أظلمت رؤيتي.
لمّا لامست المنشفة الدّافئة الرّطبة عينيّ، بدأ جسدي، الّذي كان متصلبًا من الجلوس طوال اليوم، يرتخي قليلًا.
“كيف تشعر؟”
“جيّد.”
“أليس كذلك؟ الكمّادات الدّافئة رائعة حقًّا. لقد جرّبتها مع لاريت عدّة مرّات، وهي تُزيل التّعب فعلًا. هذه المرّة…”
بدأت إيفانجلين تثرثر بحماس.
تردّد ديتريش للحظة، ثم فتح فمه:
“إذًا، كيف حال الآنسة آنسي؟”
عند هذا السّؤال، نظرت إيفانجلين إلى أخيها بعينين لامعتين.
ولا عجبَ في ذلك.
‘أخي ولاريت، كلاهما يهتمّ بأخبار الآخر!’
ربّما مشروع “جعل لاريت جزءًا من العائلة” ليس بعيد المنالِ؟
كتمت إيفانجلين ضحكتها وأجابت بسرعةٍ:
“بالطّبع، أنا أصطحبها معي، أطعمها أشهى الأطعمة، أرافقها لمشاهدة المناظر الجميلة، وأتأكّد من راحتها.”
“حقًّا؟ أحسنتِ.”
ابتسم ديتريش بهدوء.
كان يعلم كم عانت لاريت نفسيًّا بسبب قضيّة زواج عائلة الكونت جوستو.
‘لكن عندما رأيتها من بعيد مؤخرًا، بدت بشرتها أفضل…’
في تلك اللحظة،
ألقت إيفانجلين قنبلة:
“هل تعلم؟ لاريت كانت قلقةً عليك.”
نهض ديتريش فجأةً.
“الآنسة آنسي؟”
طق.
سقطت المنشفة من وجهه.
نظرت إيفانجلين إلى المنشفة بعينين متضيّقتين، ثم سألت بمكر:
“أوه، هل يُسعدك أنّ لاريت قلقةٌ عليكَ؟”
“ليس هذا…”
حتّى نفيه المتسرّع كان مشابهًا لها.
‘يقولون إنّ المحبّين يتشابهون…’
ابتسمت إيفانجلين بمرح وهي تحدّق بأخيها.
شعر ديتريش بالحرجِ وعبس:
“لمَ تنظرين إليّ هكذا؟”
“فقط لأنّني أرى نواياكَ بوضوحٍ.”
“لا أعرفُ عمّ تتحدّثين.”
احمرّ وجه ديتريش، لكنّه أصرّ على التّنصّل.
نظرت إليه إيفانجلين بذهول:
“أخي، إذا كنتَ ستنكر، فلا تُظهر ردّة فعلٍ واضحةً!”
“ماذا؟”
نقرت إيفانجلين خدّها بسبّابتها بمكر:
“وجهكَ محمّرٌ جدًّا.”
“…”
فتح ديتريش فمه بصدمة دون صوت.
‘يا للمسكين…’
لم ترغب إيفانجلين في مواصلة هذا النّقاش العقيم، فهزّت كتفيها وغيّرت الموضوع:
“على أيّ حال، قالت إنّك تبدو مشغولًا جدًّا، وتساءلت إن كنتَ تُجهد نفسك.”
“حقًّا.”
حاول ديتريش الرّد بهدوء.
لكنّه لم يستطع التحكّم بدقّات قلبه المتسارعة،
فاستقام في جلسته متظاهرًا باللامبالاة.
سألت إيفانجلين مجدّدًا:
“بما أنّ لاريت جاءت إلى الإقليم الدّوقيّ، ألا يجب أن تُظهر وجهك ولو مرّة؟”
“أودّ ذلك، لكنّ الأعمال كثيرة جدًّا…”
“أوه، حقًّا؟ ستظلّ تعمل حتّى تموت!”
وبّخت إيفانجلين بنبرةٍ متبرّمة، ثم تنهّدت بعمق.
“لهذا عرضتُ مساعدتك.”
عندما وصلت إلى الإقليم الدّوقيّ أوّلًا،
حاولت إيفانجلين تخفيف بعض أعباء أخيها.
بالطّبع، مساهمتها ستكون محدودةً، لكنّها أفضل من عدم فعل شيء.
لكن ديتريش رفض:
“الآنسة آنسي هنا للاستمتاع.”
“نعم؟ لكن مساعدتكَ قليلًا…”
“لا داعي. يجب معاملة الضّيوف جيّدًا.”
هزّ ديتريش رأسه وابتسم بعينيه:
“ركّزي فقط على جعل إقامة الآنسة آنسي مريحةً.”
كانت نظرته باردة وهو ينهي كلامه:
“يبدو أنّ الآنسة آنسي عانت كثيرًا نفسيًّا بسبب ابن جوستو.”
حدّقت إيفانجلين بأخيها بسخطٍ.
