7
“سيدتي أليكسـا، لقد جاءت الأميرة أرييل لزيارتك.”
اخترق صوت ليلي أفكاري المشتتة.
“أرييل؟”
“نعم، إنها تنتظرك الآن في قاعة الاستقبال. هل ترغبين برؤيتها فورًا؟”
آه، تلك الأخت المشكوك بأمرها، أرييل أليس كذلك؟
“همم~ دعيها تنتظر قليلًا.”
لقد اعتادت أن تزورني مرة كل شهرين، ويبدو أن الوقت قد حان بالفعل لزيارتها.
“أليكسـا؟”
ارتجف صوت رقيق وهو يتردد في قاعة الاستقبال.
تطلعتُ بثبات إلى صاحبة الصوت.
أرييلا دو إيميرانتي دوايت، الأميرة الوحيدة والمحبوبة في المملكة.
(بينما لم تحظَ أليكسـا، بطلة هذه الحكاية، حتى بمعاملة لائقة كأميرة، ناهيك عن كونها فردًا طبيعيًا من العائلة المالكة).
كما وصفتها جين، كانت الفتاة الواقفـة أمامي إنسانة وُلدت لتكون بطلة القصة.
شعرها البلاتيني الباهر ينسدل متماوجًا، وعيناها بلون السماء تتلألآن كالجواهر. بشرتها شفافة حتى تكاد الأوردة تُرى بوضوح، وكتفاها الناعمتان وصوتها العذب المتدفق كحبات جوهر متدحرجة، كل ذلك جعل من جمالها الأسطوري أكثر بروزًا وسطوعًا.
(تبا… إنها جميلة إلى حد مزعج).
زفرتُ بعمق وتقدمتُ نحوها.
“أحييكِ، زهرة المملكة، أختي أرييل.”
انحنيت قليلًا بخفة ثم اعتدلت واقفة. وهنا أحسستُ بوضوح بوهج نظرات أرييل الحادة المسلطة عليّ.
“أأنتِ حقًا… أليكسـا؟ لكن… لكن كيف تغير مظهرك الى هذا؟”
تقصد أليكسـا ذات الفراء الكثيف الأشعث، أليس كذلك؟
“أجل يا أختي، أنا أليكسـا حقًا. لقد تغيّرت هيئتي كثيرًا فأدهشك الأمر، أليس كذلك؟ بالنسبة لي أيضًا يبدو وكأنه حلم.”
“ما الذي حدث بحق السماء؟ مالذي مررتِ به حتى…؟”
صوتها بقي رقيقًا كما عهدته، لكنه لم يخفِ ارتجاف عينيها. في عيني الأخت التي تحدق بأختها المتحررة من قيدها لم يكن هناك “فرح”، بل “قلق”.
اقتربتُ من أرييل وأمسكتُ بيدها.
“لو شرحتُ لكِ، سيطول الحديث كثيرًا. وربما لن تفهميه. لكن المهم أن السحر الذي كبّلني قد انحل، وها أنا أمامكِ الآن.”
“س… سحركِ قد انكسر؟”
“نعم. لم أعد أليكسا الوحش تلك. بل أنا أليكسـا دو فيلياجين دوايت، الأخت الصغرى الوحيدة لكِ.”
ابتسمتُ لها ابتسامة صغيرة.
“لكن… كيف يمكنني التأكد أنكِ حقًا أليكسـا؟ فأليكسـا كانت…”
“من الطبيعي أن يصعب عليكِ التصديق. فقد كان مظهري البشع يخفي شكلي الحقيقي عن الجميع. لكن…”
مددتُ إصبعي نحو المزهرية الموضوعة على الطاولة، ثم دفعتُ قليلًا من السحر الذي يجري في جسدي عبرها.
تحطّم!
تناثر الزجاج متشظيًا على سطح الطاولة.
تسمرت أرييل تحدق بي بصدمة. أما أنا فابتسمت أوسع.
