َ:
الفصل 134
‘الآن فقط بدأوا يدركون القيمة الحقيقية لآنستنا.’
استمرت أحاديث النبلاء دون توقّف.
“فضلاً عن ذلك، يُقال إنّ الآنسة آنسي ساهمت بدور كبير، أمرٌ مدهش حقًا.”
“ألم يعلن الدوق أنّ الآنسة آنسي حبيبته؟”
“سمعتُ أنّ نجاح الآنسة في إدارة الصالون ببراعةٍ في السابق كان بفضل نصائح الآنسة آنسي.”
كان الدور الآن على إيفانجلين لتشعر بالفخر.
‘آه، لديّ سبب وجيه لجعل لاريت أختي الكبرى، أليس كذلك؟’
لم تستطع إيفانجلين كبح شعور الرضا، فرفعت زاوية فمها بابتسامةٍ خفيفة.
لكن في تلك اللحظة.
قال نبيل كبير في السنّ مازحًا بضحكة:
“مع هذا الحسّ الرائع، لو كنتُ الدوق لأعلنتُ أنها حبيبتي أيضًا.”
“أوافقك الرأي. ماذا لو أبدى رجل آخر اهتمامًا بالآنسة آنسي؟ سيكون ذلك كارثةً!”
فجأة، تجمّد كتفا النبيلين اللذين كانا يتبادلان النكات.
شعرا وكأنّ ماءً باردًا سُكب عليهما، وأحسّا بقشعريرة في ظهريهما.
‘ما هذا؟’
أدار النبيلان نظراتهما بحذر.
كان ديتريش يحدّق بهما بنظرة قاتلة، لكنّه، حين تقاطعت أعينهما، ابتسم بأناقةٍ وكأنّ شيئًا لم يكن.
“…….”
“…….”
هذا جعلهما يشعران بمزيدٍ من الرعِب.
بعد صمت قصير، سارع النبيلان لتغيير الموضوع دون أن يسبق أحدهما الآخر.
“بالمناسبة، الحفل الأخير الذي حضرته كان حفلًا خيريًا.”
عند سماع هذا، تجمّدت كتف إيساك قليلاً وهو يتذوّق المقبّلات التي قُدّمت للتو.
لم ينتبه النبيل لتغيّر حالته وأكمل حديثه:
“بالطبع، كان الحفل الخيري رائعًا جدًا، لكن من حيث المعنى العميق، يبدو أنّ هذا العشاء هو الأكثر تميّزًا.”
“كلامكَ صحيح.”
ضغط إيساك على المقبّلات بشوكتهِ بنزق.
استمرّت أحاديث النبلاء.
“آه، بالطبع، كان حدث الآنسة لوبيز ‘نجمة نوفمبر الأكثر تألّقًا’ مبتكرًا للغاية.”
“من المؤكّد أنّ ذلك الحدث جمع تبرّعاتٍ كبيرة.”
حتى هذه النقطة، كان الأمر مقبولاً.
بدت الأحاديث وكأنّها تُثني على ذوق إيساك في اختيار سيرافينا، ولم يكن ذلك سيّئًا تمامًا.
لكن.
“أبرز قطعة في المزاد كانت بلا شكّ دراسة دونوفان التي قدّمتها الآنسة آنسي، أليس كذلك؟”
“وماذا عن المبلغ الذي عرضه الدوق على تلك الدراسة!”
مرّة أخرى، أصبح كلاوديوس محور الحديث.
“…….”
أصبح مزاج إيساك أكثر سوءًا.
سيرافينا، الزنبقة الأنقى في المجتمع الراقي.
في البداية، اعتقد أنها ستكون مفيدة جدًا، لكنّها الآن تبدو كفاكهة لامعة من الخارج فقط.
ألقى إيساك نظرةً جانبيّةً على لاريت.
