‘ما هذا، لا يتركون المرء وشأنه أبدًا.’
استدار ديتريش بإنزعاجٍ، وهو يشعر بالغيظ.
“إيفا، ما هذا الوقاحة بحق…”
لكن ديتريش لم يتمكّن من توبيخ أخته الصغرى حتى النهاية.
فقد كانت هناك آنسة تقف خلف إيفانجلين، ممسكة بمعصمها من قِبل أخته.
“انتظري لحظة…!”
كانت لاريت، التي جُرّت إلى داخل الغرفة فجأة، غير قادرة على إخفاء ارتباكها.
ناداها ديتريش وهو مذهول:
“الآنسة آنسي؟”
عند هذا النداء، نظرت إليه عينان ورديّتان بهدوء.
ثمّ ابتسمت لاريت بتكلّف:
“آ-آه… مرحبًا، سيدي الدوق.”
“….”
تحرّكت شفتا ديتريش دون أن ينطقَ بشيءٍ.
الشخص الذي كان يشغل ذهنهُ طوال اليوم، ظهر فجأةً أمامهُ في الواقعِ.
كان لديه الكثير من الأسئلة التي يريد طرحها.
هل قرّرتِ حقًا الزواج من غريجوري؟
حتى لو لم يكن حبًا عقلانيًا، هل كان شعوري بأنّنا نكنّ لبعضنا مودّة إنسانيّة مجرّد وهم من طرفي؟
وهل، ربّما، لا تزالين تحبّين غريجوري؟…
لكن لم يخرج أيّ سؤال ككلمات واضحة.
بل الأدقّ، لم يكن لديه الشجاعة ليطرَحها.
‘إذا كانت الآنسة آنسي إيجابيّة حقًا تجاه علاقتها بوريث جوستو…’
شعر بطريقة ما بالفراغِ حقًا….
“أخي، استمع إليّ!”
في تلكَ اللحظة، تدخّلت إيفانجلين فجأة في الحديث.
“لاريت لم تكن تعلم حتى بتسجيل زواجها من وريث جوستو!”
“ماذا تقصدين؟”
سأل ديتريش إيفانجلين بحيرة.
“لتسجيل الزواج، أليس من الضروري وجود وثيقة تثبت هويّة العائلة؟”
“….”
فجأة، أشاحت لاريت بنظرها بهدوءٍ.
في الوقت نفسه، تجمّد وجه ديتريش.
“هل من الممكن أن يكون وريث جوستو يعرف وثيقة هويّة الآنسة آنسي؟”
“حسنًا… هذا…”
“أليست وثيقة الهويّة تُدار بحرص شديد داخل العائلة؟ لا يُفترض أن تتسرّب بسهولةٍ إلى الخارج…”
بدأ تعبير ديتريش يتحوّل إلى جدّيّة، ثمّ لمعت عيناه بحدّة وسأل:
“هل يعقل أن يكون وريث جوستو قد هدّد الآنسة آنسي؟”
“….”
لم تستطع لاريت أن تقول إنّها، في أيّامها الساذجة، أخبرت غريجوري بنفسها وهي تتبعه.
‘سأبقى صامتة.’
أصبحت عينا لاريت غائمتين، تاركةً ديتريش يُسوء فهم الأمر…
غضبت إيفانجلين مجدّدًا:
“لذلك ذهبت لاريت اليوم إلى مكتب تسجيل الزواج والمعبد، لكن المعبد كان غير متعاون تمامًا!”
“غير متعاون؟ كيف ذلك؟”
“خرج الكاهن الأوّل إيفانز بنفسه وقال إنّه لا يمكنه إظهار وثيقة تسجيل الزواج!”
تنفّست إيفانجلين بغضب.
“لاريت هي إحدى أطراف الزواج، فهل هذا منطقي؟!”
“لماذا؟ أليس من المعتاد إظهارها للأطراف المعنيّة؟”
“يقولون إنّ القواعد تغيّرت مؤخرًا. بسبب النزاعات بين العائلات، يجب أن تتفق العائلتان ليُسمح بالاطلاع.”
ضاقت عينا ديتريش الزرقاوان بالشك.
“أليس هذا غريبًا؟ لماذا تغيّرت القواعد فجأةً عندما سُجّل زواج لاريت؟”
“بالتأكيد…”
عند هذا القول، غرق ديتريش أيضًا في التفكير العميق.
في الحقيقة، كان الأمر غريبًا من نواحٍ عديدة.
قد يكون تغيير المعبد لقواعده أمرًا مقبولاً، لكن التوقيت كان مصادفة غريبة للغاية.
يبدو الأمر وكأنّ المعبد يمنع لاريت عمدًا من رؤية وثيقة الزواج التي قدّمها غريجوري.
‘هل هناك نوع من التواطؤ مع عائلة جوستو؟’
لكن لم يكن هناك دليل على هذا الجزء.
لذا، وضعه ديتريش جانبًا مؤقتًا.
كان هناك أمر آخر يجب تأكيده أولاً.
“إذن، الآنسة آنسي…”
فتح ديتريش فمه بحذر.
“هل تقصدين أنّكِ لا ترغبين في الزواج من وريث جوستو؟”
كيف يمكن أن يكون هذا السؤال بهذه الأهميّةِ؟
بدت اللحظة التي تحرّكت فيها شفتا لاريت وكأنّها أبديّة.
ثمّ، قالت لاريت:
“بالطبع!”
