َ:
الفصل 159
كان الدوق، الذي اعتاد أن يكون هادئًا ومتماسكًا دائمًا.
يترنّح الآن عاجزًا عن التحكّم في مشاعره.
وأنا فهمت تلك المشاعر.
سيشعر بالحزن، والغضب، والإحباط، وبأنّه مثير للشفقة لعجزه عن إنقاذ الأميرة فورًا.
كلّما كانت الأميرة عزيزة عليه، كان الألم أشدّ وطأة.
حتّى أنا أشعر بألم في صدري.
لكن.
“أعتقد أنّ شعور ديتريش بهذا التأنيب أمر لا مفرّ منه.”
نظرت مباشرة في عيني الدوق.
“لكن، هذا ليس خطأك.”
عند كلماتي الحازمة، اهتزّت عيناه الزرقاوان الباردتان للحظة.
“هل تتذكّر ما قلته لإيفا من قبل؟”
“ذلك…”
“كما أتمنّى ألّا تلوم الأميرة نفسها على أمر ليس خطأها… الأمر نفسه ينطبق عليك، ديتريش.”
واصلت كلامي بقوّة ووضوح.
“لأنّه ليس خطأك، أتمنّى ألّا تعاني.”
“لاريت.”
“وإن كان الأمر صعبًا عليك، إن لم تستطع ضبط مشاعرك…”
حاولت أن أبتسم للدوق بثقة قدر استطاعتي.
“لا بأس أن تعتمد قليلًا على الآخرين.”
“…”.
نظر إليّ الدوق في صمت دون أن ينبس بكلمة.
في الأحوال العادية، كنت سأشعر بالحرج وأصرف نظري.
لكنّني الآن لم أفعل.
بل على العكس.
“…وأتمنّى أن أكون أنا تلك الشخصيّة التي تعتمد عليها.”
كشفت عن مشاعري الحقيقية.
وفي تلك اللحظة، انحنى الدوق نحوي.
طق.
وضع جبهته على جبهتي، ثمّ فتح فمه بهدوء.
“لاريت، أنتِ حقًا…”
كانت عيناه الزرقاوان القريبتان تموجان بمشاعر لا يمكن وصفها.
ومع ذلك، كان من المريح أن.
‘آه.’
علت شفتي الدوق ابتسامته الواثقة المميّزة.
تلك الابتسامة التي أحبّها بشدّة.
“شكرًا لكِ.”
بعد لحظة.
ابتعد الدوق عن جبهتي وهزّ كتفيه بخفّة.
“الآن فقط بدأ عقلي يهدأ، وكلّ ذلك بفضلكِ، لاريت.”
“هذا يسعدني.”
ابتسمت بعينيّ وأنا أنظر إليه.
“أنوي الذهاب إلى معهد كلاوديوس للأبحاث الطبيّة.”
“معهد الأبحاث الطبيّة؟”
“نعم، حتّى الآن لم يجدوا أيّ دليل واضح بشأن أعراض جلالة الإمبراطورة… لكن، من يدري؟”
نظر إليّ الدوق بنظرة خاطفة.
“يجب أن تكوني متعبة، لاريت، سآخذكِ إلى منزل آنسي في المدينة في طريقي…”
“لا.”
هززت رأسي وتشبّثت بذراع الدوق بقوّة.
“أريد أن أذهب معك.”
كان ذلك منّي نوعًا من الجرأة لأبادر بالتلامس.
لاحظ الدوق ذلك، فانحنيت عيناه بلطف.
“حسنًا، هيّا بنا.”
كان معهد كلاوديوس للأبحاث الطبيّة، الذي زرته لأوّل مرّة، معهدًا ضخمًا يشغل ثلاثة مبانٍ متّصلة.
كان الباحثون بمعاطفهم البيضاء يتنقّلون بسرعة ونشاط.
يقال إنّه من بين أكبر المعاهد في الإمبراطوريّة، ويبدو أنّ الإشاعات صحيحة.
لكن.
‘الجوّ يبدو مظلمًا نوعًا ما…’
ربّما لأنّ عائلة كلاوديوس الدوقيّة، التي تقف وراء المعهد، تعاني مؤخرًا من مصائب عديدة.
لم يكن الجوّ في المعهد مشرقًا بالضرورة.
بعد قليل.
“أهلًا بكم، سيدي الدوق كلاوديوس.”
استقبلنا باحث أول بكلّ احترام.
وكان إلى جانبه شخص آخر…
“آه، الطالب سيمون… أم يجب أن أناديك الآن بالباحث المتدرّب؟”
ابتسم الدوق وهو يوجّه الحديث إليه.
سيمون.
طالب من جامعة ويلسون كتب سابقًا بحثًا عن “الحمّى والتّهيّؤات”.
