قاعة كبار الكهنة.
المقرّ الرئيسي للدين الإمبراطوري، ويُعدّ واحدًا من القوى الثلاث العظمى في الإمبراطورية إلى جانب العائلة الإمبراطورية ومجلس النبلاء.
وهو أيضًا المكان الذي يمكن فيه رؤية عددٍ أكبر من النبلاء مقارنة بمجلس النبلاء نفسه.
والسبب في ذلك بسيط.
ما لم تكن مثل دوقية كلاوديوس التي تمتلك أكثر من لقب نبيل، فإن الابن الثاني فما بعد لا يرث اللقب، ويجب أن يجد لنفسه طريقًا آخر للعيش.
طبعًا، الغالبية العظمى منهم يحيون حياة مترفةً بمال العائلة، لكن من كان فيهم طموح، فإما أن ينضم إلى فرقة الفرسان أو يصبح رجلَ دين.
وأحيانًا، يتزوج من الآنسة التي تحمل لقبًا نبيلًا، ليرث لقبها حسب اتفاق بين العائلتين.
لكن الطرف الآخر ليس ساذجًا، وغالبًا ما يفضلون أن يرث اللقب ابنتهم لا صهرهم.
نعم، يبدو أنني كنت أنا تلك الساذجة …
‘على أية حال.’
بما أن العائلات تسعى لراحة أبنائها الذين يخدمون كرهبان، فهي تغدق التبرعات بسخاء.
وفوق ذلك، كونه المقر الرئيسي للدين الإمبراطوري يضفي عليه هيبةً خاصة.
لأسباب كهذه، تمّ تزيين قاعة كبار الكهنة ببذخٍ ورفاهية لا مثيل لها.
تحت ضوء شمس العصر، كان المبنى المصنوع من الرخام الأبيض النقي يلمع ببريقٍ يخطف الأبصار.
وحين أحدّق في ذلك المشهد المهيب، ينتابني إحساسٌ بالرهبة.
وفي تلك الأثناء، صاحت الآنسة سانشيز بحماسٍ بالغ:
“لقد سمعت أن كبير الكهنة، إيفانز، يعمل في المبنى الرئيسي لقاعة كبار الكهنة!”
ثم نظرت حولها بعينين متألقتين، واقترحت بحماسة:
“إذاً، لما لا نبدأ جولتنا من المبنى الرئيسي؟”
“مهلًا، آنسة سانشيز.”
تنهدت الآنسة شيروود وسألت باستغراب:
“أليس دخول المبنى الرئيسي ممنوعًا للعامة؟”
تنقسم قاعة كبار الكهنة إلى معبدٍ ومبنى رئيسي.
المعبد مفتوح للعامة، ويمكنهم تقديم الصلوات والقرابين فيه.
أما المبنى الرئيسي، فهو مخصص لسكنى الكهنة وأداء مهامهم، ولا يسمح بدخوله سوى للعاملين فيه.
لكن الآنسة سانشيز لم تُعر الأمر أهمية.
“لا بأس. لدي طريقة فعالة أستخدمها في مثل هذه المواقف.”
قالت ذلك، ثم ارتسمت على وجهها ملامح مصطنعة من الحرج.
ثم صاحت بصوتٍ مبالغ فيه:
“يا إلهي، أين ذهب منديلي؟!”
‘……’
نظرت إليها بعينين باردتين.
هل تنوي فعلًا استخدام تلك الحيلة القديمة والساذجة، التي تدّعي فيها أنها فقدت شيئًا ودخلت تبحث عنه؟
“إنه منديلي الثمين الذي أهدانيه والداي، وقد طار بفعل الرياح إلى جهة المبنى الرئيسي~!”
ثم هرولت مسرعة باتجاه المبنى الرئيسي.
وللمعلومة، أداء الآنسة سانشيز التمثيلي… لم يكن بالمستوى المطلوب.
“آه، آنسة سانشيز؟!”
“أوه، هذا كثير…”
هل يمكن أن تفعل هذا حقًا؟
بدأت بقية الفتيات يتبادلن النظرات القلقة، ثم هرعن خلفها.
نظرت إلى الأميرة بنظرة جانبية خفيفة.
ورغم ابتسامتها المشرقة، كانت عيناها جامدتين وشفتيها ترتجفان.
‘يبدو أنها تريد أن توبّخها فورًا، لكنها تكبح نفسها.’
ربما بسبب التوتر الذي ساد قبل قليل.
يبدو أنها تحاول التصرف بحذر.
‘همم، ألم تقل الأميرة من قبل أنها لا ترتاح لكبير الكهنة؟’
إن كان كذلك، فيجب أن أحرص على ألّا يحدث بينهما أي لقاء غير متوقع.
وبناءً على هذا، وقفت في طريق الآنسة سانشيز.
“آنسة سانشيز، أنا أتفهم رغبتك في لقاء كبير الكهنة إيفانز، ولكن أليس من الأفضل أن نلتزم بالقواعد في قاعة كبار الكهنة؟”
“نعم؟”
“يبدو أن الخطوة الأولى تكون بزيارة المعبد وتقديم القرابين، أليس كذلك؟”
“لكن… من الصعب لقاء كبير الكهنة في المعبد.”
قالت ذلك بوجهٍ ممتعض.
