35
الفصل 35
تقابلت عينيّ مع الدوق، الذي خفض يده وابتسم بخجل.
“أعتذر، عيني كانت جافة قليلاً.”
“لا بأس، أشعر بالأسف لأنك قد أرهقت عينيكَ وأنت تنظر إلى الوثائق في مكانٍ مظلم بسببي.”
لم أستطع تحمّل الشعور بالذنب، فأبعدت نظري بهدوء.
آه، حقًا.
لو كانت هناك حفرةٌ في الأرض، لكنت اختبأت فيها فورًا…
لحسن الحظ، هزّ الدوق رأسه بأدب.
“لا داعي للقلق، الأمر ليس كذلك. إنه مرضٌ مزمن.”
“مرضٌ مزمن؟”
“نعم. يبدو أن كثرة العمل على الوثائق تجعل عينيّ تتعبان كثيرًا.”
“…آه.”
رَمشتُ بعيني. في البداية لم ألاحظ بسبب الظلام، لكن عندما نظرت عن كثب، رأيت.
كانت عيون الدوق مليئة بالشعيرات الدموية المكسورة.
في تلك اللحظة.
خطرت في ذهني فجأةً كلمات الأميرة التي كانت مليئةً بالاستياء.
‘كان هكذا منذ أن كان صغيرًا. كان يقوم بكل الأعمال الشاقّة بنفسه، بينما يقول لي أن أرتاح.’
ذلك التعبير المكتئب.
‘بالطبع، أنا ممتنةٌ لأن أخي يفكر فيّ، ولكن… ليس هناك داعٍ لذلك.’
كتفيها المتدليتين.
‘أشعر أن أخي يضغط على نفسه كثيرًا بسببي.’
وعيناها الزرقاوتان اللتان كانتا مليئتين بالقلق على أخيها الوحيد.
‘أفهم الآن لماذا كانت الأميرة قلقة على الدوق.’
عندما ترى شقيقها يرهق نفسه بهذا الشكل، أي أختٍ يمكنها أن تكون مرتاحة وهي تستمتع بوقتها؟
فتحتُ فمي دون أن أشعر.
“في هذه الحالة، ما رأيك في تجربة الكمادات الدافئة؟”
“الكمادات الدافئة؟”
“نعم. إذا غطيتَ جفونكَ بمنشفةٍ دافئة، فهذا يساعد على إراحة العينين.”
ابتسمتُ برفق.
“الأميرة كانت تعاني أيضًا من تعب العين أثناء العمل على الوثائق، وكانت دائمًا تشعر بالتحسّن عندما أضع لها الكمادات الدافئة.”
نظر إليّ الدوق نظرةً جانبيةً مازحًا وقال.
“هذا مثير للإعجاب، إيفا تستغل الآنسة آنسي بشكلٍ كامل.”
“عفوًا؟”
“ليس عليكِ دائمًا تلبية كل طلباتها. يمكنكِ أن ترفضي إذا كان الأمر غير ممكن.”
“هاها…”
ضحكتُ ضحكةً محرجة.
“على أي حال، شكرًا على النصيحة. سأجرّبها.”
هزّ الدوق رأسه بهدوء، ثم فجأةً اتّخذ ملامح جادة وأضاف.
“وأيضًا، تأكّدي من أن إيفا تعتذر لكِ عن هذا الأمر.”
“عذرًا؟”
“إيفانجلين هي السيدة الوحيدة في بيت دوق كلوديوس.”
كانت نبرته جديّةً ومختلفةً تمامًا عن السابق.
“رغم أنها لم تشارك في شؤون العائلة من قبل، إلا أنها الآن قد قررت أن تأخذ دور سيدة المنزل. وعليها أن تتحمّل مسؤولية ذلك.”
“…أيها الدوق.”
“الشخص الذي يدير جماعةً يتحمّل واجباتٍ وحقوقًا تناسبه. وهذه الواجبات والحقوق ليست شيئًا يمكن التخلّي عنه أو تسليمه للآخرين وقتما نريد.”
كان الدوق يتحدث بوجهٍ حازمٍ قلّما يظهر.
“حتى لو كانت إدارة منزلٍ صغيرٍ مثل هذا.”
فهمت.
عندما نظرت في عينيه الحازمتين، أدركت فجأة.
أصبح الدوق شخصيةً بارزةً في عائلة كلوديوس العريقة لأنه وضع لنفسه معايير صارمة للغاية.
… وأيضًا، السبب في عدم تحميل السيدة أي مسؤوليات.
‘ربما كان يريد أن تعيش الأميرة حرّةً من تلك المعايير.’
ولكن في تلك اللحظة.
“ما هذا؟”
مع صوتٍ حاد.
طق!
أُضيئت المكتبة بالكامل.
مع دخول شخصٍ ما بخطواتٍ واثقةٍ وفخورة إلى المكتبة.
“لماذا أنتما معًا في هذا المكان المظلم؟!”
لقد كانت الأميرة!
وقفت أمامي، تنظر بغضبٍ إلى الدوق.
“أخي، هل قمت بشيءٍ غير لائقٍ مع الآنسة آنسي؟”
طبعًا، ردّ الدوق بسخرية.
