ولهذا السبب، وجدتُ نفسي في دار الأوبرا.
كانت الآنسة قد قالت إن لديها أمرًا لتتولّاه، وأخبرتني أن أسبقها.
ولذا، فأنا الآن أنتظرها بلا جدوى…
‘متى ستأتي الآنسة يا ترى؟’
الأوبرا على وشك أن تبدأ.
دَلَك.
وفي تلك اللحظة، فُتح باب المقصورة.
التفتّ بسرعة بوجهٍ يملؤه الترحيب.
“لقد أتيتِ، أليس كذلك، آنسة؟”
لكن…
‘هاه؟’
حدّقتُ بدهشة بعينين كعيني الأرنب.
فالشخص الذي دخل من الباب لم يكن الآنسة التي كنت أنتظرها، بل…
“اه ، دوق؟”
لقد كان دوق كلاوديوس!
‘لماذا الدوق هنا؟!’
لم أستطع إخفاء وجهي المتحيّر.
أما الدوق، فبدا أنه هو الآخر لم يفهم الوضع، وارتبكَ.
“…”
“…”
سادت لحظة من الصمت.
نظرنا إلى بعضنا البعض بذهول.
ثم قال:
“أولًا… أعتذر.”
وضع يده على جبينه، وزفر تنهيدة طويلة.
“على ما يبدو، إنها من ألاعيب إيفا.”
“عذرًا؟”
“فجأة، قالت إنها تعاني من صداع، وطلبت مني أن آتي بدلاً منها…”
نظر إليّ بنظرة حائرة.
“لم أكن أعلم أن الآنسة آنسي ستكون هنا.”
آه، أميرة…!
تنهّدتُ في داخلي.
بالتأكيد، ليس لدي أي ضغينة تجاه الدوق.
لكن في كل مرة أكون فيها معه على انفراد، أشعر بالتوتر وأتصرف بغباء!
ثم قال بحذر:
“إن كان وجودي يزعجك، يمكنني الانصراف فورًا.”
“لا!”
هززت رأسي بسرعة.
“لا، لا أشعر بأي انزعاج!”
إنه بطل هذا العالم، الرجل المصير لسيرافينا.
نعم، أشعر بثقلٍ شديد تجاهه، لكن…
‘لا أكرهه.’
بل، على العكس.
“إن كنتُ سأشاهد الأوبرا معك يا دوق…”
تضاءلت نبرتي شيئًا فشيئًا.
أحسست بوجهي يشتعل، وخفضت رأسي.
“فسيكون ذلك… رائعًا.”
“…”
كلماتي تلك، التي جمعت لها شجاعتي كلها، جعلته ينظر إليّ بنظرة يصعب فهمها.
ثم قال:
“أنا أيضًا، سعيد لأنني سأشارك الأوبرا مع الآنسة آنسي.”
ابتسم الدوق وجلس إلى جانبي.
حاولت أن أبتسم له بدوري، ثم سارعت بتوجيه وجهي إلى الأمام.
لكن المشكلة كانت:
‘لا أعلم أين أنظر…’
الستارة الحمراء الثقيلة لا تزال تغطي المسرح، ولا شيء يوحي ببدء العرض.
‘ماذا أفعل؟’
بلعت ريقي الجاف.
‘…قلبي ينبض بسرعة شديدة.’
يكاد يسمع دقّاته!
فبادرت بفتح الحديث:
“بالمناسبة، سمعت أن الآنسة مورغان تلقّت دعمًا من كلاوديوس لتبدأ مسيرتها؟”
“آه، هل أخبرتكُ إيفا؟ نعم، هذا صحيح.”
أومأ الدوق بخفة.
“منذ أول مرة رأيتها، أيقنت بموهبتها. كانت مميزة فعلًا.”
“…”
في تلك اللحظة، شعرت وكأن إبرة وخزت قلبي.
‘غريب…’
عضضت على أسناني بهدوء.
الآنسة مورغان، كانت مغنية أوبرا اكتشفها كلاوديوس.
ولهذا، من الطبيعي أن يوليها الدوق اهتمامًا…
لكن رغم ذلك…
‘لماذا أشعرُ هكذا؟’
سألت متظاهرةً بالهدوء:
“إذن، هل كنتَ أنتَ من اكتشفها بنفسك؟”
“همم، يمكن القول بذلك.”
شرح الدوق بهدوء:
“صالون كلاوديوس ليس من السهل الدخول إليه، لذا ليس بمقدور الجميع الوصول إليه.”
“آه…”
“كانت تعمل بالأصل موظفة بسيطة في دار الأوبرا، لكنني سمعت غناءها بالصدفةِ.”
عينيه لمع فيهما بريقٌ دافئ.
ما يدل على مدى إعجابهِ بها.
“عادةً ما يُشبّه أمثالها باللؤلؤة المدفونة في الطين. هكذا كانت الآنسة مورغان.”
…أي أنه هو من لمح بريقها.
الآنسة مورغان، إذًا، شخص متألّق إلى هذا الحد.
“لكن، هي موهوبة للغاية. لذا، حتى من دوني، كانت لتظهر عاجلًا أو آجلًا.”
أنا أعلمُ ذلك.
الدوق يفصل تمامًا بين العمل والمشاعر.
لم تُلصق به شائعات من قبل، وهذا دليل على صرامته.
