‘…’
شعرتُ فجأة بغصّةٍ في حلقي.
كان الدوق ديتريش يذكّرني دائمًا باحترام ذاتي.
في كل مرة أسمع فيها هذه الكلمات…
…أشعر وكأنني حقًا شخصٌ ثمين.
“سأفعلُ.”
أومأتُ برأسي بهدوءٍ.
عندها، بدا وجه الدوق يرتخي بلطفٍ، ثم أسند رأسهُ على كتفي مرة أخرى.
تساقطت خصلات شعره البلاتينية الفاتحة على كتفي.
“هذا شعورٌ رائع.”
تمتم الدوق كأنه يتنهّد.
ابتسمتُ أنا أيضًا.
“وأنا كذلك.”
بقينا أنا والدوق متكئين على بعضنا لبعض الوقت.
‘آه، رائحتهُ طيبة.’
لطالما لاحظتُ أن رائحة جسد الدوق تذكّرني بالغابة، منعشةٌ ونقيةً.
بينما كنتُ أستمتع بهذه الرائحة، سألته بعفوية:
“هل تستخدم عطرًا معينًا، سيدي الدوق؟”
“حسنًا، أستخدم عطر توبريه عادةً… لماذا تسألين؟”
كان هناك نبرة حيرة في صوته.
أجبتُ دون تفكير:
“لأن رائحتكَ جميلةٌ.”
‘…’
بعد لحظة صمت، ضحك الدوق بهدوءٍ.
“حقًا؟ يسعدني أنكِ تعتقدين ذلك.”
“أعني ذلك. لطالما فكّرتُ بهذه الطريقة.”
عندها، رفع الدوق عينيه نحوي قليلاً.
“الآن وأنا أفكّر في الأمر، لا أعرف الكثير عن ذوقكِ، الآنسة آنسي.”
ومن هنا بدأ.
بدأ الدوق يسألني بتفصيل:
“ما اللون الذي تفضّلينه؟”
“همم…”
تردّدتُ للحظة، ثم لاحظتُ عينيه الزرقاوتين تحدّقان بي.
خرجت الإجابة دون تفكير:
“الأزرق.”
“فهمتُ.”
أومأ الدوق وسأل مجددًا:
“هل تفضّلين ربطات العنق ذات النقوش أم السادة؟”
“حسنًا، يعتمد على المناسبة، لكن عادةً السادة…”
“بالنسبة للأحذية، هل تفضّلين اللامعة أم غير اللامعة؟”
“لا يهمّ كثيرًا. أعتقد أن الأمر يعتمد على الملابس، أليس كذلك؟”
لماذا يسأل عن هذه الأشياء؟
شعرتُ ببعض الحيرة، لكنني أجبتُ بجدية.
واصلنا الحديث بهدوء.
كان الحديث عشوائيًا، لكنه كان ممتعًا بحد ذاته.
وفي تلك الأثناء.
‘مهلاً؟’
بدأت كلمات الدوق تقلّ تدريجيًا.
“لذا، إيفا تلك الفتاة تستمر في الالتصاق بالآنسة آنسي…”
بعد تمتمته بهذا، توقّف.
ثم.
‘توم.’
أسند الدوق رأسه على كتفي.
تبعه صوت تنفّس منتظم.
يبدو أنه غفا.
‘هل كان شاي البابونج فعّالاً؟’
رمقتُ كوب الدوق، الذي كان قد أفرغ أكثر من نصفه.
ربما كان مجرد تأثير وهمي، لكن لا يهم.
المهم أن يخفف هذا من إرهاق الدوق، أليس كذلك؟
في تلك اللحظة، عادت إيفانجلين إلى غرفة المعيشة.
“لاري، لقد…”
“شش.”
أشرتُ بسرعة بإصبعي إلى شفتيّ.
عندما رأت الدوق نائمًا على كتفي، عبست إيفانجلين بنفور.
“حقًا، لا يصدق.”
تمتمت إيفانجلين بصوتٍ مرتفع بما يكفي ليُسمع.
“من يراه قد يظن أنه الوحيد في العالم الذي يُحب!”
لكن، ربما احترامًا لنوم الدوق، خفضت صوتها.
“حسنًا، على الأقل.”
اقتربت إيفانجلين مني بخطواتٍ خفيفة، نظرت إلى الدوق بنظرةٍ مستاءة، ثم ابتسمت.
“لم أرَ أخي ينام بهذا الراحة منذ زمن.”
“هذا جيد.”
“لكن، ألا يجب أن نوقظه؟ حان وقت النوم تقريبًا.”
“لا بأس، إنه ينام جيدًا لمرة واحدة.”
هززتُ رأسي.
“سأبقى هنا قليلاً ثم أذهب.”
سألتني إيفانجلين بمكر:
“آه، تريدين قضاء وقتٍ رومانسي مع حبيبكِ، أليس كذلك؟”
“لا، ليس الأمر كذلك…!”
