َ:
الفصل 135
ديتريش لم يكن يتسامح أبدًا.
كلّما تعارض شيء مع أفكاره، كان يعترض ويرسم خطًّا واضحًا لرفضهِ.
في قضيّة الاحتيال باسم الزواج التي ارتكبها في عائلة الكونت جوستو سابقًا، اقتحم ديتريش المعبد الكبير بنفسه في تصرّفٍ جريء.
لكن لم يستطع أحد ردعه.
بل على العكس، تعاطفوا مع غضِبه، وسعوا جاهدين لتجنّب لفت انتباهه.
وأيضًا…
‘حتّى عندما توفّي الدوق وزوجته السابقان، كان الأمر كذلك.’
…مجرد صبيّ في العاشرة من عمره، بوجهٍ بارد، يُمسك بكلوديوس بقوّةٍ في قبضِته.
‘فتى شرسٌ.’
لكن عائلة الماركيز إيفانز لم تجرؤ على فعلِ ذلك.
بل بدا الأمر نفسه دليلًا على الفجوة الهائلة بين كلوديوس وإيفانز.
‘اللعنة!’
شعور الأزمة خنق أنفاسه.
‘لا بأس… هذا مجرّد تراجع بسيط من أجل التقدّم.’
إيساك حاول تهدئةَ نفسه بجهد.
إن لم يتمكّن من حلّ هذه المشكلة بشكل صحيح، وفقدان ثقة الكاهن الأعلى والكهنة الكبار…
فإن نفوذ إيساك ستضعف أكثر فأكثر في المستقبل.
إيساك، الذي كان يعضّ شفتيه حتّى سال الدم، استدار فجأةً.
كان ذلك لمناقشة قضيّة المؤسّسة مع ديتريش.
كان ديتريش يتحدّث مع الإمبراطورة وإيفانجلين ولاريت.
“أتعبتكما حقًا، يا أميرة. والآنسة آنسي أيضًا.”
ابتسمت الإمبراطورة بحرارة وهي تمتدح الآنستين.
“يسعدني أن أكون ولو بقدرٍ ضئيلٍ مفيدة لجلالتكِ.”
أطرفت إيفانجلين عينيها برقّةٍ.
فتجهّمت الإمبراطورة وقالت:
“ضئيل؟ أنا جادّةٌ جدًا.”
ثمّ تابعت بنبرةٍ حنونةٍ:
“نجاح هذا المأدبة بهذا الشكل يعود الفضل فيه للأميرة والآنسة آنسي.”
“هذا مديحٌ كبير.”
“مديح؟ بل بالأخص، يبدو أن الوفد راضٍ عن هذا المأدبة، وهذا يسعدني.”
وإذ كانت الإمبراطورة تكرّر مديحها، التفتت فجأة إلى ديتريش بوجهٍ مليء بالمرحِ.
“أوه؟ أنا أمدح الآنسة والآنسة آنسي، فلماذا يبدو الدوق فخورًا؟”
“أختي وحبيبتي ساعدتا جلالتكِ، فكيف لا أكون فخورًا؟”
أجاب ديتريش دون أن يرفّ له جفن.
حبيبة.
بينما كان وجه ديتريش هادئًا، احمرّ وجه لاريت من هذه الكلمة.
‘حقًا، كم هو متقلّب…’
أظهرت إيفانجلين هذا الشعور بوضوح على وجهها، لكن ربّما خوفًا من عيني الإمبراطورة، لم تنتقد أخاها.
“يا إلهي، تدافع عن عائلتكَ بهذا الشكل من الآن.”
ضحكت الإمبراطورة.
“يقال إن الدوق يعشق أخته كثيرًا، فهل ينوي إضافة سمعة عشق زوجتِه أيضًا؟”
“إن أتيحت لي الفرصة، فلمَ لا؟”
أجاب ديتريش بهدوءٍ وهو يهزّ كتفيه.
من هذا التعبير العلني عن الحب، احمرّ وجه لاريت أكثر.
بينما كان الأربعة يتحدّثون بهدوء…
“الدوق كلوديوس.”
عند هذا النداء، رفع ديتريش رأسهُ قليلًا.
اختفت النظرات الدافئة التي كان يوجهها للاريت وأخته والإمبراطورة.
كانت نظرةً باردة كأنّه ينظر إلى بقرةٍ أو دجاجةٍ.
حتّى الحجر في الشارع لا يُنظر إليه بهذه البرودة.
لكن ربّما احترامًا للإمبراطورة، أجاب بأدبٍ نسبيّ:
“ما الأمر؟”
شعر إيساك بإهانةٍ من هذا الردّ البارد، لكنّه اجتهد في رسم ابتسامة لطيفةً.
“هل يمكنك تخصيص بعض الوقت لي؟”
“…”
بدلًا من الإجابة، ألقى ديتريش نظرة جانبيّة على الإمبراطورة.
