9
بعد حادثة رايتشل، عمَّ التوتر أرجاء قصر إيريس.
كل الخدم كانوا يرتجفون بمجرد أن يقابلوا نظري، لكنهم لا يتجاهلون كلامي كما في السابق. كان ذلك مريحًا لي. كنت أعلم جيدًا كم أن الخوف أداة فعّالة، لذا لم تكن لدي أي نية لتصحيح الوضع.
طلع صباح حفل عيد الميلاد.
ألقيت نظرة خاطفة على الفساتين التي جلبتها إرييل.
كلها بألوان زهرية قبيحة مزدانة بزخرفات مرعبة.
هل أرادت السخرية مني؟
الخادمات اللواتي يخدمنني – باستثناء جين وليلي – كلهن من طرف إيريل. أغلب الظن أن كل حركة أقوم بها تُنقل إليها سرًا. الأمر مزعج الآن، لكنني سأستبدلهن جميعًا لاحقًا.
قلت:
ـ “جين.”
ـ “نعم، يا أميرة!!”
حتى ليلي وجين شُدَّ عليهما التوتر فجأة. ابتسمت بخفة.
ـ “أحضري جيمي.”
ـ “نعم. هو ينتظر خارج القصر بالفعل.”
ـ “أحسنت.”
مسحت بيدي على رأس جين، فابتسمت ببلاهة وخرجت مسرعة.
لم يكن في أحلامي أن أرتدي الفساتين المضحكة التي جاءت بها إرييل.
كنت قد رتبت مع جيمي كل الفساتين قبل مجيئي إلى القصر الملكي.
يا تُرى، كيف سيكون وجه إرييل حين تراني؟
لتذق طعم السخرية هذه المرة. ابتسمتُ ابتسامة جانبية.
ـ “إنها في غاية الجمال!!! جيمي يكاد يبكي من التأثر!!!”
جيمي، والدموع تلمع في عينيه، أخد يصفق بحرارة. حتى ليلي وجين ظلّتا تحدّقان بي، أفواههما مفتوحة، وتصفقان بدورهما.
ـ “لقد نجحنا يا أميرة!!!”
ـ “جهودنا أثمرت أخيرًا!!!”
تركت مبالغاتهم خلفي وتقدمت نحو المرآة الطويلة.
لقد قضيت الصباح كله أتهيأ، فمن الطبيعي أن أبدو جميلة.
ـ “هوو~”
أفضل مما توقعت.
كانت تقف أمام المرآة امرأة فاتنة القوام.
بشرة ذهبية ناعمة كالعسل تتلألأ بفضل الكريم الخاص الذي أعدّته لي ليلي.
أما الفستان الأسود الذي صممته أنا بالاتفاق مع جيمي، فقد أبرز منحنيات جسدي بلا رحمة.
فستان يلفّ جسدي من الصدر نزولًا حتى الخصر بخطوط ضيقة محكمة، ثم يتسع عند الورك بانسياب أنيق.
الظهر مكشوف بعمق، كاشفًا عن تقوس الوركين المشدودين، ثم تنحدر ذيول الفستان بخط حورية البحر، متدلية بكرانيش طويلة تُظهر بوضوح ثمرة جهودي الطويلة في تمارين المؤخرة.
لم يسبق أن جُرّب مثل هذا التصميم في المملكة.
قال جيمي: لو لم أشرح لها تفاصيله لما خطر ببالها قط.
أما المكياج، فلم أكتفِ بجعل البشرة باهتة، بل حرصت على إبراز حيوية وجهي.
بآيلاينر مسحوب عند أطراف العينين مع لمعة من البريق على الجفون، صارت عيناي أوسع بمرتين من المعتاد.
شفتاي الممتلئتان اللامعتان برزتا أكثر، مفعمتين بإغراء.
شعري، بفضل جهود جين، تحول إلى خيوط حريرية ملساء، رُفع عاليًا وربط بإتقان.
لكنّ خصلاته المتموجة انحدرت على كتفيّ بانسياب ساحر.
