“بالمناسبةِ… بما أن لاري حصلت على هذا الشال.”
أمسكت إيفانجلين بذراعي فجأةً.
“هذا يعني أن لدينا شيئًا آخر نرتديه معًا، أليس كذلك؟!”
‘…’
تقلّص وجه الدوق ديتريش على الفورِ.
لكن إيفانجلين، دون أن تهتم، التصقت بي تمامًا.
“بما أنكِ ترتدين شالًا دافئًا، لمَ لا نذهب لمشاهدة الثلج؟”
“الثلج؟”
“نعم، لاحظتُ هذا الصباح أن الثلج الأول قد هطل!”
في تلك اللحظة، تدخّل الدوق بنبرةٍ جادة.
“هل أنتِ طفلة؟”
“وماذا في ذلك؟ هل هناك قانون يقول إن الأطفال فقط يمكنهم مشاهدة الثلج؟”
“لاري تشعر بالبرد كثيرًا. ماذا لو أصيبت بنزلة برد في مثل هذا الطقس؟”
“لحظة، لاري؟”
عبست إيفانجلين فجأة.
“ما هذا؟ كنتُ أظن أنني الوحيدة التي يمكنها مناداة لاري بهذا اللقب!”
“وما المشكلة؟ أنا حبيب لاري. أنتِ صديقتها وتنادينها بلقبها، أليس كذلك؟”
“آه، أنا لست مجرد صديقة! أنا أعز صديقات لاري! ألا تعرف معنى الأصدقاء المقربين؟!”
اختلطت صيحات إيفانجلين المبالغ فيها بردود الدوق الساخرةِ.
نظرتُ إلى الأخوين وهما يتجادلان، ثم ابتسمتُ بحرارةٍ.
كان هذا المشهد دافئًا لدرجة جعلتني أشعرُ بالدموعِ تتغلغلُ في عيني.
في اليوم التالي.
حضر ديتريش اجتماع مجلس النبلاء، وبدا، على غير عادته، في مزاجٍ رائع.
كانت ابتسامة خفيفة تعلو وجهه الذي كان دائمًا خاليًا من التعبير.
“هل قضى الجميع الإحتفال بشكلٍ جيد؟”
بل إنه ألقى تحية ودودةً على النبلاء أولًا.
“هل طلعت الشمس من الغرب هذا الصباح؟”
“هذه قد تكون المرة الأولى التي أرى فيها الدوق يبتسمُ هكذا…”
نظر النبلاء إلى بعضهم بحيرة.
‘تبًا، ما الذي يجعله سعيدًا إلى هذا الحد؟!’
كان الماركيز إيفانز، الموجود بينهم، يكبت غيظهُ بصعوبةٍ.
كان قد سمع للتو أن إيساك، بسبب ديتريش، تعرض للإذلال في المعبد الأعظم قبل أيام.
كم كان غاضبًا عندما سمع تلك الأخبار.
حدّق الماركيز إيفانز في ديتريش بنظرةٍ حادة وهو يطحن أسنانه.
بعد تبادل التحيات مع النبلاء، اتجه ديتريش إلى المقعد الأعلى في قاعة الاجتماع.
كان مقعد رئيس مجلس النبلاء.
وقف بثقة، ينظر حوله كأسدٍ شبعان، وكأن هذا الموقع خُلق له.
ثم فتح فمه:
“اجلسوا جميعًا.”
جلس النبلاء في أماكنهم.
واصل ديتريش بهدوءٍ:
“كما تعلمون جميعًا، زيارة وفد روسبورن لم يعد يفصلنا عنها سوى القليل.”
روسبورن.
جزيرة تقع في أقصى شمال القارة الجنوبية، حيث تقع الإمبراطورية.
على الرغم من صغر حجمها، جمعت ثروةً كبيرة من صيد الأسماك وزراعة اللؤلؤ.
لكن بسبب الطقس البارد، لم تكن بيئةً مناسبة للزراعة، لذا كانت تستورد كل حبوبها.
وكانت معظم هذه الحبوب تأتي من كلاوديوس، التي تمتلك أكبر أراضي زراعية في القارة.
“موضوع اجتماع اليوم هو كيفية التعامل مع المحادثات القادمة مع وفد روسبورن.”
“حسنًا، هل هناك حاجة لعقد اجتماعٍ لمناقشة هذا؟”
سخر الماركيز إيفانز بصوتٍ عالٍ.
“إنها مجرد جزيرة بربرية. يمكننا التعامل معها بسهولة.”
كان إيفانز يعلم أنه يبالغ.
روسبورن لم تكن دولةً يمكن الاستخفاف بها.
لكن كراهيته لديتريش، ولعائلة كلاوديوس، جعلت لسانه يتحركُ بحرية.
‘…’
فجأة، حدّق ديتريش في الماركيز إيفانز بنظرةٍ باردة.
ثم.
“هل هذا الموقف الرسمي لعائلة إيفانز؟”
طُرح سؤالٌ حادٌ كالسكين.
تشنّجت كتف الماركيز.
“هذا…”
“يا للأسف.”
قاطع ديتريش الماركيز وهو يضيّق عينيه.
“جلالة الإمبراطور يسعى جاهدًا للحصول على المزيد من موانئ روسبورن غير المتجمدة.”
الميناء غير المتجمد.
ميناء لا يتجمد حتى في الشتاء.
