كانت سيرافينا تكبت غليانها الداخلي بصعوبة.
‘لو غضبتُ في هذه اللحظة، سيفسد كل شيء.’
الجميع سيتهمها بالحساسية المفرطة،
وسيسخرون منها ويستهزئونَ منها، حتى يُسقطوها أرضًا.
لذا، حتى لو اشتعلت النيران تحت قدميها، كان عليها أن تُظهر تعبيرًا هادئًا وتصرفًا رزينًا.
“على أي حال، سمعت أن الآنسة آنسي تشارك مؤخرًا في نادي القراءة مع آنسة العائلة كلاوديوس؟”
‘نادي واتكينز؟ ذاك التجمع الممل لعشاق الكتب؟’
رفعت سيرافينا حاجبًا واحدًا.
هي نفسها، وكذلك عضوات ’فيوني‘، كن يستخففن بذلك النادي سرًا.
لكن ما إن أُضيف اسم آنسة العائلة كلاوديوس إلى ذلك التجمع،
“يا إلهي، أود الذهاب أنا أيضًا!”
“القراءة؟ هذا يُظهر سمو العقل!”
تحوّل نادي القراءة فجأة إلى تجمّع ’يجب بأي ثمن الانضمام إليه‘.
وسرعان ما تحوّلت تلك الحالة إلى سهم حاد، وُجّه من جديد نحو سيرافينا.
“هل من الممكن أنك لم تُدعَ إلى الاجتماع هذه المرة أيضًا، يا آنسة لوبيز؟”
‘…لماذا أُثير هذا الموضوع فجأة؟’
راود سيرافينا شعور سيئ.
وكان ذلك الشعور في محلّه تمامًا.
“في الواقع، لقد تقررُ أن أشارك في الاجتماع القادم.”
الآنسة سانشيز، التي لم تستطع يومًا تجاوز ظل سيرافينا وتصدّرت المرتبة الثانية في نادي ’فيوني‘ الاجتماعي،
رفعت دعوة نادي واتكينز بفخر أمام الجميع.
“صراحة، لم أكن مهتمة كثيرًا من قبل، لكن آنسة العائلة كلاوديوس أصبحت نشطة جدًا في المجتمع مؤخرًا، أليس كذلك؟”
ابتسمت الآنسة سانشيز بعينيها.
“كنت أرغب بلقائها منذ زمن، كما أن والدتي على علاقة وطيدة بكونتيسة شيروود، ولهذا حصلت على الدعوة من والدتي.”
“يا إلهي، كم أنا غيورة!”
“وأنا أيضًا أرغب بالذهاب! هل يمكنك دعوتي لاحقًا أيضًا؟”
حدّقت السيدات نحو الآنسة سانشيز بنظرات يغمرها الحسد.
“بالطبع. أليست هذه هي الصداقة الحقيقية؟”
هزّت الآنسة سانشيز كتفيها، ثم رمقت سيرافينا بنظرة ممتلئة بالانتصار.
“آه، صحيح. أردت أن أذكر ذلك مسبقًا فقط… أعتقد أن مشاركة الآنسة لوبيز قد تكون… صعبةً قليلًا.”
(ميري: اطربينا بصياحكك 💃🏻)
“……”
انطفأت نظرات سيرافينا على الفور.
ادّعت الآنسة سانشيز الحذر، لتضرب سيرافينا بكلماتها من جديد.
“يجب أن نأخذ في الاعتبار مشاعر آنسة العائلة، أليس كذلك؟ ستتفهمين، أليس كذلك؟”
“لا تقلقي. لم يخطر ببالي أن أطلب دعوةً منذ البداية أصلًا.”
ابتسمت سيرافينا بابتسامة ناعمةً كالزهر الليلي، وأكملت كلامها
“ذلك سيكون… طفوليًا بعض الشيء، أليس كذلك؟”
بالطبع، كانت قد طلبت ذات مرة من لاريت أن تدعوها إلى صالون عائلة الدوق،
لكنها حاولت طمس تلك الذكرى، وتظاهرت بالكبرياء.