‘الآنسة آنسي جذبت إشادة النبلاء والبعثة الدبلوماسيّة في هذا العشاء بضربة واحدة، بينما الآنسة لوبيز…’
في تلك اللحظة.
“آه، هذا الطعام؟”
حدّق أعضاء البعثة الدبلوماسيّة بأعين متسعة في الطبق الرئيسي.
كانت شرائح سمك أبيض منزوعة العظم، مقلية حتى أصبحت القشرة مقرمشة، ومُتبّلة بتوابل حامضة وحلوة تنعش الأنف.
كان أسلوب الطّهي مألوفًا جدًا.
بخلاف الإمبراطوريّة التي تُفضّل اللحوم كطبق رئيسي، كانت روسبورن، وهي دولة جزريّة، تعتمد على المأكولات البحريّة.
وبسبب الطقس الحار، كانوا يستخدمون التوابل الحامضة لفتح الشهيّة.
“أتمنّى أن ينال الطعام إعجابكَم.”
في تلك اللحظة، تحدّثت الإمبراطورة بنعومةٍ.
“إنّه لذيذ جدًا.”
أجاب الماركيز فيرا نيابة عن البعثة.
“لم أكن أتوقّع أن أتذوّق طعام روسبورن هنا، لذا أنا سعيد جدًا.”
“بما أنّنا نستضيف ضيوفًا كرامًا، كان علينا بذل أقصى جهدنا.”
ابتسمت الإمبراطورة بعينين لامعتين.
على الرغم من كلّ شيء، كانت الإمبراطوريّة أكبر دولة في القارّة.
كان لديها فخر كبير بثقافتها، ولم تتنازل عن هذا المبدأ حتى عند استضافة دول أخرى.
لكن تقديم طعام روسبورن مباشرةً للضيوف…
‘إنّهم يُظهرون اهتمامًا بنا.’
‘لم أكن أتوقّع أن يهتمّوا بهذه التفاصيل.’
استرخت تعابير وجوه أعضاء البعثة.
في هذه الأثناء، كانت الإمبراطورة تراقب مزاج البعثة بعناية، وأومأت برأسها راضية.
‘يبدو أنّ الجميع راضٍ.’
كلّ هذه الإنجازات كانت بفضل لاريت وإيفانجلين.
زينة الأزهار باستخدام أزهار الإمبراطوريّة وروسبورن.
كسر التقليد العنيد بتقديم طعام روسبورن مباشرةً.
كلّ هذه الأفكار جاءت من الآنستين.
‘يبدو أنّ الأميرة قد نضجت فجأة.’
نظرت الإمبراطورة إلى إيفانجلين بعينين مليئتين بالفخر، ثم انتقلت بنظرها إلى الآنسة التي تجلس بجانبها.
هذا التغيير الإيجابي في الآنسة…
‘لا بدّ أنّه بفضل الآنسة آنسي.’
لاريت آنسي.
الصديقة الوحيدة للآنسة، وحبيبة الدوق.
تعمّقت الابتسامة على شفتي الإمبراطورة.
كانت ابتسامةَ رضا عميقٍ.
“كنتُ أظنّ أنّ ديتريش هو الوحيد الذي يُثير أعصابي، لكنّ أختهُ الصغرى مثله تمامًا.”
تذمّر الماركيز إيفانز وهو يسير.
انتهى العشاء، وحان وقت تقديم الحلويات والشاي.
كان إيساك والماركيز قد غادرا المكان لأنّهما سئما من المديح الذي يُسكب على إيفانجلين.
لكنّهما لا يستطيعان الغياب إلى الأبد.
“إذن، ما الذي تنوي فعله؟”
ألقى الماركيز نظرةً جانبيّة على ابنه.
“ألم يأمر الكاهن الأعلى بحلّ مشكلة المؤسّسة بنفسكَ؟”
“…….”
شدّ إيساك على فكهُ بقوّةٍ.
نقر الماركيز بلسانه بامتعاض.
