َ:
الفصل 140
كانت سيرافينا تقف بالقرب من ساحة المعرض، مغطيةً وجهها بقبعة كبيرة.
لم تجرؤ على الدخول، فاكتفت بالتحديق في المعرض المزدحم بعينين جامدتين.
مرّ بجانبها بعض النبلاء الذين أنهوا جولتهم في المعرض، يتحدثون بهدوء.
“هل تقدّمتَ أنتَ أيضًا بطلب التبرّع الدوري لمؤسّسة كلاوديوس؟”
“بالطبع. حتى الآنسة مورغان تقدّمت بالتبرّع الدوري!”
ارتجفت عينا سيرافينا بشدّةٍ.
صوفيا مورغان، مغنية الأوبرا الأكثر شهرةً في الإمبراطوريّة.
أن تختار حتى الآنسة مورغان كلاوديوس…
“لكن، ألم تكن تتبرّع للمعبد؟”
“حسنًا، التبرّع لمكانين في الوقت نفسه مرهق بعض الشيء… لذا سأضطرّ إلى إلغاء التبرّع هناك.”
مع نهاية هذا الحديث.
صعد النبيلان إلى عربتهما وغادرا.
شعرت سيرافينا بضيقٍ في صدرها، كما لو أنّها ابتلعت صخرة.
‘هل أخطأتُ في اختيار الحليف؟’
كانت سيرافينا تُعامل في الأوساط الاجتماعيّة كـ”خطيبة إيساك إيفانز المستقبليّة”.
لكن مؤخرًا، لم يرتكب الكاهن الأوّل إلا الأخطاء تلو الأخطاء.
هذا يعني.
أنّ مكانتها هي الأخرى تتقلّص بقدر ما يتراجع هو…
‘ما الذي يفعله الكاهن الأوّل بحق الجحيم!’
غضبت سيرافينا داخليًا.
‘يبدو… أنّ عليّ الابتعاد عن الكاهن إيفانز لبعض الوقت.’
بعد أن اتّخذت قرارها، استدارت بنزق.
كان وجهها، وهي تسير بخطوات واسعة، مشوّهًا بالغضبٍ.
في تلك اللحظة.
كان إيساك في لقاء خاص مع الكاهن الأعلى.
كوب الشاي الذي لم يُمسّ برد تمامًا.
‘بالتأكيد سيتحدّث عن ديتريش مجدّدًا.’
حافظ إيساك على ابتسامة خارجيّةً، لكنّه داخليًا كان يصرّ على أسنانه.
ما إن وصلت أخبار نجاح مؤسّسة كلاوديوس لرعاية الأطفال حتى استدعاه الكاهن الأعلى.
كان ذلك واضحًا كالشمس.
“تلك المؤسّسة الجديدة التي أسّسها كلاوديوس، ما اسمها… أطفال كلاوديوس؟”
تحدّث الكاهن الأعلى بعد صمت طويل، بوجه متجهّم.
‘اللعنة.’
تمتم إيساك بلعنةٍ داخليّةٍ.
كما توقّع، كان الحديث عن مؤسّسة كلاوديوس.
“جميع مواطني الإمبراطوريّة هم، كيف يجرؤون… تسك.”
نقر الكاهن الأعلى بلسانه بنزقٍ، ثم أكمل:
“سمعتُ أنّه في هذا المعرض، تمّ إبرام عقود تبرّع دوريّةٍ ضخمة.”
“…هذا.”
“ما الذي تنوي فعلهُ؟”
برقت عينا الكاهن الأعلى بشكل مخيف تحت جفنيه المجعّدين.
“ألم تكن مؤسّسة الرعاية تحت إشرافك، أيّها الكاهن إيفانز؟”
“……”
شعر إيساك وكأنّه يجلس على وسادة من الشوك، منتظرًا الكلام التالي.
واصل الكاهن الأعلى بنبرة توبيخ:
“بل سمعتُ أنّ جلالة الإمبراطورة حضرت المعرض أيضًا.”
فجأة، اشتعلت عينا إيساك.
كان يعلم في عقلهُ.
لطالما حضرت الإمبراطورة فعاليات المعبد بانتظام.
ربّما هذه المرّة أيضًا، زارت حدث كلاوديوس فقط للحفاظ على التوازن.
لذا.
لم يكن هناك داعٍ للشعور بالنقص، لكن…
“ماذا قالوا؟ أنّهم يربطون أطفال دور الرعاية بالتدريب المهني؟ لقد أشادوا بهذا الجانب.”
في تلك اللحظة، انفجر إحساس النقص المكبوت كزنبرك مشدود.
“هه، ما الفائدة من تعليم هؤلاء اليتامى هذا وذاك؟”
ردّ إيساك بحدّةٍ.
“هل سيصبح هؤلاء الحثالة مفيدين يومًا؟”
“ماذا؟”
“مجرد إهدار للمال. ما الذي يظنّون أنّهم يحقّقونه؟!”
“احترس من كلامك، أيّها الكاهن إيفانز!”
طاخ!
ضرب الكاهن الأعلى ذراع الكرسي بقوّة.
لكن، عند التدقيق في نواياه، لم يكن غاضبًا من تحقير الأطفال.
“الكلام كلام صواب، الأمور تعقّدت إلى هذا الحد.”