وكانت الموانئ التي تمتلكها روسبورن، الواقعة بين القارتين الشمالية والجنوبية، أقصى الموانئ غير المتجمدة التي يمكن للإمبراطورية الوصول إليها.
لذلك، كان تعاون روسبورن ضروريًا لتوسع الإمبراطورية نحو القارة الشمالية.
لهذا، كانت الإمبراطورية تتفاوض مع روسبورن منذ أكثر من عشرين عامًا للحصول على ميناء غير متجمد.
لكن خلال هذه الفترة الطويلة، فتحت روسبورن ميناء تجاريًا واحدًا فقط للإمبراطورية، خوفًا من ازدياد نفوذها.
“في وقتٍ ينبغي فيه مساعدة جلالته في المفاوضات.”
اختفت الابتسامة اللطيفة من وجه ديتريش الوسيم.
حلّت محلها تعبيراته الباردة كالجليد المعتادة.
“إهانة روسبورن بتسميتها جزيرة بربرية، والموقف السطحي بأن يتم التعامل معها بسهولة…”
ترك ديتريش جملته معلقة وهو يحدّق في الماركيز إيفانز.
‘…’
‘…’
شعر الجميع بضغطٍ غريب يخنق أعناقهم ويجتاح ظهورهم.
كان ديتريش أصغر من أي شخصٍ في هذا الاجتماع.
حتى مقارنةً برؤساء العائلات الأصغر سنًا، لم يكن قد عاش نصف عمرهم.
ومع ذلك.
‘ما هذا…’
‘لا يمكن أن يكون.’
كانت الهالة التي ينبعث منها ديتريش مذهلة.ً
شعر النبلاء بجفاف أفواههم.
وضعٌ غريب حيث تقلّص جميع النبلاء بسبب شخصٍ واحد.
ومع ذلك، لم يجرؤ أحد على فتحِ فمه.
أصبحت الأجواء في قاعة الاجتماع مشدودة.
ثم.
“الماركيز إيفانز.”
بنداءٍ هادئ واحد، انقطع التوتر المشدود كالوتر.
واصل ديتريش بهدوءٍ:
“إذا تعاملتم مع الأمر بهذه الطريقة، فما الذي سيحدث لموقف جلالته الذي يسعى لإقناع روسبورن؟”
على الرغم من نعومة صوته، كان هناك نصلٌ حادٌ مخفي.
“جلالته يحترم روسبورن كشريكٍ في المفاوضات، لكن أن يظهر أحد رعاياه مثل هذا الموقف…”
طعن ذلك النصل ظهر الماركيز دون تردد.
“يمكن تفسير ذلك على أنه عدم الامتثال لإرادةِ جلالته.”
“ما هذا الهراء…!”
احمرّ وجه الماركيز إيفانز وازرقّ.
لكنه لم يُتح فرصةً لتبرير أو احتجاج، إذ.
“جلالة الإمبراطور يدخل!”
في تلك اللحظة، دخل الإمبراطور قاعة الاجتماع.
‘لا يمكن، هل يحضر جلالته اجتماع مجلس النبلاء بنفسه؟’
‘وليس حتى اجتماع مجلس الدولة!’
وقف النبلاء جميعًا لتحية الإمبراطور، لكنهم تبادلوا النظرات بحذر.
عادةً، كانت العملية كالتالي:
يتم رفع القرارات من مجلس النبلاء إلى مجلس الدولة، ويحضر رئيس مجلس النبلاء كممثلٍ للنبلاء.
ثم يستمع الإمبراطور إلى آراء المسؤولين ورئيس المجلس لاتخاذ القرار النهائي.
لكن هذه المرة، حضر الإمبراطور مجلس النبلاء بنفسه.
كان ذلك يعني أنه يولي أهميةً كبيرةً لقضيةِ روسبورن.
وأيضًا.
‘…جلالته يدعم الدوق كلاوديوس علنًا.’
كان ذلك يعني أن إرادة الدوق هي إرادة الإمبراطور.
“كما تعلمون جميعًا، سيزورنا وفد من روسبورن قريبًا.”
ابتسم الإمبراطور بثقةٍ.
“ميناء روسبورن غير المتجمد هو طموحٌ قديم للإمبراطورية.
أتمنى أن يبذل الجميع قصارى جهدهم في المفاوضات مع روسبورن.”
كانت كلماته متطابقة مع ما قاله ديتريش.
“نعم، جلالتكَ.”
“سنحتفظ بذلك في الاعتبار.”
أومأ النبلاء وهم يبتلعون ريقهم.
على الرغم من صغر سن الدوق، كانوا يعلمون أنه ليس شخصًا يُستهان به.
وحتى مع حرصهم الشديد.
‘من كان يظن أن العائلة الإمبراطورية وعائلة كلاوديوس قد تحالفتا بالفعل؟’
من المحتمل أن العائلتين ناقشتا بالفعل كيفية المضي قدمًا في هذه المفاوضات خلف الكواليس.
والنبلاء لم يلاحظوا أي شيء من هذه الاتصالات السرية.
بمعنى آخر.
‘…في النهاية، كنا نستهين بالدوق.’
كان هذا إدراكًا مؤلمًا.
في تلك اللحظة، ابتسم ديتريش للنبلاء بأناقةٍ وهو يقف بجانب الإمبراطور.
واجه النبلاء تلك الابتسامة.
شعروا وكأن سكينًا وُضعت تحت ذقونهم، وتسرّب البرد إلى ظهورهِم.
التعليقات لهذا الفصل " 125"