الفصل الجانبي – السابع

 

 

 

فتحت لاريت فمها بوجهٍ مرتبك.

 

“ديتريش.”

 

“…….”

 

“……ديتريش؟”

 

بعد أن نادت اسم ديتريش مرارًا، أفاق ديتريش فجأة من شروده.

 

تمتم بوجهٍ محرج:

 

“آه، أعتذر. ذٰلك…….”

 

كانت أطراف أذنيه قد احمرّت من شدّةِ الخجل.

 

“حين أفكّر حقًّا أنّ لاري ستُصبح زوجتي، أشعر بـ…”

 

ابتلع ريقه بصعوبة، ثمّ همس بصوتٍ خافت وهو يشيح بنظره بعيدًا:

 

“……بخفقانٍ شديد.”

 

في تلك اللحظة، يدٌ ترتدي قفّازًا أبيض من الدانتيل أمسكت بحذرٍ يدَ ديتريش.

 

ومن خلف حجاب الزفاف الأبيض، ابتسمت لاريت ابتسامة مشرقة.

 

كانت ابتسامةً نقيّة بلا شائبةٍ.

 

“أنا أيضًا أشعر بالشيء نفسه. ثمَّ إنني…….”

 

توقفت قليلًا، بينما احمرّت وجنتاها، قبل أن تتابع بصوتٍ خافت:

 

“أريد أن أصبح زوجة ديتريش بأسرع وقتٍ ممكن.”

 

“……لاري.”

 

ضغطت لاريت بلطف على يدهما المتشابكتين.

 

“إذن، هل نذهبُ؟”

 

“…….”

 

تأثّر ديتريش للحظةْ، ثم سرعان ما أومأ برأسهِ بابتسامةٍ فرِحة.

 

“نعم.”

 

وخطا الاثنان معًا فوق ممرّ الزفاف بخطواتٍ خفيفةٍ مفعمة بالسعادة.

 

 

 

 

‌‌*⁩ ‌‌*⁩ ‌‌*⁩

 

 

“هل يُقسم ديتريش فون كلاوديوس أن يتّخذ لاريت آنسي زوجةً له، ويُحبّها ويصونها طوال حياته؟”

 

“أقسم.”

 

أجاب ديتريش بصوتٍ ثابتٍ لا يتزعزع.

 

“هل تُقسم لاريت آنسي أن تتّخذ ديتريش فون كلاوديوس زوجًا لها، وتعامله بالمحبّة والثقة ما حييت؟”

 

“أقسم.”

 

أجابت لاريت هي الأخرى بحزم.

 

أومأ الكاهن برأسه وتابع:

 

“تبادلا الخواتم.”

 

فتقدّم الخدم بخواتم الزواج على وسائد حريرية.

 

أخذ كلّ منهما خاتمًا وألبس الآخر في إصبعهُ.

 

وبينما الألماس اللامع، رمز الحبّ الأبدي، يتلألأ في إصبعيهما، رفع ديتريش بخطواتٍ متوتّرة حجاب الزفاف عن وجه لاريت.

 

في اللحظة التي التقت فيها عيناه بعينيها الورديتين المليئتين بالحب.

 

‘آه.’

 

شعر وكأنّهُ امتلكَ العالمَ بأسرهِ.

 

ثم تبادلا قُبلة القسم.

 

“أعلن كَونكما زوجًا وزوجة.”

 

تصاعدت التصفيقات الصاخبة كالرعد.

 

“يا للجمال، كم يليقان ببعضهما!”

 

“صحيحٌ.”

 

تهامس الضيوف بفرحٍ، وصفّقوا بحرارة.

 

“لقد كان دخولهما معًا أمرًا مميزًا، أليس كذلك؟”

 

“نعم، سمعت أن هذا رمزٌ لمكانة متساوية بين الزوجين.”

 

وفي مقاعد الشرف بين الضيوف:

 

“أتمنى أن تكوني سعيدةً يا لاري…….”

 

تمتم البارون آنسي بأنفٍ محمرٍّ من البكاء، فما كان من زوجته إلّا أن وبّخته بلطف.

 

لكن عينيها كانتا رطبتين هي الأخرى.

 

“لماذا تبكي في يومٍ جميل كهذا؟”

 

بينما كانت إيفانجلين تتأمّل المشهد بوجهٍ متناقض.

 

فرحة، وفي الوقت ذاته فيها بعض الأسى.

 

بعينيها الزرقاوين المليئتين بالمشاعر، نظرت إلى الزوجين الجدَيدين.

 

وفي تلك اللحظة، التفت أنديميون نحوها وهو يصفّق بحرارة.

 

“…….”

 

كانت إيفانجلين شاردة الفكر بعينيها المسبلتين.

 

غاصت نظرة أنديميون نحو الأعماق.

 

ثمّ، صدح صوت أوبرالي عذب:

 

إنها صوفيا مورغان، أعظم مغنّية أوبرا في الإمبراطورية، بدأت بأداء أغنية التهنئة.

 

فأصغى الجميع بذهولٍ لجمالها.

 

إلّا أنّ عيني أنديميون بقيتا معلّقتين بإيفانجلين وحدها.

 

 

‌‌*⁩ ‌‌*⁩ ‌‌*⁩

 

 

انتهى حفل الزواج، وبدأت الوليمة.