اختفى هدوؤها المعتاد، وأومأت برأسها بحزمٍ.
“ليس لديّ أيّ مشاعر تجاه وريث جوستو. لا الآن، ولا في المستقبل، لا أريدُ أن أرتبطَ به مطلقًا.”
“…حسنًا.”
في تلك اللحظة، شعر ديتريش براحةٍ عظيمة.
“فهمتُ.”
أومأ ديتريش برأسهِ بخفّةٍ.
“بما أنّ الآنسة آنسي قالت إنّها لا توافق على الزواج، يجب أن نفحص أولاً ما إذا كان هذا الأمر ينطوي على مشكلةْ قانونيّة.”
في تلك اللحظة،
لمع ضوءٌ خافت في عيني لاريت.
كان ذلك الضوء هو الأمل.
‘الآنسة آنسي، حقًا…’
شعر ديتريش بتأثّر في قلبه.
‘لا تكنّ أيّ مودّةٍ لوريث جوستو.’
على الرغم من إلحاح الوضع، شعر بسعادٍة لا إراديّةَ لهذه الحقيقة.
…على الرغم من أنّه يعلم أنّ هذا ليس وقت الفرح.
“لا تقلقي كثيرًا. عائلة كلاوديوس سَتقدّم كلّ الدعمِ الممكن.”
حاول ديتريش تهدئة صوته لإخفاء حماسته.
“الآنسة آنسي هي الصديقة الوحيدة لأختي الصغرى.”
“….”
حدّقت لاريت في ديتريش بدهشة.
كان الجميع يتحدّثون عن علاقة لاريت وغريجوري بفضول،
لكن لم يكن هناك من يهتمّ بمدى الإحراجِ الذي تعاني منه.
وبصراحة، لم يكن لدى ديتريش أيّ سبب لمساعدةِ لاريت.
كان ارتباطهما مجرّد رابط ضعيف يتمثّل في ‘إيفانجلين’.
ومع ذلك…
‘يقول إنّه سيساعدني.’
كان شعور الراحة يشبه يدًا ممدودة لها وهي تائهة في بحر شاسع.
في تلك اللحظة، عانقت إيفانجلين لاريت بحماس.
“أرأيتِ؟ قلتُ لكِ إنّ أخي سيساعد!”
“…شكرًا.”
ارتجف صوت لاريت الهادئ لأوّل مرّة.
احمرّ وجهها، وترطّبت عيناها.
ربّما كانت مشاعرها تغمرها.
“يا إلهي، لاريت، هل تبكيَن؟”
ربّتت إيفانجلين على ظهر لاريت بقلق.
“لا تبكي، حسنًا؟”
“لا، أنا لا أبكي…”
هزّت لاريت رأسها، محاولة الاحتفاظ بابتسامتها.
نظر ديتريش إلى لاريت بشعورٍ لا يوصف.
راحة لأنّ لاريت لا تحبّ رجلاً آخر.
أسى تجاه معاناةً لاريت.
واشمئزاز وغضب تجاه غريجوري الذي يحاول الارتباط بها بأيّ طريقةٍ.
اختلطت المشاعر المختلفة، مضطربةٍ أفكاره.
في تلك اللحظة:
‘هكذا إذن.’
أدرك ديتريش.
‘ليس لأنّ صديقة أختي في ورطةٍ… أنا في مزاجٍ سيء.’
لو كانت مجرّد صديقة أخته، لما شعر بهذا السوء من الأساس.
لما اهتمّ بمن ترتبط به.
‘أنا أكنّ للآنسة آنسي مودّةً.’
بل إنّ إدراكه لهذه الحقيقة جعل قلبه المضطرب يهدأ.
‘إذن…’
اشتدّت نظرته الزرقاء بحدّةٍ.
حتى لو اعتُبر تدخّله مبالغًا فيه، لم يكن لديه خيار.
لم يكن ديتريش مستعدًا للسماح لغريجوري بأن يصبح زوج لاريت دون مقاومةٍ.
بمجرّد أن اتّخذ قراره، كانت تحرّكاته سريعة.
“ابحث عن أيّ شيء مشبوه في تسجيل زواج وريث جوستو.”
أضاف ديتريش، وهو يلمع عينيه بحدّة:
“حتى لو كانت تفاصيلَ صغيرةٍ، لا بأس.”
بدأت عائلة كلاوديوس باستخدام نفوذها الكامل للتحقيق،
لكن النتائج لم تكن مرضيةً.
كانت وثيقة تسجيل الزواج المقدّمة إلى مكتب التسجيل خالية من أيّ أخطاء.
والمعبد رفض حتى الكشف عن وثيقة تسجيل الزواج.
“ألا يمكننا أن نطلب منهم إبراز وثيقة الزواج مباشرة؟”
“الأمر… صعب بعض الشيء أن نطلب ذلك دون دليل.”
أجاب الخادم بإحراجٍ:
“كما تعلمون، سيدي الدوق، قد يتسبّب ذلك في احتكاك بين المعبد وعائلة الدوق.”
عندئذٍ، نهض ديتريش فجأة.
“إذن، هل يجب أن أذهب بنفسي وأسأَل؟”
“سيدي الدوق!”
تشبّث الخادمُ المُساعد المذعور بثياب ديتريش.
“امنحنا قليلاً من الوقت! سنحاول التفاوض قدر الإمكان…!”
“أسبوعٌ واحد.”
فتح ديتريش فمهُ ببرودٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 88"