بما أنّ الحديث قد بدأ، توجهَ الاثنان مباشرةً إلى المعبد.
أدركت لاريت مرّة أخرى نفوذ عائلة كلاوديوس.
“ألا تعتقد أنّ التعاون بهدوءٍ الآن سيكون أفضل؟”
اقتحم ديتريش القاعة الرئيسيّة مباشرة، واقترح ذلك دون أن يرفّ له جفن.
“من أجل العلاقة الطويلة الأمد والوديّة بين كلاوديوس والمعبد.”
كانت كلماتهُ شبه تهديدٍ.
أمام اقتحام الدوق كلاوديوس المفاجئ، لم يتمكّن الكاهن الثاني، الذي استُدعي فجأًةً، من إخفاءِ ارتباكه.
“ما الذي تريده عائلة الدوق بالضبط…؟”
“حسنًا، الآنسة آنسي هي أعزّ صديقات أختي الصغرى.”
أجاب ديتريش بهدوء، كما لو أنّه يذكر حقيقة بديهيّة.
“إذا جُرّت الآنسة آنسي إلى زواج لا معنى له، ستحزن إيفا كثيرًا. وعلاوة على ذلك…”
فجأة، انخفض صوت ديتريش.
“سأكون غاضبًا جدًا أيضًا.”
“….”
شعر بالضغطِ كما لو أنّ عنقه يُخنق.
ابتلع الكاهن الثاني ريقهُ دون قصد.
والأهم من ذلك، أن يذكر ديتريش صراحة أنّه سيكون “غاضبًا”…
‘هل يعني هذا أنّ الدوق كلاوديوس يعتبر الآنسة آنسي بهذه الأهميّة؟’
كان يعتقد أنّها مجرّد آنسة عاديّة استطاعت بمحض الصدفة أن تصبح صديقةً للـ أميرة.
تدفّق العرق البارد على ظهر الكاهن الثاني.
أشار ديتريش بكتفيه بتبجّح واضح:
“لا أحبّ رؤية شخص مرتبط بعائلتنا يعاني من المتاعب.”
“….”
في هذه الأثناء، شعرت لاريت بتأثّر في قلبها.
“شخص مرتبط بعائلتنا.”
هذه الكلمات بحدّ ذاتها تعني أنّ الدوق كلاوديوس وأخته يعتبران لاريت قريبةً جدًا منهما.
لكن…
‘ليس هذا وقت التأثّر.’
استجمعت لاريت أفكارها بسرعة وتحدّثت ببرود:
“أريد التحقّق من وثيقِة الزواج الآن. هل هذا ممكن؟”
بعد ذلك،
رفعت لاريت دعوى قضائيّة ضد عائلة جوستو بتهمة تزوير وثيقةٍ رسميّةٍ.
كانت وثيقة الزواج المقدّمة إلى المعبد، كما هو متوقّع، خالية من ختم مجلس النبلاء.
عيّنت عائلة كلاوديوس فريقًا من المحامين المشهورين لدعم دعوى لاريت.
غضب الإمبراطور:
“كيف يجرؤون على تزوير وثيقة رسميّة تثبت العهد مع الدولة!”
الوثائق الرسميّة والضرائب كانت مجالات تخضعُ مباشرة لسلطة الدولة.
تزوير وثيقة رسميّة كان بمثابة إهانة علنيّة للدولة، بل وللعائلة الإمبراطوريّة.
بفضل غضب العائلة الإمبراطوريّة ودعم فريق المحامين الموهوب من كلاوديوس، تمكّنت لاريت من الحصول على تعويضاتٍ ضخمة.
في هذه الأثناء، أُلغيت جميع خطوبات عائلة جوستو بسبب هذه الدعوى.
“أنتَ! أنتَ!”
صرخ الكونت الصغير جوستو على أخيه، وهو يصيح بغضب:
“لقد دمّرت عائلتنا بالكامل!”
أرسلت عائلة ليونيل الكونتيّة إعلانًا بفسخ الخطوبة، قائلة إنّه لا يمكنها الارتباط بزواج مع عائلةٍ غير أخلاقيّة.
لم تتمكّن عائلة الماركيز بوسيجور من الهروبِ من العقابِ أيضًا.
في البداية، ادّعى الماركيز:
“لم أكن أعلم! الكونت جوستو وصل إلى الختم سرًا واستخدمهُ.”
“لو كنتُ قد تعاونت، ألم يكن من المفترض أن أضع الختم على كلا نسختي وثيقة الزواج من البداية؟”
لكن هنا، أطلق الكونت جوستو، الذي أعمته الغضب، تصريحًا مدمّرًا:
“من الذي سدّد ديون القمار للسير راوول؟!”
وهكذا، انخرطت العائلتان في معركةٍ موحلة، كلّ منهما يسحب الأخرى إلى القاع.
وسارا جنبًا إلى جنبٍ نحو الانهيار.
تشبّث الماركيز بوسيجور بديتريش، كمن يتمسّك بقشّة:
“ألم تقل إنّك ستمنحني بعض التساهل؟!”
“حسنًا، لقد منحتك التساهل بعدم تقديمٍ شكوى مباشرة ضد عائلة الماركيز بوسيجور…”
أسكت ديتريش الماركيز بابتسامةٍ ناعمة.
“أو كنتَ تقصد أنّ عليّ إسكات الكونت جوستو أيضًا؟”
لم يكن هذا هو النهاية.
في خضمّ ذلك، تلقّت عائلة جوستو الضربة الأكبر:
“تصويت لصالح أو ضدّ الطرد الدائم لعائلة جوستو من مجلس النبلاء.”