“بل أنا من يتساءل عن دوافعكِ يا آنسة سانشيز.”
“دوافعي؟”
“نعم. أنا لم أطلب شيئًا منذ البداية، فلماذا تذكرينني بشكل خاص؟”
في الحقيقة، كان الأفضل أن تنهي الأمر عند ’طفوليًا، أليس كذلك؟‘
لكن سيرافينا، وقد غمرها الضيق، أضافت جملة أخرى.
“يا إلهي، هل شعرتِ بالإحباط؟”
لم تفوّت الآنسة سانشيز الفرصة، ووسّعت عينيها ببراءة مصطنعة، لتجعل من سيرافينا إنسانة تافهة.
“كنت فقط أظن أن عليّ أن أوضح الأمور حتى لا يحدث سوء فهم. آسفة إن شعرتِ بالإهانة.”
“آنسة سانشيز، ذلك…”
“كيف أقول… خشيت أن تشعري بالعزلةِ قليلًا.”
ابتسمت الآنسة سانشيز بلطف مبالغ فيه.
“نسيت أنكِ، آنسة لوبيز، ساميةً جدًا عن مثل هذه الدعوات. من الطبيعي ألا تحتاجي إلى واحدة… أنا لقد تسرعتُ.”
كانت نبرتها ناعمة كريشة، لكن كلماتها كانت مملوءةً بالشوك.
“بما أنكِ كنتِ هادئة جدًا اليوم، ظننت أنكِ ربما كنتِ منزعجة. يبدو أنني كنت مخطئةً.”
“……”
ظلت سيرافينا تبتسم، لكنها كانت تصرّ على أسنانها بصمت.
‘لقد ارتكبتُ خطأ.’
كان عليها ألّا تترك لها مجالًا للتمادي أصلًا.
‘…مستفزةٌ بحق.’
لو كانت الآنسة سانشيز في السابق، لما تجرأت حتى على التحدث بوجود سيرافينا.
لكن اليوم، كانت هي من تقود الحوار بدلًا عنها.
وذلك وحده كان دليلًا على أن سيرافينا فقدت زمام السيطرة على هذا اللقاء.
مما زاد من شعورها بالسوء.
“لكن ألا تلاحظن أن الأميرة تبدو ألطف مؤخرًا؟”
“صحيح، أصبحت تضحك كثيرًا مقارنة بالماضي.”
“كانت تثير رهبة من قبل، أما الآن فلا أشعر بذلك.”
“لقد صادفتها مؤخرًا، وتخيلن! هي من بادرت بتحيتي!”
الآنسات اللواتي اعتدن على التحدث خلف ظهر أميرة وسيرافينا،
انقلبن كليًا وبدأن يدعمن الأميرة بكل حماسة.
وفوق ذلك كله:
“كنت أظن، من كلام آنسة لوبيز، أن الأميرة باردة للغاية.”
“ربما كان ذلك تحاملًا منّا، في النهاية.”
…وحمّلن كل تلك النميمة السابقة على ظهر سيرافينا دون خجل.
‘تماسكي.’
أغمضت سيرافينا عينيها بقوة، محاوِلة تهدئة نفسها.
ما زال لها بعض التأثير في هذا التجمع،
وكان عليها البقاء أطول فترة ممكنة.
فأحد أهم أعمدة دعمها هو نادي ’فيوني‘.
وعليها الآن أن تستمر في الظهور، ريثما تجد فرصة لإقصاء آنسة سانشيز.
لم تعد تستطيع استغلال لاريت بعد الآن،
وعائلة لوبيز البسيطة لا يمكنها تقديم أي دعم حقيقي.
أما غريجوري… فقد أصبح باردًا معها مؤخرًا.
‘غريجوري…’
ما إن خطر الاسم في بالها، حتى شعرت سيرافينا بضيق في التنفّس.
‘كأنه يتجنبني مؤخرًا.’