“سمعت أنّك أصبحت باحثًا متدرّبًا هذا العام، أهنّئك رغم الظروف.”
“شكرًا، سيدي الدوق.”
أحني سيمون رأسه بأدب.
بعد تبادل بعض العبارات الرسميّة.
“سيدي الدوق، لقد أجرينا بعض الأبحاث، لكن…”
تبادل الباحث الأول وسيمون النظرات بحذر.
ثمّ أغمض الباحث الأول عينيه بقوّة وفتح فمه.
“لم نجد بعد مرضًا يتطابق تمامًا مع أعراض جلالة الإمبراطورة.”
“…”.
في لحظة، أظلمت ملامح الدوق.
“نحن نبذل قصارى جهدنا، لكنّنا نأسف لعدم تمكّننا من تقديم إجابة واضحة.”
“لا بأس، لو كان الأمر بهذه السهولة لكانوا وجدوا السبب منذ زمن.”
حاول الدوق الردّ بلامبالاة، لكنّ الجوّ أصبح ثقيلًا لا محالة.
“…”
“…”
عمّ صمت ثقيل.
لم يجرؤ أحد على فتح فمه بسهولة.
“أم، بخصوص أعراض جلالة الإمبراطورة.”
فتحت فمي بحذر بعد تردّد.
“هل من الممكن أن تكون ناتجة عن التسمّم؟”
عند سؤالي، أبدى الباحث الأول وسيمون ردّ فعل فاترًا.
“حسنًا… نعم، قد يكون ذلك ممكنًا.”
أومأ الباحث الأول برأسه.
“لكن، سمعنا أنّ القصر الإمبراطوري فحص جميع متعلّقات جلالتها، وكانت نظيفة، أليس كذلك؟”
“…”.
أومأت برأسي في صمت.
“إذن، احتمال التسمّم يكاد يكون معدومًا.”
أكّد الباحث الأول بحزم.
“صحيح، الأطبّاء والباحثون في القصر هم من الأفضل في الإمبراطوريّة.”
أضاف سيمون مؤيّدًا.
هل حقًا لا يوجد حلّ؟
شعرت بضيق في صدري.
وفيما كنت أغادر المعهد دون أيّ نتيجة.
“من قال لك أن تخزّن الأدوية بهذه الطريقة؟!”
ماذا؟
أصغيت بانتباه.
كان باحث يوبّخ باحثًا آخر بشدّة.
كان غضبه شديدًا لدرجة أنّني شعرت بالرّعب دون سبب.
“قلت لك مئة مرّة أن تخزّن الفينينول والنيونين منفصلين!”
“آسف، آسف.”
“حقًا، ماذا لو تشكّل غاز سام؟ هل ستتحمّل المسؤوليّة؟ هاه؟”
لم يهدأ غضبه، واستمرّ في الصراخ حتّى توقّف فجأة.
لقد لاحظ وجودي أنا والدوق متأخّرًا.
“سيدي الدوق كلاوديوس؟”
أحني الباحثان رأسيهما
بسرعة وهما شاحبان.
“نأسف، لقد كنتم في حالة قلق، ومع ذلك أظهرنا لكم مشهدًا سيّئًا.”
“لا بأس، لا داعي للقلق بشأني.”
ضحك الدوق وهو يردّ.
في هذه الأثناء، كنت أفكّر في كلام الباحث.
‘لحظة، قال إنّه يتشكّل غاز سام؟’
مرّت فكرة مفاجئة في ذهني.
فتحت فمي دون تفكير.
“قلتم إنّ خلط الفينينول والنيونين ينتج غازًا سامًا، هل هذا يعني أنّ كلّ دواء فيهما سمّيّ؟”
“لا، ليس كذلك.”
هزّ الباحث رأسه.
“الفينينول والنيونين، كلّ منهما غير خطير بمفرده، الخطر يكمن في خلطهما.”
“إذن، لا يوجد سمّيّةٌ فيهما منفردين؟”
“صحيح، لهذا نخزّنهما منفصلين… تسك.”
نظر الباحث بنظرة غاضبة إلى زميله بجانبه.
لكنّني لم أكن مهتمّة بجدالهما.
‘الورد.’
تجمّدت في مكاني كمن أصابته صاعقة.
قيل إنّ جلالة الإمبراطورة بدأت تعاني منذ أن تلقّت شتلة ورد من الأميرة.
لكنّ تحقيقات القصر أكّدت أنّ الورد لا يحتوي على سموم خاصّة.
‘ماذا لو… كان الورد مشابهًا لهذين الدواءين؟’
ماذا لو كان هناك عنصر في الورد يتحد مع عنصر آخر ليشكّل سمًّا قاتلًا للجسم؟ في تلك اللحظة، مرّت كلمات الأميرة في ذهني.
التعليقات لهذا الفصل " 159"