فجأة، أغلقت شفتاهُ بإحكام كالمحارٍ.
“إذًا… أنا.”
ديتريش، الذي لم يشعرُ بالتوترِ حتى أمام الإمبراطور، شعر بتصلّب رقبتهِ من التوتر.
لم تُلحّ لاريت عليهِ.
كل ما فعَلتهُ هو أنها نظرتْ إليه بعيَنين صافيتيَن.
في تلكَ اللحظةٍ.
“أحبكِ.”
قال ديتريش فجأةً.
لم يستطع تحمّل كبت هذه الكلمة أكثر.
مثل الثلج الذي يتراكم بصمتٍ.
عندما أفاق، وجد أن قلبهِ قد امتلأ بمشاعر متراكمةٍ بهدوءٍ.
لم يعد بإمكانهِ كبَحها.
أمام حبّهِ الأول المتأخر، أصبح ديتريش مبتدئًا كما لو كان فتىً في العاشرةِ عندما كان والداهُ لا يزالان على قيدِ الحياةَ.
“في الحقيقةِ… كنتُ أرغبُ في التعبيِرِ عنَ ذلكَ بطريقةٍ أكثر أناقةٍ.”
ديتريش، الذي كان دائمًا هادئًا، تابع حديثه بتلعثم وأذنيه مشتعلتان بالحمرة.
“لم أكن أنوي قولَ ذلكَ بهذهِ الطريقة المفاجئةِ، لكن…”
لكن لاريت ظلّت صامتة.
لم تُجب بكلمةٍ واحدة.
‘لماذا لا تقولين شيئًا؟’
شعرَ ديتريش بقلبهِ يهوي فجأةً.
ماذا لو كانت الآنسة آنسي ترغب فقط في الحفاظ على المسافة الحالية، وكنتُ أنا من تقدّم كثيرًا؟
…ماذا لو دمر اعترافي هذا العلاقةَ الودية التي بيننا؟
نظر ديتريش إليها بحذرٍ، غير متأكد مما يجب فعله.
“الآنسة آنسي؟”
في تلك اللحظة.
“…يبدو الأمر كحلمٌ.”
تردّد صوتٌ يشبه الزفرة.
كان صوتًا ناعمًا كنسيم الربيع.
لاريت، التي تمتمت بذلك دون تفكير، استفاقتَ فجأة.
“آه.”
احمرّ وجهها فجأةً.
‘ما الذي قلتهُ للتو؟!’
غير قادرة على تحمّل الخجل، أخفت لاريت رأسها على الفور.
“لا… لا تنظر إليّ.”
خرج صوتها المرتجف من تحت رأسها المحني.
“وجهي… يبدو في حالةٍ يرثى لها الآن…”
كان عنقها المرئي تحت رأسها المحني أحمرًا بالكامِل.
كأن لمسه سيترك أثرًا من الطلاء الأحمر.
نظر ديتريش إليها مذهولًا، ثم فتح فمه دون وعي.
“ما قلتهِ للتو…”
توقّف ديتريش فجأة وعضّ شفته السفلى.
‘إذا بدا أنني أضغط عليها للإجابة، سيكون ذلك كارثةً.’
شعرَ بالقلق فجأة.
أضاف ديتريش بسرعة:
“لا، لا بأس. يمكنكِ التفكير قليلاً قبل الإجابة. أنا…”
“لا، لا حاجةَ للتفكير.”
جاء ردّ حازم.
أخذت لاريت نفسًا عميقًا ورفعت رأسها فجأة.
كما قالت، كان وجهها في حالةٍ فوضى.
كان وجهها أحمر من تفاحة ناضجة، وعيناها مبلّلتان كما لو أنها على وشك البكاء.
“هذا يعني أنكَ تريد أن نكون حبيبين…”
أمسكت لاريت بطرف فستانها بقوة، وسألت بحزم:
“هل يمكنني أن أفكّر بهذه الطريقةِ؟”
حبيبين.
تذوّقَ ديتريش الكلمة.
كلمة قصيرة فقط، لكنهما بدتا أحلى صوتٍ يلامس لسانه.
أومأ برأسه دون تردد.
“نعم.”
مع تلكَ الإجابة.
انتشرتْ ابتسامةٌ عريضة على وجه لاريت.
كانت ابتسامةً أكثر إشراقًا من شمس منتصف الصيف.
بعد أن حرّكت شفتيها لبعض الوقت، لم تستطع لاريت كبح نفسها وقالت:
“…أنا سعيدةٌ.”
نظر ديتريش إلى تلك الابتسامة بثباتٍ.
كانت جميلة جدًا، لدرجة أنه شعر أنه لن يملّ من النظر إليها طوالَ حياتهِ.
لكن، وسط هذا، كان هناك شيءٌ يزعجهُ.