ما فائدة اهتمامه بلاريت من بعيد،
إذا لم يتمكّن حتّى من الاقتراب منها!
‘حقًّا، لو كان أكثر جرأة قليلًا.’
هزّت إيفانجلين رأسها في سرّها وتحدّثت:
“بالمناسبةِ، غدًا سأذهب أنا ولاريت لزيارة قاعة الشّمس وقاعة القمر.”
إذا كانت هناك قاعة النّجوم في منزل العاصمة، ففي قلعة الدّوق الرّئيسيّة توجد قاعة الشّمس وقاعة القمر.
قاعة القمر مكان لعرض الأعمال الفنّيّة الثّمينة، مشابهة لقاعة النّجوم.
أمّا قاعة الشّمس فتضمّ أعمالًا فنّيّة مختارةً بعنايةٍ تتعلّق بعائلة كلاوديوس الدّوقيّة.
“إذا أردت، تعالَ. مفهوم؟”
أنهت إيفانجلين كلامها بحزمٍ، ثم مشت بخفّة نحو الباب كأنّها أنهت مهمتها.
طق.
أُغلق الباب.
“ها…”
حدّق ديتريش في الباب المغلق بذهول، ثم أطلقَ ضحكة خافتة.
لو لم يعرف، لكان الأمر مختلفًا، لكن كيف يمكنه ألّا يذهب الآن وقد عرفَ؟
“…”
نظر ديتريش إلى الأوراق المتراكمة على مكتبه بعزيمة.
كان مصمّمًا على إنهائها بحلول صباح الغد.
—
في صباح اليوم التّالي،
“لاريت، هيّا بسرعة!”
حثّتني الأميرة وهي تكاد لا تكمل إفطارها.
‘لمَ هي مستعجلةٌ هكذا؟’
شعرتُ ببعض الحيرة.
إذا فكّرنا في الأمر، أنا من تهتمّ بالفنّ، بينما الأميرة تملكُ معرفةً أساسيّةً فقط كجزء من ثقافة النّساء النّبيلات،
لكنّها ليست مهتمّة كثيرًا بالفنّ…
“قاعة القمر تعرض أعمالًا فنّيّة مثل قاعة النّجوم، أمّا قاعة الشّمس فتجمع الأعمال الفنّيّة المرتبطة بعائلة الدّوق.”
يا إلهي.
أُعجبتُ داخليًّا.
أن يخصصوا مكانًا للأعمال الفنّيّة المرتبطة بالعائلةِ الدّوقيّة!
في النّهاية، بعض الفنّانين اشتهروا بفضل تكليفات من كلاوديوس.
“في قاعة الشّمس، هناك غرفة للصّور الشّخصيّة تجمع لوحات الأفراد المباشرين من العائلة…”
اقتربت الأميرة منّي وبدأت تشرح بحماس.
لمعَت عيناي فجأة:
“إذًا، هل هناكَ صورةً لكِ وللدّوق؟”
“نعم، أليس كذلك؟”
يا إلهي، طفولة أخوَي كلاوديوس!
رمقتُ الأميرة بنظرة جانبيّة عفويّةٍ.
وردة المجتمع الأكثر تألّقًا، التي وُصفت في القصّة الأصليّة كواحدة من أجمل نساء العاصمة.
‘حسنًا… كلمة “القصّة الأصليّة” لم تعد ذات معنى.’
لم تكن الشّريرة المتغطرسة الموصوفة في القصّة موجودة.
بدلاً من ذلك، كانت أنيقةً ومتعالية، لكنّها تُشبه قطّة ودودة تتقرّب من النّاس…
‘من قال إنّ أميرتنا شرّيرةٌ؟’
شعرتُ بالضّيقِ فجأة، وأنا أفكّرُ بغضب،
فنظرتُ إليّ الأميرة بعينين مستديرتين بريئة:
“لمَ تنظرين إليّ هكذا؟”
“لا شيء.”
هزّتُ رأسي متظاهرةً باللامبالاة.
لكنّ قلبي كان قد انتفخ بالتّوقّعات كالبالون.
‘لا، لكن فكّري في الأمر.’
إذا كان الأخوان بهذا الجمال الآن، فكيف كانا لطيفين وجميلين ومحبوبين في طفولتهما؟
بعد قليل،
“يا إلهي، إيفا…”
غطّيتُ فمي بيديّ بدهشة.
“بالطّبع، إيفا جميلة جدًّا الآن، لكن في طفولتها، كنتِ كالملاكِ…”
“حسنًا، أنا جميلةٌ قليلًا، أليس كذلك؟”
ابتسمت الأميرة.
لكن حتّى هذا التّفاخر بجمالها لم يُثر أيّ استياء.
‘بالطّبع، للـ أميرة كلّ الحقّ في أن تكون واثقةً .’
بل كنتُ متأكدةً بشأنِ هذا !
التعليقات لهذا الفصل " 94"