“هل هناك من يمكنه فعل هذا غيري؟”
“……”
“الآن صدقتِ، أليس كذلك؟ أنا أختكِ حقًا.”
“أجل… أجل، إنها حقًا أنتِ يا أليكسـا.”
استعادت أرييل رباطة جأشها، واعتدلت في وقفتها لتنظر إليّ مباشرة. ثم مدت يدها الدافئة لتمسك يدي.
“الحمد لله… إنكِ عدتِ إلينا. أنا حقًا…”
بدأت دموعها الشفافة تنحدر من عينيها الزرقاوين كحبات لؤلؤ نديّة.
“كم تألمتُ حين سمعت أنكِ محبوسة في غرفتكِ! لقد رغبتُ في المجيء على الفور، لكن اقتراب حفل ميلاد والدي حال دون أن أجد وقتًا لذلك. وكم ندمتُ لأنني أثرتُ موضوع زواجكِ من بيرفورد…”
ذلك الدوق المفترض أنه خطيبي؟
هل يعقل أن تفكر الأخت الكبرى بالزواج من خطيب أختها؟ هذه أمور لا تُرى إلا في مسلسلات درامية فاسدة!
أحسست أنها تراقب رد فعلي بعناية.
“لكن الآن، وقد عدتِ إلى طبيعتكِ، أشعر بفرح لا يوصف. حقًا… فرح عظيم.”
ثم ارتمت عليّ باكية، وذراعاها النحيلتان تطوقانني. وهنا أدركت أن عليّ إعادة النظر في أمر أرييل.
إنها أذكى مما توقعت. تلك التوترات والقلق اللذان ظهرا منها قبل لحظات قد اختفيا كليًا. ليس من السهل التعامل مع شخص كهذا.
لاحظتُ أيضًا أن احدى الخادمات في القاعة مسحت دموعها بتأثر.
“جلالتها الأميرة أرييل تملك قلبًا طيبًا حقًا.”
“إنه موقف مؤثر لدرجة أنني كدت أبكي أيضًا.”
همم…
بينما كنت لا أزال بين ذراعي أرييل، نظرتُ حولي. باستثناء جين و ليلي اللتان كانتا تراقبان بصمت، بدا الجميع متأثرًا ومندمجًا مع المشهد.
هكذا إذن، كانت تكسب ولاء المحيطين بها. تعرف كيف توظف مشاعر الناس وكيف تُقنعهم سريعًا.
أما أنا… فقد علمتني حياتي أن أقرأ تعابير الآخرين بسرعة. عشتُ وحيدة، فصار الحدس سلاحي الوحيد. كنت ألتقط مشاعر الناس نحوي، لا سيما مشاعر النفور، بلمح البصر. كم مرة خُدعتُ بمظاهر الود الزائف! في المدرسة حين تعرضت للتنمر، وفي الجامعة حين سرقني مالك المنزل واحتال عليّ في مبلغ التأمين.
وها هو حدسي يخبرني: هذه الأميرة الجميلة التي تبكي في حضني تحمل في قلبها ضغينة تجاهي.
وأيًّا كان السبب أو الدافع، ما دمتُ لستُ “الأليكسـا القديمة”، فلا سبب يدعوني أن أستسلم لضغينتها.
وربما تكون أرييل قد استغلت سذاجة أليكسـا السابقة أكثر من مرة في الماضي. لكن بالنسبة لي، لستُ معنية بالانتقام. يكفيني أن أجد طريقي للنجاة. سامحيني يا أليكسـا… لكن نفسي أولًا.
“أختي العزيزة.”
نظرتُ في عيني أرييل وهي تعانقني، ولاحظتُ ارتجافة طفيفة في جسدها.
“لقد افتقدتكِ كثيرًا. وما إن تحررت من سحري حتى كان أول ما رغبتُ به أن ألقاكِ…”
مزجتُ صوتي بنبرة باكية، فقد كنت بارعة في التظاهر بالبكاء.
“الآن، يمكنني البقاء معكِ… فلم أعد وحشًا.”