وضعت فوقه تاجًا صغيرًا أرسلته إرييل. كان ذلك أقل ما يمكن فعله لإظهار شيء من التقدير. في الحقيقة، لم يكن من بين مجوهراتها المرسلة شيء يستحق الاستخدام غيره.
تمتمتُ:
ـ “مظهرٌ لافت.”
قال جيمي وقد تهلل:
ـ “صحيح أنه ليس الجمال الذي تسعى إليه المملكة عادةً… لكن جيمي يجزم… هذا جمال فريد! لا أحد يمكن أن يُضاهي الأميرة!”
وبعد أن اكتملت الاستعدادات، اتجهتُ إلى قاعة الوليمة حيث سيُقام حفل الميلاد.
كان الحفل قد بدأ بالفعل، بل إنني جئت متأخرة بعض الشيء. لكنني رأيت أن توقيت دخولي لا يمكن أن يكون أفضل من هذا للفت الأنظار.
(الأبطال دائمًا يظهرون متأخرين).
ـ “الأميرة أليكسا دي فيلياجين دوايت، الأميرة الثانية لمملكة فيليبي!!!”
صوت المنادي عند مدخل القاعة دوّى عاليًا، فجأة ساد الصمت التام.
العازفون توقفوا عن العزف، الأزواج الشبان كفّوا عن الرقص، وحتى الملك والملكة اللذان كانا يتبادلان الحديث، تجمدا في أماكنهما.
(أليكسا الوحش).
لو كان هناك كلمة واحدة قادرة على إسكات بكاء الأطفال في المملكة رعبًا، لكانت هذه الكلمة: “أليكسا الوحش.”
الوحش قد ظهر.
بدأت الهمهمات تسري في القاعة.
الآباء حاولوا تهدئة أطفالهم المذعورين، بينما ثبتت أنظار الجميع على المدخل.
فُتحت الأبواب على مصراعيها، ودخلتُ.
ضوء الثريا المتدفق انصبَّ عليّ دون بخس.
شققت طريقي بين الحشود التي انقسمت كما لو أن معجزة قد حصلت، ومضيت بخطوات ثابتة نحو الملك والملكة اللذين انعقد لساناهما.
خطواتي كانت أنيقة، لكن اهتزاز خصري الرشيق وصعود النظرات نحو صدري الممتلئ جعلا المشهد صادمًا بقدر ما هو آسر.
ابتلع الكثيرون ريقهم، لكن أحدًا لم يجرؤ على الكلام.
انحنيت قليلًا، رافعة طرف فستاني.
ـ “تشرفت بملاقاة وجهيكما المهيب المبارك، مولاي ومولاتي. وببركة الإلهة ديميتر، أهنئكما في هذا اليوم السعيد، يوم ميلادكما المجيد.”
كان صوتي قويًا لامرأة، لكنه اتشح بكل اللياقة والرقي.
قال الملك، متلعثمًا:
ـ “أ… أجل. شكرًا لك.
إنكِ جميلة جدًا اليوم، أليكسا.”
كان يحاول جاهدًا لملمة الموقف، فالتعثر أمام الملأ لم يكن لائقًا.
تعالت الهمسات في القاعة:
ـ “أليكسا؟”
ـ “أليكسا الوحش؟”
ـ “أليست وحشًا؟”
أسرع الملك ممسكًا بيدي.
كانت باردة كجلد الأفعى، وقد رغبتُ في سحبها على الفور، لكن الظروف اقتضت مني الصبر، فكتمت شعور الاشمئزاز.
قال الملك بصوت جهوري:
ـ “ابنتي، الأميرة الثانية لمملكة فيليبي، أليكسا دي فيلياجين دوايت، قد تحررت من السحر. وهذه نعمة سماوية للمملكة، وبركة من ديميتر العظيمة. إن الأميرة أليكسا ستبذل من الآن فصاعدًا كل جهدها من أجل رخاء المملكة وتقدمها. وبفضل مساعيها النبيلة، وحكمي الرؤوف، وولاءكم المخلص، ستنعم فيليبي بالازدهار الأبدي!”
