كنتُ في قاعة الشّمس،
تحديدًا في غرفة الصّور الشّخصيّة التي كنتُ أتطلّع إليها بشدّة.
كما يليق بعائلة تشتهر بجمال أفرادها، كانت جميع الصّور المعروضة تتباهى بملامح رائعة،
لكن صور طفولة الدّوق والأميرة كانت متميّزة بلا منازعٍ.
شعرٌ ذهبيّ لامع، وعيون زرقاء نابضة تميّز عائلة كلاوديوس،
بشرةٌ ناصعة، ملامح دقيقة متناغمة، وخدود متورّدة كالتّفاح النّاضج.
كدتُ أبحث خلفهما عن أجنحة ملاكٍ مخفيّة!
لكن…
‘لِمَ لا توجد صورة واحدة للدّوق وهو يبتسم؟’
على عكس الأميرة التي كانت تبتسم بإشراق، كان الدّوق، رغم صغر سنّه، يحمل تعبيرًا خاليًا من العاطفة.
الصّورة الوحيدة التي يبتسم فيها…
‘هي صورة العائلة الوحيدة.’
صورة تجمع الدّوق السّابق وزوجته مع الأخوين، جالسين جنبًا إلى جنب.
لم يبدُ الدّوق الأميرة أكبر من عشر سنوات على الأكثر.
وجه الدّوق الخالي من التّعبير، ووجهه الآخر المبتسُم بحيويّة كفتى في سنه.
شعرتُ بغرابةٍ وأنا أنظر إلى الصّورتين المتناقضتين.
‘حسنًا، لابد أنّه عانى كثيرًا.’
في القصّة الأصليّة، وُصفت تفاصيل ذلك بوضوح:
الأخوان كلاوديوس اللذان فقدا والديهما في سنّ مبكرة،
وكفاح الدّوق الصّغير الذي عمل ليل نهار لحماية العائلة.
بالطّبع، كانت تلك الماضي عنصرًا لتطوير خطّ الحبّ بين الدّوق وسيرافينا اللطيفة التي واسته، لكن…
‘آه، ما فائدة التّفكير في سيرافينا؟’
هززتُ رأسي لأطرد تلك الأفكار.
“آه، هذه الصّورة؟”
فجأة، اقتربت الآنسة الدّوقيّة منّي مسرعة ونظرت إلى الصّورة.
“رُسمت عندما كنتُ في الخامسة.”
“إذًا، الدّوق كان…”
“في التّاسعة.”
“…”
بقدر ما أعرفُ، توفّي الدّوق السّابق وزوجته في العام الذي بلغ فيه الدّوق عشر سنوات.
كم من الأحداث حدثت خلال عام واحد،
…حتّى اختفى التّعبير من ذلكَ الوجه المشرق؟
في تلك اللحظة،
“إيفا.”
نادى صوتٌ هادئ الأميرةَ.
‘آه، هذا الصّوت؟’
التفتُّ لأجد الدّوق واقفًا.
“مرّ وقتٌ طويل، يا آنسة آنسي.”
ما إن التقى نظرنا حتّى ابتسم الدّوق بعينيه بلطف.
‘آه.’
قفز قلبي فجأةً بلا إذنٍ.
اهدّء ، يا قلبي . توقّف عن هذا الجنون.
هل حقًّا يجب أن تثوري هكذا لمجرّد ابتسامةٍ جميلة؟
ألا تفكّرين بكرامةِ صاحبتكِ قليلًا؟
“أحيّي سيّدي الدّوق.”
انحنيتُ بأدب لأخفي وجهي المحمّر.
لكن الدّوق بدا متردّدًا قليلًا، وهزّ رأسه برفق:
“نحن وحدنا، لا داعي لكلّ هذا التّكلّف.”
“لكن…”
“كنتُ أظنّ، مقارنةً بالماضي، أنّني اقتربتُ منكِ قليلًا.”
