يبدو أن سيرافينا قد أولَت اهتمامًا كبيرًا بحفل التبرعات هذا.
حسنًا، فالأمر متعلق بسمعتها، لذا من الطبيعي أن تهتم بهِ كثيرًا.
حتى لو استثنينا فعالية نجم نوفمبر الأكثر تألقًا. المستوحاة من لعبة الوردة، كانت هناك العديد من وسائل الترفيه الأخرى الصغيرة.
“هل سنُعيّن شركاء الرقص بشكل عشوائي؟”
قالت جلالة الإمبراطورة وهي تلمع عيناها من الفضول.
أومأت سيرافينا برأسها مبتسمة ابتسامة مشرقة.
“نعم، فكرت أنه سيكون من الجيد أن يتمكن الناس من التفاعل حتى مع من لا يعرفونهم.”
كانت القواعد بسيطة.
كان هناك صندوق كبير يحتوي على أوراق كُتبت عليها أسماء الآنسات.
وكان السادة يسحبون إحدى تلك الأوراق عشوائيًا.
وبذلك، يرقصون مع الآنسة التي يظهر اسمها في الورقة.
“دوق كلاوديوس!”
أشارت سيرافينا إلى الدوق بوجهٍ مشرقٍ.
وفي نفس الوقت، ظهرت تجاعيد عميقةٌ في جبين الدوق.
من الواضح أنه لم يكن سعيدًا بالأمر.
“…سأعود قريبًا، آنسة آنسي.”
قال الدوق وهو يطلب إذني، ثم توجّه نحو الصندوق الموجود في وسط المنصة.
كانت الآنسات يراقبن بعيون متوهجة، في ترقب لمعرفة من هي المحظوظة التي سيختارها الدوق.
وعندما رأيت هذا المشهد…
شعرت أن مزاجي بدأ يهبط تدريجيًا.
‘حسنًا، إنه شخص محبوبٌ جدًا بعد كل شيء.’
لكن بما أنني حضرت معه كشريكةٍ في هذه المناسبة النادرة…
كان يبدو لي وكأنني أفقد فرصة قضاء وقت معه…
‘هل أنا… سخيفةٌ جدًا؟’
كنت أضحكُ ساخرةً في داخلي، حينها…
سحب الدوق ورقة واحدة.
فتح الورقة بلا مبالاة، ثم عبس جبينه قليلاً.
“…سيرافينا لوبيز.”
في تلك اللحظة، شعرت كأن قلبي سقط من مكانه.
‘سيرافينا؟’
عاد إلى ذهني فجأة ‘القصة الأصلية’ التي كنت قد نسيتها.
بطلة هذا العالم، سيرافينا.
وشريكها القدري، الدوق.
“آه، أنا؟”
قالت سيرافينا وهي تفتح عينيها بدهشةٍ، ثم احمرّ خداها خجلًا وتظاهرت بالتواضع.
“أنا لست جيدة في الرقص، وأخشى أن أكون عبئًا على الدوق…”
كلام فارغ لا معنى له.
فلقب ‘أنقى زنبقة في المجتمع الراقي’ لم يُمنح لها بالقرعة.
“هل تم اختيار الآنسة لوبيز؟”
“حقًا محظوظةٌ.”
في هذه الأثناء، تنهدت الآنسات بخيبة أمل، وبعضهن بدأن يظهرن الكآبة على وجوههن.
“لا، لماذا الآنسة لوبيز بالتحديد؟”
قالت الأميرة التي كانت تلتصق بي بصوت منخفض مملوء بالضيق.
“هل عبث أحد بذلك الصندوق؟!”
“…”
أطبقت شفتيّ بصمتٍ.
في العادة، كنت سأهدّئ من روعها بسرعة، لكن لسببٍ ما لم أشعر برغبة في فعل ذلك الآن.
كنت أعلم بعقلي.
أن رفض الدوق لسيرافينا الآن، سيُفسد الأجواء المتألقة التي عمّت المكان للتو.
ومع ذلك…
‘أتمنى… ألا يرقص الدوق مع سيرافينا.’
من المؤسف أن هذا الشعور كان يتكرر بداخلي…
أجبرت نفسي على الابتسام، محاولًا إخفاء إحباطي.
“والآن، التالي هو الكاهن الأعلى إيفانز!”
هتفت سيرافينا بصوت مفعم بالحيوية.
صعد الكاهن الأعلى إيفانز إلى المنصة.
وعادت نظرات الترقب إلى أعين الآنسات مرة أخرى.
ثم…
“لاريت آنسي.”
ماذا؟
لم أصدق أذني.
وفي نفس اللحظة، ابتسم الكاهن الأعلى إيفانز لي ابتسامةً مشرقةً.
“تشرفت، آنسة آنسي.”
في تلك اللحظة…
شعرت وكأن الدوق كان ينظر إليهِ بنظرةٍ باردة…
‘هاه؟’
شعرتُ ببعض الارتباك.
فوجه الدوق كان يبدو كما هو معتاد، مرتبًا وهادئًا.
أما تلك النظرة الجليدية التي شعرت بها قبل لحظة فلم يعد لها أثر.
‘هل تخيلت ذلك؟’
لا بد أنني كنت أتوهم.
هززت رأسي داخليًا.
