“مرحبًا بكَ.”
بمجرد أن دخل ديتريش إلى متجر المجوهرات، انحنى الموظف بتحية مهذبة.
فتح ديتريش فمه متحدثًا:
“أودّ أن تقترحوا عليّ هدية مناسبة. إنها لامرأة في أوائل العشرينيات من عمرها…”
“آه، من هنا، تفضل.”
قاد الموظف ديتريش إلى واجهة زجاجية تتلألأ خلفها مجوهرات بديعة، متألقة بوهجها الأخاذ.
“هذه التصاميم رائجة هذه الأيام.”
فتح الموظف علبة مخملية، وأخرج منها سوارًا ليعرضه أمام ديتريش.
خشخشة خفيفة…
عكس الضوء على الأحجار الزرقاء المرصوفة بدقة، فتلألأت بوميض فاتن.
“صُنع هذا السوار من الفيروز، مستوحًى من أمواج البحر. في الآونة الأخيرة، لا تكاد تخلو منه معصم أي آنسة في الإقطاعية…”
“…”
لكن ديتريش لم يكن يصغي.
عوضًا عن ذلك، كانت عيناه معلقتين بزاوية أخرى من الواجهة الزجاجية، حيث استقر هناك زوج من الأقراط.
كانت ذات تصميم بسيط، تلتصق بالأذن بإحكام، غير متكلفة، لكن صقلها المتقن منحها جاذبية آسرة.
وفي وسطها تمامًا، تلألأت جوهرة وردية شفافة، بلون بدا مألوفًا بشكل غريب…
“سيدي الدوق؟”
رنّ صوت ناعم في أذنيه.
وفي لحظة واحدة، أدرك الحقيقة
“آه…”
كان لون تلك الجوهرة مطابقًا تمامًا للون عينيّ لاريت.
“سيدي؟ سيدي!”
“آه، نعم.”
أفاق ديتريش من شروده ورفع رأسه.
“هل تودّ رؤية هذه الأقراط؟”
ابتسم الموظف بلطف، ثم أخرجها من العلبة ليعرضها عليه.
“إنها مصنوعة من الكوارتز الوردي. أليست جميلة؟”
“…”
تخيل ديتريش، دون وعي، كيف ستبدو تلك الأقراط متدلية على أذنيّ لاريت.
بالتأكيد، ستناسبها تمامًا…
لكن، في النهاية
‘هل هناك داعٍ لأن أشتري شيئًا للّآنسةِ أنسي أيضًا؟’
لاريت ليست سوى صديقة لشقيقته.
صحيح أنها تؤثر إيجابيًا على إيفانجلين، وهو ممتنّ لها لأجل ذلك…
لكن مع ذلك
“أضِف الأقراط إلى السوار الذي عرضته عليّ قبل قليل.”
نطقت شفتاه بالكلمات دون إذن منه.
“حسنًا، مفهوم! هل تودّ تغليفهما كهدية؟”
‘لماذا أفعل هذا؟’
رغم إدراكه لغرابة تصرفه، أجاب بهدوء:
“نعم، من فضلك.”
أومأ بخفة، كما لو أنه يحاول طمأنة نفسه.
“شكرًا لكَ! نرجو زيارتكَ مجددًا!”
خرج ديتريش من المتجر تحت أنظار الموظف المبتهج.
“… تبًا.”
نظر إلى يديه، ليجد نفسه ممسكًا بكيسين أنيقين، يحويان هديتين اشتراهما بدافع لحظة عابرة.
في تلك الأثناء، كان مرافقه قد استيقظ، ونظر إلى الأكياس بدهشة قبل أن يسأل:
“لمَ هناك هديتان؟”
“ليس من شأنك.”
أجاب ديتريش بصرامة قاطعة.
“حسنًا، كما تشاء.”
رفع المرافق كتفيه بعدم اكتراث، ثم أخرج ظرفًا مختومًا وقدّمه إليه.