رفعتُ بصري إليها بعينين لامعتين وأنا أتساءل بصوت خافت.
“أليكسـا، هذا…”
“أريد أن أكون معكِ يا أختي. لم أعد أرغب أن أظل هنا وحدي. معكِ… معكِ…”
ضممتُ أرييل من جديد وأنا أنشج. ولأنها أصغر حجمًا مني، كان التعبير الأدق أن أقول إنها هي التي انطوت بين ذراعيّ، إلا أن أرييل، بعد لحظة من الارتباك، عادت لتربت على ظهري.
“…إن كان هذا ما تريدينه… فالعودة لن تكون أمرًا سيئًا…”
“حقًا؟ أختي!!!”
كانت أرييل تربت عليّ بينما أنا أندفع نحوها ثانيةً لأعانقها.
وبينما كانت الخادمات تمسحن دموعهن تأثرًا بمشهد “الأختين المؤثر”، كنت أعلم أنا الحقيقة: أنني والتي أمامي، كلتانا غارقتان في أفكار مختلفة.
بفضل استعجالي، تم تدبير عودتي إلى العاصمة بسرعة كبيرة.
قررتُ العودة فورًا إلى العاصمة مع أرييل، على أن تتولى ليلي وزين فقط مرافقتي، بينما يتكفل باقي الخدم بحزم الأمتعة وإحضارها على مهل. فلم يكن يلزمني غير هتين الاثنتين أصلًا.
وما إن وصلنا إلى القصر الملكي حتى وقفتُ مع أرييل لمقابلة الملك.
“لقد كان أباكِ ينتظركِ بفارغ الصبر. لقد كان قلقًا عليكِ دائمًا.”
قهقهتُ في سري بسخرية. قلق؟ هراء.
الملك هو من استغل أليكسـا حتى آخر قطرة، مستخدمًا حجة أنها “ابنته” ليبتزها كيفما يشاء. إن كان هذا هو الأب، فأنا أزعم أنني – أنا اليتيمة – كنت أسعد من أليكسـا مئة مرة. حتى مع قصر ذكرياتي، كان أبي الحقيقي مختلفًا تمامًا عن هذا الرجل. أبٌ حقيقي لن يترك ابنته تحت لعنة كهذه، ولن يجعلها “عاهرة المملكة” تعيش بهذا الشكل المقيت. كنت أحمل في داخلي شكًّا عميقًا في هذا الملك، وفي ما يُسمى “أب أليكسـا”.
وتأكدت شكوكي سريعًا.
“ابنتي!!!”
ما إن دخلتُ قاعة الملك حتى انطلق نحوي رجل نحيل رافعًا ذراعيه ليعانقني.
وقفتُ بلا حراك. فتراجع هو بخجل مطبقًا ذراعيه وتقدم نحوي ببطء.
“انكسر السحر؟ حقًا إنه لأمر رائع. لقد بكيتُ كثيرًا من شدة القلق عليكِ…”
كدتُ أضحك بتهكم، لكني كتمتها وبذلت جهدًا كبيرًا لأؤدي دور أليكسـا البريئة.
“شكرًا لاهتمامكم، يا مولاي.”
“مولاي؟! نادني أبي! ألستُ أنا أباكِ؟!”
شعرتُ بالاشمئزاز. أجبرتُ نفسي على الابتسام.
“ما زال الأمر غريبًا عليّ. سأحاول أن أعتاد.”
كانت نبرتي مهذبة لكنها تنضح بالرسمية.
تراجع الملك خطوة إلى الوراء، وعيناه تتفحصانني من أعلى إلى أسفل تحت ابتسامة ظاهرها اللطف.
عاد ليتحدث بنبرة أبوية:
“بالطبع، بالطبع. من الطبيعي أن يحتاج الأمر وقتًا للتأقلم. ما كنتُ أتصور أبدًا أنكِ ستغدين بهذه الروعة.”