وقفت سيرافينا وسط قاعة الرقص، تنظر إلى ديتريش بوجه متحمّس.
‘يا إلهي، لم أكن أعتقد أنني سأرقص مع الدوق…’
كان قلبها يخفقُ بسرعةٍ.
رغم أنها اعتادت على المجتمع الراقي بقسوته…
حتى سيرافينا، في حضرة ديتريش دوق كلاوديوس، كانت تشعر وكأنها فتاة صغيرة ينبض قلبها بشدةٍ.
‘هذه فرصةٌ.’
رغم أنها أمسكت بخيط الأمان المتمثل في إيساك، إلا أنه لن يضرها أن تبني علاقة جيدة مع الدوق.
‘والآن بعد أن فكرت في الأمر، ربما هذه أول مرة أراهُ من هذه المسافة القريبة.’
جبهته الملساء كالرخام، شفاهه المنغلقة بإحكام، وخط فكه الأنيق.
حقًا، رجل وسيمٌ
وبينما كانت سيرافينا تحدّق في ديتريش بعينين مبهورتين، عبست قليلاً فجأةً.
‘هم؟’
كان هناك شيء غريب.
مع أنها تقف أمامه مباشرة…
إلا أن عينيه الزرقاوين الجميلتين لم تتوجها إليها ولو لمرةٍ واحدةٍ.
ونظراته كانت تتجه نحو…
‘لاريت؟!’
وبشكل لا إرادي، تبعت سيرافينا نظرات ديتريش، وشعرت أن معدتها تنقلب.
فنظرته كانت مثبتة فقط على لاريت.
‘لا يمكن.’
يجب أن تجذب انتباه الدوق إليها بأي ثمن.
فتحت سيرافينا فمها بأقصى قدر من الود.
“أنا… سعيدة جدًا لأنني سأرقص معك يا دوق.”
“…”
عندها فقط، التفت ديتريش لينظر إليها بهدوءٍ.
عيناه الزرقاوان كالياقوت المصقول، خاليتان تمامًا من أي دفء.
كأنما لم يكن يراها كإنسانة حتى…
ارتعدت سيرافينا من الخوف فجأة…
“هكذا تقولين.”
أجابها ديتريش باقتضاب، ثم أعاد نظره جانبًا.
ولا تزال عيناه مثبتتين على لاريت.
‘مستحيل.’
شحب وجه سيرافينا.
كرامتها التي تحطّمت سقطت أرضًا دون رحمة.
ثم داس عليها ديتريش بلا مبالاة…
كراش!
بخطواته الراقية التي تناسب موسيقى الرقص، سحق كرامتها المهشّمة تحت قدميه.
بدأت موسيقى الرقص النشيطة تعزفُ.
وأنا أستمع إليها بلا اهتمام، فكّرت ببرود.
‘هذه الأغنية… اختارتها سيرافينا.’
فهي رقصة فريدريك، والتي تتقنها سيرافينا أكثر من غيرها.
كانت مقطوعةً رائعة، لكن…
شعرت أنها صاخبة أكثر من اللازم لأن تُعزف في معبدٍ مهيب.
كما أن هذه الرقصة، حسب ما أذكر…
‘كان هناك في نهايتها حركة تقارب شديدة، وكأنهما يتعانقان تقريبًا.’
ربما لهذا السبب سُمّيت ‘الرقصة التي تخلق أكبر عدد من العشّاق’.
…هذا يعني أن سيرافينا والدوق سيقومان باتصال جسدي وثيق.
طبعًا، أعلم أنه مجرد رقص لا أكثر.
لكن رغم ذلك…
“إنها المرة الأولى التي نرقص فيها سويًا، أليس كذلك؟”
قال الكاهن الأعلى إيفانز وهو يبتسم لي بهدوءٍ.
أومأت له برأس ثقيل.
“نعم، صحيح.”
“في الحقيقة، لم أتوقّع أن يختار الدوق الآنسة آنسي لتكون شريكته.”
قال ذلك بينما يخطو بخفة بخطوات احترافية، ثم واصل الحديث معي.
‘ما الذي يحاول قوله؟’
نظرت إليه بعينين مليئتين بالريبة.
فرفع كتفيه بفخر.
“في الكتاب المقدّس، هناك قصة تقول…”
ما علاقة الأمر بالكتاب المقدّس الآن؟
سواء علم بحالتي الباردة غير المهتمةِ أو لا، تابع إيفانز الحديث بنبرةٍ مرحة.
“يقال إنّ مهندسًا بارعًا صنع لنفسه أجنحة ضخمة ليصل إلى السماء.”
تجمدت كتفيّ فجأة.
لأني كنت أعلم تمامًا من هو ذلك المهندس…
“وفي يوم من الأيام، طار من برج الكنيسة وهو يضع الأجنحة على ذراعيه. مؤمنًا تمامًا بأنه سيصل إلى بقوّتهِ وحده.”
وفي نفس اللحظة، ضاقت عيناه السماويتان كما لو كانتا عيني أفعى.
“برأيك، ما الذي حدث لذلك المهندس؟”
“…”
عضضتُ شفتي.
ذلك المهندس، ذاب غراؤهُ الذي ثبت به الريش…
وسقط إلى الأرضِ.
التعليقات لهذا الفصل " 113"