منذ حادثة الجنوب، بدا أن غريجوري فقد اهتمامه بها تمامًا.
كان سابقًا يطرق بابها باستمرار،
أما الآن فقد انقطعت زيارته تمامًا.
حتى حين أخذت سيرافينا زمام المبادرة وذهبت إليه بنفسها،
“سيرا، ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟”
كان يُظهر بوضوح عدم اهتمامه.
“لاريت لم تأتِ معكِ؟”
…الخيبة التي شعرت بها عند سماعها تلك الكلمات وجهًا لوجه لا يمكن وصفها.
وكان ذلك فقط بداية سلسلة من الإهانات:
أن يجلس بجانبها شاردًا، غارقًا في أفكاره.
أو يتركها وحيدةً ويغادر.
وإن لم يكن ذلك، فكان يقول:
“سيرا، هل سمعتِ أي شيء عن لاريت مؤخرًا؟”
ليظل يسأل عن لاريت فقط.
‘لا، لا بد أنني أتخيل.’
قبضت سيرافينا بقبضةٍ محكمة.
مجرد اقتراب لاريت من الأميرة قد سبّب لها هذه الهزة،
فإن خسرت غريجوري أيضًا…
‘هذا غير مقبولٍ على الإطلاقِ.’
مجرد تخيّل الأمر كان كفيلًا بإرعابها.
* * *
حين بدأت الشمس بالغروب ببطء،
انتهى التجمع أخيرًا.
“لقد استمتعتُ كثيرًا اليوم، آنسة سانشيز!”
“إلى لقاء قريب!”
تبادلَت الآنسات التحايا بلُطفٍ ودفء.
وما إن رحلن، حتى تنفّست سيرافينا الصعداء قليلًا.
‘يجب أن أعود سريعًا وأرتاح.’
بعد أن جلست طوال اليوم تحت نظراتهن الحادة، أصبح جسدها متخشبًا تمامًا.
حتى ابتسامتها الزائفة كانت تسبب لها تشنجًا في شفتيها.
وفي تلك اللحظة.
“أوه، حقًا…”
غطّت الآنسة سانشيز فمها بمروحة مفتوحة، وابتسمت بعينيها من جديد.
“لا أرى الشاب جوستو اليوم، أليس كذلك؟”
“……”
شعرت سيرافينا وكأنها تلقّت طعنةً مباغتة.
تابعت الآنسة سانشيز وهي تُحرّك مروحتها بلطف:
“كان دائمًا يأتي ليُرافق الآنسة لوبيز، أليس كذلك؟”
“……هذا…”
“بل وكان يهتم بكِ أكثر من خطيبته آنسي، إن لم أكن مخطئة؟”
ازدادت ابتسامتها عمقًا.
“في كل مرة رأيت فيها ذلك، كنت أظن: ’يا لها من محظوظة، لا بد أنها محبوبةٌ كثيرًا.‘”
ثم نظرت إلى سيرافينا من أعلى لأسفل بسخريةٍ خفية.
شعرت سيرافينا بحرارة شديدة في وجهها.
أغلقت الآنسة سانشيز المروحة بصوت ’تشاك‘ مزعج، وهزّت كتفيها باستخفاف.
“على كل حال، اعتني بنفسكِ يا آنسة لوبيز.”
وهكذا، غادرت كل سيدة مع عربة عائلتها،
وصعدت سيرافينا إلى عربتها كما لو كانت تهربُ من ساحة معركة.
داخل العربة،
أخيراً تنهّدت سيرافينا تنهيدة طويلة وهي تميل إلى الوراء متكئة على المقعد.
‘أشعر وكأن كل قواي قد سُحبت.’
منذ اللحظة التي بدأت فيها الجلسة،
وحتى انتهت تماماً،
كانت مشاعر التوتر والقلق تلفّها من كل جانب.
‘لا يمكن أن أترك الأمور تسير بهذه الطريقة.’
كان عليها أن تفكر جيداً في كيفية استعادة السيطرةِ عليهم.
التعليقات لهذا الفصل " 57"