‘هل وضعت على وجهه العسل أم ماذا؟’
(ميري : ومعناها أن الشخص الآخر يتصرف وكأنه منجذب جدًا لذلك الشخص، أو مهتم به بشدّة، تمامًا كما تنجذب الحشرات إلى العسل.+
حبست تنهيدةً كادت تفلت مني.
“إذا كان لقاءه مهمًّا إلى هذا الحد، يمكن تقديم طلب رسمي للزيارة في وقت لاحق.”
هززت كتفي بلا مبالاة.
“إن دخلنا المبنى الرئيسي بدون إذن، وغضب كبير الكهنة من هذا التصرف، ألن تكون العواقب وخيمة؟”
“……هذا صحيح.”
“كبير الكهنة هو جزء من هذه المؤسسة، وبلا شك يتوقع من الزوار أن يظهروا الاحترام الواجب للمكان.”
كررت حديثي عن كبير الكهنة كنوعٍ من الإقناع،
“وأنا أظن أن كلام الآنسة آنسي منطقي.”
وأضفتُ :
“نحن خرجنا اليوم من أجل تغيير الأجواء، أليس كذلك؟”
“لقاء كبير الكهنة سيكون أمرًا جميلًا، لكن لا ينبغي أن نرتكب وقاحة في قاعةِ مقدسة.”
وافقت بقية الفتيات أيضًا على كلامي.
ومع دعم الآنسة والفتيات الأخريات، لم تستطع الآنسة سانشيز الإلحاح أكثر رغم امتعاضها.
وهكذا، توجهنا إلى المعبد.
اقتربت من الأميرة وهمست بصوتٍ منخفض:
“هل أنتِ بخير، آنسة؟”
“هم؟ ماذا تعنين؟”
ردّت بوجهٍ هادئ، لكن شفتيها المتصلبتين لم توحيا بالارتياح.
* * *
خرجت سيرافينا أخيرًا للتنزه بعد وقتٍ طويل.
كانت بحاجة للتخلص من المزاج السيء بسبب لقاء بيوني وموضوع غريجوري.
واختارت الجلوس في مقهى قريب من قاعة كبار الكهنة، المكان الذي كثيرًا ما يرتاده السادة النبلاء.
طلبت فنجان قهوة، وجلست تتظاهر بقراءة ديوان شعر.
وبينما هي جالسة بهدوء، اقترب منها مجموعة من السادة الذين كانوا في المقهى.
“يا إلهي، أليست هذه الآنسة لوبيز؟”
“ما زلتِ فاتنة كما عهدناكِ.”
“لم أكن أظن أنني سأراكِ هنا اليوم. يا لها من مفاجأة سعيدة!”
“هل تأذنين لي بأن أتشرف بمرافقتكِ، آنسة لوبيز؟”
أمطرها السادة بالكلمات المعسولة.
وسرعان ما تحسّن مزاج سيرافينا قليلًا.
لكن في تلك اللحظة…
“هل سمعتم الخبر؟”
قال أحد السادة بلا اهتمام:
“سمعت أن آنسة كلاوديوس زارت قاعة كبار الكهنة اليوم.”
ماذا؟
لمعت عينا سيرافينا فجأة وهي تحدّق فيه.
فارتبكَ السيد وسارع بإضافة:
“لكن، ما شأننا بها؟ أجمل زهرة في المجتمع أمامي الآن.”
“كم هو لطفٌ منك أن تقول هذا.”
قالت سيرافينا ذلك وهي تنهض من مقعدها بأناقة.
“لكن، أظنني مضطرة للانصراف الآن. تذكرت أمرًا عاجلًا.”
“هاه؟”
“نلتقي لاحقًا، إلى اللقاء.”
وغادرت بخطواتٍ رشيقة وسريعة.
أما السادة، فقد بقوا يحدقون في ظهرها بدهشة، قبل أن يرمقوا ذلك السيد الذي ذكر اسم الآنسة بنظرات حادة.
“لقد أفسدتَ الجو بسببك! لقد أزعجتها!”
“وأضعنا فرصة الحديث معها بسببكَ…!”
وبعد لحظات…
‘كيف يجرؤ على ذكرها أمامي؟’
غمغمت سيرافينا بأسنانها، وهي تصعد إلى العربة بسرعة.
‘لكن… لا بأس، عليّ معرفة ما يحدث على أية حال.’
ربما هذا أفضل.
فمن السهل أن تلتقي بها صدفة في قاعة كبار الكهنة.
قالت سيرافينا على عجل:
“إلى قاعة كبار الكهنة، هيا!”
* * *
تحت الزجاج الملوّن في المعبد، انهمرت أضواء ملونة خلابة.
وعند المدخل، بيعت شموع مخصصة للقرابين، و زهور الجربيرا البيضاء النقية.
(ميري : زهور الجربيرا البيضاء
وكان هناك مزهرية فاخرة تُعرض فيها باقات الجربيرا، وكانت أسعارها باهظة بحق…
ويبدو أنه كان يُكتب اسم المتبرع عليها، كنوع من التفاخر للطبقة الثرية.
‘هممم.’
لم أكن متدينة إلى ذلك الحد، لذا اكتفيت بشراء زهرة واحدة فقط.
وبقية الآنسات تصرّفن مثلي.
وبينما كنا نكتب أسماؤنا في سجل الزوّار، فوجئت بالكاهن الواقف بجواره يحدق بي بدهشةٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 62"