اتّسعت عينا سيرافينا بدهشة.
‘ولكن، لماذا هي وحدها؟ كانت تلتصق دائمًا بتلك الفتاة، لارِيت، مؤخرًا، أليس كذلك؟’
أدارت سيرافينا رأسها تتفحّص المكان، لتكتشف على الطرف المقابل مجموعة من الآنِسات قد تجمعن.
كانت لارِيت هناك، برفقة رفيقاتها.
وكانت الآنسة سانشيز بينهن.
‘… لا يُعقل؟’
في تلك اللحظة، لمعت عيناها الخضراوان الداكنتان بخبث.
‘كانت تتصرف بتعالٍ شديد، والآن حتى هي منبوذة في ذلك الجمع؟’
“هل يمكن أن تطلب من كبير الكهنة أن يمنحني بعضًا من وقته؟”
“……”
تغيّرت ملامح الكاهن فور سماعه للسؤال.
وكانت إيفانجلين تدرك تمامًا ما يشعر به.
ففي الحقيقة، ما فعلته كان تصرفًا غير لائق إلى حد ما تجاه الكاهن إيفانز، كبير الكهنة.
فكبير الكهنة يُعدّ من أعلى المراتب داخل المعبد.
ومهما كانت إيفانجلين الابنة الوحيدة للإمبراطورية وقريبة له، فالأمر الطبيعي أن تطلب موعدًا مسبقًا.
“سأنقل له طلبكِ على أي حال، ولكن…”
رد الكاهن بنبرة غير متعاونةٍ.
“لكن، حتى لو رفض كبير الكهنة، فلا يمكنني فعل شيء حيال ذلك.”
“شكرًا لكَ. هذا يكفيني.”
أومأت إيفانجلين برأسها واستدارت.
“هاه…”
تنهّدت تنهيدة طويلة من بين شفتيها الحمراوين.
كان مزاج إيفانجلين في أسوأ حالاته اليوم.
‘اليوم حقًا… كل شيء مزعج.’
كانت تكره رؤية لارِيت تتقارب مع باقي الآنِسات.
وكان من المزعج أن تضطر إلى رؤية وجه إيساك بعد أن قالت له كلمات مؤسفةٍ.
كما أزعجها أن تطلب منها الآنسة سانشيز شيئًا لا يُعقل قوله.
طبعًا، لو كانت إيفانجلين كما هي دائمًا،
‘لا.’
… لكانت رفضت مباشرة وبلا تردد.
لكن هذه المرة لم يكن الرفض بهذه السهولة.
لأنها…
‘لقد تصرفت بعصبية ٍتجاه الآنسة آنسي منذ قليل.’
لا يزال ذلك الجو البارد حاضرًا في ذاكرتها بشكل واضح.
لم تكن تريد خلق جو متوتر آخر، فقط لأنها رفضت طلب باقي الآنِسات.
خصوصًا وأن لارِيت على ما يبدو تستمتع بنشاطات نادي القراءة.
عضّت إيفانجلين شفتيها برفق.
‘لا يمكن أن أسبب أي إزعاج للآنسة آنسي بسببي.’
استرجعت إيفانجلين ما حدث في رأسها.
“هل ترغبين في مقابلة كبير الكهنة، آنسة آنسي؟”
“لا. ليس تمامًا.”
بمجرد أن أجابت لارِيت بذلك، رمقتها الآنسة سانشيز بنظرة حادة.
ذلك التحديق المروّع…
‘ماذا لو أنني رفضت طلب الآنسة سانشيز، فتسبّبت بإحراج للآنسة آنسي مجددًا؟’
لذا، وإن لم تكن مرتاحة، فقد رأت أن من الأفضل قبول الطلب.
لكن، في تلك اللحظة…
‘مهلًا؟’
مالت إيفانجلين برأسها في حيرة.
فقد سمعت أصوات حديث من مكان بعيد.
كانت لارِيت ورفيقاتها.
“يبدو أن السيّدة قد أصبحت قاسية بعض الشيء مع الآنسة آنسي مؤخرًا.”
قالت الآنسة سانشيز وهي تبدو قلقةً، توجه حديثها إلى لارِيت.
“هل الآنسة تعامل الآنسة آنسي بطريقة غير لائقةٍ؟”
في تلك اللحظة، شعرت إيفانجلين وكأن قلبها سقط من مكانه.
وبشكل تلقائي، اختبأت خلف أحد الأعمدة، وأصغت إلى حديث الآنِسات.
وحينها…
“على الإطلاق.”
أجابت لارِيت بحزم.
“الأميرة تعاملني بلطف كبير.”
تأثّرت عينا إيفانجلين الزرقاوان العميقتان بتلك الكلمات، واهتزّت مشاعرها بشدة.
بعد مغادرة الأميرة…
“……”
“……”
ساد صمت محرج بيني وبين رفيقاتي.