مهما كان شعوره الحقيقي، فلن أتمكن من معرفته.
كما أن التطفّل على علاقات الآخرين تصرّف مُزرٍ…
وأنا أفهم ذلك جيدًا.
لكن مع ذلك…
‘أشعر بالضيق.’
تمسّكت بابتسامة مصطنعةٍ.
وإلا، لتلاشت ملامحي.
‘لاري، لا تتجاوزي حدودك.’
قبضت على طرف فستاني.
‘ما الذي يمنحك الحق في الشعور بالإحباطِ؟’
ليس لكِ الحق أصلًا.
حتى لو كان يكنّ مشاعر للآنسة مورغان، فذلك ليس من شأني.
الدوق ليس سوى شقيق صديقتي الآنسة.
لا يربطني به أي شيء…
لكن في تلك اللحظة،
أظلمت القاعة.
ارتفع الستار عن المسرح.
وتحت الأضواء الساطعة، ظهرت صوفيا مورغن، مرتدية فستانًا مسرحيًا فاخرًا.
وبدأت في الغناء:
“هل سيأتي إليّ الليلة؟ بعد اثنتين وعشرين ليلةً من البكاء…”
صوتها العالي الصاعد إلى عنان السماء…
كان صوتًا ملائكيًا رائعًا.
وبينما كنت أستمع إليها،
…ازداد شعوري بالإحباط.
أعترف.
كانت صوفيا فاتنة جدًا، وغناؤها ساحر.
ومحتوى الأوبرا نفسه لا بد أنه كان مثيرًا.
لكنني أقول هذا بتخمين فقط، لأن…
‘لا أذكر أي شيء من العرض.’
بصراحة، لا أتذكر عن ماذا كانت الأوبرا.
لأن كل تفكيري كان منصبًّا على الدوق الجالس إلى جانبي.
لكن إن نظرت للأمر بموضوعية، فقد كانت الأوبرا نجاحًا ساحقًا.
والسبب هو:
“لقد كانت ممتعةً حقًا، أليس كذلك؟”
“بالفعل.”
فما إن انتهى العرض، حتى غصّت القاعة بتعليقات الإعجاب:
“غناء الآنسة مورغان كان رائعًا كالمعتاد.”
“يا إلهي، لقد تأثرت حتى دمعت عيناي!”
“في المرة القادمة، سأدعو الآنسة مورغان إلى حفلنا.”
“هل هذا ممكن؟ إنها مشغولة جدًا مؤخرًا!”
نعم، الأوبرا كانت مذهلة، لكن الآنسة مورغن كانت الاستثنائية الحقيقية.
الجميع امتدحوها بإعجابٍ.
‘حقًا، موهبة مثلها تستحق أن يكتشفها الدوق بنفسه.’
أحسستُ بشيء ثقيل يعاود الهبوط في صدري.
وفي تلك اللحظة، نظر الدوق إليّ بطرف عينه.
“هل نذهب، آنسة آنسي؟”
هاه؟ إلى أين؟
نظرت إليه في حيرة، فهزّ كتفيه بلطافة.
“ما دمنا هنا، فربما علينا إلقاء التحية على الآنسة مورغان.”
ثم ابتسم بلطفٍ.
“أتأتين معي؟”
“…”
الآنسة صوفيا مورغان، كانت أشهر مغنية أوبرا في الإمبراطورية.
يحاول كل النبلاء دعوتها، حتى ولو لكلمة.
ومجرد محادثتها مباشرة، فرصةٌ نادرة.
ولذا، فهذه الدعوة، كانت من باب مراعاة مشاعري.
وأنا أعلم ذلك جيدًا.
لكن…
‘…لست مرتاحة لذلك.’
ابتسمتُ بجهد.
“شكرًا لكَ.”
كان أمام غرفة انتظار الآنسة مورغن هدوءٌ غريب.
ربما بسبب الحراسة المشددة بسبب شهرتها الكبيرة.
‘واو.’
أعجبتُ في داخلي.
فما إن رأى الحراس الدوق، حتى انحنوا بزاوية تسعين درجة وفتحوا الطريق.
حتى في هذه التفاصيل الصغيرة، يتجلّى نفوذه.
هكذا هو كلاوديوس فعلًا.
طَق طَق.
طرق الدوق الباب بخفة، ثم فتحهُ.
“آنسة مورغان.”
عند ندائه، وقفت المرأة الجالسة بسرعة واستدارت.
“يا إلهي، الدوق؟”
انسدل شعرها الليلي بغزارة فوق كتفيها.
بشرتها كانت ناصعة ًكالثلج، وعيناها تحت رموش طويلة تلألأتا كالجواهر.
كانت فاتنةً بحق.
“لقد استلمت باقة الزهور التي أرسلتها.”
قالت الآنسة مورغ ن بابتسامة مشرقة كزهرةٍ الفاونيا.
“لو علمت أن الدوق سيحضر الليلة، لأعددت غنائي بعناية أكبر.”
“لا، العرض اليوم كان رائعًا.”
أجابها الدوق بأدب.
وكان الاثنان يبدوان كثنائي مثالي…
فشعرت بروحي تنكمش مرةً أخرى…
وفي تلك اللحظة،
استدارت الآنسة مورغان ونظرت نحوي.
التعليقات لهذا الفصل " 71"