 

عزفت الألحان الراقية، وتزيّنت الموائد بأفخر الأطعمة.

 

لكن إيفانجلين لم تلمس الطعام.

 

“آنسة كلاوديوس.”

 

جلس أحدهم بجانبها.

 

التفتت بغير اكتراث، فشهقت بدهشة.

 

“صاحب السموّ وليّ العهد.”

 

كان أنديميون.

 

“منذ قليلٍ وأنتِ بوجهٍ عابسٍ، لماذا؟”

 

“عابسٍ؟”

 

ارتسمت على وجهها مسحةِ خجلٍ من سؤاله المرح.

 

“ماذا ستفعل من دوني يا صاحب السموّ؟ أنت لا تفعل سوى إغاظتي يوميًا.”

 

“صحيح. لهذا كنت أشعر بفراغٍ شديدٍ طيلة السنوات الثلاث التي قضيتها في المقاطعة الملكية.”

 

ابتسَم بخبثٍ وهو يضيّق عينيه.

 

“لأنني لم أستطع إغاظة الآنسة.”

 

“…….”

 

‘ألا يكفُّ عن الكلام.’

 

أدارت وجهها بعيدًا بامتعاضٍ.

 

“إذن، لن تُخبِريني؟”

 

“عن ماذا؟”

 

“لماذا أنتِ حزينةٌ هكذا.”

 

‘حزينةٌ؟’

 

شعرت أنّه أصاب صميمَ الحقيقةِ.

 

رمشت بعينيها ثمّ ابتسمت بسخرية.

 

“ولماذا عليَّ أن أخبركَ؟”

 

“لأنكِ لو أفرغتِ ما في قلبكِ، قد يخفّ عنكِ الحمل.”

 

ازدادتَ ابتَسامتهُ دفئًا.

 

ابتسامةٌ مفعمةٌ باللطفِ.

 

“وقد تشعرين بالراحةِ.”

 

“…….”

 

‘كلامهُ فيه بعَضُ المنطقِ.’

 

صمتت طويلًا قبل أن تُطلق تنهيدة خفيفة.

 

“في الحقيقة…… أشعر ببعض الاضطراب.”

 

“ولماذا؟”

 

“ذلك أنّني…”

 

استعادت في ذهنها صورة لاريت وديتريش أثناء المراسم.

 

نظراتهما المليئة بالحب، وكأن العالم قد اختزل فيهما وحدهما.

 

حين رأتهما هكذا، اجتاحها شعورٌ بالفراغ.

 

“أحببت أن أراهما سعيدين. نعم، أنا سعيدة لأجلهما…… لكن.”

 

خفضت صوتها شيئًا فشيئًا.

 

“……أشعر وكأنهما ابتعدا عني قليلًا.”

 

كان الأمر غريبًا حقًّا.

 

فهما الآن أسرتها، ولن ينفصلا عنَها أبدًا.

 

لكن لماذا تشعر بالوحدةِ؟

 

“أدركُ أن الزوجين يجب أن يضع كلٌّ منهما الآخر أولويته القصوى.”

 

“آنسة.”

 

“أنا أفهم ذلك تمامًا…… لكن، قليلًا فقط.”

 

حرّكت أصابعها بتوتر.

 

“قليلًا جدًّا، أشعر بالحزَن أحيانًا.”

 

‘أهذا شعور غريب؟’

 

‘كأنني أغار من عائلتي نفسها.’

 

‘آه، ربما ما كان عليّ قول هذا.’

 

نظرت خلسة إلى أنديميون، فإذا به جادّ الملامح.

 

“أفهمُ شعوركِ.”

 

“ها؟”

 

اتسعت عيناها دهشةً من جوابهِ غير المتوقع.

 

تابع بهدوء:

 

“لكن ربما يجدر بكِ أن تنظري للأمر من زاوية أخرى.”

 

“زاوية أخرى؟”

 

“لقد قضيتِ معهما سنوات طويلة وبنيتِ معهما مودةً عميقة. وزواجهما لن يغيّر أنّكِ ما زلتِ شقيقة الدوق.”

 

“……صحيح.”

 

“وزوجة الدوق ستظل دائمًا أعزّ صديقاتكِ. ثمَّ إنّه.”

 

تردد قليلًا وهو يحكّ وجنته بإصبعه.

 

كان محرجًا بعض الشيء.

 

“……ربما سيأتي يومٌ ويظهر في حياتكِ شخصٌ مميّز لكِ أنتِ أيضًا.”

 

“ماذاا؟”

 

أمالت رأسها باستغرابٍ، ثم لوّحت بيديها نافية.

 

“لا يا سموّكَ، هذا مستبعد. أنا لا أتوقّع شيئًا كهذا.”

 

لكن صوتها كان مفعمًا بالحيوية.

 

نظر إليها أنديميون بخفية.

 

فقد اختفت الكآبة من ملامحها، وابتسمت كسماءٍ انقشَع عنها المطر.

 

“شكرًا على كلماتكَ يا صاحب السموّ.”

 

فعقد حاجبيه قليلًا وقال:

 

“ولماذا تظنين أنّها مجرّد كلماتُ عزاءٍ؟”

 

“هاه؟”

 

“إنني أعنَيها بكل صدقٍ.”

 

‘……ماذا؟’

 

رمشت إيفانجلين بعينين فارغتين من شدّة الذهول.