ضحكت إيفانجلين واستدارت.
“حسنًا، مفهوم. لكن لا تبقي طويلاً، حسناً؟”
“نعم، سأفعل.”
“تصبحين على خير، لاري.”
“وأنتِ أيضًا، أحلامًا سعيدةً، إيفا.”
بعد تبادل تحيات ، خرجت إيفانجلين من غرفة المعيشة.
بينما كنتُ أنظر إلى ظهرها، تثاءبتُ باختصار.
“آه.”
ربما بسبب التجوال في المتاجر الكبرى طوال اليوم، شعرتُ بجفوني ثقيلةً كأنها مربوطةٌ بأوزان.
حاولتُ جاهدةً ألا أغفو، لكن لم أستطع مقاومة النعاس المتزايد.
في النهاية، أغمضتُ عينيّ بهدوء.
في ساعات الفجر الأولى.
استيقظ ديتريش نصف استيقاظ.
أين أنا…؟
للحظة، لم يستطع تحديد مكانه.
رمش ديتريش بعينيه بوجهٍ مذهول.
من خلال الستائر نصف المفتوحة، كان ضوء القمر الأبيض يتدفق.
كان مشهد غرفة المعيشة، الممزوج بالضوء والظلام، غريبًا وساحرًا في آنٍ واحد.
وفي تلك الأثناء.
‘هم؟’
توقّف ديتريش.
كان هناك صوت تنفّس خفيف يأتي من قريب.
عندما التفت إلى جانبه، رأى لاريت نائمة، متكئةً عليه.
يبدو أنها انتظرت حتى لا توقظه، ثم غفت هي أيضًا.
عدّل ديتريش وضعه بحذر لتتمكن لاريت من الاتكاء عليه براحةٍ.
‘…’
لانت نظراتهُ الزرقاء وهي تنظرُ إليها.
اختفى الدوق الحديدي، الذي كان يُوصف دائمًا بأنه خالٍ من الإنسانية بسبب هدوئهِ.
نظر ديتريش إلى لاريت النائمة بعيونٍ دافئةٍ.
‘…يبدو الأمرُ كحلمٍ.’
لم يشعر قطّ بهذا الشوقِ لأحدٍ.
لم يشعر قطُ بهذا الامتلاء بمجرد وجود شخصٍ إلى جانبهِ.
كل شيء كان جديدًا.
وكان هذا السعادة الغريبة تجعل ديتريش سعيدًا حقًا.
“أوم…”
في تلك اللحظة، تحرّكت لاريت قليلاً وهي تهذي، ثم فتحت جفونها ببطء.
ارتجفت رموشها السوداء الوفيرة.
تحتها، كانت عيناها الورديتان الصافيتان تلمعان بضوءٓ القمر.
‘…’
نظر ديتريش إليها كأنه مسحورٌ.
في تلك اللحظة، فهم تمامًا ما هي المعجزة.
كانت عيناها الجميلتان تحملان ديتريش وحده.
ابتسمت له وهي غارقةً في النعاس.
كان ذلك هو المعجزة بعينها.
“آه…”
بينما كانت لاريت تحدّق بديتريش بنظرةٍ حالمة، تمتمت كأنها تتنهّد:
“كيف يمكن أن تكون وسيمًا إلى هذا الحد…”
ماذا؟
من المجاملة المفاجئة، رمش ديتريش بعينيه بحيرةٍ.
بعد أن تأملته للحظات، تمتمت لاريت ببطء كأنها تتحدث لنفسها:
“أن يكون الدوق إلى جانبي، يبدو أنني أحلم…”
حتى في تلك اللحظة، كان شعورها بأن الأمر ‘كحلم’ مطابقًا لشعوره..
كبح ديتريش ضحكةً كادت تُفلت منهُ.
بعد هذا الهذيان، أسندت لاريت رأسها على جسد ديتريش وغفت مجددًا.
عانق ديتريش كتفيها النحيلتين بقوةٍ.
‘سأجن.’
كأنه وضع حلوى كبيرة في فمه، امتلأ فمه بالحلاوة.
إذا كان الحب يُجسّد في صورة إنسان، ألن يكون لاريت؟
فكّر ديتريش بصدقٍ بهذا.
أول ما أدركته لاريت هو أشعة الشمس الخفيفة التي لامست عينيّ.
“أوم…”
عندما عبستُ تلقائيًا، ظهر ظلٌ فجأة فوق وجهي.
كأن شخصًا ما أنشأ ظلًا فوق وجهي.
ربما ظل يد؟
‘نعم، هذا هو.’
بينما كنتُ على وشك الغرق في النوم مجددًا، توقّفت.
‘لحظة. ظل؟ ظل يد؟!’
فتحتُ عينيّ بذعر.
في تلك اللحظة، رُفعت اليد التي كانت تحجب وجهي.
سألني الدوق بلطفٍ:
“هل نمتِ جيدًا؟”
التعليقات لهذا الفصل " 122"