع، يجب عليكِ فعل الشيء نفسه.”
“……”
“سأعطيكِ ميزانية، لذا قومي بأداء واجباتكِ كـدوقة جديدة.”
السيدة ميروب، الخادمة الرئيسة، كانت تكادُ تخنق ضحكتها بجانب إلكترا.
‘لتحضير حدث كامل وحدكِ من البداية، إلكترا حقًا ترفع المعايير!’
حتّى امرأة نبيلة مدربة على آداب السلوك كانت ستشعر بالتوتر إذا كُلِّفت بإدارة حدث كامل بمفردها للمرة الأولى.
التعليقات لهذا الفصل "18"