“أن أبذل جهدي؟ ذلك رأيك وحدك.”
أخفيتُ ما يجول في رأسي، واكتفيتُ بابتسامة رقيقة في وجه الملك.
مهاراته في تحويل كل شيء إلى ورقة سياسية كانت تثير اشمئزازي، لكن لا مفر من الاعتراف بذكائه.
رغم أن الملك قد أعلن رسميًا عن وجودي، فإن العيون الثاقبة ما زالت معلقة بي.
ــ “أليكسا.”
ظهرت أمامي آلهة القمر. تبا… إنها قبيحة الجمال.
ــ “أختي.”
ابتسمتُ وأمسكتُ بيد إرييل. كانت ساخنة جدًا لدرجة أدهشتني قليلًا، لكن لم يكن بوسعي سحبها، فواصلت الإمساك بها.
كانت إرييل قد ربطت شعرها الذهبي اللامع إلى الأسفل، تضع مساحيق خفيفة، وترتدي فستانًا أزرق سماوي.
الجميلات لا يحتجن إلى زينة كثيرة، اللعنة… أما أنا فقد أثقلت جفنيّ بما وضعته من ألوان ومساحيق.
الغريب أن الفستان الذي اخترتُ ارتداءه من بين ما أرسلته إرييل، كان أزرق سماويًا أيضًا. وهي الآن ترتدي اللون نفسه. فهل هذا مجرد صدفة؟
أخفيتُ الغيظ الذي ارتسم في عيني. أردت فقط أن أتأمل ملامح وجهها أكثر.
ــ “لم ترتدي الفستان الذي أرسلته لكِ…”
بدت نبرتها متأثرة قليلًا.
ــ “آه، فجأة رغبتُ بارتداء شيء آخر. أشعر أن هذا أنسب لي. ألستِ توافقين؟”
تطلعتُ إليها مباشرةً بعد كلماتي.
ــ “… ن-نعم. جميل. جميل جدًا.”
ابتسمت ابتسامة وديعة وهي تمتدحني، لكنني لم أترك يدها التي كانت تعصر طرف فستاني. لا أريد إعلان العداء، لكن أنتِ من بدأتِ الاستفزاز.
ابتسمتُ لها ابتسامة أوسع.
ــ “أختي؟”
رنَّ خلفي صوت متحشرج، كما لو أنه في أولى مراحل البلوغ.
ــ “ويلهيلم.”
التفتُّ، فكان وجه الفتى أمامي لا يزال طفوليًا.
قالت إرييل، وهي تشير إليه:
ــ “ويلهيلم، شقيقنا الأصغر.”
ثم أردفت، مخاطبةً إياه:
ــ “ويلهيلم، لا بد أنك لا تتذكر أليكسا؟ لقد غادرت القصر وأنت في الخامسة فقط…”
ــ “لا، بل أتذكر قليلًا.”
أجاب باحمرار على خديه.
ــ “م-مر وقت طويل يا أختي أليكسا.”
كان هو الوريث الوحيد للعرش، ومع ذلك ابتسامته نحوي كانت بريئة، كبراءة الأطفال.
لا أعلم إن كانت براءة أخ نحو أخته، أم براءة فتى تجاه امرأة… لكن عينيه اللتين ظلّتا تتسللان نحو صدري، كشفت لي أنها الثانية.
استقبلت تحيته بصمت، ثم قلت:
ــ “نعم. سعيدة بلقائك، ويلهيلم.”
بدا وكأنه اعتبر كلامي بداية للتودد، فلم يتوقف عن الثرثرة بجانبي.
وكلما حاولت إرييل أن تعرّفني بالنبلاء المحيطين بنا، كان يقاطعها بحماسه الطفولي، حتى تكدرت ملامحها الجميلة.