تولّى ديتريش، الذي خلف منصب الرئيس الشاغر، قرار طرد عائلة جوستو نهائيًا من المجلس.
وكان هو من اقترح هذا البند.
“التصويت سريّ، ولن يكون هناك أيّ ضغطٌ.”
نظر ديتريش إلى النبلاء بنظرة صلبة.
“لذا، أرجو أن تصوّتوا بحرّية.”
كانت النتيجة: 95 صوتًا مؤيدًا، وصوت واحد معارض.
الصوت المعارض كان، بالطبع، من عائلة جوستو.
بالنسبة لعائلة نبيلة، الطرد الدائم من مجلس النبلاء كان عارًا هائلاً.
يُعتبر المجلس مكانًا لمناقشة شؤون الإمبراطوريّة، وحضوره بحدّ ذاته يعني الاعتراف بشرعيّةِ العائلة كنبلاء.
الطرد منه يعني إعلانًا رسميًا بأنّ “هذه العائلة لم تعد موثوقة”.
“ما هذا…؟!”
عند رؤية نتيجة التصويت، صرخ الكونت جوستو وهو يفقد أعصابه، لكن لم يكن بإمكانه قلب النتيجة.
وهكذا، خسرت عائلة جوستو كلّ نفوذها في لحظةٍ.
اختفى تبجّحهم، وكانت نهايتهم بائسةً حقًا.
* * *
“ها، شعورٌ منعش.”
بعد أن سمعت إيفانجلين كلّ تفاصيل الأحداث، ضحكت بسخريةٍ وهي في غاية الرضا.
“لماذا استفزّوا لاريت إذن؟ كان يجب أن نضربهم بقوّةٍ على رؤوسهم.”
“رؤوسهم؟ تحدّثي بأدب، من فضلك.”
وبّخها ديتريش، لكن إيفانجلين فتحت عينيها على وسعهما ونظرت إليه:
“أسمّي الرأس رأسًا، ماذا تريدني أن أقول؟”
“إيفا.”
“أليس كذلك؟ تسميتهم ‘رؤوس’ تعبير راقٍ جدًا عن أشخاص مقزّزين مثلهم.”
بينما كانت تطلق سيلًا من الكلمات القاسية،
ألقت إيفانجلين نظرة خاطفة على ديتريش:
“بالمناسبة، ما الجديد؟ أنتَ تتولّى منصب الرئيس؟”
“لماذا؟ هل هذا غريب؟”
“ليس غريبًا بالضرورة، لكنك قلت سابقًا إنّك لن تتولّى منصب الرئيس، أليس كذلك؟ ماذا كنت تقول…”
أدارت إيفانجلين عينيها بتفكير.
“إنّ امتلاك عائلة الدوق لسلطة كبيرة جدًا ليس جيّدًا من حيث المظهر. أليس كذلك؟”
أومأ ديتريش برأسه بسهولة:
“حسنًا، كنتُ أفكّر هكذا في ذلك الوقت.”
“هل هناك سبب لتغيير رأيك؟”
امتلأ وجه إيفانجلين بالفضول.
في تلكَ اللحظة،
تذكّر ديتريش فجأة صورة لاريت في المعبدِ.
في المعبدِ، عندما تلقّت لاريت لتوّها وثيقة الزواج التي لم تُختم بختم الرئيس.
طق.
سقطت دمعةٌ كبيرةٌ على الوثيقةِ .
“آه، آسفة. لم أقصدَ أن أفعلَ هذا…”
كانت لاريت أكثر ارتباكًا من ديتريش نفسه.
مسحت عينيها المبلّلتين بسرعةٍ، وعضّت شفتيها محاولةّ كبح بكائها،
لكن السدّ العاطفي الذي انهار لم يكن ليُستعاد بسهولة.
بدا وجهها وحيدًا للغاية.
كما لو أنّها تُركت وحيدةً في هذا العالم…
‘الآنسة آنسي.’
مدّ ديتريش يده إليها دون وعيٍ.
لمست أطراف أصابعه المتردّدة كتف لاريت.
ارتجفت لاريت للحظة، ثمّ رفعت عينيها إلى ديتريش بهدوء.
“كلّ شيءٍ على ما يرامٍ.”
ربت ديتريش على كتف لاريت بحذر.
“كلّ شيءٍ بخيرٌ…”
في الوقت نفسه، تدفّقت الدموع على خدّيها البيضاوين بإنهمارٍ، معلنةً بسدٍ قد أنهارَ.
غطّت لاريت وجهها بيديها، وبدأت تنتحب بشدّةٍ دون توقّف.
شعور كتفيها النحيلتين وهما ترتجفان بين الحين والآخر كان لا يزال عالقًا في يدهِ.
“….”
نظر ديتريش إلى كفّ يده بهدوءٍ وإجتاحتهُ أفكارُ الماضي ، ثمّ أغلق قبضتُه بقوّة وتحدّث:
“فقط، بدا لي أنّني كنتُ مخطئًا في تفكيري حتى الآن.”
من خلال تجربة لاريت، أدركَ شيئًا.
للحفاظ على الأشخاص المهمّين، لا يجب التردّد أمام أيّ وسيلة.
لذلك، قرّر ديتريش الآن أن يمسك بطمعٍ بكلّ ما تستطيع يداه الوصول إليه.
كلّما زاد ما يملكه،
كان ذلك سيجعل حماية لاريت أكثر سهولةٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 91"