صاح الكاهن الأعلى مجدّدًا.
“أليس لك نصيب من الخطأ في ذلك؟”
كان يلومه فقط على الضرر الذي لحق بـ”مشروع الرعاية” الذي يديره المعبد.
اللعنة.
لم يجد إيساك ردًا على هذا، فشدّ قبضتهُ بغضبٍ.
كان يضغط بقوّة حتى برزت عروق زرقاء على ظهر يده.
“لو لم تثر غضب الدوق بذكر الآنسة آنسي دون داعٍ…”
نظر الكاهن الأعلى إلى إيساك بتعبير ينمّ عن الاشمئزاز، ثم أنهى كلامه بتنهيدة طويلة.
“هاه، لم يكن يجب أن أعهد إليك بمؤسّسة الرعاية.”
“……”
تشوّه وجه إيساك فجأةً.
لوّح الكاهن الأعلى بيده كمن سئم الحديث.
“حسنًا. اهدأ قليلاً، ثم لنتحدّث مجدّدًا في وقتٍ لاحق. اخرج الآن.”
غادر إيساك دون ردّ، واندفع خارجًا.
بوم!
أغلقُ الباب بعنفٍ.
نظر الكاهن الأعلى، الذي بقي وحيدًا، إلى الباب المغلق ونقر بلسانه.
“من أجل احترام الماركيز إيفانز، أبقيتهُ في منصب الكاهن الأوّل…”
هزّ رأسه باستياء.
“ربّما حان الوقت للتخلّص منه.”
‘يجب أن أعكس الوضع بطريقةٍ ما.’
عبر إيساك الممرّ الطويل وهو يشعر بالتوتر.
صراحةً، لم يعد نفوذه في المعبد كما كان.
كانت مؤسّسة الرعاية، التي كانت تحت إشرافه الرئيسي، تمرّ بأزمةٍ.
بسبب سلسلة الأخطاء المتتالية، بدأ الكهنة الآخرون مؤخرًا يتجنّبونه.
والأسوأ من ذلك، أنّ استياء الكاهن الأعلى الصريح كان الضربة الأقوى.
‘ما الخياراتُ المتاحة لي الآن؟’
فكّر إيساك وهو يعضّ على أسنانه بقوّةٍ.
‘اللعنة، سيرافينا!’
سيرافينا لوبيز.
كانت بمثابة ورقة رابحة، زرعها بعناية لتعزيز علاقته بالإمبراطورة والتأثير على الرأي العام في الأوساط الاجتماعيّة.
في الأيام العاديّة، كانت تأتي كل
يومين أو ثلاثة لتتودّد إليه، لكنها الآن اختفت تمامًا.
‘أن تقطع الاتصال هكذا فقط لأنّ الأمور ليست على ما يرام!’
صرّ إيساك على أسنانهِ بإنزعاجٍ.
‘كم دعمتُ تلك الفتاة!’
لا شيء يسير كما يريد، ولو بشكلٍ واحد!
بينما كان الغضب يتصاعد ويكاد يفقد أعصابه.
“الكاهن إيفانز.”
سمع صوتًا يناديه.
أغمض عينيه بقوّة ليكبح انفعالاته، ثم التفت بنظرة خاطفة.
“ما الأمر؟”
“لقد أرسل الماركيز إيفانز رسالةً.”
لكن، كالعادة، لم تكن أخبارًا سارّة.
“هاه، حقًا.”
عبس إيساك بعنفٍ.
مؤخرًا، لم يعد الماركيز إيفانز إلى إقطاعيّته، بل بقي في منزل المدينة بالعاصمة.
محتوى الرسالة التي أرسلها والده واضح.
باختصار:
ديتريش يحقّق نجاحات مستمرّة، فماذا تفعل أنت؟’
…هذا هو ملخّصها.
تسرّب ردّ مكبوت من بين أسنانه المشدودة.
“تخلّص منها.”
“ماذا؟ لكن ربّما يجب أن تتفقّدها…”
“قلتُ تخلّص منها!”
صرخ إيساك وهو يرفع صوته بنزق.
“ألا يبدو كلامي جديًا؟ كيف يجرؤ كاهن حقير مثلكَ على تجاهلي!”
“آسف، أنا آسف!”
ارتجف الكاهن من صراخ إيساك العنيف وأحني رأسهُ بسرعة.
لكنّه لم يستطع منع شعور بالتمرّدِ.
لماذا يفرغ غضبهُ عليّ؟’
يبدو أنّ لقاءه مع الكاهن الأعلى كان قاسيًا.
لكن، بصراحةٍ، لم يكن هو من وبّخه!
“ما الذي تفعله؟ ألن تذهب؟”
صاح إيساك بإنزعاجٍ في الكاهن المتردّد.
‘يا للإزعاجِ!’
كبح الكاهن غضبه وأجاب بهدوء، إذ لم ينتهِ أمرُه بعد.
“لقد وصل طلب لقاء للكاهن الأوّل.”
“طلب لقاء؟ من؟ الآنسة لوبيز؟”
“لا، مدير دار رومان للرعاية.”
“ماذا؟”
عبس إيساك قليلاً عند سماع الاسم غير المتوقّع.
التعليقات لهذا الفصل " 140"