َ:
الفصل 141
ميتم رومان.
كان أحد المياتم التي تديرها مؤسسة الرعاية التابعة للمعبد الأعظم.
اسم مدير الميتم كان، على الأرجح…
‘بيدرو، أليس كذلك؟’
مجرد مدير عجوز لميتم ريفي متواضع.
كاهن من الدرجة الدنيا، لا يستحق حتى التذكر.
ومع ذلك، بقي ذلك الاسم عالقًا في ذهن إيساك لسبب ما.
‘كان مزعجًا للغاية.’
كان يشتكي من نقص الخبز والحليب لإطعام الأطفال.
ويقول إن الأغطية والملابس قديمة وبالية.
ويتساءل متى سيتم تخصيص ميزانية إضافية للميتم، مرسلًا رسائل تذمر مستمرة.
لو كان إيساك على طبيعته، لتجاهل مثل هذه الطلبات تمامًا.
لكن عندما تجاوزت الرسائل الخمس عشرة، شعر بالضجر.
بالطبع، كان إيساك يرفض طلبات المقابلة واحدًا تلو الآخر.
ومع ذلك، لم يستسلم الكاهن بيدرو، بل واصل إرسال طلبات المقابلة.
وكلما نسي الأمر، كان يأتي بنفسه لتقديم طلب مقابلة.
استمر ذلك لمدة عام كامل.
لذلك، أرسل إيساك ردًا يحمل معنى ‘افعل ما تشاء بنفسك’ للمرة الأولى…
‘ثم تبعني إلى العاصمة وقدم طلب مقابلة؟’
يا له من إصرار، فقد قدم تسعة طلبات مقابلة خلال ثلاثة أيام أقامها في العاصمة.
كأنه أرسل طلبًا في الصباح والظهر والمساء.
“قال إنه يريد مناقشة شؤون إدارة الميتم، وهذه المرة يصر على مقابلة الكاهن الأول بنفسه.”
أنهى الكاهن كلامه بحذر وهو يراقب رد فعل إيساك.
“قل له أن يغرب عن وجهي فورًا…”
لم يستطع إيساك كبح جماحه، وكاد ينطق بكلام قاسٍ، لكنه توقف فجأة.
‘لحظة.’
مدير ميتم ريفي يحب الأطفال بشدة ولا يعرف شيئًا عن تعقيدات العالم.
وعلاوة على ذلك، يمتلك شغفًا وحماسة كافيين ليأتي بنفسه لمقابلة الكاهن الأول.
‘ربما يمكنني استغلال هذا الرجل إذا لعبت أوراقي بذكاء؟’
لمعة خطيرة برقت في عينيه الزرقاوين اللتين بدتا دائمًا بريئتين.
“أخبرهُ أنني سأقبل طلب المقابلة هذا.”
بعد قليل.
دخل الكاهن بيدرو إلى غرفة المكتب.
“مرحبًا، سيدي الكاهن الأول إيفانز. أنا بيدرو، مدير ميتم رومان المتواضع.”
كان الكاهن بيدرو رجلًا نحيفًا في منتصف العمر.
ثوب الكاهن الذي يرتديه كان باليًا ومتجعدًا من الخلف، وقلادة حول عنقه كانت مصنوعة من خشب رديء.
من أي زاوية تنظر إليه، كان كاهنًا ريفيًا بسيطًا.
لكن عينيه كانتا تتوهجان بنور لا ينكسر مهما كانت التحديات.
“السبب الذي جعلني أزعجكَ اليوم رغم انشغالكَ، سيدي الكاهن الأول…”
ابتلع بيدرو ريقه بحذر وفتح فمه ليتكلم.
“أتيت لأطلب منكَ زيادة الدعم ولو قليلًا لميتم رومان.”
كأنه يطالبه بمواصلة الحديث، نظر إيساك إلى الكاهن الأكبر سنًا منه بنظرة متعالية.
كانت نظرته تنمّ عن ازدراء.
لكن الكاهن بيدرو لم يبالِ بهذا السلوك، بل واصل كلامه.
“سمعت أن التبرعات التي تدخل المعبد الأعظم كل عام تتجاوز عشرة ملايين ديرك.”
يبدو أنه جاء مصممًا من البداية، إذ تدفقت الأرقام من فمه بسهولة.
“لو خصصتم جزءًا صغيرًا من تلك التبرعات لميتمنا، لتمكن الأطفال من تناول الطعام حتى يشبعوا.”
كان في صوت الكاهن بيدرو شيء من التوسل والإلحاح.
“الآن، نحن نقدم حساءً خفيفًا خاليًا من الدهن وخبزًا يابسًا مرتين يوميًا فقط.
وهذا أيضًا سيكون آخر شهر لنا، إذ سنضطر لإلغاء الحساء الشهر القادم.
أرجوكم…”
“الكاهن بيدرو.”
قاطع إيساك توسلات الكاهن الطويلة.
أغلق بيدرو فمه ونظر إلى إيساك بنظرة يائسة.
