38
الفصل 38
بعد مغادرتنا للمنزل.
استقلنا عربةً وجبنا أرجاء عزبة آنسي.
“يا إلهي، إنه جميلٌ جدًا…”
كانت الأميرة مذهولةً وهي تنظر إلى البحر الأزرق المتلألئ.
“آنسة آنسي! الرمال ناعمةٌ للغاية! أشعر بوخزٍ في قدمي!”
“كوني حذرة، إذا ركضتِ هكذا فقد تتعثّرين!”
بينما كنا نسير حافيتين على الرمال البيضاء الناعمة، انطلقنا أنا والأميرة، نضحك بصوتٍ عالٍ معًا.
بالإضافة إلى ذلك، تجوّلنا في السوق واشترينا العديد من التذكارات.
“أميرتي، ماذا ستفعلين بهذا العِقد المصنوع من الأصداف؟”
“هل يجب أن يكون له فائدةٌ لأشتريه؟ هناك أشياءٌ في هذا العالم لها قيمةٌ لمجرد أنها جميلةٌ ولا فائدة لها.”
ردّت الأميرة بحجةٍ دون أن تحرّك حاجبًا واحدًا.
حسنًا… تعودتُ على ذلك، فهذه ليست أوّل مرّةٍ تُطلق الأميرة مثل هذه الحجج.
“آه، لقد كان اليوم ممتعًا حقًا.”
أخيرًا، بدت الأميرة كالقطة الشبعى وهي تتمتم بارتياح.
“أميرة، هل تشعرين بالتعب؟”
في تلك اللحظة، أخرجتُ الورقة الرابحة التي كنتُ أخفيها.
“لمَ لا نأخذ قسطًا من الراحة ونتناول بعض الوجبات الخفيفة؟”
“وجبات خفيفة؟ بالطبع، هذا رائع.”
كان هناك مكانٌ شهيرٌ في عزبة آنسي، كنتُ متأكّدةً أن الأميرة ستعجب به.
وكان ذلك المكان…
“واو.”
كانت الأميرة تنظر حولها بوجهٍ مبهور.
المكان الذي أخذتها إليه كان مقهى شهير بحديقته الجميلة في عزبة آنسي.
في الحديقة الواسعة الملحقة بالمقهى، كان الورد الصيفيّ الملوّن يتفتّح بألوانٍ زاهية.
وكان عبيرهُ القوي يتسلّل إلى أنفي.
وأثناء تأمّلها للمكان من حولها، استدارت الأميرة فجأةً بعيونٍ متألّقة.
“كيف عثرتِ على هذا المكان؟ إنه رائعٌ حقًا!”
“لقد وعدتكِ، بأنني سأكون مرشدتكِ السياحيّة الخاصّة.”
ابتسمتُ ابتسامةً عريضة.
“لقد بذلتُ جهدًا في ذلك.”
في النهاية، أنا آنسة عائلة آنسي.
لذا من الطبيعي أن أعرف الأماكن السياحيّة والمحلات الشهيرة في المقاطعة.
وبالإضافة إلى ذلك، ساعدتني تجاربي السابقة في مرافقة سيرافينا في مختلف الأماكن.
شعرتُ بمرارةٍ في فمي، فتحدثتُ بنبرةٍ أكثر بهجةٍ عن قصد.
“عندما كنا في العاصمة، أخذتني الأميرة إلى ذلك المتجر الشهير.”
“ماذا؟”
رفرفت الأميرة بعينيها.
أتذكّر اليوم الذي ذهبت فيه مع الأميرة لأول مرة إلى متجر السيدة كريستيانسن للملابس والمتجر الشهير.
ذلك اليوم ما زال راسخًا في ذاكرتي.
كان اليوم الذي شعرتُ فيه لأوّل مرّةٍ أنني بطلة قصّتي الخاصة.
‘إذن، هل يمكن أن تخرس وتبتعد؟ أريد تناول الطعام بهدوء.’
كانت تلك الكلمات التي قالتها الأميرة لغريجوري عندما حاول مضايقتي بكلامه السخيف.
كانت الأميرة صديقةً تقف بجانبي.
وقتٌ استطعت فيه الجلوس مع شخصٍ، بدلاً من خدمته، والضحك معه.
… كم كانت تلك اللحظات سعيدة.
شعرتُ بحرارةٍ في وجهي، فنظرتُ إلى الأرض خجلًا.
“لهذا، أردتُ حقًا أن أصنع لكِ ذكرياتٍ جميلةٍ عندما أتيحت لي الفرصة.”
“آنسة آنسي.”
“كان ذلك اليوم ممتعًا حقًا.”
أضفتُ كلماتي بخجل.
“بالطبع، قد لا يكون شيئًا مميزًا بالنسبة لكِ.”
حتى لو كان الأمر كذلك، كنتُ أود أن أخبرها يومًا ما.
أن لطفها الصغير كان له أثرٌ كبيرٌ في نفسي.
وأن الأميرة تعني لي الكثير.
لكن في تلك اللحظة.
أمسكت الأميرة بيدي فجأة.
“وأنا أيضًا!”
كانت عيناها الزرقاوتان، أعمق من البحر الجنوبي الذي رأيناه اليوم، تنظران إليّ بثبات.
“لقد استمتعتُ حقًا بالتواجد معكِ يا آنسة أنسي!”
