“أسبوع واحد، لا أكثر. هل فهمتَ؟”
“نعم، سنبذل قصارى جهدنا.”
خرج المُساعد، الذي بدا وكأنه على وشك البكاء، بسرعة إلى الخارج.
نظر ديتريش إلى ظهره، وهو يضع يده على جبهته ويطلق زفرة طويلة:
“…هوو.”
كان ذلك متوقّعًا،
فقد كانت أعصابه مشدودةً باستمرار مؤخرًا.
‘هل يجب أن أظلّ أراقب الآنسة آنسي وهي تتورّط مع وريث جوستو هكذا؟’
حتى لو رفضت الزواج وتابعت دعوى طلاق،
فسيستغرق الأمر ثلاث سنوات على الأقل.
خلال هذه العمليّة،
ستُمزّق سمعة لاريت إربًا.
بالطبع،
كان ديتريش يعلم أنّ لاريت ليست من هذا النوع،
ولم يكن يهتمّ بهذه الأمور على الإطلاق.
لكن بالنسبة للمعنيّة نفسها،
سيكون الوضع مختلفًا تمامًا.
‘…يجب أن أجد طريقة لضمان عدم إيذاء الآنسة آنسي.’
لم يكن هناك أيّ مؤشر على حلّ الوضع.
وهكذا،
بينما كان مزاج ديتريش يزداد حدّة يومًا بعد يوم،
ظهرت فجأة خيوط مفاجئةً.
وكان مصدر هذه الخيوط هو…
اجتماع دوري لمجلس النبلاء.
كان اجتماعًا يحضره رؤساء العائلات المسجّلة في سجلّ النبلاء،
لمناقشة شؤون الدولة.
من حيث المبدأ،
يمكن لأيّ رئيس عائلة حضور الاجتماع،
لكن بما أنّ العديد من النبلاء يقيمون في أراضيهم الإقليميّة،
كان عدد الحاضرين متقلّبًا.
واليوم،
ظهر شخص لم يحضر منذ زمن طويل.
“مباركَ، يا كونت جوستو!”
“ابنك الثاني سيتزوّج أخيرًا؟”
توقّف ديتريش، الذي كان يدخل قاعة الاجتماع بخطوات متسرّعة، فجأة.
‘…من هذا الرجل؟’
كان الكونت جوستو، بابتسامة تمتدّ من أذن إلى أذن،
محاطًا بالناس يتلقّى التهاني.
بينما كان ديتريش يراقب هذا المشهد:
“….”
شعر برغبةً عارمة في توجيه لكمة إلى وجه الكونت المتلألئ.
“سمعت أنّ الآنسة آنسي ووريث جوستو قد فسخا خطوبتهما،
لكن يبدو أنّها كانت مجرّد إشاعات.”
“بالضبط. من كان يظنّ أنّهما أكملا تسجيل الزواج بهدوءٍ هكذا؟”
شعر ديتريش مرّة أخرى بمزاجه يهبط إلى القاع.
لم يكن أحد في هذه القاعة يأخذ موقف لاريت بعين الاعتبار.
“لم أوافق على تسجيل الزواج.”
تذكّر عينيها المتوسّلتين وهما تنظران إليه،
وصوتها المرتجف.
غرقت عينا ديتريش في برودة قارسة.
لكن في تلك اللحظة:
“ما الذي تتحدّثون عنه بكلّ هذا الحماس؟”
رنّ صوت مرح.
في الحال،
أدّى النبلاء التحيّة.
“أهلاً بكَ، سيدي الرئيس.”
“لقد وصلتم.”
“ههه، كلّها وجوه مألوفةً نراها دائمًا!”
ردّ الماركيز بوسيجور، رئيس مجلس النبلاء،
على تحيّات النبلاء بضحكة ودودة.
ثمّ،
وقعت عينا الماركيز على الكونت جوستو.
“لم أرك منذ زمن، يا كونت جوستو.”
مدّ الماركيز بوسيجور يده نحو الكونت بأسلوب وديّ للغاية.
“تعالَ إلى العاصمة أكثر. هكذا قد أنسى وجهك.”
“حسنًا. إنّه شرف لي أن تبحث عنّي، سيدي الماركيز.”
تصافح الماركيز والكونت بحرارة.
“تعالَ إلى إقليم الكونت يومًا ما، سيدي الماركيز.
سأستقبلك كما يليق.”
“كلامكَ يجعلني أتطلّع لذلك حقًا، ههه!”
بينما كان ديتريش يراقب هذا المشهد،
شعر فجأةً بالتساؤل:
‘هل كانا بهذه القربى؟’
لم يكن هناك أيّ تقاطع يُذكر بينهما حتى الآن.
كان الكونت جوستو من النبلاء الإقليميّين المؤثّرين،
بينما كان الماركيز بوسيجور من النبلاء المركزيّين،
الذين أقاموا في العاصمة على مرّ الأجيال.
كانت آراؤهما السياسيّة وأنماط حياتهما مختلفة تمامًا.
دليل ذلك أنّهما كانا يتعاملان مع بعضهما كالغرباء حتى الآن…
“سمعت أنّك عقدت زواجًا مع عائلة آنسي.
مبارك!”
“لا داعي لهذا الكلام.
الآنسة لاريت قد تكون حساسةً بعض الشيء،
لكن ماذا نفعل؟”
أشار الكونت جوستو بكتفيه بتبجّح واضح.
