آه.
رمش ديتريش بعينيه بدهشةٍ.
“هل… كنتم قلقين عليّ حقًا؟”
خرج صوتهُ خشنًا ومرهقًا.
ابتسم ديتريش بشقاوة رغم وجهه المتعب:
“هذا يسعدني. يبدو أن مرضي كان يستحق.”
“حقًا، هل هذا وقت المزاح؟!”
عبست لاريت بجديةٍ.
ثم نهضت بسرعةٍ:
“انتظر لحظة. يجب أن أرسل شخصًا لإخبار الآنسة إيفانجلين بأنك استيقظت…”
“أين إيفا؟”
“ترتاح في الغرفة المجاورة. لا تعلم كم بكت بسببكَ.”
“…”
فجأة، شعر ديتريش بوخزٍ الذنب في قلبِه.
كان مصممًا على حماية إيفا بأي ثمن.
لقد عاهد نفسه على إسعاد أخته، قريبته الوحيدة.
لكن هذه المرة أيضًا…
“لا بأس.”
هز ديتريش رأسه بصعوبةٍ:
“دعيها ترتاح.”
“لكن…”
“على أي حال… لا أعتقد أنني سأظل مستيقظًا طويلاً.”
كان رأسهُ لا يزال ثقيلًا.
كان يرغب في الانهيار والنوم على الفوِر.
…لكن، بشكل غريب، وجود لاريت بجانبِه جعل قلبه دافئًا.
“بالمناسبة، هل كنتِ أنتِ من يعتني بي طوال الوقت، الآنسة آنسي؟”
سأل ديتريش بنبرة أكثر ليونة.
أجابت لاريت بحرج:
“حسنًا… يمكن القول إن ذلك صحيح.”
“أرى.”
ازدادت ابتسامة ديتريش عمقًا.
“أنا مدين لكِ.”
“مدين؟ أنا أيضًا…”
ترددت لاريت للحظة، ثم ابتسمت بخفةٍ:
“أشعر بنفس شعوركَ.”
شعر ديتريش بالحيرةٓ:
“نفس شعوري؟”
“أعني…”
احمرت خدّا لاريت كتفاحتين ناضجتين.
عبثت بأصابعها التي تمسك المنشفة، وفتحت فمها بحذر:
“أنا أيضًا، اعتنيتُ بك لأنني أردتُ ذلك.”
ثم أنهت كلامها بقوة:
“لأنني كنتُ قلقة عليك.”
ماذا؟
شكَ ديتريش في أذنيه للحظة.
كانت دائمًا حذرةً، تتراجع خطوةً في كِل شيء.
أن تقول لاريت شيئًا كهذا…
“بما أنك استيقظت، يجب أن تأكل وتتناول الدواء ثم تنام مجددًا. سأحضر شخصًا…”
حاولت لاريت تجنب عينيه والخروج.
لكن ديتريش كان أسرع.
“لا.”
أمسك طرف ثوبها برفق بأطرافِ أصابعهِ.
“إذا لم يكن ذلك وقحًا، بل، سيكون وقحًا، لكن…”
بدون نظرته الحادة المعتادة، حدقت عيناه الزرقاوان المرتخيتان إلى لاريت بهدوء:
“ألا يمكنكِ… البقاء بجانبي فقط؟”
“…”
ارتجفت عيناها الورديتان للحظة.
ثم جلست لاريت في مكانها:
“سأفعل. سأبقى هنا بجانبكَ…”
داعب صوتها الناعم كالريش أذني ديتريش:
“يجب أن تتعافى بسرعة، سيدي الدوق. حسنًا؟”
في ذلك اليوم،
غفا ديتريش واستيقظ عدة مرات كأنه فاقدٌ للوعي.
حتى في غيبوبته، كان يتحقق بشكل غريزي إذا كانت لاريت بجانبِه.
وكانت لاريت هناك في كل مرةٍ.
كلما لاحظت نظرته، التقت عينيه وابتسمت بلطف.
وديتريش…
…شعر بطمأنينةً كبيرةٍ من ذلكَ فقط.
بعد ثلاثة أيام،
“أنتَ بصحة ممتازة.”
حصل الدوق على شهادة تعافٍ من الطبيب.
تمتم الدوق بحرجٍ:
“قلتُ إنني تعافيت عدة مرات…”
في الحقيقة، كان الدوق قد تحسن من اليوم التالي، لكن إيفانجلين وأنا أصررنا على إبقائه في الفراش.
“فقط، استغل الفرصة لترتاح جيدًا. أليس هناك قول مفاده أن تستغل السقوط للراحة؟”
هزت إيفانجلين كتفيها.
“يا إلهي، إيفا.”
نظر الدوق إليها بإعجابٍ:
“منذ متى وأنتِ تستخدمين مثل هذه التعبيرات الراقيةَ؟”
“ماذا؟!”
فتحت إيفانجلين عينيها بغضبٍ.
بينما كانا يتجادلان،
التقت عيناي بعيني الدوق.
“بالمناسبة، الآنسة آنسي، أنتِ أيضًا تبللتِ تحت المطر. هل أنتِ بخير؟”
“نعم، أنا بخير تمامًا.”
بدا الدوق مطمئنًا حقًا:
“هذا حقًا رائع.”