“على أي حال، وصلكَ خطابٌ، سيدي الدوق.”
“خطاب؟”
تناوله ديتريش بلا اهتمام، لكن ما إن وقعت عيناه على التوقيع حتى تجمد للحظة.
[إيفانجلين فون كلاوديوس]
“الآن، ما المصيبة التي ارتكبتها هذه المرة؟”
شعر بقشعريرة خفيفة تسري في جسده، وراح يقرأ المحتوى بحذر.
—
**[إلى أخي ديتريش،
في الخامس من يوليو، ستُقام حفلة في قصر عائلة أنسي.
لذا، تأكد من حضورك.]**
—
بلا تحية، بلا تمهيد، فقط طلب مباشر ومتعجرف كما هو متوقع منها.
تنهد ديتريش بعمق، وأكمل القراءة بملامح متجهمة.
—
**[أعلم أن مهامك هنا انتهت تقريبًا.
وأنت على أي حال في إقطاعيةِ آنسي، أليس كذلك؟
بما أنك هنا، فلا بأس بأن تحضر الحفل، وتُظهر بعض الدعم لصديقَتي.
مفهوم؟]**
—
ثم، وكأن ذلك لم يكن كافيًا—
—
**[مع تحياتي،
أجمل، وأظرف، وأروع، وأكثر شخص محبوب في العالم—إيفانجلين]**
—
“…”
حدّق ديتريش في الخاتمة، ثم أطلق ضحكة ساخرة قصيرة.
لكن، على الرغم من استيائه، وجد نفسه يطوي الرسالة بعناية، ويدسّها في جيبه.
[ملاحظة جانبية]
نظرًا لمكانة الآنسة كلوديوس، قررتُ أن أتكفّل بمصاريف الحفلة بنفسي.
سأدفعها كدين مؤقت، ثم أعيدها إلى عائلة الدوق لاحقًا.
“… هذا تجاوز كل الحدود.”
تمتم ديتريش بذهول، غير قادر على تصديق وقاحة شقيقته.
لم تكتفِ بإرسال أمرها في رسالة مختصرة، بل قررت أيضًا أن تحمّله تكاليف الحفلة وكأن الأمر محسوم مسبقًا!
حدّق في الورقةِ بنظراتٍ مستنكرةٍ، ثم زفر بعمق والتفت إلى مرافقه.
“تحقّق من الأمر، أريد أن أفهم ما الذي يحدث بالضبط.”
“ماذا؟!”
وداعًا لحمامي الدافئ… ولشريحة اللحم اللذيذة مع التحلية الباردة… وللنوم العميق في سريري الوثير…!
تهشّمت أحلام المرافق بقضاء إجازة مريحة في لحظة، فتغيرت ملامحه إلى نظرة بائسة.
* * *
وفي صباح اليوم التالي،
أُبلغ ديتريش بتفاصيل الرسالة التي أرسلتها إيفانجلين.
“إذًا، إيفا أعلنت بمفردها عن إقامة حفلة في قصر أنسي؟!”
ضغط أصابعه على صدغيه في محاولة لتخفيف الألم الذي بدأ ينبض في رأسه.
“أرسلوا رسالة اعتذار مصحوبة بهدية، وتأكدوا من أن نتحمّل نحن تكاليف الحفل…”
لكن قبل أن يكمل كلامه،
طرق، طرق.
ظهر موظف الفندق عند الباب، وانحنى بأدب قبل أن يقدّم ظرفًا مختومًا.
“سيدي الدوق، لقد وصلكَ خطاب جديد.”
“…”
تحدث عن النمر، وسيظهر في الحال!
مرة أخرى، كانت الرسالة من إيفانجلين.
فتحها ديتريش بوجه متعب، وكأنه قد سمع بالفعل صوت شقيقته يصرخ في أذنيه.
[أخي، لماذا لم ترُد بعدُ؟!]
