“آه، هل أنتِ الأميرة كلوديوس؟”
ثم انحنى بسرعةٍ وظهره مستقيم.
“بفضل التبرعات الدورية من دار الدوق، تمكّنا من افتتاح عدد أكبر من دور رعاية الأطفال في الأقاليم. نحن ممتنّون حقًا.”
اتسعت أعين السيدات بدهشة ووجّهن أنظارهن نحو الآنسة.
أما الآنسة فقد بدت محرجة ًبعض الشيء.
“بإمكانك الدخول مباشرة، آنستي. فباسم دار الدوق، نضع الزهور يوميًا.”
“شكرًا لكَ.”
“لا، بل نحن من نشكركم.”
وبعد تبادل كلمات المجاملة بين الأميرة والكاهن، دخلنا إلى قاعة العبادة.
من بعيد، ظهرت المذبح الذي يحتوي على تمثالٍ.
كان التمثال يجسّد صورة أم عطوفة، تحيط به مزهريات مليئة بالزهور البيضاء وكأنها تحميه.ُ
المشهد بدا في غاية الجمالِ.
أبرز موقع في المذبح كان بالطبع في المقدمة، الأقرب إلى التمثالِ .
ومن بين تلك المزهريات، كانت هناك واحدة لافتةٌ للنظر بشكل خاص.
“آه، انظرن هناك.”
تمتمت إحدى السيدات بدهشة وهي تحدّق.
“إنها مزهرية من دار كلوديوس!”
أسفل المزهرية المملوءة بزهور الجربيرا الوفيرة، نُقش اسم ‘كلوديوس’.
أعين السيدات لمعت ووجّهن أنظارهن نحو الآنسة.
“حتى في التبرعات، يبدو أن دار الدوق نشطةٌ للغاية…”
“هذا رائعٍ حقًا.”
عندها، تدخلت السيدة شيروود، المُحبّة للكتب، قائلة:
“دار كلوديوس معروفة ليس فقط بحقوق النبلاء، بل أيضًا بالتزامها الشديد بالواجبات الأخلاقية. وقد تم شرح ذلك جيدًا في كتاب ‘الدم الملكي’…”
“كفى، توقفوا. أشعر بالإحراجِ.”
قالت الأميرة وهي تلوّح بيدها، محمرة الخدّين.
كان واضحًا أن السيدات لم يسبق لهن رؤية الآنسة بهذا الشكل من قبل، فحدقنَ بها مدهوشات.
‘أوه، ربما بدأت تتأقلم أخيرًا.’
ففي البداية، كانت حذرة ًوحادة الطباع،
لكنها الآن، يبدو أنها بدأت تنسجم جيدًا بين السيدات.
ابتسمتُ برضا.
تقدّمنا جميعًا.
لكن وسط كل ذلك، كانت هناك آنسة لا تزال متعلّقة بأملها في لقاء رئيس الكهنة إيفانز.
“آه، آنستي…”
قالت السيدة سانشيز وهي تنظر إليها بعينين مترجيتين.
“هل يمكنني طلب صغير فقط؟”
“…”
نظرت الأميرة إلى السيدة سانشيز بتعبير غير مرتاح.
لكن الآنسة سانشيز بدت مصمّمة.
“أنتِ قريبة لعائلة رئيس الكهنة إيفانز، أليس كذلك؟”
“وماذا في ذلك؟”
“الكتاب الذي اخترناه هذه المرة، هو من تأليف رئيس الكهنة. وظننت أن فهم محتواه سيكون أعمق لو استمعنا لشرحه شخصيًا…”
رغم محاولاتها لتبرير الطلب، فإن غايتها كانت واضحة:
أن تطلب من الآنسة ترتيب لقاء مع رئيس الكهنة.
‘ما الذي تفعله هذه؟’
كنتُ مذهولةً ببساطة.
هل تظن أن بإمكانها تسليم الأمر الأميرة وكأنها مديرةُ أعمالها؟
ثم من يظن نفسه ليقابل شخصًا بمكانة رئيس الكهنة هكذا، من دون أي موعد؟!
‘من المؤكد أن الأميرة سترفض، أليس كذلك؟!’
نظرتُ نحو الآنسة بثقة تامة، لكن…
‘هاه؟’
ارتبكت للحظة ورفرفت عيناي.
فقد كانت الأميرة تنظر إليّ بصمت.
ثم، وبعد لحظةٍ من التردد، سألتني بنبرة معقّدة:
“هل ترغبين أيضًا بلقاء رئيس الكهنة، آنسة آنسي؟”
“لا. لا أرى حاجة لذلك.”
أجبتُ بحزم وهززت رأسي.
بغضّ النظر عن وسامته أو قدراته، لا أرغب في مقابلة شخص يشبهُ سيرافينا.
‘وفوق ذلك، أنتِ تجدين وجوده مزعجًا يا أميرة.’
حتى إن شعرتُ ببعض الفضول تجاه بطل القصة، فإن مكانة الأميرة عندي أعلى بكثيرٍ من شخصٍ مثلهِ.
بمجرد أن أنهيتُ كلامي، رمقتني الآنسة سانشيز بنظرة حادّة.
‘وهل هذا يهمني؟’
أدرت ظهري تجاهها ببساطة.
في تلك اللحظة، نظرت الأميرة بيني وبين السيدة سانشيز بتعبير حائر، ثم قالت:
“حسنًا، سأحاول إيصال طلبك للكاهن.”