تردّدتُ قليلًا، فسألني الدّوق بنبرةٍ حزينة:
“أكان ذلك مجرّد وهم منّي؟”
يا إلهي.
كيف يمكنني أن أقول “لا”،
عندما يسألني أجمل رجل في هذا العالم بكتفين منكسرتين؟
بالنّسبة لي، المعجبة به، هذا مستحيل!
“يسعدني حقًّا أن تقول هذا، سيّدي الدّوق.”
ابتسمتُ متظاهرةً بالهدوء.
“بالمناسبة، بسبب قضيّة جوستو، تأخّرتُ في شكركَ على مساعدتكَ الكبيرة. لا أعرف كيف أردّ الجميل…”
“لا، لا بأس.”
أضاف الدّوق بلا مبالاة:
“لم أساعد من أجل الشّكر في الأصل.”
همم، إذًا، هل ساعدني من أجل الأميرة؟
…لكن هذا غريب قليلًا.
مهما كنتُ أقرب صديقات الأميرة حاليًّا،
فقد تحدّى المعبد الأكبر، ووفّر فريق محامين فاخر…
‘لا، توقّفي عن إضفاء المعاني!’
أوقفتُ نفسي بسرعة وأنا أحاول إضفاء معنى على كلّ تصرّف من الدّوق.
حقًّا، إذا استمرّيتُ هكذا، سأنتهي بتخيّل زفافي مع الدّوق في رأسي!
فجأةً،
‘مهلًا؟’
أمالتُ رأسي متعجّبة.
‘ألا يبدو الدّوق متعبًا بشكلٍ غريب اليوم؟’
ظلال داكنةٌ تحتَ عينيهِ.
وبشرةً أكثر شحوبًا من المعتاد.
الجزء المخادع هو أنّه، رغم هذا التّعب، بدا أكثر جاذبيّةً بطريقةٍ متهوّرة…
“سيّدي الدّوق.”
تحدّثتُ إليه دون تفكيرٍ:
“تبدو متعبًا. هل تنامُ جيّدًا مؤخرًا؟”
“آه.”
بدت على الدّوق علامات التّفاجؤ، ومسح فمه بيدهِ بحرج.
ثم ابتسم بإحراج:
“كنتُ مشغولًا قليلًا… هل يظهرَ ذلكَ؟”
حسنًا، ليس مجرّد ظهورٍ!
دوائر سوداء تحت عينيك!
“ألا تعتقد أنّه يجب أن ترتاح قليلًا؟”
اقترحتُ بحذر بعد تردّد:
“تبدو متعبًا جدًّا.”
“لهذه الدّرجةِ؟”
“نعم. أعرف مدى مسؤوليّتك تجاه عملك، لكن الصّحة مهمّة أيضًا.”
حاولتُ إقناعه بجدّيّة:
“إذا أصبتَ بمكروه بسبب الإرهاقِ، ستتوقّف كلّ الأعمال. أليس هذا أقلّ كفاءة؟”
“نعم، نعم، لاريت محقّة.”
قفزت الأميرة فجأةً بعينين لامعتين ووافقتها
“انتَ تبدو كشبحٍ!”
تأوّه الدّوق، لكن الأميرة كانت لا تُقاوم:
“إذًا، ماذا لو ذهبنا جميعًا إلى الفيلا للاستمتاع؟”
“الفيلا؟”
“نعم! لاريت هنا في الإقليم الدّوقيّ للاستمتاعِ، وأنت بحاجة إلى الرّاحة. أليس هذا جيّدًا؟”
“أعتقد أنّ ذلك سيكون صعبًا…”
كاد الدّوق يجيب تلقائيًّا، لكنّه توقّف فجأة.
كانت الأميرة تحدّق به بنظرةٍ مخيفة.
‘لمَ تنظر إليه هكذا؟’
كانت نظرتها شديدة القسوة لدرجة أنّني، وأنا أراقب من الجانب، شعرتُ بقشعريرة…
أومأ الدّوق بسرعة:
“نعم، فكرةٌ جيّدة.”
