36
الفصل 36
* * *
[إلى لاري الحبيبة،
لقد أصبح الطقس دافئًا جدًا مؤخرًا. هل أنتِ بخير وتعيشين بصحةٍ جيدة؟ أكتب لكِ هذه الرسالة لأنني تلقّيت خبرًا من عائلة الكونت جوستو. سمعت أنكِ أرسلتِ إلى غريجوري رسالة فسخ الخطبة. هل هذا صحيح؟]
“أوه.”
عندما قرأت الرسالة دون تفكير، تجمدت كتفاي.
“ما الأمر؟ ماذا حدث؟”
سألتني الأميرة، التي كانت تجلس بجانبي، بنظرةٍ حائرة.
لكنني نسيتُ الرّد بسرعة، وواصلت قراءة الرسالة.
[لستُ أريد توبيخكِ على فسخ الخطبة. أنا أثق أن ابنتي اتخذت القرار الصحيح. لكنني أود سماع التفاصيل. فلماذا لا تعودين إلى العزبة لفترة؟ لقد مضى وقتٌ طويلٌ منذ أن رأيتُ وجهكِ يا لاري.
مع الحُبّ، والدتكِ.]
(بلوفياس: كلمة “عزبة” تعني مكانا ريفيا أو أرضا زراعيةً كبيرة، عادةً ما تكون مملوكة لعائلة أو شخص وتستخدم لأغراض زراعية أو تربية المواشي.)
كانت الرسالة قد انتهت بهذا الشكل.
شعرتُ بوخزٍ في ضميري.
‘صحيح، لم أخبر والديّ أنني فسخت خطبتي…’
في البداية، أرسلت رسالة فسخ الخطبة في لحظة غضب. ومن بعدها، كنتُ مشغولةً جدًا بالصالونات والاجتماعات في بيت الدوق… لذلك لم أتمكّن من التفكير في الأمر.
“حقًا، آنسة آنسي!”
نادَتني الأميرة وهي تنفخ خديها بغضب.
“نـ- نعم!”
أعدت انتباهي بسرعة والتفت نحو الأميرة.
سألتني الأميرة بتجهم.
“ما الذي يحتويه هذا الخطاب؟”
“آه… إنه.”
أجبتها وأنا أضع الرسالة في الظرف.
“طلب مني والداي العودة إلى عزبة آنسي لفترةٍ قصيرة.”
“عزبة آنسي؟”
اتّسعت عينا الأميرة بدهشة.
أومأتُ برأسي.
“لأنني فسختُ خطبتي مع عائلة الكونت غوستو. أعتقد أنهم يريدون سماع التفاصيل.”
بالطبع، لن يغضب والداي كثيرًا.
من البداية، لم يكن والداي متحمسين لخطوبتي مع غريجوري.
‘الآن وقد فكّرتُ في الأمر، لقد أصررت كثيرًا على خطبتي لغريجوري، مما تسبّب في حزنٍ كبير لوالديّ…’
حبستُ أنفاسي لأمنع نفسي من إطلاق تنهيدة.
لماذا كنتُ متمسّكةً جدًا بغريطوري في ذلك الوقت؟ لم يكن يجب أن أفعل ذلك.
لقد جرحتهما، وهما من كانا يعاملانني دائمًا بحب…
وفجأة.
“همم؟”
شعرتُ بوخزٍ خفيف في خدي، فالتفت بحذرٍ إلى جانبي.
ورأيتُ.
الأميرة تلمع عيناها بشدّة وهي تتحدّث بصوتٍ عالٍ وكأنها تتحدث إلى نفسها.
“آه، أود زيارة عزبة آنسي أيضًا.”
“……”
“أنا وآنسة آنسي أصدقاء، حتى أننا وقعنا عقد صداقة.”
“……”
“الأصدقاء يجب أن يقدّموا عائلاتهم لبعضهم البعض.”
“……”
“لقد قدمتُ لكِ أخي بالفعل.”
…الأميرة كانت تشير بوضوحٍ أنها تريد أن ترافقني، كيف لي أن أتجاهل ذلك؟
ابتسمتُ بمرارةٍ وسألتها.
“هل تودين القدوم معي؟”
“نعم، أود ذلك!”
أجابت الأميرة بحماس.
ولكن لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى أضافت بلهجةٍ متعالية.
“ولكن، الآنسة آنسي هي من اقترحت أن آتي معها.”
قالت الأميرة بابتسامةٍ عريضة.
“بالطبع، كنتُ أرغب في القدوم، ولكن في النهاية الآنسة آنسي هي من طلبت مني ذلك!”
“بالطبع، أنا أيضًا أرغب في أن ترافقيني، ولهذا دعوتكِ.”
“أليس كذلك؟ لم أكن أنا من أُلِحُّ لأرافقكِ، صحيح؟”
ابتسمت الأميرة ابتسامةً مشرقة.
* * *
…وهكذا، ها نحن الآن، أنا والأميرة، جالستين في العربة معًا.
كانت الأميرة تنظر من النافذة، وهي تضع ذقنها على يدها وتتمتم بعبوس.
“حقًا، لا تعرفين مقدار ما قاله أخي لي قبل انطلاقنا.”
“ماذا قال؟”
سألتها بفضول.
أخذت الأميرة تخرج شفتيها بضيق.
“قال لي ألا أزعجكِ.”
ثم أسقطت كتفيها وقالت بصوتٍ حزين.
“اخبريني، آنسة آنسي، هل أزعجكِ؟”
“بالطبع لا ، هذا غير صحيح.”
