َ:
الفصل 175
الفصل 12: يومٌ لا بأس به حتّى لو لم يكن مثاليًّا
في إحدى الظهيرات المشمسة الجميلة.
اقتحمت إيفا مكتب ديتريش، وفتحت فمها بحزمٍ قائلة:
“أخي.”
“…”
نظر ديتريش إلى أخته الصّغرى المشاكسة بعينين متضيّقتين.
‘ما الهراء الذي ستقوله هذه المرّة؟’
كان هذا هو المعنى الذي حملته نظرته.
لكن إيفا، على عكس التوقّعات، ضربت صميم الموضوع مباشرة.
“بخصوص عرض الزواج الذي قدّمته للاريت.”
أعلنت إيفا بجديّة وهي تنظر إلى ديتريش.
“أنا لا يمكنني قبول عرض زواج كهذا.”
“…”
في تلك اللحظة، تجمّدت كتفي ديتريش وارتجف جسده.
عبست إيفا وهي ترمق أخاها بنظرةٍ جانبيّة.
“أعني، هذا صحيح، أليس كذلك؟ لقد كانت طريقتك في الاعتراف بحبّك سيئةً للغاية، فكيف يمكنك أن تقدّم عرض زواجٍ بهذه الطريقة العشوائيّة؟”
“أ، لـ-لا، هذا…”
تلعثم ديتريش وهو يحرّك شفتيه فقط، ثمّ أمسك جبهته ورفع راية الاستسلام أخيرًا.
“حسنًا، حسنًا، فهمت.”
كان الأمر كذلك بالفعل.
في ذلك الوقت، عندما اندلع حريقٌ في منزل عائلة آنسي.
كان ديتريش، خائفًا من أن يفقد لاريت إلى الأبد، في حالةٍ فقد فيها نصف عقله من الرّعب.
لذلك، سيطرت عليه فكرة واحدة فقط: أن يجعلها ملكه تمامًا على الفور.
فاندفع قائلًا إنّ عليهما الزواج فورًا…
‘اللعنة، لم يكن يجب أن أفعل ذلك.’
تذكّر ديتريش تلك اللحظة، فشعر بوجهه يحترق من الخجل.
صراحةً، كان من المذهل أن لاريت قبلت عرضه بابتسامةٍ في تلك الظروف.
بعد أن استعاد ديتريش رشده، كان يفكّر كلّ ليلة في ذلك العرض ويعاني من التفكير.
وأخيرًا، خلص إلى أنّه لا يمكن أن يستمر الأمر على هذا النحو.
“إذًا… إيفا.”
كانت هذه فرصةً للحصول على نصيحة.
ألقى ديتريش نظرةً خاطفة على إيفا.
“لذلك، كنت أنوي إعادة تقديم عرض الزواج، وقد أعددت شيئًا بشكلٍ منفصل…”
“أوه، ما هو؟”
تألّقت عينا إيفا وهي تنظر إلى ديتريش.
تردّد ديتريش للحظة، ثمّ أخرج بحرجٍ حزمة من الأوراق من الدّرج.
كانت تلك، بالضبط، خطّة عرض الزواج التي أعدها بعد أن أرهق سكرتيره ومسؤولي الإدارة.
“همم.”
بدأت إيفا تقرأ الخطّة بعبوسٍ طفيف.
كما لو أنّه مدمن عمل، كتب ديتريش خطّة العرض بشكلٍ منظّم ودقيق:
استلام خاتم الخطوبة الذي تمّ حجزه.
تناول الطعام في مطعم نوفيلا بفندق بالارما.
الطعام: يُقال إنّ وجبة العشاء ممتازة، لذا يجب أخذ ذلك في الاعتبار.
بعد العشاء، تقديم خاتم الخطوبة أثناء مشاهدة المنظر الليلي.
كانت خطّة عرض زواجٍ عاديّة إلى حدٍّ ما.
لم تكن مميّزة بشكلٍ خاص، لكنّها لم تكن سيئة أيضًا.
في الأصل، قال المرؤوسون الذين استشارهم ديتريش بصوتٍ واحد:
“بدلًا من تحضير أشياء كثيرة وتفشل، من الأفضل أن تسلك طريقًا عاديًّا.”
“صحيح، قد لا يكون مثيرًا للإعجاب، لكنّه لن يُنقص من درجاتك.”
لكن إيفا أعلنت دون رحمة:
“مرفوض.”
“لماذا؟”
سأل ديتريش بوجهٍ متظلّم.
لكن إيفا كانت حازمة.
“إنّها عاديّة جدًّا.”
“…”
أغلق ديتريش فمه، وكأنّه يقول إنّ لديه الكثير ليقوله لكنّه لن يفعل.
حسنًا، كان عرض زواجٍ عاديًّا بالفعل.
هزّت إيفا كتفيها بطريقةٍ مستفزّة.
“حتّى عندما اعترفت بحبّكَ، فعلت ذلك بطريقةٍ غير أنيقة في المعبد، هل تنوي فعل ذلك مجدّدًا؟”
“لا، هذا…”
“لذا، على الأقلّ عند تقديم عرض الزواج، ضع بعض الجهد.”
“وما المقصود بـ ‘وضع الجهد’ هذا؟”
لم يستطع ديتريش إخفاء إحباطه وسأل.
عند هذا السؤال، رفعت إيفا سبّابتها.
“الإخلاص.”
“الإخلاص؟”
“نعم، إنّه عرض زواجٍ لمرّة واحدة في العمر، ألا يجب أن يكون مليئًا بالإخلاص؟”
تساءلت إيفا، ثمّ غرقت في التفكير للحظة.
