الفصل 112
كان المشهد وكأنّ موجة تتدفّق بقوّةٍ.
بعد أن جالت الإمبراطورة جلالتها بنظرها حول المكان، فتحت فمها بصوتٍ مهيب:
“ارفعوا رؤوسكم جميعًا.”
رفعت رأسي قليلًا.
كانت جلالة الإمبراطورة سيّدةً نبيلة في منتصف العمر، ذات مظهر أنيق.
لم تكن جمالًا باهرًا يلفت الأنظار، لكنّ طول قامتها واستقامة وقفتها كانا ينضحان بالكرامة بحدّ ذاتهما.
‘الآن وقد فكّرتُ في الأمر، الإمبراطورة غالبًا ما تحضر حفلات التبرّع الخيريّة، أليس كذلك؟’
كان حضورها يعكس اهتمامها برعاية فقراء الإمبراطوريّة بالتعاون مع المعبد، وكذلك رغبتها في تعزيز العلاقة معه.
نظرت الإمبراطورة جلالتها حولها، ثمّ رأتنا وتقدّمت نحونا.
ثمّ تحدّثت بلطف:
“الكاهن الأعلى إيفانز، يسرّني جدًا رؤيتك هكذا.”
حفل تبرّع خيري ينظّمه المعبد الأعظم.
واختيارها للحديث مع الكاهن الأعلى إيفانز أوّلًا يُظهر بوضوح نيّتها لإعطاء المعبد مكانة مرموقة.
“شكرًا لدعوتكم لي.”
“كلّا، نحن من نشكر جلالتكم لتشريفكم المكان.”
أدّى الكاهن الأعلى إيفانز التحيّةَ بأدب، ثمّ أشار بيده بلطف إلى سيرافينا:
“هذه السيّدة لوبيز، شريكتي في هذا الحفل. لقد قدّمت مساهمةً كبيرة في تنظيم هذا الحفل الخيري.”
“آه، سمعتُ عنها.”
ابتسمت الإمبراطورة جلالتها بعطف:
“يُقال إنّها الزنبقة الأوساط الاجتماعيّة، أليس كذلك؟”
عند هذه الكلمات، بدت سيرافينا وكأنّها ستُغمى عليها من الفرح.
بالطبع، سرعان ما ضبطت تعابير وجهها.
“هذا شرفٌ عظيم، جلالتكم.”
“المعبد مزيّن اليوم بجمالٍ رائع، ويبدو أنّ يد السيّدة لوبيز هي من أضافت هذه اللمسة.”
نظرت الإمبراطورة جلالتها إلى سيرافينا بنظرةٍ دافئةٍ.
احمرّت خدّا سيرافينا قليلًا.
“هذا مديحٌ أكثر ممّا أستحق.”
“مديح؟ أنا لا أقول كلامًا فارغًا.”
لكنّني، بدلًا من سيرافينا التي كانت نواياها واضحةً كالزجاج، كنتُ أكثر اهتمامًا بالكاهن الأعلى إيفانز.
ألقيتُ نظرةً جانبيّة عليه.
كان الكاهن الأعلى إيفانز ينظر برضا، متنقّلًا ببصره بين سيرافينا والإمبراطورة جلالتها وهما تتحدّثان.
لمعة عينيه البرّاقة بدت كصيّاد يتربّص بفريسته بعد نصب فخه.
‘…’
شعرتُ برعشةٍ غريبة.
لكن في تلك اللحظة، التفتت الإمبراطورة جلالتها نحونا وابتسمت بحرارة كأنّها شعاع شمس:
“يا إلهي، إيفانجلين! وديتريش أيضًا…!”
ثمّ غطّت فمها وتمتمت بإحراج:
“أوه، لقد أخطأتُ. أعني، الدوق كلاوديوس والأميرة.”
كانت أكثر ودًّا بكثير ممّا كانت عليه مع الكاهن الأعلى إيفانظ وسيرافينا.
ابتسم كلّ من الدوق والأميرة بلطفٍ وهما يواجهان الإمبراطورة جلالتها.
“أحيّي جلالتكم الإمبراطورة.”
“أحيّي جلالتكم.”