“لا بأس، تحدّثا براحتكما.”
أومأت الإمبراطورة مبتسمةً.
لكن ديتريش ظلّ متجهّمًا.
“حسنًا، لا أعتقد أنّ بيني وبين الكاهن الأوّل علاقة تحتاج إلى حديثٍ ودّي…”
كبت إيساك شعورهُ بالامتعاضِ وأجاب بودّ مصطنعٍ:
“لا تقل ذلك، ألستُ قريبكَ؟”
“قريبي…”
تمتم ديتريش بالكلمة للحظة، ثمّ ابتسم ابتسامة خفيفة.
ابتسامةٌ خالية تمامًا من الدفء.
“صراحة، أظنّني أعرف ما تريد قوله لي، أيّها الكاهن الأوّل إيفانز.”
تأمّلته عيناه الزرقاوان الباردتان بنظراتٍ ثاقبة.
“مؤسّسة الرعاية التي قرّرنا إنشاءها في كلوديوس.”
“…”
أغلق إيساك فمه بإحكام، فقد أصاب ديتريش الهدف.
مال ديتريش برأسه قليلًا وقال:
“تريد منّي سحب قرار إنشاء تلكَ المؤسّسة، أليس كذلك؟”
ابتلع إيساك إحساسه بالذلّ الذي وصل إلى حلقه.
‘هذا الوغد!’
لو أنّ ديتريش أخذ موقف إيساك بعين الاعتبار ولو قليلًا، لما سأله بهذه الصراحة أمام الإمبراطورة ونبلاء آخرين.
لكان على الأقلّ قد انتقل إلى مكانٍ خاصّ بهما.
أن يضطرّ كاهن أوّل إلى التماس طلبٍ وهو يحني رأسه…
هذا ضربةٌ سياسيّة كبيرة.
لا سيّما أنّ إيساك، رغم تظاهره بالعكِس، كان شديد الكبرياء.
مع علمه بذلك، لم يُظهر ديتريش أدنى مراعاةٍ.
هذا يعني أنّه لا يهتمّ بإيساك أو يعتبره جديرًا بالاحترام.
…أو ربّما لا يبالي حتّى لو أصبح عدوًّا له.
لكن…
“نعم، أرجوكَ.”
هنا، كان إيساك هو الأضعف.
في المعبد الكبير حاليًا، يتعرّض إيساك لضغوطٍ من كلّ الجهات لحلّ الخلاف مع كلوديوس ومعالجةِ مسألة التبرّعات.
والأمر الأكثر إثارة للغضب هو أنّ إيساك نفسه هو من قدّم الذريعة لإنشاء مؤسّسة الرعاية.
لكن إيساك شعر بالظلمٓ.
‘ما الذي تملكه الآنسة آنسي، تلك المرأة، بحقّ السماء؟’
لم يكن يصدّق أنّ كلّ هذا حدث بسبب استهانتهِ بابنة عائلة فيسكونت تافهةٍ.
تأمّل ديتريش إيساك الذي كان يرتجف من الإذلال، ثمّ رفع زاوية فمه ببطء.
كانت ابتسامة حادّة كالسيف.
“هذا صعبٌ.”
اشتعل وجه إيساك خجلًا.
لم يكن هناك حتّى عبارة “آسف ولكن” الشكليّة.
لم يتحمّل إيساك أكثر، فصاح وهو يطحن أسنانه:
“إذا استمرّ الصراع مع المعبد الكبير، ألن يكون ذلك سيّئًا لعائلة الدوق أيضًا؟”
“حسنًا، يبدو أنّ الكاهن الأوّل إيفانز يهتمّ بعائلةِ الدوق منذ زمن.”
بخلاف إيساك القلق، ظلّ ديتريش هادئًا ومرتاحًا.
“ربّما بسبب طباعي الملتوية، لا أجد هذا الاهتمام سارًا.”
“الدوق!”
“شؤون كلوديوس يديرها كلوديوس.”
رسم ديتريش خطًّا حاسمًا.
“أشكركَ على اهتمامكَ، لكنّه من البدايةِ تدخّلٌ غير ضروري.”
“هذا…”
“أيضًا، يبدو أنّ الكاهن الأوّل يعتقد أنّه بما أنّنا أقرباء، يجب أن أمنحهُ امتيازاتٍ.”
حاول إيساك الاعتراض، لكن ديتريش لم يعطهِ فرصةً للكلام.
“أنا أؤمن أنّه يجب الفصل بين العمل والعائلةِ، خاصّة بين الأقرباء.”
ازدادت ابتسامة ديتريش عمقًا.
“أليس هذا عادلاً أكثر َ؟”
اللعنة!
أخيرًا، انهار حتّى الهدوء القليل الذي كان يَحتفظ بهِ.
التعليقات لهذا الفصل " 135"