ثمّ…
“آه.”
ضربت كفّها بقبضتها وتابعت:
“ماذا عن إضافة شيءٍ تصنعه بنفسك؟”
” ا-أصنعهُ بنفسي؟ كيف؟”
“هذا عليك أنتَ أن تفكّر فيه!”
وبّخت إيفا أخاها، ثمّ اقتربت منه بعينين متلألئتين.
“همم، إذًا… ماذا عن الطبخ؟”
“…الطبخ؟”
“نعم، بما أنّك ستتناول الطعام في الفندق على أيّ حال، أليس كذلك؟”
ابتسمت إيفا.
“إذًا، سيكون من الأفضل أن تطبخ بنفسك وتتناولا الطعام معًا بهدوء.”
في العادة، لم يكن ديتريش ليهتمّ بمثل هذا الكلام.
لكن الآن، كان الوضع مختلفًا.
“نعم، الإخلاص مطلوب، أليس كذلك…”
تمتم ديتريش وهو يومئ برأسه، متوترًا جدًّا من كلمة “عرض الزواج”.
حقيقة أنّه لا هو ولا إيفا يعرفان شيئًا عن عروض الزواج…
كانت قد اختفت تمامًا من ذهنيهما منذ زمن.
تابعت إيفا بصوتٍ راضٍ:
“وبهذا، عندما تكون الأجواء مثاليّة، ضع الخاتم بنفسك في يدها.”
“الـ-الخاتم؟”
“نعم، كياه! هذا رومانسيّ جدًّا!”
أمسكت إيفا خدّيها بيديها وهي تقفز بحماس.
ثمّ بدأت تهذي وهي أكثر حماسًا منه.
“شريحة لحم، ماذا عن شريحة لحم؟ الناس يحتاجون إلى اللحم أوّلًا!”
“ولخلق الأجواء، ألا نحتاج إلى بعض النبيذ أيضًا؟”
بينما كانا يخطّطان بحماس لما سيكون عليه المائدة.
مرّت فكرة عابرة في ذهن ديتريش.
‘هل هذا صحيح حقًّا؟’
كلّ الأدوات الحادّة التي أمسكها ديتريش في حياته كانت سيوفًا للتدريب أو سكاكين لتقطيع الطعام.
لم يمسك سكّين مطبخ من قبل، ولم يقشر حتّى قشرة بطاطس.
وهو، بهذه الحال، سيطبخ؟
“إيفا…”
اختفت ثقته المعتادة تمامًا.
نادى ديتريش أخته بصوتٍ خافت جدًّا.
“عندما أفكّر في الأمر، أعتقد أنّني لم أطبخ قطّ في حياتي.”
“هيه، أنتَ تُجيد كلّ شيء، أليس كذلك؟”
لكن إيفا ردّت دون أن ترمش.
“الطبخ؟ هذا مجرّد شيء يمكنك تعلّمه بقراءة كتاب طبخ مرّة واحدة، أليس كذلك؟”
“هـ-هل هذا صحيح؟”
“بالطبع! ثق بنفسكَ.”
ربّتت إيفا على كتفي ديتريش بحماس.
“من يدري؟ ربّما تكون عبقريًّا في الطبخ!”
لو كان ديتريش في حالته الطبيعيّة، لما اقتنع أبدًا بهذا الثّقة العمياء.
لكن الآن، مع “عرض الزواج” الضخم أمامه، كان قد فقد نصف عقله.
وفي هذه الحالة، بدت ثقة إيفا الجريئة وكأنّها حبل نجاة…
“أنتَ تعلم أنّني أقرب صديقة للاريت، أليس كذلك؟”
تبجّحت إيفا وهي تمدّ صدرها بفخر.
“فقط ثق بي.”
“…لكن.”
“لاريت ستحبّ هذا جدًّا، أليس كذلك؟”
مع هذا الكلام، كيف يمكن ألّا يقتنع؟
أومأ ديتريش برأسه في النهاية.
وهكذا، في الوقت الحالي.
كان ديتريش ينظر بألمٍ إلى شيءٍ أسود متفحّم فوق المقلاة.
في يومٍ من الأيام، كان هذا الشيء يُسمّى لحمًا طريًّا لشريحة لحم من الدرجة الأولى.
لكن الآن…
‘كان يجب ألّا أصدّق كلام إيفا تلكَ.’
شعر ديتريش بأنّ الدنيا أظلمت أمام عينيه.
أغمض عينيه بقوّة دون أن يشعر.
في الحقيقة، حاول ديتريش التدرّب على الطبخ عدّة مرّات قبل أن يُعدّ الطعام للاريت بنفسهِ.
كان قلقًا من أن يفسد الطعام، لذا أراد التأكّد.
لكن…
“لاريت، ألا ترغبين في القدوم إلى منزلنا اليوم؟”
سبقته إيفا.
“أخي أعدّ شيئًا لكِ، و…”
بينما كانت تدحرج عينيها بمكر، ابتسمت إيفا بعذوبة.
“قال إنّ لديه شيئًا مهمًّا يجب أن يقوله.”
وهكذا، جاءت لاريت دون أن تعلم شيئًا، ونظرت إلى ديتريش بعينين متلألئتين.
أما إيفا، فغمزت بعين واحدة وكأنّها تقول ‘ألم أقم بعملٍ رائع؟’ ثمّ خرجت مسرعةً.
التعليقات لهذا الفصل " 175"