اقتربت الإمبراطورة جلالتها بخطى سريعة من أخوَيْ كلاوديوس، ثمّ نظرت إليهما بنظرةٍ مرحة:
“كلاكما، لمَ يصعب رؤيتكما هكذا؟ أشعر بالإهانةِ حقًا.”
في الأوساط الخاصّة، كانت علاقتهما وديّة بما يكفي للحديث بلا تكلّف، لكنّها ترفع لهجتها احترامًا لأعين الناس من حولها.
“الدوق كلاوديوس مشغولٌ جدًا، حسنًا، لكن ألا يمكن للأميرة أن تزورني من حين لآخر؟”
“أعتذرُ.”
“سأحرص على زيارتكِ باستمرار من الآن فصاعدًا، جلالتكِ.”
“حسنًا…”
ظهرت على وجه الإمبراطورة جلالتها لمحة خفيفة من الشفقة وهي تُومئ برأسها.
بينما كنت أراقب هذا المشهد، تذكّرت فجأة العلاقة القديمة بين العائلة الإمبراطوريّة وعائلة كلاوديوس.
‘أظنّ أنّ الإمبراطورة جلالتها وزوجة الدوق السابق لكلاوديوس كانتا صديقتين مقربّتين، أليس كذلك؟’
لذلك، حتّى في القصّة الأصليّة، كانت الإمبراطورة جلالتها تشفق على أخوَيْ كلاوديوس اللذين فقدا والديهما فجأة.
بالطبع، بعد ظهور سيرافينا، أصبحت الأميرة تُعامل كالطبق البارد…
‘لكن، على الأقل، لا يبدو أنّ هذا هو الحال الآن.’
ألقيتُ نظرة سريعة لاستطلاع الموقف.
في تلك اللحظة، أمسكت الأميرة بذراعي بقوّةٍ وقدّمتني للإمبراطورة جلالتها:
“هذه لاريت آنسي. ابنة عائلة الفيكونت آنسي، وهي صديقتي المقرّبة.”
“يا إلهي!”
اتّسعت عينا الإمبراطورة جلالتها:
“أعتقد أنّ هذه المرّة الأولى التي أسمع فيها الأميرة تُطلق لقب صديقةٍ على أحد. هل أصبحت أميرتنا أخيرًا ناضجة؟”
كانت نبرتها وموقفها مرحين، كأنّها تتحدّث إلى ابنةٍ شقيّة.
لم تستطع الأميرة أن تنفعل كما تفعل أمام الدوق، فاكتفت بتجهّم خفيف:
“هذا محرجٍ…”
في تلك اللحظة، تدخّل الدوق بهدوء لدعم كلام الإمبراطورة جلالتها:
“بفضل السيّدة آنسي، أصبحت إيفا مؤخرًا أكثر نضجًا.”
“أخي، هذا ليس وقت المزاح.”
ضحكت الأميرة ببراءةٍ، ثمّ قرصت خصر الدوق خفية بعيدًا عن أعين الآخرين.
‘…’
على الرغم من ذلك، لم يفقد الدوق ابتسامتهُ، لكنّني رأيتُها.
شفتاه ترتجفان قليلًا وهو يتحمّل الألم.
في تلك اللحظة، خاطبتني الإمبراطورة جلالتها:
“السيّدة آنسي، أليس كذلك؟ يسرّني لقاؤك.”
“إنّه شرفٌ عظيمٌ أن أحيّيكِ. أنا لاريت آنسي.”
“لدرجة أن تقدّمكِ الأميرة بنفسها… يبدو أنّكما حقًا مقربتان.”
لا أعرف لماذا، لكنّ سماع مثل هذه الكلمات كان يسعدني جدًا.
كأنّ الناس من حولي بدأوا يعترفون أخيرًا بصداقتي الحقيقيّة مع الأميرة.
ابتسمتُ بإشراق:
“بفضل كرم الأميرة التي تعاملني بحبّ كبير.”
“هذا بحدّ ذاته مذهل. الأميرة ليست من النوع الذي يتقرّب بسهولة من الآخرين.”
“حقًا، جلالتكِ…”
بسبب مزاح الإمبراطورة جلالتها، تحوّل وجه الأميرة إلى عبوس.
استمرّ الجوّ الودّي يعمّ الجميع.