ويبدو أنني لم أكن في حالة جيدة، فبدا أنهن جميعًا يراقبن مزاجي بحذر.
حتى الآنسة سانشيز، التي يبدو أنها أدركت أنها تجاوزت الحد، التزمت الصمت التام.
لكن ذلك الصمت لم يدم طويلًا.
ربما رغبة منها في تلطيف الأجواء، بادرت الآنسة سانشيز بالكلام بطريقة ودودة.
“آنسة آنسي…”
لكن ما قالته…
“هل أنتِ بخير؟”
“بخير من ماذا؟”
“يبدو أن الأميرة أصبحت أكثر حدّة تجاهك مؤخرًا.”
كان كلامًا فارغًا تمامًا…..
ورغم أن ملامحي بدأت بالتصلب، إلا أن الآنسة سانشيز استمرت بالكلام بقلق مصطنع.
“هل تعامل السيّدة الآنسة آنسي بفظاظةٍ؟”
كان أسلوبًا مألوفًا.
طريقة ماكرة لإشعال الناس ضد بعضهم.
تلك النبرة التي توحي بالقلق الصادق، وتدّعي الاهتمام.
‘لا عجب، فهي صديقة سيرافينا. لم تتعلّم إلا ما هو سيءٌ منها.’
ابتسمتُ ببرود.
“على الإطلاق. الأميرة تعاملني بلطفٍ شديد.”
وبصوت حادّ، قلت ذلك، لتتلعثم الآنسة سانشيز وكأنها لا تصدّقني.
“لكن…”
قاطعتها بصرامة.
“الأميرة فقط لا تزال غير ماهرة في التعبير، مثلما كنت أنا سابقًا.”
“ماذا تقصدين؟”
“أنتم جميعًا تعلمون ذلك، أليس كذلك؟ أن لقبي السابق في المجتمع الراقي كان ‘خادمة الآنسة لوبيز’.”
ارتجف كتفا الآنسة سانشيز من صراحتي.
وأشرت إليها بعيني.
“وقد كان بعضكم ممن ساهم في نشر تلك الشائعات.”
“آنسة آنسي، أنا…!”
حاولت الآنسة سانشيز تقديم تبرير ما، لكنني سبقتها في الحديث.
“كنت وقتها أجهل كيف أتعامل مع الآنسة لوبيز والسيد جوستو.”
نظرت إليها مباشرة.
“كنت أعتقد أن عليّ طاعتهم بشكل أعمى، وأن أضع مصالحهم فوق نفسي. لكنني لم أعد كذلك.”
“……”
وكانت الآنسة سانشيز أول من أبعدت بنظرها عن الآخرين.
“وما جعلني أتغير هكذا… هو أن الأميرة ساعدتني.”
أنهيت كلامي بهدوء.
“الأميرة منحتني حياة جديدة.”
وبينما بدت الآنِسات في حالة من التفكير بعد سماع كلماتي، كانت تعابير الآنسة سانشيز مليئة بالتوتر والانزعاج.
‘ومن تراكِ لتغضبي بهذا الشكل؟’
“طبعًا، أتفهم أنك لا تعرفين الكثير عن الأميرة. لكن لو كنتُ مكانك، لاخترت الصمت بدلًا من التحدث بجهل.”
ثم، وبأسلوب واضح، سألتها مباشرة:
“أليس كذلك؟ من التي تصرّفت كالطفلة وتوسلت لرؤية كبير الكهنة إيفانز؟”
“طفلة؟! توسلت؟!”
احمرّ وجه الآنسة سانشيز خجلًا.
لكنني واصلت دون تردد.
“ومن التي قبلت لها هذا الطلب المجحف؟”
وصمتت باقي الآنِسات، وكأن صمتهن كان موافقةً ضمنية.
فالطلب بمقابلة كبير الكهنة إيفانز، لم يكن منطقيًا من الأساس.
‘خصوصًا وأن الأميرة لا ترتاح لهذا الرجل.’
شعرت بالغضب يتصاعد في داخلي، وقبضت على يدي بإحكام.
الأميرة تحاول أن تتحمّل كل هذا، وتعمل بجهد لتتغيّر.
لكن… هم لا يعلمون شيئًا.
“كل ما في الأمر، هو أن الأميرة تعامل الآنسة سانشيز بلطفٍ مبالغ فيه.”
وبينما كتمت غضبي، ابتسمت بخفة.
“لذا، آمل أن تُزال كل المفاهيم الخاطئة التي لديكم عن الأميرة.”
“آسفون…”
“سوف نكون أكثر حذرًا في المستقبل.”
انخفضت رؤوس بقية الآنِسات بخجل.
لكن، لا تزال هناك واحدة لم تُظهر أي ندم.
“آنسة آنسي، أليس كلامك قاسيًا بعض الشيء؟”
كانت تلك، بالطبع… الآنسة سانشيز.
رفعت رأسها بشموخ، وأصرّت على محاججتي بكل جرأةٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 64"