“أنا آسف. لم أكن أنوي قول ذلك بهذه الطريقة المفاجئةِ…”
تمتم ديتريش فجأةً بوجهٍ يملؤه الشعور بالذنبِ.
كان يشعر بالأسفِ لأنه، بدلاً من تقديم أفضل تجربة، اعترف بحبه بسرعةٍ.
لكن لاريت هزّت رأسها.
“لا، ليس كذلك.”
كانت دائمًا تعيش وهي تفكّر في العمل الأصلي.
كان ديتريش بطل هذا العالم، المقدّر له أن يرتبط بسيرافينا.
حاولت جاهدةً كبح مشاعرها التي تنتشر كالنٓار في الهشيم.
لكن ديتريش تحدّى مصيره المكتوب في العمل الأصلي واختار لاريت.
لم تعد بحاجةٍ للقلقِ بشأن العمل الأصلي أو سيرافينا.
هذا وحده جعلها تشعر وكأنها امتلكتْ العالم بأسرهِ…
ضحكت لاريت مرة أخرى.
لكن في تلك اللحظة.
“الآنسة آنسي.”
“نعمَ؟”
“هناك شيءٌ أودّ سؤالكِ عنه.”
في تلكَ اللحظة، ظهرت شقوقٌ طفيفة في ابتسامة لاريت.
كان ديتريش يبدو غاضبًا بشكلٍ غريب.
“هل حقًا…”
تردّد ديتريش للحظة، ثم قال بنبرةٍ متجهمة:
“…تفضّلين إيفا عليّ؟”
ماذا؟
ما هذا الكلام المفاجئ؟
تلاشت موجةً الإثارة للحظة.
نظرت لاريت إلى ديتريش بوجهٍ مرتبك.
“إيفا لا تتوقف عن التباهي بكِ أمامي. تقول إنها صديقتكِ المقرّبة، بينما أنا مجرّد أخٍ لصديقتكِ.”
تحدّث ديتريش بنبرةٍ تشبه الشكوى، وهو ينظر إلى لاريت التي كانت ترمش بعينيها بدهشة.
“حسنًا… أحبّكما كلاكما.”
أجابت لاريت بوجهٍ محرج، مرتبكةً وهي تحاول الرد.
“كيف يمكنني اختيار أحدهما على الآخر؟ إيفا صديقتي المقرّبة، وأنتَ…”
في تلك اللحظة.
توقّفت كلماتها فجأة.
“أنتَ، أنتَ…”
استمرت لاريت في تحريك شفتيها، لكنها أغلقت عينيها بقوة في النهاية.
غطّت وجهها بكلتا يديها، وتمتمت بصوتٍ خافت كصوت بعوضة:
“…حبيبي.”
كانت أذناها مشتعلتين بالإحمرار.
نظر ديتريش إليها بهدوءٍ، غير قادر على كبحَ نفسهِ أكثر.
كانت لاريت، التي تبدو حائرةٍ، لطيفة جدًا.
حقيقة أن هذه المرأة الجميلة هي حبيبتهُ بدت له حُلمًا قد تحقق.
…وكان هذا الواقع ممتعًا لا يُطاق.
“هاها!”
ضحكَ ديتريش بصوتٍ عالٍ، ففتحت لاريت عينيها بنظرةٍ حادة.
“هل تضحكُ عليّ؟!”
“أضحك؟ لا، ليس الأمر كذلك. فقط…”
توسّعت ابتسامة ديتريش أكثر.
“كلمة حبيبُ تبدو رائعةً جدًا.”
فجأة، احمرّ وجنتا لاريت مرة أخرى، كما لو أنها لم ترفع صوتها للتو.
في تلك اللحظة، انحنى ديتريش ولمس جبهته بجبهة لاريت بلطف.
نظرت عيناهُ الزرقاوان إليها بحنان.
“يجب أن أبذل مجهودًا أكبر.”
“مجهود؟ ماذا تعني…؟”
“حتى الآن، كان من الطبيعي أن تعرفكِ إيفا قبلي، لكن…”
هزّ ديتريش كتفيه بخفة.
“من الآن فصاعدًا، يجب أن أكون أنا من تحبينه أكثر.”
“ماذا؟”
“لأنني حبيبكِ.”
مع تلك الكلمات المرحة، تجمّدت لاريت.
تحرّكت شفتاها بصمت، ثم أخفضت عينيها فجأة، غير قادرة على تحمّل الخجل.
“حقًا…”
ضحكَ ديتريش بهدوء وعانق لاريت.
دفنت لاريت وجهها في صدرهِ.
كان التمثال يَنظر إلى العاشقين الجديدين بنظرةٍ حنونةٍ.
التعليقات لهذا الفصل " 118"