كانت أرييل أميرة مملكة فيليبي المعترف بها على الصعيدين الداخلي والخارجي.
فقد كانت تحظى بثقة الملك إلى حد أنها تولّت بنفسها الإشراف على حفل ميلاده، متجاوزة حتى مكانة الملكة. وربما لم تكن كاذبة حين قالت إنها مشغولة، إذ لم أرَ وجهها بعد اليوم الأول الذي اصطحبتني فيه إلى القصر.
كان حفل ميلاد الملك سيُقام بعد ثلاثة أيام.
وسيكون اليوم ذاته أول يوم أظهر فيه نفسي على حقيقتها.
وبينما كنتُ أتناول فطوري بهدوء، دخلت كبيرة الخادمات إلى الغرفة.
كانت قد أُرسلت إليّ من قِبل أرييل لتخدمني مؤقتًا في قصر آيريس حيث أقيم، لكن سلوكها كان مفعمًا بالوقاحة والغرور.
“لقد بعثت صاحبة السمو الأميرة أرييل بملابس صاحبة السمو الأميرة أليكسـا لحفل الميلاد.”
وتبعتها ثلاث خادمات يحملن فساتين عديدة.
“تفضلي باختيار ما يروق لكِ منها. فجلالتها الأميرة أرييل في غاية الكرم، وأرى أنه من الواجب على صاحبة السمو أن تُبدي امتنانها لرعايتها الكريمة.”
كانت تقول ذلك بجرأة وهي تحدّق فيّ بعينين ممتلئتين بالفخر تجاه أرييل والازدراء نحوي.
يبدو أن أليكسـا قد كانت فعلًا “عاهرة المملكة”.
لم تجرؤ كبيرة الخدم على إهانتي مباشرة، لكنها كانت تُفرغ ضيقها في إذلال جين وليلي، أو في إظهار التذمر من أبسط أعمال الخدمة – كتأخرها في تقديم الطعام أو تنظيف الغرفة.
ومع مرور الوقت، صارت تثير استيائي أكثر فأكثر. وهنا قررت أن الوقت قد حان لأجعل منها عبرة.
كان في الغرفة كبيرة الخدم ومعها ثلاث خادمات يحملن الفساتين، بالإضافة إلى جين وليلي.
“ما اسمكِ؟”
فأجابت بوجه متصلب متحدٍّ:
“في القصر الملكي يجب استخدام لغة الاحترام، حتى مع الخدم. لا يصح أن تناديني بـأنتِ بل بـآنسة أو باسمي.”
أطلقت كلماتها متحدية وهي تحدّق فيّ دون أن ترفّ لها عين.
“أيّ جرأة هذه على مخاطبة الأميرة هكذا!”
صرخت جين من خلفي غاضبة، لكن كبيرة الخدم لم ترتجف لها طرفة عين.
“كيف تجرؤ مجرد خادمة صغيرة أن تعترض على كلام كبيرة الخدم؟ سأعاقبك لاحقًا على وقاحتك هذه.”
في نظرها، أليكسـا التي أمامها لم تكن سوى دمية جوفاء. وذلك منطقي من منظورها: فالأميرة الثانية التي ظهرت فجأة لم تكن سوى فتاة ريفية في الثامنة عشرة، تفتقر للرقي، وكانت سمعتها القديمة ملطخة بلقب “أليكسـا الوحش”. الملك والملكة لم يلقيا لها بالًا، باستثناء أرييل. خدمها لا يتعدون وصيفتين متواضعتين، وأمتعتها رخيصة هزيلة.
أما هي، فكانت “ريتشيل”، إحدى الوصيفات النخبة، من حاشية كبيرة وصيفات القصر، تخدم مباشرة تحت يد الأميرة أرييل. مكانتها لم تكن الأعلى، لكنها كانت تفتخر بأنها في خدمة الأميرة المثالية.
وقد أُرسلت، بطلب من أرييل، للعناية بهذه “الأميرة القروية”.
كانت قد سمعت عن الوحش، عن الفراء الكثيف والعيون الحمراء المتوهجة، لكنها فوجئت بأن الحقيقة لم تكن سوى فتاة عادية. باستثناء أنها أكبر حجمًا من اللازم على أن تُسمى أميرة، وتفتقر لأدنى درجات الأدب أو الرقي.
لكن ما جعل ريتشيل تزدري أليكسـا حقًا لم يكن ماضيها الوحشي، بل سلوكها الحالي: تلك الفتاة التي سرقت خطيب الأميرة أرييل، دوق بيرفورد، وجعلته خطيبها هي. أي أخت هذه التي تسلب حبيب أختها بلا أي ندم؟! كم مرة رأت ريتشيل الأميرة أرييل دامعة العينين بعد لقاء بيرفورد؟! كان غضبها يغلي كالبركان. وقد اتخذت من أرييل قدوتها منذ طفولتها، فأصبحت أليكسـا عدوها الأول، وموضع كرهها المطلق.
