َ:
الفصل 176
كنتُ أنوي توفير وقتٍ هادئٍ لنا وحدنا.
لكنّ ديتريش كان على وشك أن يفقد صوابه…
فوق ذلك.
“الطّبخ يحتاج إلى التّفاني، أتعلم؟”
كنتُ أشعر ببرودةٍ غريبةٍ عندما قالت تلك الكلمات وهي تغادر…
بل إنّ إيفا، دون أن تُخبر ديتريش حتّى، طردت الطّاهي الرّئيسي وجميع خادمات المطبخ!
أتُعتبر مساعدة خدم المطبخ في طلب يد لاريت شيئًا غير لائقٍ أو ما شابه؟
‘ما الّذي يعنيه الموقد المتوسّط بحقّ السّماء؟’
نظر ديتريش إلى كتب الطّبخ بوجومٍ مرتبك.
‘الكميّة المناسبة’، ما هي؟
و’قليلًا’، ماذا تعني؟
وما مدّة ذلك ‘التّتبيل’ الملعون؟
وهكذا، وبعد جهدٍ جهيد، وضع زيت الزّيتون في المقلاة، ثمّ وضع اللّحم…
“…هاه.”
ما نتج لم يكن شريحة لحم، بل شيءٌ أقرب إلى الفحم.
بينما كان ينظر إلى ما كان شريحة لحم، أطلق ديتريش تنهيدةً طويلةً نابعةً من أعماق صدره.
لكن في تلك اللّحظة.
لم تطق لاريت الصّبر، فأطلّت برأسها إلى المطبخ.
“ديتريش، أشمّ رائحة احتراق…”
“لا، لا تنظري!”
حاول ديتريش منع لاريت بسرعة.
لكنّه تأخّر كثيرًا.
عندما رأت لاريت المشهد المروّع على الطّاولة، اتّسعت عيناها بدهشة.
بعد قليل.
عندما سمعت لاريت القصّة كاملةً، انفجرت ضاحكةً.
“يا إلهي، لم أكن أعلم أنّ هناك شيئًا لا يُتقنهُ ديتريش.”
نظرت لاريت إلى ديتريش بعينين تلمعان من المتعة، وكأنّها لا تستطيع التّوقّف عن الضّحك.
“كنتُ أظنّ أنّك بارعٌ في كلّ شيء.”
“…أنا بشرٌ أيضًا، لاريت.”
تمتم ديتريش بحزن.
“قد يكون هناك أشياء… لا أجيدها.”
على الرّغم من أنّه قال ذلك بنفسه.
لكن بصراحة… كان ذلك صادمًا حقًا.
قد يبدو مغرورًا بالنّسبة لمن يسمعه، لكن ديتريش لم يشعر يومًا بصعوبةٍ في تعلّم شيءٍ جديد.
لكنهُ شعر بأنه…
لكن أنا، أنا كنتُ كذلك.
…أن يكون هناك شيءٌ لا أجيده؟
في هذه الأثناء، لاريت.
‘يا إلهي! انظر إلى كتفيه المنخفضتين…’
كان ديتريش المتجهّم لطيفًا للغاية، فكانت تكبح ضحكاتها بصعوبة.
بصراحة، كان ديتريش مثاليًا بشكلٍ مفرطٍ حتّى الآن.
كان يُثير الإعجاب لدى النّاظرين، لكنّه بعيدٌ جدًا عن إحساس الإنسانيّة.
لكن ديتريش، الّذي ينظر بحزنٍ إلى الطّعام الّذي أفسده، كان…
كأنّه شخصٌ يعيش على نفس الأرض.
لم يعد يبدو كشخصٍ من عالمٍ آخر.
لذا، تحدّثت لاريت بمرحٍ مرّةً أخرى.
“كيف فكّرتَ في أن تُعدّ لي الطّعام بنفسك؟ هذا مؤثّرٌ جدًا.”
“…وما فائدة ذلك، لقد أفسدتُ كلّ شيء.”
ردّ ديتريش بصوتٍ كئيب، لم يتخلّص بعد من شعوره بالإحباط.
فنظرت إليه لاريت بجديّة.
“حقًا، كيف تقول مثل هذا الكلام؟”
“لاريت.”
“المهمّ أنّك فكّرت في ذلكَ.”
ابتسمت لاريت بعينين لامعتين.
“هذا يعني أنّك كنتَ تفكّر بي كثيرًا، أليس كذلك؟”
عندما رأى تلك الابتسامة المشرقة، شعر ديتريش أنّ قلبه خفّ قليلًا.
حسنًا، يبدو أنّ نصيحة إيفا لم تكن عديمة الفائدة تمامًا.
“وإن لم تكن بارعًا، فما المشكلة؟”
كان مظهر لاريت وهي تحاول تهدئته مرضيًا…
“بارعًا أو غير بارع، ديتريش هو الشّخص الّذي أحبّهُ أكثر من أيّ أحد.”
“…حقًا؟”
نظر ديتريش إليها بوجهٍ متجهّمٍ وسأل.
“أكثر من إيفا؟”
عند هذا السّؤال، التفتت لاريت حولها بهدوء لتتأكّد من عدم وجود إيفا.
ثمّ.
“نعم.”
أومأت برأسها قليلًا.
بعد سماع هذا الجواب، بدأت ملامح ديتريش ترتخي قليلًا.
‘على أيّ حال، إفساد الطّعام هو إفساد الطّعام.’
لم يكن بإمكانه أن يترك هذا اليوم يُفسد أيضًا.