ابتسمتُ بخفّةٍ وهززتُ رأسي نافية.
وكأنني أشاهد قطةً فاخرةً تتحول إلى قطةٍ منزليّةٍ لطيفة.
في البداية، كنتُ متوترةً جدًا لأنني لم أكن أعرف كيف أتعامل مع الأميرة.
ولكن الآن، بعد أن أصبحت الأميرة تعاملني بمثل هذه الألفة، أشعر بشيءٍ من الفخر…
“صحيح؟ أنا لستُ مُزعِجة، أليس كذلك؟”
استعادت الاميرة نشاطها بسرعةٍ وأخذت تتذمّر.
“لكن أخي ينتقدني دائمًا. هل تعرفين ماذا يقول لي؟”
تصلّبت ملامح الأميرة وهي تقلّد الدوق تمامًا.
“لا تُلهي نفسكِ، ابقي هادئة. سأقوم بإعادتكِ بنفسي عندما ننتهي.”
“هاها.”
انفجرتُ ضاحكة.
“يا إلهي، إنه تقليدٌ مطابق!”
وبعد أن انتهيتُ من الضحك، مسحتُ دموعي وسألتها.
“لكن ماذا يقصد بإعادتكِ؟ ماذا يعني ذلك؟”
“أوه، لقد قال أخي إنه ذاهبٌ في رحلة عملٍ إلى الجنوب.”
“رحلة عمل؟”
إذا كان الدوق هو الذي سيذهب بنفسه، فلا بد أن تكون مُهمّةً جدًا.
هزّت الأميرة كتفيها بلا مبالاة.
“مؤخرًا، استثمرت عائلة الدوق في أسطولٍ تجاري في الجنوب. قال إنه يجب عليه التحقّق من بعض الأمور المتعلقة بذلك.”
“آه…”
لقد فهمت.
منطقة آنسي تقع في الجنوب، وهي متّصلةٌ بالبحر.
معظم سكّانها يعملون في صيد الأسماك والتجارة، وبعض التجار لديهم مراكزٌ تجاريةٌ في الجنوب ويديرون أساطيل تجارية.
أعتقد أن هناك واحدةً أيضًا في منطقة آنسي، وربما اسمها…
“هل الأسطول الذي استثمر فيه الدوق هو أسطول شركة رايت التجاريّة؟”
“ماذا؟ كيف تعرفين ذلك يا آنسة آنسي؟”
نظرت إلي الأميرة بعينينٍ واسعةٍ كعينيّ الأرنب.
هززتُ كتفي ببساطة.
“لأن رايت هي أكبر شركةٍ تجاريةٍ في الجنوب، لذا كنت أظن أنها قد تكون هي.”
“سمعتُ أن منطقة آنسي معروفةٌ بكونها منتجعًا، هل توجد مراكز تجاريّة هناك أيضًا؟”
“نعم، نوعًا ما…”
ابتسمتُ ابتسامةً مريرة.
كلام الأميرة كان صحيحًا.
منطقة آنسي صغيرة، لكنها تتمتع بعائداتٍ من السياحة والتجارة، مما يجعلها منطقةً غنية.
وربما لهذا السبب كان غريجوري مهتمًا بها واستمر في الحفاظ على خطبتنا رغم أنه لم يكن راضيًا عني…
وفجأة.
“أوه، انظري إلى هذا!”
بينما كانت الأميرة تتذمّر بشأن الدوق، أخرجت رأسها من النافذة وصرخت.
“أترين؟ البحر يظهر هناك!”
كنا على مقربةٍ من منطقة آنسي.
* * *
وصلنا إلى بيت عائلة آنسي.
المنزل ذو الثلاثة طوابق الذي قضيتُ فيه طفولتي استقبلني بحرارة.
كانت المناظر مألوفةً لدرجة أنها أرهقت قلبي بالعواطف.
نزلتُ من العربة وركضت نحو والديّ.
“أمي! أبي!”
“لاري!”
ابتسم لي والداي ابتسامةً مشرقة.
كانت ابتساماتهما تمامًا كما كانت في ذاكرتي، مما جعلني أشعر بغصّةٍ في حلقي.
لكن يبدو أن والديّ كان لهما موقفٌ مختلفٌ قليلًا.
“أ- أميرة كلوديوس.”
بمجرد أن ظهرت الأميرة من العربة، تجمّد والداي في مكانهما…
“نحن نرحّب بالأميرة.”
“إنه لشرفٌ كبيرٌ أن نستضيفكِ، أيتها الأميرة.”
ابتلع والدي ريقهما بصعوبة، وقدّموا للأميرة تحيّةً رسمية.
لكن المشكلة كانت…
‘أمي، أبي… يبدو أنهما مذهولان تمامًا.’
كانا يتحركان بصلابةٍ وكأنهما دميتين ميكانيكيتين.
حسنًا، هذا ليس غريبًا.
على الرغم من أنني أرسلتُ رسالةً مسبقًا، فإن أميرة عائلة كلوديوس تزورنا!
‘حتى أنا كنت متوتّرةً للغاية عندما التقيتُ بها لأول مرة.’
على الأقل، أنا كنتُ قد طلبت اللقاء.
أما والديّ، فقد فوجئا تمامًا وكأن السماء قد انهارت عليهما.
“آنسة آنسي، ماذا نفعل الآن؟”
الأميرة، التي كانت تواجه والديّ المتجمدين، استدارت نحوي وهي في حيرةٍ كبيرة.
ترجمة : Uagar_26