رفعت الأميرة صوتها بحماسٍ مرّةً أخرى.
“لذلك! لا تفكّري في شيءٍ مثل ردّ الجميل!”
“ماذا؟”
“أنا فقط، أُحبُّ أن أكون صديقةً لكِ، آه، بالطبع هو عَقد، ولكن، على أي حال!”
احمرّ وجه الأميرة التي كانت تتحدّث بترددٍ كطماطمٍ ناضجة.
نظرتُ إلى الأميرة بشرود.
إذن، الأميرة الآن…
“هل تشعرين بالخجل؟”
عضّت الأميرة على شفتيها ثم استدارت فجأة.
“سأذهب لمشاهدة الورد للحظة!”
“ماذا؟ أميرتي؟”
“ادخلي واجلسي أولاً! اطلبي كل ما تريدين، حسنًا؟”
صاحت الأميرة بتلك الكلمات ثم ركضت بسرعة نحو مجموعة الورد المُتفتّح.
بينما كنتُ أنظر إلى ظهرها بشرود، أطلقتُ ضحكةً صغيرة.
“أعتقد أنني بدأتُ أفهم لماذا يُحب الدوق الأميرة بهذه الطريقة.”
في البداية، كنتُ فقط أريد التقرّب من الأميرة لأغيظ سيرافينا، ولم أكن أفكّر إلا في تكوين علاقةٍ حسابيّة، حتى وصل الأمر إلى توقيع عَقد صداقة.
ولكن…
“كيف لا يمكن لأحدٍ ألّا يُحبّ شخصًا لطيفًا كهذا؟”
شعرتُ بوخزٍ في أعماق قلبي.
… لقد كنتُ سعيدةً للغاية.
دخلتُ إلى المقهى بابتسامةٍ عريضة.
في تلك اللحظة، كنتُ في قمة السعادة.
لقد شعرتُ أنه كان يومًا مثاليًا.
لكن.
“أوه، لاري!”
فور دخولي إلى المقهى، ناداني صوتٌ حيوي.
لحظة، هذا الشعور… ما هو؟
تجمّدتُ وأنا أرفع كتفي.
“لا يمكن، هذا الصوت!”
شعرتُ أنني على وشك الانزلاق إلى حالةٍ مزاجيّةٍ سيئة.
استدرتُ بوجهٍ متجهم، فرأيتُ مجموعةً من السيدات جالسات حول طاولةٍ كبيرة.
ومن بينهن، كانت هناك سيدةٌ تجلس على الكرسي كملكة، بشعرٍ أخضرٍ فاتح مموج وعينين خضراويتين داكنتين عميقتين تشبهان أوراق الشجر.
وكانت تبتسم بابتسامةٍ هادئة…
“…”
فقدتُ القدرة على الكلام.
‘سيرافينا؟!’
لماذا هي هنا؟
ألم تكن في بيت عائلة جوستو؟
“مرحبًا، لاري. مضى وقتٌ طويل.”
ابتسمت سيرافينا لي بوجهٍ مشرق.
“نلتقي مجددًا هنا. يبدو أنكِ تستمتعين بوقتكِ مع الأميرة مؤخرًا، أليس كذلك؟”
“أجل، إنه كذلك.”
رددتُ ببرود.
في تلك اللحظة، ظهر تجهّمٌ طفيفٌ على جبين سيرافينا.
كانت مستاءةً من تصرّفاتي الجريئة وغير المتوقّعة.
ولكن ما إن تلاقت نظراتنا، حتى حاولت سيرافينا إخفاء استيائها بابتسامةٍ مألوفة.
أما أنا…
‘لماذا تحاول دائمًا استفزاز الآخرين هكذا؟’
لم أكن أُريد إحداث ضجةٍ بعد أن جئتُ برفقة الأميرة.
نظرتُ إليها بغضبٍ واضحٍ دون أن أحاول إخفاءه.
سيرافينا بدت متردّدةً قليلاً أمام تصرّفي البارد، لكنها قالت.
“سمعتُ أن الأميرة قد جاءت إلى مقاطعة آنسي. هل أتت معكِ؟”
واستمرّت في التحدّث بابتسامةٍ مشرقة، كأنها لا تريد أن تظهر بمظهر المهزوم.
“إذا كان الأمر كذلك، لمَ لا تنضمين إلينا؟ أنا سعيدةٌ للغاية برؤيتكِ.”
وأضافت سيرافينا بنعومة.
“سأدفع ثمن الشاي، حسنًا؟”
لو كان هذا في الماضي، ربما كنتُ سأشعر بالحنين وأتأثّر بتصرفها اللطيف.
ربما كنتُ سأتصرّف ببراءةٍ وأحاول إرضاءها، حتى لو كنتُ أؤذي من يهتم لأمري حقًا.
لكن الآن.
“سأرفض.”
عند سماع جوابي الحازم، ارتسمت شقوقٌ خفيفةٌ على وجه سيرافينا المُبتسم.
“في الحقيقة، لا أعتقد أنني مسرورةٌ برؤيتكِ، ولا أرى سببًا للجلوس بجانبكِ ومعي الأميرة.”
واصلتُ الكلام ببرود.
عندها، نهضت السيدات الجالسات حول سيرافينا مثل سربٍ من النحل.
بترجمة ❤️ ✨ : مريانا