أومأت إيفانجلين برأسها.
“همم، إذا كنتَ تعتقد ذلك…”
تردّد صوت قضم البسكويت للحظات فقط.
بعد ذلك،
مدّت إيفانجلين يدها نحو طبق البسكويت مجدّدًا، وتمتمت بنبرةٍ ساخطة:
“على أيّ حال، ألم يتخلَّ الكاهن الأعلى إيفانز تمامًا عن هذه القضيّة؟”
“…”
في تلك اللحظة، تشكّلت تجاعيد خفيفةٌ على جبينِ ديتريش.
كان الأمر كما قالت بالضّبط.
لقد تسلّل إيساك من الموقفِ كالثّعبان الزلق.
كانت هناك مبادئ تقضي بأنّ رجال الدّين لا يتدخّلون في نزاعات النّبلاء، وأنّ عليهم الحفاظ على الإيمان، وحماية أسرار من يعترفون بذنوبهم.
وزعم إيساك أنّه لم يكن يعلم بوجود خطأ في الأوراق.
“لم أتحقّق من وثيقة تسجيل الزّواج بعيني، بل تلقّيت تقريرًا فقط يفيد بوصول الوثيقة.”
غلّف وجهه الأنيق ظلٌّ داكن.
“أنا حقًّا آسف. كان يجب أن أكون أكثر دقّةٍ في التّحقّق…”
كما حمى المعبد إيساك بنشاط.
فإذا كان إيساك مخطئًا في هذه القضيّة، فسيكون ذلك خطأ المعبد نفسهُ.
بالطّبع، لم تكن الجهود بلا نتيجة.
تمّ تقديم شكوى إلى المعبد الأكبر، فأعاد المعبد الأكبر القوانين إلى سابق عهدها.
عاد النّظام القديم الذي يُلزم بإظهار الوثائق للأطراف المعنيّة عند التحقّق منها.
لكن…
‘ما زال هناكَ شيءٌ مقلق.’
فكّرت إيفانجلين للحظة في دهاء إيساك، ثم هزّت رأسها ونهضت.
‘حسنًا، لا فائدة من التّفكير في هذا.’
كما كان من المستحيل على إيفانجلين، حتّى لو ماتت وعاد لها الحياة، أن تفهم سيرافينا، كذلك كان الحال مع إيساك.
طريقة تفكيرهم متخلفةٌ تمامًا.
(ميري: ما تحملت ما أغيرها، الأصل مُختلفة)
‘كان هكذا منذ الصّغر.’
إذا أردنا التّعبير بلطفٍ، فهو عقلانيّ، أمّا إذا كنّا صريحين قليلًا، فهو غير إنسانيّ بشكلٍ مفرط.
‘كان يقرأ كتابه بهدوءٍ بينما كنت أبكي أمامه.’
مهما كانت الدّراسة مهمّة، إذا كان هناك طفل يبكي أمامك، فمن المتوقّع أن تُلقي نظرةً عليه على الأقلّ.
لكن إيساك في ذلك الوقت كان يعامل إيفانجلين كما لو كانت غير موجودة.
على الجانب الآخر، نظر ديتريش إلى أخته الصّغرى بحيرة.
“إلى أين؟”
“ها؟ إلى منزل لاريت بالطّبع.”
نظرت إليه إيفانجلين بعينين متضيّقتين، كأنّها تتساءل عن سبب سؤاله الواضح.
“اليوم يومٌ مفرح، أليس كذلك؟ سأحتفل معها.”
“…”
توقّف ديتريش للحظة.
في الحقيقة،ِ
‘…أودّ رؤية وجه الآنسة آنسي ولو لمرّة.’
منذ اليوم الذي زارا فيه المعبد الأكبر معًا، نادرًا ما تحدّث مع لاريت بجدّيّةٍ.
