الفصل السادس: لمَ هذا الشعور بالضيق إلى هذا الحد؟
داخل غرفة مظلمة، حيث أُسدلت الستائر.
كانت رائحة الخمر تملأ الغرفةَ بأكملها.
تناثرت زجاجات الخمر على الطاولة والأرض بشكل عشوائي.
على أطباق الطعام المبعثرة، تجمّدت بقايا الطعام وجفّت.
وفي وسط كل هذا.
“الخمر، أين الخمر…؟”
مدّ غريجوري، الذي كان ثملاً تمامًا، يدهُ نحو زجاجة خمر.
بعد عدة محاولات فاشلةٍ، أمسك الزجاجة أخيرًا، لكنها كانت فارغةً.
“اللعنة!”
صرخ غريجوري بغضب وألقى الزجاجة بعنف.ٍ
قرقعة!
تحطمت الزجاجة على الحائط إلى أشلاء.
ظل غريجوري يلهث لبرهة، ثم أمسك جبهته بيديه وأطرق رأسه.
“هاه، كيف استطعتِ، لاريت، أن تعاملينني هكذا…؟”
لاريت آنسي.
خطيبته السابقة، التي كانت ملكهُ ذات يوم، لكنها الآن تتباهى بعلاقتها مع رجل آخر.
كان آخر مشهد رآه للاريت يتراقص أمام عينيه.
نبيلة من أرقى النبلاء، تنتمي إلى عائلة كلاوديوس الدوقية، التي تُضاهي العائلة الإمبراطورية.
تلك الابتسامة الساطعة التي وجهتها لديتريش وهي تنظر في عينيه…
“هاه، يا للحقارةِ.”
شعر بأحشائه تتلوّى من فرط الشعور بالنقص واليأس.
‘لا يمكنني أن أفقد لاريت هكذا.’
إذا خسر لاريت، فإن لقب الفيكونت آنسي وأراضيهِ ستنفلت منه كلها.
لكن.
‘كيف، بحق الجحيم، يمكنني استعادتها؟’
المشكلة أنه لا يعرف الطريقة أبدًا.
ماذا لو كانت لاريت حقًا قد وضعت ديتريش في قلبها؟
“مجرد فتاة من عائلة فيكونت، وتتجرأ على فعلِ ذلكَ!”
تذمر غريجوري مجددًا، لكنه كان يعلم في قرارة نفسه.
إذا كان عليه حقًا منافسة ديتريش على لاريت.
فإنه لا يملكُ أدنى فرصة للفوز.
“الخمر! ألا يوجد المزيد من الخمر؟!”
نظر غريجوري حوله بعيونٍ محتقنة.
“اللعنة على هؤلاء الأوغاد، ألم أقل إن عليهم التأكد من عدم نفاد الخمر؟!”
بينما كان يصرخ ويشتمُ بغضبٍ.
طاخ!
انفتح الباب بعنف وكأنه سينهار.
تسلل ضوء شمس الظهيرة بقوة إلى الغرفة المظلمة.
“آه، ما هذا…؟”
تمتم غريجوري بإنزعاجٍ وهو يعبس.
في تلك اللحظة، دخل رجل في منتصف العمر ذو مظهر قاسٍ إلى الغرفة.
طق، طق.
رنّ صوت كعوب حذائه بثقل.
نظر الرجل حوله بنظرةِ ازدراء.
كان المشهد تحت ضوء الشمس بائسًا ومزريًا.
بعد لحظة.
“غريجوري.”
حدّق الرجل بغريجوري بنظرة مخيفة.
‘آه.’
شهق غريجوري فجأة.
اختفى غضبه المتعجرف، وتجمد كالفأر أمام قطٍ.
وليس ذلك بغريب، فقد كان هذا الرجل.
“أبي.”
الكونت جوستو، الذي كان يتحمل تكاليف حياة غريجوري الباذخةَ حتى الآن.
“ما هذا المنظر البائس؟!”
صاح الكونت جوستو بغضب.
تقلّص غريجوري كالسلحفاة ولم يعرف كيف يتصرف.
“أبي، أنا…”
حاول غريجوري تهدئة والده، فقام متعثرًا من مكانه.
لكن جسده الثمل لم يطع أوامره.
قرقعة!
سقط على الأرض بشكل مزري.
“هاه، يا لكَ من أحمقٍ…”
نظر الكونت جوستو إلى ابنه بعجزٍ، وأمسكَ جبهته.
بعد أن هدأ غضبه المتصاعد لبرهةٍ.
تحدث الكونت بصوتٍ هادئ.
“إذن، هل تنوي تركَ تلك الفتاة، لاريت، هكذا؟”
“… “
لم يستطع غريجوري الرد، وأطرق رأسه نحو الأرض.
حدّق الكونت جوستو بابنه، ونطق بكل كلمة بعناية.
“تحملتُ الأمر حتى عندما أرسلت إليّ خطاب فسخ الخطوبة بوقاحةٍ.”