ثم قال إيساك ببطء وهدوء لهذا الكاهن:
“أولًا، أود أن أعبر عن احترامي لعاطفتك وتفانيك تجاه الأطفال.”
بدأ إيساك كلامه بهذا، ثم ارتسم على وجهه تعبير حزين مصطنع.
“ما سأقوله لك الآن هو لأنك طلبت الدعم لفترة طويلة.”
“نعم، سأستمعُ بكل احترام.”
أجاب الكاهن بيدرو بأدب.
حرك شفتيه، أطلق تنهيدة طويلة، وهز رأسه.
كأنه يواجه مسألة صعبة القول، وبعد صمت طويل، فتح إيساك فمه بثقل وقال:
“أعتذر عن رفضي مقابلتك طوال هذا الوقت.
في الواقع، هناك سبب يجعل المعبد الأعظم لا يستطيع تخصيص ميزانية كافية للمياتم المحلية.”
“وما المقصود بذلك؟”
“لقد قلت إن المعبد الأعظم يتلقى تبرعات بقيمة عشرة ملايين ديرك، أليس كذلك؟
هذا صحيحٌ.”
أومأ إيساك برأسه وأصدر صوتًا خفيفًا باللسان.
“لكن أكثر من نصف تلك التبرعات تأتي من عائلة دوق كلاوديوس.”
“سمعت أن عائلة دوق كلاوديوس أسست مؤخرًا مؤسسة رعاية جديدة، فهل هذا ما جعل الأمور صعبة؟”
قال الكاهن بيدرو بنبرة مترددة وهو يخفض صوته.
“لكنهم لم يستردوا التبرعات التي قدموها سابقًا…”
“لا، ليس هذا ما أعنيه.”
فجأة، حدق إيساك في الكاهن بيدرو مباشرة.
“لماذا تعتقد أن التبرعات التي أرسلتها عائلة الدوق تخص المعبد الأعظم بالكامل؟”
“ماذا؟”
لم يفهم الكاهن بيدرو الكلام على الفور، فأغمض عينيه بدهشة.
أنهى إيساك كلامه بتنهيدة ممزوجة بالحزن:
“اسمع جيدًا. ثلاثون بالمئة فقط من تلك التبرعات هي لنا.”
“لا، لا أفهم. ما الذي تقصده…؟”
“غسيل الأموال.”
غسيل الأموال؟
الكاهن الذي قضى حياته مدفونًا في الريف، شعر بالذهول أمام هذا المصطلح الضخم الذي ظهر فجأة.
“لغسيل الأموال، يجب أن تمر تلك الأموال عبر عدة جهات أولًا.”
هز إيساك كتفيه.
“ومؤسسة الرعاية هي وسيلة ممتازة لغسيل الأموال.”
“وسيلة ممتازة، أتقولُ؟”
“نعم. مؤسسة الرعاية، وصولًا إلى المياتم المحلية التابعة لها.
ألا توجد فجوات كافية لتتدفق الأموال من خلالها؟”
اتسعت عينا الكاهن بيدرو بدهشة.
“لا يمكن!”
“بلى، هذا هو الواقع.”
أعلن إيساك بنبرة مريرة:
“كانت عائلة دوق كلاوديوس، طوال هذا الوقت، تغسل الأموال عبر التبرعات لتكوين أموالها السرية.”
“لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا…”
“أرجوك، إن كنت ستلوم أحدًا، فلا تلم الكهنة الكبار ولا رئيس الكهنة.”
ظهرت ابتسامة خافتة على وجه إيساك الأنيق.
“أنت تعرف جيدًا النفوذ الذي تملكه عائلة كلاوديوس في كل أنحاء الإمبراطورية.
لم يغمضوا أعينهم عن هذا الأمر لأنهم أرادوا ذلك.”
تسللت تنهيدة ممزوجة بأسى خافت من بين شفتيه.
“لقد كانوا ببساطة عاجزين…”
لم يعرف الكاهن بيدرو ماذا يقول، فأغلق فمه دون وعي.
بعد لحظة صمت وهو يراقب رد فعله، أمسك إيساك يدي الكاهن بيدرو بقوة.
“كنت بحاجة إلى شخص مثلكَ.”
كان صوته يبدو وكأنه مليء بالعزيمة.
“أنا… تقصدني؟”
“نعم. أشعر أن كلشيءٍ قادني إليك.”
مع هذه الكلمات الحلوة، بدا الإحساس بالتأثر واضحًا على وجه الكاهن بيدرو.
“على الرغم من أنني لا أملك الشجاعة لفضح هذه الحقيقة القبيحة…”
دس إيساك بطاقة أعمال تحت يد الكاهن بيدرو التي يمسكها.
كانت لصحيفة صفراء تُعرف بتداول أكبر قدر من الإشاعات في العاصمة.
“آمل أن تستطيع إحقاق إرادةَ الحقَ.”
نظر الكاهن بيدرو بعيون مرتجفة إلى يد إيساك، ثم أمسك بطاقة الأعمال بقوة.
التعليقات لهذا الفصل " 141"