“كيف كان يومكَ؟ هل قضيت وقتًا ممتعًا؟ هل استمتعتَ؟”
تدفقت الأسئلة الثلاثة دفعةً واحدة، لدرجة أن ديتريش نسي حتى أنه كان ينوي الغضب، وردّ عليها بلا وعي:
“هم؟ آه، بالطبع كان ممتعًا.”
“جيد جدًا!”
صفقت إيفانجلين بفرح ثم ألقت عليه سؤالًا آخر:
“هل كانت الآنسة آنسي تضع أقراطًا اليوم؟”
“لم تكن تضعها. فسألتها عن ذلك، وقالت إن السبب ليس لأنها تكره الأقراط…”
وسط هذا الهجوم المتلاحق من الأسئلة، وجد ديتريش نفسه يجيب بصدقٍ دون أن يدرك.
عندها عبست إيفانجلين باشمئزاز.
“ماذا؟! سألتها ذلك مباشرة؟! يا لقلةِ الذوق!”
“هل كان ذلك سيئًا إلى هذه الدرجة؟”
“طبعًا! أظهرتَ لها بوضوح أنك تهتم بها! الشيء الوحيد الذي كان يمكن التغاضي عنه فيكَ هو وسامتك وهدوؤك المعتاد، فكيف تظهر لها قلقكَ وترددكَ بهذا الشكل؟!”
بدأت إيفانجلين تتذمر بعصبيةٍ.
“لا، لم أقصد أن… لحظة.”
حين همّ بالدفاع عن نفسه، أدرك ديتريش فجأةً ما يجري، وحدّق في شقيقته بنظرة مشددة.
“أنتِ، ما الذي يحدث هنا بالضبط؟”
“ماذا تقصد؟”
“قلتِ لي إن كل ما علي فعله هو المرور على الآنسة مورغان لإلقاء التحية. فلماذا كانت الآنسة آنسي تجلس بجواري؟!”
رفعت إيفانجلين كتفيها بخفة بأسلوب مستفز.
“لأنني كنت قد رتّبت موعدًا مع لاريت في الأصل؟”
“ماذا قلتِ؟!”
“ولم يعجبكَ انكَ قابلتَ لاري؟”
“…”
في تلك اللحظة، أغلق ديتريش فمه تمامًا.
لقد أصابت كبد الحقيقة.
“لا، ليس تمامًا…”
“إذن لا مشكلة.”
“لا مشكلة؟!”
ارتفع صوت ديتريش غاضبًا من شدّةِ الدهشة.
لكن إيفانجلين نظرت إليه بكل وقاحة، دون أن تهتز.
“على أي حال، لدي طلب منكَ.”
“طلب؟ في موقف كهذا؟”
“أوه، اسمعني فقط. لدي سبب لإرسالكَ اليوم إلى الآنسة آنسي.”
قالت ذلك بنبرة أكثر جدية، ثم تابعت:
“الأمر يتعلّق بالسيد جوستو. إنه ما زال يزعج لاريت.”
“خطيب الآنسة آنسي السابق؟…”
غريجوري.
بمجرد سماع الاسم، خفتت ملامح ديتريش ببرودٍ.
أومأت إيفانجلين برأسها.
“نعم. هل تذكر؟ حين أقيم الحفل في منزل عائلة آنسي.”
“بالطبع أذكر.”
ذلك الرجل الذي أهان لاريت مرارًا، بكلمات قاسية.
وتلكَ الطريقة التي تقبّلت بها لاريت كل الإهانات بصمت.…
“…”
ازداد شعور ديتريش بالسوء.
“كنت أعتقد أنه سيتراجع بعد ذلك، لكنه صار أكثر إصرارًا على التقربِ منها.”
في العادة، لكان ديتريش سيوبّخها على تعبيرها السوقي، لكنه لم يفعل هذه المرة.
بل سأل بهدوء:
“يتقرب منها؟ كيف؟”
“أرسل لها دعوةً فور عودته إلى العاصمة.”
“دَعوة؟”
“نعم. أنا أحاول قدر الإمكان أن أتصرف بحذٍر، لكن في النهاية، هو رجل، وليس من السهل أن أضع نفسي في المنتصف دائمًا.”
ثم بدأت تراقب تعابير ديتريش بحذر.
“لذلك فكرت… هل يمكنك أن تساعد لاريت قليلًا؟”
“أنا؟”
“نعم. يبدو أن السيد غجوستو يحاول استعادة العلاقة معها، فلو جعلته يدركَ أن لا أمل له، سيتراجع، أليس كذلكَ؟”
نظر ديتريش إليها دون تعليقٍ، فأكملت كلامها بتردد:
“ماذا لو بقيت إلى جانب لاري لبعضِ الوقت؟”
“همم.”
“لا أظن أنه سيتجرأ على الاقتراب منها إذا كنت معها، أليس كذلك؟”
صمت ديتريش للحظةٍ.
