منذ الاجتماع الأول، استمر نادي القراءة بسلاسة.
في الواقع، كنتُ راضيةً إلى حدٍّ ما.
لطالما كنت أحب القراءة، والسيدات اللواتي شاركن في النادي كنّ شغوفاتٍ بها إلى درجة أنهنّ أنشأن ناديًا خاصًا لذلك.
تبادل الآراء والانطباعات كان ممتعًا إلى حدٍّ ما.
لكن الآنسة، من جهتها…
‘همم، يبدو أن نادي القراءة لا يعجبها حقًا.’
داخل العربة المتجهة نحو منزل شيروود.
كانت الآنسة تسند ذقنها بكفها وتُحدّق من النافذة بنظرةٍ فارغة.
بصرف النظر عمّا تظنه الآنسة عن النادي، فقد بدت لي جديرةً بالإعجاب.
صراحة، آنستنا لا تُحب القراءة أصلًا.
ومع ذلك، كانت تواظب على قراءة الكتب وكتابة انطباعاتها، وهذا يُظهر مدى اجتهادها، أليس كذلك؟
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
في تلك اللحظة، رمقتني الآنسة بنظرة جانبية بينما كانت تراقب الخارج.
“آه، حسنًا…”
ابتسمتُ بخجل.
“كنتُ أفكّر كم أن الآنسة مجتهدة فعلًا.”
“…هكذا فجأة؟”
“فجأة؟ لقد كنتُ أظن هذا منذ زمنٍ.”
“همف.”
حدّقت بي الآنسة مطولًا، ثم استدارت بوجهها ببرود.
“هل وجدتِ اختيار هذا الشهر ممتعًا، آنسي؟”
رغم كل شيء، يبدو أن مزاجها قد تحسّن قليلًا، بما أنها بادرت بالكلام.
‘على كل حال، الكتاب الذي تم اختياره هذا الشهر كان…’
رواية رومانسية صُنّفت مؤخرًا كأحد الأعمال الكلاسيكية.
وُصفت في المراجعات بأنها تتناول الصراعات الجوهرية في النفس البشرية من خلال قصة رجلٍ ممزقٍ بين الحب، والسلطة، والزواج.
“مم… بصراحة؟”
ترددتُ قليلًا ثم هززتُ كتفي.
“كانت مملةً بعض الشيء، أليس كذلك؟”
“أليس كذلكَ؟”
تألقت عينا الآنسة وهي تلتفت نحوي فجأة.
“بطل الرواية في هذا الكتاب كان غبيًا جدًا.”
“صحيح. سواء أراد العائلة أو الحبيبة، كان عليه أن يختار بوضوح. لكنهُ ظل يتخبّط بين الخيارين بلا جدوى.”
“هاه، كما توقعت من آنسة آنسي. لهذا أحب الحديث معك!”
وهكذا بدأنا في تبادل الانتقادات حول الرواية، حتى توقفت العربة أخيرًا أمام قصر شيروود.
لكن…
‘هاه؟’
كانت هناك عربة لم أرها من قبل متوقفة أمام القصر.
وكان الشعار المعلّق عليها يشير إلى…
“إنها عربة آل سانشيز، أليس كذلك؟”
عرفت الآنسة على الفور لأي عائلة تعود.
أما أنا، فقد بدوت مشوشة.
فلآنسة سانشيز، كما أعرف، كانت من أعضاء ‘فيوني’ التي تنتمي إليها سيرافينا.
كعضوة بارزة فيها، كانت تُعرف بعلاقتها المتينة مع سيرافينا.
وقد رأيتها سابقًا عدة مرات من خلال سيرافينا.
‘حقًا، كانت نسخة طبق الأصل من سيرافينا في شخصيتها.’
بمعنى آخر، كانت مزعجةً للغاية.
لكن ما أثار فضولي لم يكن ذلك بالضبط.
“آه، أميرة…”
سألتها بحذر:
“كيف عرفتِ على الفور شعار عائلة سانشيز؟”
أعني، كانت الآنسة معروفة بعدم اهتمامها بأي عائلة.
كنت أظن أنها لم تحفظ أي شعار لأنها ببساطة لا تهتم بذلك.
‘عادةً ما يبدأ النبلاء بحفظ شعارات العائلات من مرتبة الماركيز فما فوق.’
لكن الآنستنا كانت دائمًا تتصرّف وكأنها لا تعرف أحدًا.
وذلك ساعد على ترسيخ شائعة سيرافينا بأنها ‘متغطرسة ومتعالية’.
ابتسمت الآنسة بلا مبالاة وأجابت:
“لقد حفظتُ شعارات كل العائلات من رتبة الكونت فما فوق.”
“حقًا؟”
“نعم. أخي ظل يُلح عليّ أن هذا من أساسيات التربية النبيلة.”
“…لكن، لماذا تتظاهرين بعدم المعرفة دائمًا؟”
“لأن الأمر مزعج.”
“…”
أوه، فهمتُ الآن.
لم أستطع الرد.
لكن في تلك اللحظة، ابتسمت الآنسة لأول مرة منذ بداية الرحلة.
“لكن، آنسة آنسي… لقد حفظتُ شعار عائلتكم قبل أن يطلبَ مني أخي ذلك.”
