كان المكان الذي يُقام فيه حفل التبرّع الخيري اليوم هو القاعة المركزيّة في المبنى الرئيسي للمعبد.
تُعدّ القاعة المركزيّة مكانًا يُوليه المعبد أهميّة كبيرة، حيث تُستخدم لتعيين الكهنة، أو لإقامة أحداثٍ مشترك مرّةً واحدة في العام.
عادةً ما تُفتح هذه القاعة للمناسبات الكبرى فقط.
الثريّات التي تتلألأ أضواؤها كالجواهر، والشمعدانات الفضيّة، وزينة الأزهار المتفتّحة بكامل بهائها.
كان الجزء الداخلي للقاعة مزيّنًا بفخامة لا تُضاهى.
‘تمامًا حسب ذوق سيرافينا.’
لأكون صادقة، كان المكان جميلًا للغايةِ.
لكن على المستوى الشخصي، كنت أفضّل لو كانت الزخرفةُ أكثر بساطةٍ واعتدالًا.
ففي النهاية، هذا حفل تبرّع خيري يُقام في المعبد.
‘حسنًا، لا بأس.’
هززت كتفيّ داخليًّا في نفسي.
كان الحديث عن الكهنة وفقرهم الطوعي وبساطتهم مجرّد كلام قديم.
ربّما لأنّ معظم من يدخلون الآن إلى الكهنوت هم أبناء النبلاء من الدرجة الثانية فما دون.
في الآونة الأخيرة، أصبح المعبد الأعظم فاخرًا لدرجة تُضاهي القصر الإمبراطوري.
بينما كنت أتجوّل بنظري في أرجاء المعبد.
شعرت فجأة بنظرات حادّة تتجه نحوي.
‘يا لهم من فضوليّين!’
استقمتُ عمدًا برشاقة أكبر، ورسمتُ ابتسامة هادئة وواثقة.
ولا عجب، فقد كان المدعوّون يرمقونني بنظرات جانبيّة مستمرّة.
عندما التقت عيوني بأعين بعض المدعوّين، أداروا رؤوسهم بسرعةٍ كالعصافير المبتلّة التي تُجفّف ريشها.
ثم بدأوا يتهامسون فيما بينهم.
لم أسمع أصواتهم بوضوح، لكنّني أعرف جيّدًا نوع الحديث الذي يدور.
“انظروا هناك، الدوق كلاوديوس والآنسة آنسي!”
“سمعتُ أنّهما مقرّبان جدًّا، لكنّني لم أتوقّع أن يحضرا معًا كشريكين إلى حفل التبرّع!”
من المواضيع الخفيفة مثل هذه،
“حسنًا، الآنسة آنسي هي الأقرب إلى عائلة الدوق كلاوديوس، أليس كذلك؟”
“صحيح، إنّها صديقة مقربة من الأميرة كلاوديوس أيضًا.”
“ألم تسمعوا؟ في الآونة الأخيرة، تحضر الأميرة فقط التجمّعات الاجتماعيّة التي تحضرها الآنسة آنسي.”
“وهل هذا فقط؟ في القضيّة الأخيرة مع عائلة الكونت جوستو، ساعدها الدوق كثيرًا!”
فضولهم حول علاقتي الوثيقة بأخوَيْ الدوق كلاوديوس،
“وماذا عن علاقتهما؟ ما نوعها؟”
“حتّى لو كانا رجلًا وامرأة بالغين، هل من المعقول أن يظهروا دائمًا كشريكين دون أيّ مشاعر؟”
“لا، مستحيل!”
يتكهّنون بعلاقتي مع الدوق، ويتبادلون النظرات الماكرة.
“حسنًا، يبدو أنّ الآنسة آنسي محظوظة.”
“إنّها تتباهى بثقة بفضل نفوذ الدوق كلاوديوس، أليس كذلك؟”
كما كان هناك نظرات حسودة لأنّني، ابنة عائلة متواضعة، أصبحت فجأة محطّ الأنظار في الأوساط الاجتماعيّة.
“كلّ شيء واضح جدًّا.”
بينما كنت أهزّ رأسي داخليًّا.
“……”
“……”
فجأة، ساد الصمت.
“ماذا؟”
رفعت رأسي مرتبكةً.
كان الدوق ينظر ببرود إلى المتجمّعين الذين يتهامسون، بنظراتٍ حادّة.
مجرد نظرة منه كانت كافية لتُشعر بالضغط الهائل.
“كح، كح!”
“أشعرُ بجفافٍ في حلقي…”
تفرّق المدعوّون متظاهرين باللامبالاة.
في تلك اللحظة، ألقى الدوق نظرة خاطفةً نحوي.
“ما الأمر؟”
“لا شيء.”
هززت رأسي بسرعةٍ.
لكن لم أستطَع منع قلبي من الانتفاخ فرحًا.
‘هل كان يهتمّ بي؟’
…تلك الفكرة لم تفارقني.
“لاري!”
في تلك اللحظة، اقتربت الأميرة منّي.
في العادة، كانت لتندفع نحوي كمهرةٍ صغيرة، لكن هذه المرّة، وبسبب وجود الجميع، سارت بخطوات أنيقةٍ كبجعةٍ.