لكن وسط هذا، كان هناك شخصان يبدوان خارج السياق تمامًا.
‘الكاهن الأعلى إيفانز وسيرافينا.’
ألقيتُ نظرةً جانبيّة عليهما.
‘يبدوان هادئين جدًا.’
كلاهما كان يرتدي ابتسامة مثاليّةً مرسومة على وجهها.
لكنّ عينيّ رأتا.
كانا يحاولان كبح شعورهما بالاستياء وهما يشاهدان العلاقة الوديّة بين الإمبراطورة وأخوَيْ الدوق كلاوديوس.
في النهاية، كانت سيرافينا تغار من الأميرة منذ زمن،
وأمّا عائلة الماركيز إيفانز وعائلة الدوق كلاوديوس، فلم تكن العلاقة بينهما وديّة تمامًا.
لكن تعابيرهما كانت هادئةً للغاية.
‘واه، كلاهما يُتقن التحكّم بتعابيرهما بشكل مذهل.’
أُعجبتُ سرًا بمهارتهما.
لو لم أكن أعرف مسبقًا عن العداء الذي يكنّانه، لما لاحظتُ شيئًا.
“آه، لاري.”
فجأة، مالت سيرافينا نحوي ونادتني بصوتٍ خافت.
“لاري، رأيتُ اللوحة التي قدّمتِها هذه المرّة.”
ثمّ نظرت إليّ بنظرة مليئة بالسخرية:
“كيف أقول… اللوحة كانت… طليعيّةً جدًا.”
على الرغم من أنّها استخدمت كلمة “طليعيّة”، ففي لغة الأوساط الاجتماعيّة، كان هذا أقرب إلى ‘لوحتكِ سيّئةً حقًا’.
“أنتِ من رسمتِها بنفسكِ؟”
‘…’
نظرتُ إلى عيني سيرافينا بهدوء.
في “لعبة الورد”، عادةً ما يُقدّم المرء لوحة رسمها بنفسه أو أغراضًا شخصيّة يستخدمها.
يبدو أنّها تظنّ أنّني أنا من رسمت تلك اللوحة…
“أمم، هل أقول إنّها تبدو كرسمٍ لطفلٍ يعبث بيده؟ تبدو بريئةً… وكأنّها تناسب مستواكِ تمامًا، لاري. تُلائمكِ جيدًا.”
حسنًا، إن كانت ستُخطئ وتظنّ ذلك، فهذا يناسبني تمامًا.
ابتسمتُ بعينين متلألئتين:
“حقًا؟ شكرًا.”
‘…’
بسبب ردّي الهادئ، نظرت سيرافينا إليّ بشكّ.
لكنّ شكوكها لم تدم طويلًا.
ففي تلك اللحظة، ناداها الكاهن الأعلى إيفانز:
“السيّدة لوبيز.”
“آه، نعم.”
استدارت سيرافينا إلى الكاهن الأعلى بوجهٍ مشرق.
‘واه، القدرة على تغيير التعابير بهذه السرعة موهبةً بحدّ ذاتها.’
سخرتُ منها في نفسي.
تابع الكاهن الأعلى إيفانس بلطف:
“حان الوقت للاستعداد للحفل.”
“هل مرّ الوقت بهذه السرعة؟”
اتّسعت عيناها للحظة، ثمّ أضافت بحماسٍ:
“سأبذل قصارى جهدي.”
“نثق بكِ، السيّدة لوبيز.”
أومأ الكاهن الأعلى إيفانس برأسه، وأضاف كلمات تشجيع:
“أنا متأكّد أنّكِ ستبدين رائعة.”
“شكرًا.”
احمرّت خدّا سيرافينا قليلًا، ثمّ تقدّمت نحو المنصّة بثقة وتكبّر.
كأنّها تقول بكلّ جسدها: أنا من نظّمت هذا الحفل الخيري.
أنا من تحظى بحبّ المعبد ودعمه.
‘…’
بينما كنت أراقب ظهرها وهي تبتعد، ارتسمت على شفتيّ ابتسامة ساخرة.
عندما يُكشف من هو رسام تلك اللوحة…
…أنا حقًا متشوّقةٌ لأرى تعابير وجه سيرافينا.
التعليقات لهذا الفصل " 112"