حتى أبسط قواعد كتابة الرسائل تجاهلتها هذه المرة.
والمصيبة؟ أنها أرسلت الرسالة ليلة البارحة، ثم بحلول الصباح بدأت بالفعل تطالبه بالرد!
في تلك اللحظة، شعر ديتريش بيأس عميق تجاه شخصية شقيقته العنيدة.
**[أخي، ستأتي، صحيح؟ أليس كذلك؟
لقد أخبرتُ الأنسة آنسي أنكَ ستحضر، بل وقلتُ لها إنك سترقص معها الرقصة الأولى في الحفل!]**
“ماذا؟!”
رمش ديتريش بذهول، غير مصدّق ما يقرؤه.
[لهذا، يجب أن تأتي! مفهوم؟! لا مجال للرفض!]
[وأيضًا، أريد ردّك بحلول وقت الغداء!]
وبهذا، انتهت الرسالة.
لا مقدمات، ولا تحية، ولا حتى كلمات مجاملة… فقط أوامر مباشرة بأسلوب تعسفي لا يعرف النقاش.
“هااا…”
تنهد ديتريش بعمق، مستشعرًا بثقل الأمور فوق رأسه.
كان يدرك تمامًا أن القرار العقلاني هو العودة إلى العاصمة فورًا.
لقد بذل جهدًا في إنهاء أعماله مبكرًا، وكان من الحكمة استثمار ذلك الوقت في أمور أكثر أهمية.
ولهذا، كان عليه أن يردّ عليها بالرفض بكل بساطة…
لكن
“…”
نظر إلى الطاولة أمامه، حيث كانت العلب التي تحوي الهدايا التي اشتراها بالأمس موضوعة جنبًا إلى جنب.
“سيدي الدوق، بماذا نردّ عليها؟”
سأله مرافقه بحذر، يترقّب جوابه.
قطّب ديتريش حاجبيه قليلًا.
“على أي حال، يجب أن أُسلّم الآنسة أنسي هديتها.”
صحيح أن بإمكانه إرسالها لاحقًا عبر أحد الخدم أو حتى إعطائها لإيفانجلين لتوصلها بنفسها، لكنه…
لكنه مع ذلك…
“أخبرها أنني سأحضر.”
ولم يستطع منع شفتيه من نطق تلك الكلمات.
وفي غضون ساعات، انقلبت أوساط النبلاء في الجنوب رأسًا على عقب.
فقد كان من المفاجئ أن يتزامن موعد حفلة عائلة آنسي مع موعد حفلة جوستو، لكن الأمر الذي أثار ضجة أكبر هو أن المبادرة جاءت من الآنسة إيفانجلين كلوديوس شخصيًا.
“لقد سمعنا أن الآنسة إيفانجلين أصبحت قريبة من الآنسة آنسي مؤخرًا، لكن…”
“لم نكن نتوقع أن تحضر حفلها فعلًا!”
“في الواقع، الآنسة كلوديوس لا تحضر الحفلات الاجتماعية إلا نادرًا، وحتى ذلك يكون في العاصمةِ، وليس في الأقاليم.”
فحتى الآن، كانت الآنسة إيفانجلين نادرًا ما تحضر إلا حفلات الطبقة العليا من نبلاء العاصمة.
أما أن تظهر فجأة في حفل يُقام في الأقالي
م؟ فكان ذلك سابقة غير متوقعة!
“لابد أن جوستو يشعرون بالحرج الآن.”
“بالطبع! صحيح أنهم مؤثرون في الجنوب، لكن لا مجال لمقارنتهم بعائلة كلوديوس الدوقية.”
وهكذا، بات الجميع يراقب ما سيحدث في قصر عائلة آنسي بترقب شديد.
وفي تلك اللحظة
في قصر آل أنسي، كان الجميع على قدم وساق…
التعليقات لهذا الفصل " 42"