لقد رفضتِ الطلب بشكل واضح… ها؟
‘ماذااا؟!’
حدّقت بها بعيون متّسعة.
تابعت الآنسة كلامها بنبرة هادئة:
“لكن أخبركِ مسبقًا، احتمال الرفض كبير.”
“نعم، بالطبع! أشكركِ كثيرًا!”
تهلّل وجه الأميرة سانشيز واحمرّت خديها من الفرحة.
“…”
نظرت إليّ الأميرة لوهلة أخيرة، ثم غادرت.
وقفتُ في مكاني مذهولة.
‘ما هذا؟’
هل وافقت الآنسة فعلًا على هذا الطلب السخيف؟
كان من المفترض أن ترفضه مباشرة كما تفعل دائمًا…
هل فعلت ذلك لأن ردّي أزعج الآنسة سانشيز؟
… هل كانت تفكّر بي؟
‘لا أصدق.’
عضضتُ شفتي.
كنت أعلم أن الآنسة بدأت تحسّن صورتها في المجتمع.
فالصالون نُظّم بنجاح، وشاركت في مناسبات المجتمع الجنوبي، وتحضر اجتماعات القراءة بانتظام.
وإن كان البعض لا يزال يحمل عنها فكرة التعجرفِ، فقد تراجعت تلك الفكرة كثيرًا.
ومع ذلك، لم تُمحَ تمامًا.
لذا، كنّا نحاول تجاوز أي خلافات قدر الإمكان…
‘لكن من بدأ بالتجاوز أولًا كانت هي.’
كيف تجرؤ، وهي بالكاد تحدثت مع الأميرة من قبل، أن تطلب منها أمرًا وقحًا بدافع الإعجاب برجل؟
هل فقدت عقلها؟
رمقتها بنظرةٍ باردة.
في تلك اللحظة، كانت سيرافينا تدخل قاعة العبادة في المعبد.
فقد سمعت أن الأميرة كلوديوس جاءت لزيارة المعبد مع أعضاء نادي القراءة،
فسارعت للحاق بها، آملة في إيجاد فرصة للتقرب منها.
لكن، مع ذلك، لم تستطع إخفاء شعورها بالإهانة.
‘لا، أنا جئت فقط لتقديم القربان للمعبد.’
أقنعت نفسها بذلك.
‘لم آتِ أبدًا لأتبع اجتماع القراءة…’
عند مدخل القاعة، وبينما كانت تهمّ بكتابة اسمها في السجل، توقفت فجأة.
[لاريت آنسي]
[إيفانجلين فون كلوديوس]
الاسمان، المكتوبان بجانب بعضهما، أثارا استياءها الشديد.
حدّقت فيهما للحظة، ثم رسمت ابتسامة مشرقة، ونادت الكاهن.
“عذرًا، سيدي. هل تعرف ما إذا كانت الأميرة كلوديوس قد قدّمت زهورًا أم مزهرية؟”
“عفواً؟”
نظر الكاهن إليها بدهشة، كمن سمع سؤالًا غير منطقي.
“الأميرة لا تحتاج لتقديم قرابين بشكل مباشر. فباسم دار كلوديوس، تُقدّم المزهريات دائمًا .”
“…”
تصلّبت ملامح سيرافينا للحظة.
‘كم أكرهُ ذلك.’
في كل مرة تواجه فيها الفارق الساحق بينهما، بهذا الشكل المفاجئ،
تشعر وكأن الأميرة تقفُ أمامها كجدار شاهق لا يُمكن تجاوزه.
ومهما حاولت، فهي لن تتفوق عليها أبدًا…
“آنسة لوبيز؟”
سألها الكاهن بتعبير مرتاب بعدما لاحظ سكوتها المفاجئ.
انتبهت سيرافينا بسرعة، وابتسمت بعفوية.
“إذن، هل يمكنني الحصول على مزهريةٍ أيضًا؟”
“آه، نعم بالطبع…”
ناولها الكاهن المزهرية وهو لا يزال حائرًا.
لكن حين دفعت ثمن المزهرية، تصلّبت كتفاها.
‘تبًّا.’
أفاقت حين رأت المبلغ.
عضّت على أسنانها بصمت.
رغم أن المزهرية كانت بسيطة وبزهورٍ قليلة،
فإن ثمنها كان يعادل مصروفها لأسبوع كامل.
لقد انقطع دعم لاريت عنها منذ زمن، وغريجوري أصبح يعاملها ببرودٍ شديد مؤخرًا.
‘يجب أن أقتصد بأي طريقة…’
شعرت فجأة أن المزهرية ثقيلة بشكل لا يُحتمل.
لكن…
‘لا يجب أن أبدو مهزومةً.’
فردت ظهرها عن قصد، وسارت بخطوات واثقة.
فبغض النظر عما في داخلها، كان عليها أن تُظهر وجهها الواثق كـ’زهرة المجتمع’.
وفي تلك اللحظة…
‘هم؟’
توقّفت سيرافينا.
فقد رأت من بعيد سيدة تختبئ خلف عمود.
شعرها الذهبي الفاخر، وفستانها الراقي الذي بدا واضحًا أنه من تصميم علامة فاخرة،
من رأسها حتى قدميها، بدت كدميةٍ صُنعت بإتقان يدوي…
‘الآنسة كلوديوس؟’
التعليقات لهذا الفصل " 63"