كيف لك أن تتخيل؟ من تلك الكومة المشعرة إلى ما أنا عليه الآن.
أومأتُ برأسي بدل الإجابة.
“ولكن…”
رفعتُ رأسي عند سماع نبرة صوته.
“قوتكِ… هل هي بخير؟ أعني… بالطبع أنا سعيد بعودتكِ، لكن الدور الذي كنتِ تقومين به كان بالغ الأهمية…”
رؤية حرصه على قوتي وسحري – أكثر من حرصه عليّ – جعلتني أشعر بالغثيان.
“بالطبع. أنا على دراية تامة بالأمر. لا أظن أن هناك فرقًا كبيرًا عن السابق، فلا داعي للقلق.”
“حقًا؟ الحمد لله… الحمد لله.”
تمتم الملك بذلك ثم عاد ليعانقني. عانقته آليًا وبذلت جهدًا كي أرسم ابتسامة على وجهي.
“هل ما زال من الغريب عليكِ مناداته أبي؟”
بعد أن ألقيتُ تحية سريعة على الملكة – وكان هذا مجرد تكرار لنفس المشهد الشكلي الزائف مع الملك – لاحظتُ أنها كانت تذرف الدموع وتنتحب، لكنني لم أكن واثقة إن كان ذلك صادقًا. لم تجرؤ حتى على النظر في وجهي، على عكس الملك الذي – على الأقل – عانقني. أما هي فلم ترد حتى لمس يدي بإصبع واحد.
وأثناء توجهي إلى الجناح الذي خصصه لي الملك في القصر، قالت أرييل
“نعم، ما زال الأمر كذلك بعض الشيء.”
في الطريق، اكتشفتُ أن الفرق بيني وبين أرييل في العمر ليس سوى سنة واحدة. ورغم أنني في الأصل أكبر سنًا منها، فقد وجدتُ نفسي مضطرة لمخاطبتها بعبارات الاحترام، وهو أمر كان يثير غيظي، لكنني في النهاية تظاهرتُ بالألفة وطلبتُ إذنها بالتحدث معها بشكل أكثر ودية.
“حسنًا. لكن حاولي أن تتأقلمي بسرعة. ألا يعطي هذا انطباعا انكِ لستِ من العائلة؟ أبي لا يحب أي شيء خارج العائلة.”
بدت تلك أول نصيحة صادقة من أرييل لي.
كما قالت، الملك يبدو فعلًا من النوع المهووس بالمظاهر.
طالما بقيتُ متحفظة في التعامل معه، فسيبقى هو متحفزًا تجاهي. حتى بمظهري الحالي، لم يخفّف حذره.
يجب أن أتصرف كما كانت تفعل أليكسـا القديمة، الخاضعة تمامًا له، حتى أتجنب الشبهات غير الضرورية.
المشكلة أنني لا أرغب في ذلك أصلًا.
زفرتُ وأنا أنظر إلى أرييل.
التقت عيناي بنظرتها البريئة، فتساءلتُ في سري:
ما هو وجهكِ الحقيقي خلف هذا الملاك الظاهر؟
لماذا تكرهين أليكسـا؟
بماذا تفكرين الآن؟
“لماذا؟”
سألتْ بابتسامة خفيفة.
تنهدتُ.
“أنتِ أخت يا أختي.”
“ماذا؟”
“أما الملك، فليس أبي.”
“ماذا تقصدين؟ لا أفهم.”
“لا داعي لأن تفهمي. فقط… هكذا يبدو لي الآن.”
لم أعد متأكدة حتى مما أقول.
لكن جسد أليكسـا الذي أسكنه الآن يمنعني من كراهية أرييل تمامًا.
هل هو أثر إرادة صاحبة هذا الجسد الأصلية؟ أم أنني لم أصل بعد إلى يقين كامل بشأن مشاعر أرييل نحوي؟
–
تابعو حسابي على الانستقرام @beecatchuu لمعرفة اخبار الروايات ومزيد من المحتوى 🩷
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 7"