أن يُفرض عليها أن تخدمها كأميرة؟ أمر يبعث على القرف!
ومن جهة أخرى، لم تكن أليكسـا في حال أفضل.
صحيح أنها تحررت من شكلها الوحشي وعادت إنسانة، لكن فقدت معها شيئًا مهمًا: رهبة الوحش التي كانت تُرعب الجميع. بات التعامل مع الناس أكثر إرهاقًا. فتنهّدت في ضجر.
“سألتكِ، ما اسمكِ؟”
كررتُ سؤالي بهدوء.
حدّقت ريتشيل في جين بغيظ، ثم أجابت مترددة:
“… ريتشيل.”
نهضتُ واقفة، فتقلص جسدها للحظة وهي تراني أقترب.
(مستحيل أن تجرؤ على فعل شيء! وإن تجرأت وصفعتني مثلًا، فسأذهب فورًا إلى الأميرة أرييل وأخبرها بكل شيء).
شدّت على نفسها وهي تتخذ قرارها.
صفعــة!
مهما بلغت قوتها، الألم كان حقيقيًا. أليكسـا كانت قوية. تورم خد ريتشيل الأيمن بسرعة.
“من أنا؟”
“……”
كان الألم مفاجئًا لدرجة جعلها في ذهول، حتى إنها لم تستوعب السؤال.
صفعــة!
والآن على خدها الآخر.
“سألتكِ، من أنا؟”
“أ… الأميرة أليكسـا!!!”
صرخت بسرعة، خشية أن تتلقى صفعة أخرى. كانت روحها تغلي بالغضب، لكنها قررت: ما إن تخرج من الغرفة ستذهب إلى أرييل وتخبرها بكل ما جرى.
صفعــة!
يد أليكسـا هوت مجددًا، حتى انشقت شفتها.
“ستندمين إن عاملتني هكذا!!!”
ابتسمت أليكسـا ببرود.
“يبدو أنكِ ما زلتِ لا تدركين الموقف.”
أمسكتُ بشعر ريتشيل وجذبتها بقوة.
ارتعبت الخادمات الأخريات، وأعينهن متسعة هلعًا.
لم يكن ذلك مجرد صفع فتاة لفتاة.
لقد تلقت الصفعات من يد ضخمة ككفّ قدر، حتى إن إغماءها بدا وشيكًا. ومع ذلك، كانت ريتشيل تصرخ متحدية.
“لو علمت الأميرة أرييل بما تفعلين…”
سُحبت ريتشيل من شعرها جرًّا على الأرض، وأُلقيت خارج الغرفة بيد أليكسـا، فعضّت على شفتيها وتمتمت بغضب:
“تأديب وصيفة لا تعرف سيّدتها حتى، إنما هو من واجب سيدتها نفسها.”
رمت أليكسـا رأسها بقسوة، فارتطمت ريتشيل بالأرض.
“هذا ليس من شأن أرييل أن تتدخل فيه.”
في تلك اللحظة، كان جميع خدم قصر آيريس قد خرجوا لمتابعة المشهد بصمت مشوب بالرهبة.
“من أنا؟”
“……”
لم تستطع ريتشيل أن تفتح فمها، فصدح صوت أليكسـا البارد فوقها.
“ليلي، قولي أنتِ.”
فأجابت ليلي، بصوت واضح وبطيء ولكن جازم أكثر من أي وقت مضى:
“ألكسندرا دو فيلياجين دوايت، الأميرة الثانية لمملكة فيليبي!!”
ارتجف الجمع وهم يسمعون اسم أليكسـا يُتلى بوضوح.
لقد ثبّتت الآن مكانتها المربكة في قصر آيريس.
هي أميرة، وهم خدمها.
ومن يتجرأ على تجاهل هذه الحقيقة الضمنية، فمصيره أن يصبح كحال ريتشيل الملقاة أرضًا.
“أليكسـا الوحش.”
تفلتت الكلمة من فم أحدهم من غير وعي، فأطبق يده سريعًا على شفتيه.
لكن الفكرة دارت في أذهان الجميع: الشائعات لم تكن خاطئة.
أليكسـا الوحش… ربما تغيّر مظهرها، لكنها ما زالت متوحشة وقاسية.
“ابتداءً من اليوم، تُعزل ريتشيل من منصب كبيرة الخدم، وتُعيَّن ليلي مكانها.
أما ريتشيل، فتنزل إلى رتبة وصيفة تحت التمرين، وتُعاقَب بخصم ثلاثة أشهر من راتبها.”
كان صوت أليكسـا تجسيدًا للقوة نفسها.
هيبة تثير الرهبة، وسطوة لا يجرؤ أحد على تحديها.