“علينا أن نهدّئ الأطفال ونقنعهم بالعيش معًا.
لحسن الحظ،
غريجوري طيّب الطباع،
لذا سيتماشى مع لاريت إلى حدّ ما.”
“آه، حقًا؟”
“بالطبع. تسك،
يجب أن تتعلّم تلك الفتاة لاريت كيَف تَطيع زوجها.”
كان الكونت يهاجم لاريت بسهولةٍ كما يتنفّس،
ويمتدح ابنه.
“بصفتها وريثة عائلة آنسي، يبدو أنّها أصبحت متعجرفةً بلا داعٍ.”
“….”
شعر ديتريش بغضبٍ يعَتصرُ أحشاءهُ.
“صحيح أنّ غريجوري ليس سوى الابن الثاني،
لكنّه لا يزال عضوًا في عائلة جوستو،
أليس كذلك؟”
“ههه، بالطبع.”
“كنت أنوي إيجاد زوجة أفضل له،
لكن غريجوري أحبّ لاريت،
فماذا أفعل؟”
واصل الكونت حديثه بابتسامة عريضة:
“لا يوجد والد ينتصر على أبنائه،
لذا اضطررت للاستسلام.”
استمرّ الكونت في مدحِ نفسه.
“حسنًا، الجميع يتحدّث كما لو أنّ زواج عائلة جوستو وعائلة آنسي قد تمّ تأكيده…”
لم يعد ديتريش قادرًا على الصبر،
فتحدّث بنبرةٍ لاذعة:
“ألم تقُل الآنسة آنسي إنّها لم توافق على هذا الزواج؟”
استدار الكونت والماركيز، اللذان كانا يتحدّثان بحماس، بوجهين مرتبكين.
“…سيدي الدوق كلاوديوس؟”
‘لماذا يدافع الدوق عن الآنسة آنسي؟’
كان هذا التساؤل يملأ تعابيرهما.
لكن ديتريش، دون اكتراث، واصل حديثه ببرود:
“التحدّث عن أمر لم يُحسم بعد قد يسبّب ضررًا لكلا العائلتين، ألا تعتقدون ذلك؟”
“آه، لا، هذا…”
نظر النبلاء إلى الكونت جوستو بنظرات خاطفة.
على الرغم من أنّ ديتريش قال “ضررًا لكلا العائلتين” بطريقة غير مباشرة،
كان الكونت جوستو هو من كان يتحدّث عن الزواج كما لو أنّه أمر مؤكّد حتى الآن.
لذا، كانت كلمات ديتريش تعني عمليًا:
‘يبدو أنّ الدوق كلاوديوس يعتقد أنّ زواج جوستو وآنسي غير منطقي.’
كان ديتريش يعارض كلام الكونت جوستو بكلّ وضوحٍ.
“وعلاوة على ذلك، تقولون إنّ الآنسة آنسي حساسة…”
فجأة، أصبحت نبرة ديتريش حادّة.
“أليس من الطبيعي أن تسعى جاهدة لمنع زواج لم توافقَ عليه؟”
ابتسم ديتريش بأناقةٍ بعد هذا السؤال.
كانت ابتسامة باردة بشكل غريب.
“هل أنا مخطئ؟”
“….”
“….”
ساد صمت قارس.
كان النبلاء يتبادلون النظرات بحذر، غير قادرين على فتح أفواههم بسهولة.
في تلك اللحظة،
لاحظ ديتريش شيئًا غريبًا.
‘همم؟’
كان الماركيز بوسيجور، رئيس مجلس النبلاء، يحرّك عينيه بقلق،
كما لو أنّ هناك شيئًا يُخفيه…
“هيا، لنبدأ الاجتماع.”
تبادل الماركيز بوسيجور نظرات خفيّة مع الكونت جوستو، ثمّ أنهى الموقف بسرعة.
جلس النبلاء في أماكنهم كالعصافير المبلّلة.
‘هناك شيءٌ مريبٌ.’
ضاقت عينا ديتريش بالشك.
بعد انتهاء الاجتماع الدوري:
“ما رأيك أن نتناول العشاء معًا؟”
اقترح الكونت جوستو على الماركيز بوسيجور بودّ.
“….”
للحظة، ظهرت نظرةٌ محرجةٌ على وجهِ الماركيز.
لكن تلك النظرة اختفت بسرعةٍ،
وابتسم الماركيز:
“من يمكنه أن يرفض دعوتك؟ بالطبع سأذهب.”
غادر الماركيز والكونت معًا بأريحيّةٍ.
كان وجهتهما مطعمًا فاخرًا.
كان معروفًا بغرفه الخاصّة، حيث يفضّل النبلاء إجراء محادثات سريّة.
بمجرّد دخولهما الغرفة، تغيّر وجه الكونت جوستو تمامًا.
“إذن، متى سيتمّ حلّ هذا الأمر؟”
“انتظر قليلاً، أنت تعلم أنّ الوضع ليس مناسبًا.”
“ما هذا؟ بعد كلّ المال الذي أنفقته…!”
رفع الكونت جوستو صوته دون تفكير، ثمّ تنحنح وواصل:
“على أيّ حال، أرجوكَ أسرع قدر الإمكان. تلك الفتاة لاريت عنيدة جدًا وتسبّب لي الصداع.”
“سأتولّى الأمر، توقّف عن الإلحاحِ.”
التعليقات لهذا الفصل " 89"