“شكرًا.”
شعرتُ بدغدغة في قلبي، فنهضتُ لأتجنب عينيهِ.
خارج النافذة الواسعة، كانت أوراق الخريف الحمراء تتساقط بغزارة.
ووجهي المنعكس في النافذة…
…كان أحمرًا أكثر من تلكَ الأوراق.
الفصل الثامن: لقياكَ لم تكنَ صدفةً.
مرت أسبوعان منذ عودتنا من دوقية كلاوديوس إلى العاصمة.
أصبح الجو أكثر برودةٍ.
وصار الطقس يُعد شتاءً مبكرًا تمامًا.
أمس، نزل الصقيع لأول مرة في العاصمة بأكملها.
“مر الوقت بهذه السرعةِ.”
وقفتُ عند النافذة، أتأمل أنماط الصقيع الدقيقة.
عند التفكير، حدثت أشياء كثيرة هذا العام.
أصبحتُ صديقة للآنسة إيفانجلين.
شاركتُ، بمحض الصدفة، في فعاليات كلاوديوس.
كونتُ معارف جديدة في نادي القراءة.
والأهم، مع الدوق…
“…”
أخفضتُ عينيّ بشعورٍ معقد.
منذ رحلتنا إلى الفيلا، ظلت علاقتي بالدوق تحافظ على مسافةٍ دقيقة.
بالطبع، أصبحنا أقرب بكثيرٍ من قبل.
حتى لو لم يكن الدوق كذلك، لم أكن خالية تمامًا من الإعجاب به…
“لكن، ماذا عن مشاعر الدوق؟”
أمسكتُ قبضتي بقوة.
“بصراحةً، يبدو أنه ليس خاليًا من المشاعر تجاهَي.”
كأن خطوة واحدة فقط ، ستكشفُ.
لكن كلما فكرتُ في “رفيق قدر سيرافينا”، أتردد.
خفق قلبي دون سيطرة.
صوت قلبي النابض بدا كقطرات المطر التي ضربت غابة الخريف.
هوووشـ.
فجأة، شعرتُ وكأنني جالسة في الكهف مجددًا.
ذراع قوية تحتضن كتفي بقوةٍ.
دفء جسد الدوق ينتشر في جسدي.
ونظرة زرقاء صافية تحدقُ بي وحدي…
‘آه.’
احمرت خدّاي بحرارةٍ.
‘توقفي عن التفكير.’
لوّحتُ بيدي على وجهِي بلا داعٍ.
حقًا، الدوق مضر جدًا بصحةِ قلبي…
‘حسنًا، هناك أمور أخرى يجب أن أهتم بها غير الدوق.’
لمعت عيناي بحدةٍ.
‘يبدو أن سيرافينا نشطةٌ مجددًا.’
أثناء غيابنا في دوقية كلاوديوس،
سمعتُ أن سيرافينا عادت لتتألق في الأوساط الاجتماعية.
سمعتُ الخبر لأول مرة في نادي القراءة واتكينز، الذي حضرته بعد غيابٍ.
* * *
“الآنسة لوبيز، يبدو أنها كونت علاقة وثيقة مع الكاهن الأكبر إيفانز مؤخرًا.”
ارتشفت الآنسة شيروود الشاي وسخرت بابتسامة:
“الآنسة سانشيز منزعجةٌ جدًا. كانت مهووسة بالكاهن الأكبر إيفانز.”
يبدو أنها استمتعت بأن سيرافينا خطفت الكاهن الأكبر إيفانز من الآنسة سانشيز…
‘الكاهن الأكبر إيفانز وسيرافينا؟’
تبادلتُ أنا وإيفانجلين نظرةً.
فتحتُ فمي بحذر:
“لم يكن بينهما أي تواصل من قبل. كيف أصبحا مقربين؟”
“يقال إن الآنسة لوبيز تتطوع بانتظام في دار أيتام تابعة للمعبد.”
ماذا؟ تتطوع؟
فغرتُ عينيّ بدهشة.
سيرافينا، التي تكره أن تُبلل يديها بقطرةِ ماء؟
على الرغم من سماعي، لم أفهم.
هزت الآنسة شيروود كتفيها:
“لذا التقيا بالصدفة وكونا علاقة وثيقة.”
بعد انتهاء الاجتماع، عندما بقينا أنا وإيفانجلين بمفردنا، فتحت فمها فجأة:
“أليس هذا غريبًا؟”
“أنا أيضًا أفكر كذلك.”
أومأتُ برأسي.
أليس كذلك؟ التركيبة مريبة جدًا.
كما لو كانت بطلة هذا العالم، حتى بعد خسارة خط غريغوري، تنجح بطريقة ما في العودة.
الكاهن الأكبر إيفانز، الذي كان معاديًا لدوقية كلاوديوس.
سيرافينا، التي تكرهني أنا وإيفانجلين.
‘…وأن يتحدا معًا.’
لا يبدو هذا خبرًا جيدًا، سواء بالنسبةِ لي أو لدوقية كلاوديوس.
همم.
ضيّقتُ عينيّ وأنا أتذكر تلك اللحظة.
“بالتأكيد، هناكَ شيءٌ سيء.”
يبدو أنني بحاجةٍ إلى الحذرِ.
التعليقات لهذا الفصل " 105"