ذلك لم يكن صوت أميرة، بل كان صوت حاكم.
(لو لم تكن أليكسـا أميرة، لكان الدم قد سال في أرجاء القصر اليوم).
هكذا فكّر السير إيزنهر، فارس الحراسة الموكّل بقصر آيريس، وهو يشهد المشهد.
في ليلة مظلمة، أُضيئت أنوار قصر لايلا، مقر إقامة الأميرة أرييل.
“صاحبة السمو الأميرة أرييل!!! هـ…هـهـهك… لقد فعلت بي الأميرة أليكسـا ما لا يُغتفر…”
جلست أرييل بملابس النوم الحريرية على الطاولة، وجمال وجهها الهادئ يتخلله ضجر سرعان ما تلاشى.
وقعت عيناها على وجه الفتاة الملقاة أمامها، أزرق اللون من شدة الضرب.
“لا بد أن الأمر كان مؤلمًا. ما الذي حدث؟”
ما إن لامس صوتها الرقيق أذن ريتشيل، حتى أطلقت سيلًا من الشكاوى:
“لقد عاقبتني بالضرب على وقاحتي… كل ما قلته، هـهك… أن عليها أن تظهر الامتنان لما تولينه من عناية للأميرة أليكسـا… لكنها فجأة، هـهك، سألتني عن اسمها…”
“وسألتكِ، ثم ماذا؟”
“فأجبتها أنني أعرفها باسم الأميرة أليكسـا… لكنها قالت أنني خادمة لا تعرف حتى سيدتها، ثم فعلت بي… هذا…”
(سيّدتها…)
نقرَت أرييل بأصابعها البيضاء كالمرمر على الطاولة.
“لقد تغيّرت أليكسـا كثيرًا، على ما يبدو.”
“لقد فعلت بي هذا يا مولاتي… لقد تكسرت أسناني، وقال الطبيب إن عظم وجنتي قد تحطم… صاحبة السمو… هـهك… أي ظلم هذا… أليكسـا الوحش…”
لكن ما إن تفلت الاسم من فم ريتشيل، حتى تجمّدت نظرة أرييل التي كانت قبل قليل مشفقة، وتحولت إلى جليد قاسٍ.
“وقحة.”
“صاحبة السمو؟”
“كلامك لسيدتك فيه وقاحة كبيرة. ألم أوصِكِ يا ريتشيل أن تخدمي أليكسـا بإخلاص؟”
كان صوتها لا يزال دافئًا، على عكس عينيها القاسيتين.
ظنّت ريتشيل أن الأميرة في مزاج سيئ، وأنها جاءت في وقت غير مناسب.
“لكن… لكن الأميرة أليكسـا امرأة خسيسة، وحش سرق خطيبك! كم بكيتِ بسببها… لن أسامحها أبدًا!!!”
كانت ريتشيل فتاة غبية، لكنها مخلصة.
تنهدت أرييل.
“صاحبة السمو؟”
هل تغيّرت تلك الأميرة الطيبة التي عرفتها؟ أم أن هذا مجرد وهم؟
“إثارة المتاعب بلا طائل… ريتشيل، أنتِ طفلة مرهقة حقًا.”
أشارت أرييل بيدها الناعمة بخفة.
“مولاتي؟ مولا… ككك… كخخ…”
ومن خلفها، أطبقت أصابع سميكة على عنقها، وبعد صراع قصير، انطفأ النور من عيني الفتاة التي اسودّ وجهها بالكدمات. سقط جسدها أرضًا بلا حراك.
“لقد اقترفتِ فعلًا عديم الجدوى…”
ارتشفت أرييل شايها، وحركاتها رقيقة وكأن شيئًا لم يحدث.
“كيف نتصرف بالجثة؟”
سألتها كبيرة الوصيفات بصوت منخفض.
“دبّري الأمر. قطّعيها وأطعميها للغربان… أو قوموا ببيعها، لا يهم.”
“أمركِ، مولاتي.”
“وأليكسـا؟ كيف حالها؟”
“ما زالت تختار الفساتين. وقد تولت ليلي منصب كبيرة الخدم.”
“من بين ما أرسلتُه أنا؟”
“نعم، وقد أعجبها كثيرًا.”
ارتسمت ابتسامة رضا على محيا أرييل.
نظرت إلى الشاي الذي لم يزل محتفظًا بحرارته.
شاي النعناع بالتفاح… المفضل لدى أليكسـا.
مررت أصابعها برفق على حافة الفنجان، كما لو كانت تلامسه بمداعبة.
مالت برأسها، فتدفق شعرها الحريري كتلال متماوجة على كتفيها.
“لماذا تحاول دومًا أن تفلت من يدي؟”
ظلّت أصابعها تداعب حافة الفنجان برفق متواصل.
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 8"