كانت لاريت مشغولة بالدّعاوى القضائيّة وغيرها،
وديتريش أيضًا كان منهمكًا في تولّي منصب الرّئيس وطرد عائلة الكونت جوستو.
فجأة، نظرت إيفانجلين إلى ديتريش مباشرة،
“ما الّذي يحدث؟ هل تريد الذّهاب معي؟ أليس كذلك؟”
ابتسمت بخبثٍ وهي تطرح السّؤال.
“…لا تتفوّهي بترّهات واذهبي بسرعة.”
شعر ديتريش بأنّها أصابت نقطة حسّاسة، فوبّخها بنبرةٍ متبرّمةٍ.
لكن إيفانجلين، وبوجهٍ جادّ نادر، قالت:
“أخي، قد تحتاج إلى أن تكون أكثر صراحةٍ.”
نصحتهُ بهذا.
“…”
في تلك اللحظة، انعقد لسان ديتريش.
لو كانت هذه حالته المعتادة، لكان قد وبّخها قائلًا:
“ما هذه الفظاظةُ ؟”
…لكن شفتيه التصقتا كما لو كانتا مُلصقتين بالغراءِ.
“حسنًا، سأذهب إذًا.”
ابتسمت إيفانجلين بعينيها، ثم أضافت كما لو تذكّرت شيئًا:
“آه، بالمناسبة، سآخذ زجاجة شمبانيا من قبو النّبيذ، حسنًا؟”
بهذا،
غادرت إيفانجلين الغرفة بخطواتٍ خفيفة.
ظلّ ديتريش وحيدًا، يتأمّل كلمات إيفانجلين بهدوء.
“أن أكون أكثر صراحة… قد يكون ذلك ضروريًّا.”
ضربتَ كلماتها قلبه بطريقةٍ غريبة.
الفصل السابع: أوراق القيقب في كلاوديوس
إقليم كلاوديوس الدّوقيّ.
مركز الشّمال ونقطة ارتكازه، المدينة التي تحكمها عائلة كلاوديوس، العائلة الدّوقيّة الوحيدة في الإمبراطوريّة.
بفضل ثروتها الهائلة، تطوّرت هذه المدينة لتضاهي العاصمة دون أيّ نقصان.
تُلقّب المدينة بـ”ياقوت الشّمال”، وهو اسم مستوحى من العيون الزّرقاء المميّزة لعائلة كلاوديوس.
وفي قلعة الدّوق، المقرّ الرّئيسي لكلاوديوس، كنتُ أنا… لاريت
“هااا…”
تنفستُ الصعداء َ بحماسٍ، بينما كنتُ غارقةٌ في ماءٍ ساخن.
“ما رأيكِ في درجة حرارة الماء؟”
سألتني الخادمة التي تُساعدني في الاستحمام بأدب.
ابتسمتُ بلطفٍ
“مثاليّةٌ.”
“هذا رائع. هل تودّين تدليكًا؟”
“سيكون ذلك لطيفًا.”
أومأت برأسي، فأمسكت الخادمة بيدي وساعدتني على النهوض.
تشااا!
تدفّق الماء السّاخن من جسدي.
لفّت الخادمة شعري الطّويل بمنشفة بمهارة، ثم قادتني إلى سرير التّدليك الطّويل.
استلقيت على بطني، فتدفّق زيت عطريّ بارد على ظهري العاري بشكلٍ ممتع.
بدأت الخادمة بفركِ ظهري بحركاتٍ بارعة.
“هاااا…”
انطلقت تنهيدةٌ مريحة أخرى.
استسلمتُ لأيديها المُدلّكة، وتذكّرت مجدّدًا لماذا أُعامل بهذا التّرف في قلعة كلاوديوس الدّوقيّة.
لم يمضِ وقتٌ طويل منذ انتهاء قضيّة غريجوري.
كنتُ غارقةً في التّفكير العميق.
‘الآن وقد فكّرت في الأمر، لقد استدانت عائلة كلاوديوس الدّوقيّة الكثير من الجميل هذه المرّة.’