كان عليه أن يعوّض هذه الوجبة الفاشلة بطريقةٍ ما.
‘لحسن الحظّ، لم ألغِ الحجز في مطعم نوفيلا.’
كان قد دفع تكلفة الوجبة مُسبقًا.
كان ينوي، إذا نجح الطّبخ، إرسال إيفا مع مساعدٍ آخر.
لكن يبدو أنّ إيفا لن تتذوّق طبق الكركند الشّهير في مطعم نوفيلا.
بعد أن أنهى حساباته في ذهنه، قال ديتريش بحزم:
“لنخرج.”
“ماذا؟”
بدت لاريت مرتبكة.
“حتّى لو لم أستطع إعداد الطّعام بنفسي، يمكنني أن أقدّم لكِ طبق الكركند الألذّ في العاصمة.”
“ماذا؟”
لم تكن لاريت تتابع الحديث بعد، فكرّرت “ماذا؟” مرارًا.
لكن ديتريش كان جاهزًا بالفعل لمرافقتها.
“هيّا بنا.”
نظرت لاريت إلى يده الممدودة إليها بهدوء.
كان هناك شيءٌ من التّوتر في وجهها.
وهي تواجه هذا المشهد، تذكّرت لاريت كلام إيفا:
“أخي أعدّ شيئًا للاريت. و…”
“قال إنّ هناك شيئًا يجب أن يقوله؟”
هل كان إعداد الطّعام بنفسه ليس الهدف الأصلي؟
مالت لاريت برأسها متسائلةً، ثمّ وضعت يدها في يد ديتريش.
‘حسنًا، بالتّأكيد لديه خطّة ما.’
في هذه الأثناء، بينما كان يخرج مع لاريت.
“…”
داعب ديتريش صدره قليلًا دون سبب.
في داخله، كان هناك علبة خاتم الخطوبة الّتي اشتراها قبل أيّام.
نزلا من العربةِ بهدوءٍ وجلسوا.
‘هناك شيءٌ ما يحدث، أليس كذلك؟’
نظرت لاريت بشكٍ إلى ديتريش الجالس أمامها.
لم تكن مشكوكًا في الأمر منذ البداية.
عندما وصلت إلى منزل الدّوق، وحتّى عندما رأت الطّعام الّذي أفسده ديتريش بشكلٍ مروّع.
كانت تظنّ أنّه ربّما يريد استشارتها بشأن إيفا أو شيءٍ من هذا القبيل.
‘لكن يبدو أنّ الأمر ليس كذلك.’
بالطّبع، كانت لاريت حذرةً بطبيعتها.
لكن المكان الّذي تقف فيه الآن كان كفيلًا بإثارة توقّعاتها.
‘يا إلهي، مطعم نوفيلا!’
مطعم نوفيلا في فندق بالارما.
كان المطعم الأكثر شعبيّةً مؤخّرًا.
سمعت أنّ الحجز فيه صعبٌ للغاية، وأنّ الحجوزات ممتلئة لمدّة نصف عامٍ مُسبقًا.
وهذا يعني.
أنّ هناك أمرًا مهمًا، أليس كذلك؟
وإلّا، لمَ كان سيحجز في مطعمٍ فاخرٍ كهذا مُسبقًا؟
علاوةً على ذلك، كان هذا المطعم يتمتّع بشهرةٍ خفيّة بين آنسات العاصمة.
والسّبب…
‘قيل إنّه مكانٌ للخطوبة.’
عادةً ما يكون لدى النّاس حدثٌ أو اثنان يحلمون به في حياتهم.
مثل إقامة حفل زفافٍ في مبنى رخاميّ بأسقفٍ عالية.
أو قضاء شهر عسلٍ على شاطئ بحرٍ أزرق في الخارج.
وكان مطعم نوفيلا واحدًا من الأماكن الّتي اختارتها العديد من الآنسات كـ “مكانٍ رومانسيّ للخطوبة”.
وعندما زارت لاريت المطعم بنفسها.
ثريّات الكريستال الفاخرة المتدلّية كالسّيول.
الأنغام الرّاقية المتدفّقة بهدوء، والطّعام الرّائع.
كان مطعم نوفيلا جديرًا بأن يكون “مكانًا رومانسيًا”.
تذكّرت فجأةً كلام إحدى الآنسات في نادي القراءة، والّتي تحدّثت بصوتٍ متحمّس:
“أتمنّى لو أُخطَب في مطعم نوفيلا ولو مرّةً واحدة…”
سمعت أنّها خطبت مؤخرًا.
وضعت يديها على خدّيها، ووجهها يتّقد بحمرةٍ وهي تكمل:
“الجوّ هناك رائعٌ جدًا، كما يقولون.”
“أوه، سمعتُ ذلك أيضًا.”
ردّت الآنسة شيروود بحماسٍ.
“ابنة عمّي خطبت هناك مؤخرًا، وقالت إنّ الجوّ كان رومانسيًا للغاية.”
عند هذا الكلام، انطلقت تنهيدات الحسد من بين الآنسات.
“هاه…”
“حقًا، أنا حسودة…”
في هذه الأثناء، كانت إيفا، الّتي عادةً ما تنضمّ إلى الحديث بحماس، هادئةً بشكلٍ غير معتاد.
“حسنًا، ألا تعتقدون أنّ الخطوبة في مطعمٍ أمرٌ عاديّ جدًا؟”
ثمّ ضيّقت عينيها وأضافت تعليقًا مغايرًا.
التعليقات لهذا الفصل " 176"