“…شعار عائلتنا؟”
“بالطبع. الأمواج والبجع، أليس كذلك؟”
‘أليس هذا جيدًا؟’
كانت تنظر إليّ بعينين لامعتين وكأنها تنتظر مني المدح.
“نعم، صحيحٌ.”
أومأتُ بسرعة بينما شعرتُ بانقباض خفيف في صدري.
لكن ما إن التقطت تعبيرها، حتى تداركت الأمر بسرعة:
“لا تسيئي الفهم!”
أشاحت بوجهها وقالت بحدةٍ:
“أنا فقط حفظته لأننا أبرمنا عقد صداقة. فعلتُ ذلك من باب اللباقة، هل فهمتِ؟”
“بالطبع. الآنسة فقط تحترم العقد.”
فأسرعتُ أؤكد كلامها، فردّت بصرف انتباه:
“…ليس هذا السبب الوحيد تمامًا.”
“نعم؟”
“لا، لا شيء. هيا، لننزل.”
قفزت الآنسة بسرعة من العربة، وبدت وكأنها قطة اشتعل ذيلها.
ضحكتُ بخفةٍ وتبعتها.
وكان أول من اقترب نحونا بسرعة، هي الآنسة سانشيز.
“مرحبًا، آنسة!”
ابتسمت لها الآنسة بتكلف، ثم التفتت إليّ بنظرة جانبية:
‘أليست هذه الآنسة التي كانت تلازم الآنسة لوبيز؟’
كانت عيناها تقول هذا بوضوح.
‘لا بأس.’
أومأتُ برفق.
فتغيّر وجه الآنسة إلى تعبير غير راضٍ، وقالت بفتور:
“أجل.”
ثم أدارت وجهها من دون حتى إلقاء تحية مجاملة.
“آه…”
بدت آنسة سانشيز محرجةً قليلًا، لكنها بادرت بالحديث إليّ فورًا لتلطيف الأجواء:
“آنسة آنسي! مضى وقت طويل!”
…بصراحةٍ، كانت وقحة بما فيه الكفاية لتتصرف وكأن شيئًا لم يكن.
ألم تكن من كانت تتجاهلني بوضوح عندما كانت تتسكع مع سيرافينا؟
لكن،
‘لو أشرتُ إلى ذلك، سأبدو أنا الحقيرةَ.’
لفهم هذه الدقة، لا بد أولًا من معرفة الفرق بين آنسات العاصمة وآنسات الجنوب.
آنسات الجنوب كن يعرفنني منذ الطفولة، وشاهدن كيف كانت سيرافينا تُهينني باستمرار.
وهكذا، وبدون وعي، بدأن في معاملتي كأنني خادمة.
أما آنسات العاصمة، فكنّ أكثر ‘أناقة’.
ربما يسخرن من خلفي، لكن أمامي يبتسمن بلطف.
وذلك، وإن كان مزعجًا، لكنه لا يُعطي مبررًا واضحًا للرد.
والأهم…
‘سمعة الآنسة على المحك.’
لو دخلتُ في خلاف شخصي مع الآنسة سانشيز، فقد ينعكس ذلك سلبًا على الآنسة.
‘وسمعتها بدأت بالتحسّن مؤخرًا.’
قررت أن أتصرف بحكمة.
ابتسمتُ وأومأت.
“أجل. كيف حالكِ؟”
“واو، آنسة آنسي! هل كنتِ قلقة عليّ؟”
انتهزت الفرصة، وبدأت تلتصق بي وتثرثر بنشاط.
“سمعت أن الحفل الأخير في قصر آل آنسي كان مذهلًا!”
“هاه؟ ذلك الحفل…”
“بل حضرتُه الآنسة والدوق بنفسهما! كم أنا حسودة!”
ابتسمتُ بتعب.
كان واضحًا ما تُريده.
رغم أنها تتحدث إليّ، فإن كل اهتمامها منصبّ على دوق كلوديوس.
بمعنى آخر…
‘أنا مجرد جسر.’
تريد استخدامي للوصول إلى الآنسة؟
‘هذا غير مقبول.’
ليس لدي مشكلة إن كوّنت الآنسة صداقات طيبة.
لكن عندما يتضح أن النية هي استغلالها…
‘هذا مُقرف.’
حينها شعرتُ بوخزة ضمير.
هل هذا لأنني أفعل الشيء ذاته؟
رفعت رأسي بثبات.
ما المشكلة؟
أنا والآنسة أبرمنا عقد صداقة متبادل.
لسنا نستغل بعضنا.
“فكيف حضرتِ هذا الاجتماع؟”
“آه، والدتي صديقة مقرّبة من كونتيسة شيروود. طلبتُ منها أن تساعدني.”
“أها، فهمت الآن.”
تابعت الحديث معها بسطحية، لكن في رأسي، كانت أفكاري تدور.
هل سـ تنسحب آنسة سانشيز من مجموعة ‘بيوني’؟
‘هل بدأوا يتخلون عن سيرافينا؟’
وتمامًا حين كنتُ في خضم هذه الأفكار،
أمسكَ أحدهم بذراعي بقوةٍ…
التعليقات لهذا الفصل " 59"