من التحقّق من وثيقة تسجيل الزّواج في المعبد الأكبر، إلى فريق المحامين الذي وفّروه لي.
صراحةً، لولا مساعدة كلاوديوس، لكان من الصّعب عليّ التّغلب على هذه العقبات وحدي.
“كيف يمكنني ردّ هذا الجميل…”
تمتمت لنفسي دون وعي.
فجأة،
“جميل؟”
أميرة الدّوقيّة، التي كانت تتناول دوائرَ الكعكِ المُزيّن بالجبن والفواكه مع رشفة من الشّمبانيا،
أطلّت بوجهها فجأة أمامي.
“ما الجميل؟”
“آه، حسنًا.”
ابتسمتُ بإحراج.
“في قضيّة غريجوري هذه، ساعدني الدّوق والآنسة الدّوقيّة كثيرًا. أودّ ردّ الجميل ولو قليلًا…”
“أوه، بيننا لا داعي لهذا.”
لوّحت الآنسة الدّوقيّة بيدها بخفّةٍ.
“فقط استمرّي في التمتعِ معي كما كنتِ… آه، صحيح.”
فجأة، فتحت عينيها على وسعهما ونظرت إليّ.
“لمَ لا تأتين معي إلى الإقليم الدّوقيّ؟”
“الإقليم الدّوقيّ؟”
“نعم، موسم الحصاد يقترب. حان الوقت لزيارة الإقليم لتفقّد المحاصيل.”
واصلت الآنسة الدّوقيّة بحماسٍ:
“في المرّة السّابقة، زرنا إقليم آنسي ، أليس كذلك؟ لذا هذه المرّة، هيا نذهب للّعب في الإقليم الدّوقيّ، حسنًا؟”
“حقًّا؟ لكن ألا يجب عليكِ تفقّد المحاصيل؟”
“أوه، مهما كنتُ مشغولةً، ألا يمكنني تخصيص وقت للّعب مع لاريت؟”
نقرت الآنسة الدّوقيّة بلسانها، ثم وضعتَ يديها على صدرها بعينين حالمتين.
“سنذهب معًا إلى مطاعم رائعة، ومقاهٍ جميلة، وسنتسلّى في الفيلا… ألا يبدو ذلك ممتعًا؟”
كان الأمر كما لو أنّ الإجابة محدّدة مسبقًا، وعليّ فقط أن أوافق.
سألت بحذر:
“لكن، ألا يجب أن يوافق الدّوق أوّلًا؟”
“أوه، ما هذا؟ أنا الأميرة كلاوديوس. يمكنني دعوة ضيف إلى منزلي كما أشاء.”
ضربت الأميرة الدّوقيّة صدرها بثقةٍ، ثم أضافت بابتسامة ماكرة:
“وعلاوة على ذلك، أخي لن يرفض أبدًا.”
كان الأمر كما قالت الأميرة تمامًا.
وصلتُ إلى الإقليم الدّوقيّ، وها أنا أعيشُ حياةً مترفة…
“…آنسة.”
“…”
“الآنسة آنسي!”
ها؟
رفعتُ جفوني فجأة.
يبدو أنّني غفوت أثناء التّدليك.
انحنت الخادمة وقالت:
“انتهى التّدليك. سأساعدكِ في غسل جسدكِ.”
“شكرًا.”
بعد تنظيف الزّيت العطريّ تمامًا،
ارتديتُ فستانًا داخليًّا مريحًا وخرجت.
كانت الأميرة، التي انتهت من التّدليك قبلي، تنتظرني وهي تشرب عصيرًا باردًا.
“ما الّذي يحدث؟ لماذا تأخّرتِ هكذا؟”
اقتربت الآنسة الدّوقيّة منّي بخطواتٍ سريعةٍ، وتذمّرت بشفتين منتفختين.
التعليقات لهذا الفصل " 92"