“هل تعتقدين أنني أنتِ؟”
“أأه..!”
يا لها من قوّة، تمكّن من إسكات الأميرة بتلك الجملة.
أعتقد أن مهارة الدوق الحواريّة لا يُستهان بها.
على أي حال.
“أميرتي، حقًا، لم يحدث أي شيء…”
لكي أُزيل أي سوء فهمٍ بين الأخوين، تدخّلتُ بسرعةٍ في المحادثة. ولكن الأميرة فقط نظرت إلي بعينين متوهجتين.
“كم أنتِ ساذجة. الرجال كلهم ذئاب!” (بلوفياس: إيفا ماخذة وضعية نو أمان لأي مان)
… من الواضح أن الأميرة لا تقل حدّةً عن شقيقها، الدوق.
حاولتُ تغيير الموضوع بسرعة.
“إذن، هل حصلتِ على شتلات الورد؟”
“بالطبع! من تظنينني؟”
أجابت الأميرة بثقة.
“أنا، سيدة من عائلة كلوديوس. هل هناك شيءٌ في العالم لا أستطيع الحصول عليه؟”
ليست هذه العبارة التي يجب أن تقال من شخصٍ خرج في منتصف النهار لشراء شتلات الورد…
في داخلي، هززتُ رأسي بلا مبالاة.
وفي نفس الوقت، فتح الدوق فمه، بينما كان ينظر إلى الأميرة بنظرةٍ ناقدة.
“لقد تركتِ تحضيرات الاجتماع لصديقتكِ وذهبتِ لشراء شتلات الورد؟ عملٌ رائعٌ حقًا.”
“أوه.”
بدأت الأميرة تتفحّص ملامحي بحذرٍ بعد أن ضرب الدوق على الوتر الحساس.
“هل أنتِ غاضبةٌ يا آنسة آنسي؟”
هاه؟ لماذا فجأة تسألني؟
ابتسمتُ بسرعة.
“لا، لستُ غاضبة.”
“إيفانجلين، فكّري جيدًا.”
لكن الدوق لم يتوقف عند هذا الحد، واستمر بحديثه بقسوة.
“تفويض المهام لصديقةٍ يدل على ضعف المسؤولية.”
ارتجفت كتفا الأميرة عند سماع هذه الكلمات.
“هل تعتقدين حقًا أنه يمكنكِ إدارة بيت دوق كلوديوس بهذه الطريقة في المستقبل؟”
“هـ- هذا…”
حاولت الأميرة أن ترد، لكنها نظرت إلي بخجل.
ثم، مثل قِطّةٍ مُبتلّة، همست بوجهٍ متواضع…
“أنا آسفة… لن أفعل ذلك مجددًا.”
“لا بأس، حقًا، لا مشكلة!”
بينما كنت أحاول تهدئة الأميرة، ألقيت نظرةً جانبيةً على الدوق.
ولكن، كان هناك شيءٌ غريب.
الدوق بدا وكأنه يشعر بالانتصار…
هاه؟
كنتُ في حيرة.
ما هذه الابتسامة؟
بالطبع، لا أشك في نوايا الدوق، فهو يحاول توجيه الأميرة حتى لا تسلك الطريق الخاطئ، ولكن!
لدي إحساسٌ طفيفٌ بأنه يشعر ببعض الرضا لأنه انتصر في الجدال.
… ربما، مجرد تخيّلٍ لا أكثر.
* * *
تلك الليلة.
طلب ديتريش شيئًا من الخادمة.
كان ذلك الشيء…
“ها هي المنشفة الدافئة التي طلبتَها، سأتركها هنا.”
وضعت الخادمة الصينية الفضية على الطاولة وانسحبت.
كانت المنشفة الدافئة تطلق بخارًا لطيفًا وهي مرتبة على الصينية.
نظر ديتريش إليها بهدوء.
‘ما رأيك في تجربة الكمادات الدافئة؟’
‘إذا غطيت جفونك بمنشفة دافئة، فهذا يساعد على إراحة العينين.’
تردّدت في أذنه كلمات لاريت اللطيفة.
“أنا حقًا غريب الأطوار.”
في الحقيقة، لم يكن جفاف عينيه بالأمر الكبير.
فهو معتادٌ دائمًا على الشعور بالإرهاق.
لقد اعتاد على ذلك.
ومع ذلك…
“أمرٌ غريب حقًا.”
ضحك ديتريش بهدوء بينما كان يعبث بالمنشفة.
“لمجرد أن الآنسة آنسي نصحت بذلك، أريد تجربته.”
أخذ ديتريش المنشفة التي كانت قد بردت قليلاً.
عندما وضع المنشفة الدافئة على عينيه، أصبحت رؤيته مظلمة تمامًا.
شعر وكأن التعب يذوب بهدوء.
بمجرد أن لاحظ هذا الشعور، أدرك ديتريش فجأةً أنه كان متعبًا جدًا.
“يشعرني بالراحة.”
في الظلام الهادئ، استراح ديتريش جيدًا لأوّل مرّةٍ منذ وقتٍ طويل.
بترجمة: Uagar_26