أما إيفانجلين، فكانت تنظر إليهِ بقلقٍ.
‘أرجوك، لا ترفض. لقد طلبت منكَ بلطفٍ.’
وبعد صمتٍ قصير، قال:
“إن كان لا بد من ذلك… حسنًا.”
‘رائع!’
أغلقت إيفانجلين قبضتها بحماس صامتٍ.
“شكرًا لكَ. سأخبر لاري بذلك.”
“حسنًا.”
بدا أن المحادثة انتهت، لكن فجأة، نظر ديتريش إلى إيفانجلين بنظرة حادة.
“لكن، اسمعي.”
“هـ.. نعم؟”
“لا تتصرفي من تلقاء نفسكَ هكذا بعد الآن. فهمتِ؟”
“نعمـــ…”
جرت كلماتها بضجرٍ وهي تزحف نحو الفراش وتختبئ تحت الأغطية، إشارةً إلى أنها لا تريد سماع المزيد من التوبيخ.
نظر إليها ديتريش مجددًا بحنقٍ، ثم غادر الغرفة وهو يهز رأسه.
طَق
أُُغلق الباب.
“آسفة، أخي.”
أطلت إيفانجلين من تحت الغطاء وأخرجت لسانها تجاه الباب المغلق.
كانت عازمة على دفع العلاقة بين ديتريش ولاريت بكل ما أوتيت من قوة.
ولتحقيق ذلك…
‘أولًا، عليّ فقط أن أجعل لاري وأخي يبقيان معًا.’
لكنها لم تكن تنوي إخبار لاريت بشيء.
لأنها إن أخبرتها بالحقيقة…
‘يا إلهي، كيف يمكنني إزعاج شخصٍ مشغول هكذا؟’
فسترفضُ فورًا…
بمعنى آخر، ‘سأخبر لاري’ كانت كذبةً صريحة.
“هوه هوه.”
ضحكت بخبثٍ ثم ارتمت على السرير، تغرقُ في أفكِارها.
‘على أي حال، أخي يبدو لطيفًا جدًا مع لاريت.’
أن يستجيب لطلبها بهذه السهولةِ…
عادةً، لو طلبت منه شيئًا كهذا، لقال بوجه باسِم وكلمات لاذعة:
‘لا تزعجيني بهذه الطلبات التافهة. أنا مشغولٌ بما فيه الكفاية.’
‘لا شك أن أخي مهتم فعلًا بلاريت.’
وابتسمت إيفانجلين بهدوء، تتخيل مستقبلًا ورديًّا.
‘ربما، يومًا ما… سـ نصبح عائلةً حقًا.’
في صباح اليوم التالي.
“لاري!”
وصلت الأميرة إلى منزل عائلة آنسي في وقتٍ مبكر من الصباح.
“كيف كانت الأوبرا البارحة؟ استمتعتِ؟”
“…”
نظرت إليها بريبة، ثم سألت بنبرة باردة:
“إيفا، هل كنتِ مريضة فعلًا؟”
وفي تلك اللحظة، رأيتها تتجمد للحظةٍ بوضوح.
وضعت يدها الرقيقة على جبينها، ثم تهاوت على الأريكة متظاهرة بالدوار.
“آه، يبدو أن شكي أفسد صحتي… أشعر بالدوارِ فجأةً!”
“…”
مهما نظرتُ، كان واضحًا أنها تتظاهر بالمرض.
تنهدتُ بعمق وأنا أحدّق فيها ببرود.
“إذن، هل تفضلين كعكة الموكا رول أم كعكة الشيفون؟”
“ولم عليّ أن أختار واحدة؟”
بصوت حيوي، نظرت إليّ بنظرات بريئة.
“سآخذ الاثنتين طبعًا.”
“…”
فقدتُ الكلمات.
“إيفا، ألم تقولي إن صداعك شديد؟ هل لديك طاقة لاختيار أنواع الحلوى أيضًا؟”
فجأة، تقلّصت كتفيها.
“آه، رأسي…”
وسقطت مجددًا على الأريكة.
قلتُ بسخرية:
“إذا كنتِ متعبة هكذا، من الأفضل أن نستدعي الطبيب بدلًا من تقديم الحلوى، أليس كذلكَ؟”
“أفضل من الطبيب…”
أغمضت عينيها بإحكام وقالت بتذمر:
“تناول الحلوى والشاي سيخفف الصداعَ أكثر…”
تنهدت، ثم طلبت من الخادمة إحضار النوعين من الكعك مع الشاي وجلست بجانبها.
فتحت إيفانجلين عينيها ببطءٍ وسألتني:
“إذن، لم تستمتعي البارحة؟”
“…”
فجأة،ً وجدت نفسي عاجزة ًعن الرد.
التعليقات لهذا الفصل " 74"