“أنا، أنا…”
“لأنني ظننت أنك ستتولى الأمر بنفسك. لقد ضربت صدرك متفاخرًا وقلتَ إن الأمر متروكٌ لكَ!”
صرخ الكونت جوستو بعينين مشتعلتين وهو يوبخ ابنه.
“لكن بهذا الشكل، لا أمل في استعادة تلك الفتاة، بل سنخسر أراضي الفيكونت آنسي إلى الأبد!”
“أرجوكَ، ثق بي قليلاً.”
تسلل غريجوري على ركبتيه نحو الكونت جوستو، محاولاً النهوض.
نظر الكونت إلى ابنه كما لو كان ينظر إلى حشرة.
“سأبذل قصارى جهدي، أبي.”
تمتم غريجوري بنبرة يائسة، كمن يحاول إقناع نفسه.
“مهما حدث، لاريت تحبني. منذ زمن طويل، كانت تتوسل إليّ ولا تستطيع العيش بدوني…”
“هاه، مضحك.”
ضحك الكونت ساخرًا للحظة.
“فتاة لا تستطيع العيش بدونكِ ترسل خطاب فسخ خطوبة باسم عائلتها؟!”
صاح الكونت جوستو بنبرة حادة.
ارتجف غريجوري وتيبست كتفاه.
“الخطوبة وسيلةً فعّالة جدًا لتعذيبِ الطرف الآخر، خاصةً إذا كانت من رجلاً لا يحبني.”
تلك الإيماءة الحاسمة التي رفضته بها لاريت.
“وقد تخليتُ بنفسي عن تلك الوسيلة الفعّالة.”
عيناها الورديتان الباردتان الخاليتان من أي دفء.
“ألا يعني ذلك أنني تجاوزت أي تعلقٍ بكَ؟”
وصوتها البارد الذي طعن صدره…
‘اللعنة.’
لم يتحمل غريجوري شعوره باليأس، فأغمض عينيه بقوة.
في تلك اللحظة، تابع الكونت بنبرة حادة.
“هل تعلم لمَ جئتُ إلى العاصمة؟ لإتمام ترتيبات زفاف أخيكَ الأخيرة.”
رفع غريجوري رأسه فجأة عند سماع هذا الخبر المذهل.
“زفاف أخي؟”
“أجل. أنت تعلم أن هناك مفاوضات زواج بين أخيك وعائلة الكونت ليونيل، أليس كذلك؟”
ابتلع غريجوري ريقه بصعوبة.
كان أخو غريجوري، الكونت الصغير لـ جوستو، قد أثبت مكانته بالفعل في العائلةِ.
على عكس عائلة الكونت جوستو، وهي عائلة قوية في الأقاليم، كانت عائلة الكونت ليونيل تتمتع بنفوذ كبير في العاصمة.
إذا نجحت مفاوضات الزواج مع تلك العائلة، سيعزز الكونت جوستو دعمه لابنهِ لأكبر.
وكان الكونت الصغير جوستو يرى أخاه الأصغر غريجوري ، الذي لا يفعل شيئًا سوى التسكع، كشوكة في عينيه.
بمعنى آخر.
‘سأصبح بلا شيء حقًا!’
شعر غريجوري بقشعريرةٍ كأن سكينًا حادة تلامس عنقه.
ثم أعلن الكونت جوستو بنبرة صلبة.
“ليس لدى العائلة ما تقدمه لكَ بعد الآن.”
“…ماذا؟”
نظر الكونت جوستو إلى ابنه، الذي بدا وكأنه تلقى صفعةً، وأضاف بحدة.
“هل أدركتَ الآن؟ خيارك الوحيد المتبقي هو لاريت آنسي، تلك الفتاة.”
“أبي.”
“إذا لم تستطع استعادة لاريت هذه المرة، فاستعد للطرد من المنزل الريفي.”
نظر الكونت جوستو إلى ابنه بازدراء.
“لا يمكنني تحمل حماقتك إلى الأبد. هل فهمت؟!”
بعد هذا التوبيخ الأخير، خرج الكونت جوستو وهو يضغطُ على فكهِ.
‘لا يمكن أن يحدث هذا.’
عضّ غريجوري شفتيه حتى نزفت، وهو وحيد.
كان في مأزق.
‘أخي سيتزوج حقًا؟ إذن أنا…’
على عكس الكونت جوستو، الذي كان لا يزال يدعم ابنه بأموال المعيشة، لم يكن لدى الكونت الصغير جوستو أي رحمة تجاه أخيه.
بهذا الشكل، سيُطرد من العائلة بلا شيء.
‘هذا كذب!’
استبد به الجنون، وكاد غريجوري أن يصرخ بأعلى صوته.
لكن فجأةً.
‘لحظة.’
ومضت فكرة في ذهن غريجوري كالبرق.
‘…الزواج؟’
الزواج.
الوسيلة الأكثر فعالية لتقييد لاريت، والاستيلاء على لقب الفيكونت آنسي وأراضيه.
برقت عينا غريجوري الضبابيتان بنورٍ شريرٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 81"