ــ “أختي، ألا تودين أن أُعرّفك بأصدقائي الآن؟ إنهم جميعًا من ألمع طلاب الأكاديمية…”
لكن إرييل قاطعته بصوت رقيق، حاسم:
ــ “على أليكسا أن تلقي التحية على السيدات أولًا. كما تعلم، المجتمع الراقي للنساء شديد الأهمية.”
لم يجد الفتى ردًا مقنعًا، فاكتفى بالانسحاب.
ــ “صحيح إذن. لكن، أختي… عليك أن تزورينا لاحقًا بعد أن تنتهي من تحياتك.”
أومأت برأسي قليلًا، ثم تبعتُ إرييل إلى حيث أرادت. يدها الناعمة التي أمسكت بيدي كانت لا تزال ساخنة بشكل غريب. هل هي مريضة؟
ــ “آه!”
ما إن اقتربنا من مجموعة السيدات المتحلّقات وسط القاعة حتى شهقت إحداهن حين رأتني.
ــ “أليكسا، هؤلاء…”
بدأت إرييل تُعرّفني بهن واحدةً تلو الأخرى. دوقات، مركيزات، وكونتيسات… سيدات من أرفع البيوت.
نظراتهن الباردة نحوي لم تكن بحاجة إلى تفسير. إرييل قادتني مباشرة إلى قلب العداء.
إحداهن قالت، بتصنّع واضح:
ــ “كم يختلف الواقع عن الشائعات! من ذا الذي تجرأ وقال إن الأميرة أليكسا همجية… أو قبيحة؟”
شددت على الكلمات بوضوح. كان مقصودًا.
فتبعتها أخرى، بابتسامة لاذعة:
ــ “صحيح. سمعنا أيضًا أنها… فظة. وجاهلة. بالطبع هذا محض إشاعة… لكن، كما يقولون، لا دخان بلا نار. واليوم فقط تسنّت لنا فرصة التأكد بأنفسنا.”
النبيلة ذات الشعر الأحمر مسحتني بنظرة ثاقبة. توقفت عند صدري المشدود في الفستان.
ــ “حسنًا… ربما إشاعة واحدة على الأقل صحيحة.”
أخرى تمتمت بوقاحة:
ــ “أصلاً، مجرد أن تكوني قد تعرضتِ لتلك اللعنة…”
لكن إرييل قاطعتها بلطف شديد:
ــ “الآنسة إينارين، أرجو أن تنتبهي لكلماتك. أليكسا لم تعتد بعد على العاصمة، لذلك ترتكب بعض الهفوات. علينا أن نرشدها ونساعدها.”
تبدلت عيونهن فورًا إلى قلوب ناعسة وهي تنظر لإرييل، ثم عادت لتقدح شررًا نحوي. تبا… لو كنت على هيئتي القديمة كوحش، لبكين وولّين فرارًا.
مددت يدي فجأة إلى صينية يحملها خادم عابر، وانتزعت كأسًا فارغًا. استدارت كل الأنظار إليّ بدهشة.
ــ “صحيح… من تراه كان وراء هذه الشائعات؟”
ثم، تحطّم!
أسقطتُ الكأس من يدي، فتناثر زجاجه قطعًا على الأرض.
ــ “اذا امسكت به، لن أتركه حيًا. لا الساحر الذي ألقى اللعنة، ولا من نشر الأقاويل.”
حدّقت بي السيدات، أفواههن مفتوحة.
ــ “لقد نشأتُ وحيدة، لذلك طباعي ليست لينة. أنا لا أرتاح إلا إذا أنهيتُ الأمور حتى آخرها.”
أخفضت بصري نحو الشظايا، ثم دستها بكعب حذائي بكل قوة.
طَقّ!
تحطمت كليًا تحت قدمي. صُعقن جميعًا في صمت.
ابتسمتُ بهدوء وقلت:
ــ “إذن، كان من دواعي سروري لقاؤكن.”
ثم تركتهن وغادرت. هذه المرة حتى إرييل لم تحاول أن تمسكني.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 9"