“أليس كذلك؟ فكرةٌ رائعةٌ!”
ابتسمت الأميرة بإشراقٍ.
حتّى في ابتسامتها، شعرتُ بضغطٍ ضمنيّ يقول: “وافقِ بسرعة!”
“نعم، بالطّبع.”
“إيفا، أنتِ محقّةّ.”
أومأتُ أنا والدّوق بسرعةٍ.
وهكذا، تقرّر قضاء وقت في الفيلا بسرعة البرق.
“بما أنّنا اتّفقنا، لمَ لا نذهب بسرعةٍ؟”
هكذا زعمت الأميرة.
وغير قادرين على مقاومة حماسها، توجّهنا في اليوم التّالي مباشرة إلى فيلا كلاوديوس.
كانت الفيلا قصرًا صغيرًا من طابقين، يقع بالقرب من بحيرة كبيرة.
القصر، المبنيّ من الطّوب الورديّ، بدا كمنزل خرافيّ تسكنه الجنّيّات.
“يا إلهي، إنّه رائعٌ جدًّا.”
أشرقت عيناي وأنا أنظر حولي.
كانت أوراق الشّجر الملوّنة أكثر تألّقًا من الأزهار المتفتّحة.
خلف القصر، امتدّت تلّة منخفضة مغطّاة بأوراق الشّجر الحمراء، كأنّها تشتعل.
“هل أعجبكِ؟”
“بالطّبع! إنّه رائع!”
أجبتُ بحماسٍ كبير على سؤال الآنسة الدّوقيّة.
لكنّ شيئًا واحدًا كان يشغل بالي…
‘هل الدّوق بخير حقًّا؟’
رمقتُ الدّوق بنظرةٍ جانبيّة.
كانت الظّلال تحت عينيه أغمق من الأمس بكثير.
‘يبدو مرهقًا جدًّا.’
بصراحة، مع حجم العمل الذي يقوم به، من المدهشٓ أنّه لم ينهار بعد.
هل أجهد نفسه أكثر بسبب قدومِه إلى الفيلا؟
بينما كنتُ أراقبه بنظرة متشكّكة،
‘آه.’
توقّفتُ فجأةً.
كأنّه شعر بنظرتي، نظر الدّوق إليّ مباشرة.
ما إن التقى نظرنا، حتّى ابتسم لي بعينيه بلطف:
“يسعدني أنّ الفيلا أعجبتكِ.”
أجبتُ متظاهرةً بالهدوءِ:
“كلّ ذلك بفضل الأميرة وسيّدي الدّوق.”
فجأةً، عبست الأميرة:
“الأميرة؟ اتّفقنا أن تناديني إيفا!”
“لكن، لسنا وحدنا، الدّوق موجود أيضًا…”
بررتُ موقفي بسرعةٍ.
أليس كذلك؟
عندما نكون أنا والأميرة وحدنا، لا بأس بالتّحدّث بأريحيّةٍ، لكن مع وجود الدّوق، يجب أن أحترم الأدب…
“هذا محزن.”
ماذا؟
التفتُّ إلى الدّوق بدهشة.
أضاف الدّوق بمرح:
“يبدو أنّني لستُ جزءًا من ‘نحن’ التي تتحدّثين عنها، يا آنسة آنسي.”
رغم نبرته المرحة، كان هناك شيءٌ لاذع في كلامه.
“هذا…”
تردّدتُ، غير عارفة كيف أردّ، وخفّفتُ من حدّةِ كلامي.
ابتسم الدّوق بعينين ساحرتين وسألني:
“ألا يمكنني أن أكون جزءًا من ‘نحن’؟”
“…..”
في تلك اللحظة، شعرتُ كأنّ قلبي سقطَ إلى الأرضِ.
التعليقات لهذا الفصل " 95"