“أن نضطرّ للتوسّل إلى ديتريش مرّة أخرى…”
“هل تعتقد أنّك تعرف لماذا أُرسل الكاهن الأول كممثّل للمعبد في هذا العشاء؟”
“عليك حلّ هذه المشكلة بأيّ طريقة.”
“أثق بأنّك ستتعامل مع الأمر جيّدًا.”
تردّد صوت الكاهن الأعلى الملحّ في أذنيه.
‘نعم، يجب أن أحلّ هذه المشكلة بطريقةٍ ما…’
في تلك اللحظة، كان إيساك يشدّ قبضته بقوّة.
سمع أصوات النبلاء والبعثة يتحدّثون بهدوء.
“كان العشاء اليوم رائعًا حقًا.”
“يقال إنّ الآنسة كلاوديوس والآنسة آنسي ساعدتا جلالة الإمبراطورة.”
“دهشتُ حين علمتُ أنّ جلالتها أشادت بهما بنفسها.”
استمرّ الجوّ الودّي حتى انتهاء الطعام وتقديم الحلويات والشاي.
على الرغم من التوتّر في المحادثات الدبلوماسيّة، كان النبلاء والبعثة يتحدّثون الآن براحةٍ.
“بالمناسبة، سمعتُ أنّ كلاوديوس ستفتتح مؤسّسة جديدة للأطفال، أليس كذلك؟”
تحدّث الماركيز فيرا بصوت مليء بالفضول.
‘كلاوديوس؟’
توقّف إيساك فجأة وهو عائد إلى مكانه مع الماركيز إيفانز.
عبس الماركيز بعنفٍ.
“أينما ذهبت، لا أسمع سوى الحديث عن ديتريش. مزعج حقًا…”
في الوقت نفسه، أيّد دبلوماسي آخر:
“سمعتُ بذلك أيضًا. لم أكن أتوقّع أن يهتمّ النبلاء الكبار بمثل هذه الأمور المتعلّقة برفاهية الشعب.”
“مستقبل الإمبراطوريّة مشرقٌ.”
“يجب على روسبورن أن تأخذها قدوة.”
من كان يظنّ أنّ بعثة روسبورن ستهتمّ بمؤسّسة كلاوديوس؟
شعر إيساك بإحساس قوي بالأزمةٌ.
في تلك اللحظة، أدار أحد النبلاء رأسه بقوّة، كما لو كان يتأكّد من وجود أحدهم.
ثمّ.
خفض صوته وهمس:
“إذن… ماذا عن مؤسّسة المعبد؟”
اخترق هذا الصوت أذني إيساك كالسكّين.
‘كيف يجرؤون!’
تطايرت شرارات الغضب من عيني إيساك.
لم يجرؤ النبلاء على طرح هذا الموضوع بحضور إيساك والماركيز إيفانز.
لكن ما إن غادرا حتى اندفعوا لمناقشته بمكرٍ.
“حسنًا، إذا أسّست عائلة كلاوديوس مؤسّسة لرعاية الأطفال، سيكون ذلك محرجًا للمعبد، أليس كذلك؟”
“حتى الآن، كانت عائلة الدوق تتبرّع بمبالغٍ ضخمةٌ.”
“دائمًا ما كان المعبد يتولّى الأعمال الخيريّة، لذا من المحتمل أن تضعفَ نفوذهُ.”
“كحّم، كحّم!”
لم يستطع الماركيز إيفانز تحمّل الأمر، فأصدر سعالاً متعمّدًا وهو يتقدّم.
“…….”
عندما اجتاحهم بنظرةٍ غاضبةٍ، تفرّق النبلاء المذعورون وأشاحوا بأنظارهم.
ومع ذلك، لم يستطع الماركيز إيفانز مواجهتهم وسؤالهم عمّا كانوا يتحدّثون عنه.
هذا الموقف…
‘أُقارن بديتريش!’
صرّ إيساك على أسنانه بغيظٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 134"