نظرت إليّ وإلى الدوق بالتناوب بنظراتٍ ماكرةٍ، ثم قالت فجأةً:
“ليس لديكِ صديقة مثلي، أليس كذلك؟”
شعرت بالحيرة قليلًا.
“ماذا؟”
“ألم تتمكّنا بفضلي من القدوم معًا في العربة بمفردكما؟”
هزّت الأميرة كتفيها بفخر واضح.
حسنًا، أميرتنا تريد المديح، أليس كذلك؟
إذًا، سأمنحها ذلك.
“بالطبع، أميرتنا هي الأفضل.”
رددتُ عليها بسرعةٍ وبذكاءٍ،
“يبدو أنّ هناك طرقًا كثيرة لتلميع وجهكِ.”
لكن الدوق، من جهته، ضيّق عينيه ووبّخها.
نظرت الأميرة إلى الدوق بنظرة متذمّرة.
“لو كنتَ ممتنًّا، لقلتَ شكرًا بدلًا من هذا الكلام غير الصادقِ.”
“……”
بدت الصدمة على وجه الدوق لدرجة أنّه لم يجد ما يقوله.
لكن الأميرة، غير مبالية، اقتربت منّي أكثر.
“على أيّ حال، سأتوقّف عن التضحية لأجلِ أخي هنا. أريد أن ألعب مع لاري أيضًا!”
“حسنًا، ما رأيكِ أن نتناول بعض الحلوى؟ رأيتُ حلويات الشوكولاتة التي تحبّينها منذ قليلٍ…”
بينما كنا نتبادل الحديث.
شعرت بنظرة ملتهبة تتجه نحو جانب وجهي، فتجمّدت كتفاي.
عندما ألقيت نظرة خفية، رأيت الدوق ينظر إليّ بوجه يبدو عليه الأسى…
‘ما معنى تلك النظرات؟!’
كأنّني أعطي طعامًا لقطّة شوارع بينما قطّتي المنزليّة تحدّق بي من خلف النافذة!
في تلكَ اللحظة، استدار الدوق نحو الأميرةِ بوجهٍ جادّ.
“إيفا، الآنسة آنسي هي شريكتي اليوم.”
“قبل أن تكون شريكتكَ، إنّها صديقتي أيضًا، أليس كذلك؟”
بينما كان الأخوان يتجادلان كالكلب والقطّ.
“الدوق كلاوديوس.”
تردّد صوت هادئ.
عندما التفتّ، كان الكاهن الأوّل إيفانز يقف مرتديًا زيّ الكهنةِ الرسَمي.
وإلى جانبه، وقفت سيرافينا متمسّكةً به، ترمقنا بابتسامة خفيفةٍ.
“نشكركم على حضوركم حفل التبرّع الخيري وإضفاء البهجة عليه.”
ثم نظر إليّ وإلى الأميرة بابتسامة ودودةٍ.
“مرحبًا بالأميرة والآنسة آنسي أيضًا.”
“أهلًا، الكاهن الأوّل إيفانز.”
ردّ الدوق أوّلًا بأناقة.
“أنا من يشكركم على دعوتي لهذا الحفل. إنّهُ رائعٌ حقًّا.”
“لا شكر على واجبٍ.”
مهما كانت نواياهم الداخليّة، تبادلوا التحيّات بجوّ ودّي ظاهريًّا.
في تلك اللحظة، مرّت نظرة سيرافينا بي.
نظرت إليّ بنظرة متردّدة للحظة، ثم تحدّثت إليّ بلطف.
“لاري، كيف حالكِ؟”
على الرغم من ابتسامتها الظاهريّة، كانت عيناها الزمرديّتان باردتين كالجليد.
تظاهرتُ بالجهلِ، ورددتُ بابتسامة مشرقة.
“بالطبع، بفضل اهتمامكِ، أنا بخير. وأنتِ، سيرافينا، كيف حالكِ؟”
“……”
عند ذلك السؤال، ظهرت شقوق دقيقة على وجه سيرافينا.
لا بدّ أنّها تعلم جيّدًا كم تراجعت سمعتها، لذا سؤالي عن حالها كان مزعجًا بالنسبة لها.
ومع ذلك، حافظت سيرافينا على ابتسامتها الهادئة.
‘حسنًا، لو لم تتمكّن من التحكّم بتعابيرها لهذا الحدّ.’
لما استحقّت أن تُلقّب بزهرة الزنبق الأنقى في الأوساط الاجتماعيّة.
لكن جسدها كان أكثر صدقًا…
‘همم.’
ألقيت نظرة خفيفة إلى الأسفل.
كانت يدها البيضاء تمسك بقوّةٍ بطرف فستانها.
‘يبدو أنّها غاضبة جدًّا.’
إذًا.
ابتسمتُ عمدًا بإشراقٍ أكبر ونظرت إلى صديقتي القديمة.
ارتجفت عينا سيرافينا قليلًا.
عندما رأيتُ ذلك.
‘ها، هذا منعش!’
شعرتُ وكأنّني شربت زجاجة صودا دفعة واحدة، وانتعش قلبي.
في تلك اللحظة.
“جلالة الإمبراطورة، قمر الإمبراطوريّة الأنبل وأمّ الشعب، قد وصلت!”
عند تلك الصيحة، انحنى جميع الحاضرين في القاعة المركزيّة احترامًا لجلالة الإمبراطورة..
التعليقات لهذا الفصل " 111"