8
─────────────────────
🪻الفصل الثامن🪻
─────────────────────
اليوم الثاني (3)
فُتح الباب بهدوء. عادت الخادمة التي غادرت الغرفة حاملة صينية عليها فنجانين من الشاي. لم تدرك شارلوت التي كانت تبدو صامتة جداً وتائهة في أفكارها الخاصة وهي تحدق في البيانو، أن الخادمة قد دخلت. وضعت الخادمة الشاي على الطاولة واختفت دون صوت. اقترب تشارلز من شارلوت حاملاً كوباً من الشاي.
“ما الذي تفكرين فيه بعمق؟ مال تشارلز فجأة بوجهه قريباً من وجه شارلوت.
“آه!”
كادت شارلوت أن تسقط إلى الوراء مرتبكةً، لكن تشارلز أمسكها بذراع واحدة وجذبها نحوه. انفجر في الضحك.
“هل أنتِ بخير؟”
أومأت شارلوت برأسها وهي حائرة. أمسك تشارلز بكوب الشاي. بدا أن الشاي هو ما أراد أن يريها إياه.
“رائحته رائعة. جربيه.”
ملأت رائحة حلوة وحارة في نفس الوقت الهواء. قبلت شارلوت فنجان الشاي وتذوقت الرائحة. كانت نبضات قلبها لا تزال تتسارع من السقوط القريب، لكن احتساء الشاي ساعدها على تهدئة أعصابها قليلاً.
“كيف هو؟ هل هي مكافأة على عزف تلك المقطوعات الجميلة؟ أم أنها ليست كافية؟”
سألها تشارلز بصوت مليء بالترقب، كما لو كان يبحث عن الثناء. لم يكن الطعم المرّ بعض الشيء يروق لشارلوت تمامًا، لكنها لم ترغب في تخييب أمل تشارلز. لقد أرادت أن تستمر في رؤية عينيه المتلهفتين اللتين كانتا تلمعان أملاً في الحصول على المديح. لذلك تجنبت تقييم الطعم وأجابت بدبلوماسية.
“نعم. كما قلت يا تشارلز، الرائحة رائعة. وكأنك في حديقة زهور.”
ابتسم تشارلز ابتسامة مشرقة، وانحنت شفتاه إلى أعلى في بهجة. وبدون وعي، نظرت شارلوت إليه. كان لباسه اليوم متناسقاً مع شعره الأزرق الداكن الذي يذكرنا بسماء الليل. ذكّرها التطريز المتلألئ على سترته بمجرة درب التبانة. لقد كان على النقيض تماماً من الفستان الأسود الذي حصلت عليه شارلوت من الخادمة.
كان كل شيء فيه مثيراً للاهتمام، وخاصة عينيه. عندما كانتا جادتين، كانتا عميقتين ومظلمتين كسماء الليل الخالية من النجوم، ولكن عندما كانتا مبتهجتين كانتا مشرقتين ومفعمتين بالحيوية كما لو كانتا نجمتين. وعلى الرغم من أنه كان يتحدث بنضج، إلا أنه بدا في مثل هذه الأوقات وكأنه صبيٌ صغير.
وقفت شارلوت وهي تحمل فنجان الشاي، وكانت تشعر بعدم الارتياح لشرب الشاي بجانب البيانو، خشية أن تسكبه على المفاتيح. وازنت الفنجان في يد والصحن في اليد الأخرى، ونهضت بشكل غير مستقر وحاولت أن تنزلق بين الكرسي والبيانو. ثم حدث ما حدث.
“شارلوت!!!”
“آه!”
تمايل جسدها بشكل غير مستقر. صرخ تشارلز منبهًا. كان يجلس على الجانب الآخر ولم يستطع الإمساك بها هذه المرة.
تشوشت رؤيتها، وتبعها صوت زجاج مكسور. ارتطمت ركبتيها بالأرض الصلبة. لا، لم يكن ذلك فقط. كان هناك ألم حاد وبارد.
“هل أنتِ بخير؟”
هرع تشارلز، ووجهه شاحب، إلى هناك.
حاولت شارلوت أن تقول أنها بخير بينما كانت تحاول الوقوف، لكنها سقطت مرة أخرى. كانت ركبتها اليمنى، التي اصطدمت بالأرض، تؤلمها وتمنعها من وضع ثقلها عليها. كان من الواضح أنها جُرحت بسبب الزجاج المكسور.
انتشرت رائحة الدم الخافتة كالسيل. في تلك اللحظة، شعرت شارلوت مرة أخرى بإحساس غريب بالانفصال عن الواقع. كان الأمر كما لو كان وعيها يسبح داخل دماغها.
أصبح تشارلز أكثر شحوبًا عند رؤية الدم يسيل على ركبة شارلوت. كان الأمر كما لو كان هو، وليس هي، من يفقد الدم. جلست شارلوت صامتة تراقب تصرفات تشارلز بصمت، غير قادرة على استيعاب الواقع.
لم تشعر بالألم وكأنه ألمها. كان الأمر في ذهنها كما لو أن جهاز عرض سينمائي يصدر أزيزًا، وتسارعت الصور بسرعة كبيرة بحيث لم يستطع وعيها اللحاق بها.
برج الساعة، وحشود من الناس، وطريق كبير تمر فيه العربات. هواء رطب. فستان أصفر لامع. شظايا تشبه البتلات متناثرة في السماء الرمادية…
“شارلوت، شارلوت، شارلوت، شارلوت!”
فقط بعد أن نادى تشارلز باسمها حوالي ثلاث مرات عادت إلى نفسها.
“أوه، أنا بخير! لا تقلق، إنها لا تؤلمني كثيرًا.”
لم يستطع تشارلز أن يهدأ بسهولة. لقد تصرف كما لو كانت شارلوت قد عانت من إصابة كبيرة. لو رأى أحدهم، لربما ظنوا أن شارلوت كانت على وشك الموت. كان ذلك حقًا رد فعله. افتقرت عيناه إلى التركيز. شارلوت، شارلوت. نادى باسمها كما لو كان حبل نجاة. وأخيراً، جذب شارلوت بإحكام إلى أحضانه.
“تشارلز؟”
لطّخت الدماء من ركبتها ملابسه، لكن تشارلز لم يهتم على الإطلاق. عانق تشارلز ودفن وجهه في شعرها.
“تشارلز.”
ضغط وجهها في صدره وكتم صوتها. كانت شارلوت مرتبكة. كان تنفسه، الذي كان يأتي بجوار أذنها مباشرة، خشنًا بشكل مفرط. يا إلهي، كان ينتحب. كانت شارلوت فوقه تقريبًا، لم تستطع شارلوت دفعه بعيدًا بسهولة.
بدا غير مستقر للغاية. كان الأمر مذهلًا لأسباب مختلفة عن ذي قبل، فقد كان محصورًا في مثل هذا الموقف غير المتوقع.
“آه، امم……”
تحدثت شارلوت بحذر. لم يستجب تشارلز. ربتت برفق على ظهره بيدها اليمنى الحرة نسبياً. ارتعشت يدها قليلاً. تساءلت عما إذا كانت قد أصيب ببعض الصدمات من رؤية الدماء، حتى لو لم يستطع تذكره.
وبينما كانت تربت على ظهر تشارلز، بدأت شارلوت تشعر بعاطفة متزايدة. شعرت كما لو كانت مشاعر تشارلز تنتقل إليها مباشرة. وانهمرت الدموع على خديها وهي تشهق وتتحدث بصعوبة.
“أنا آسفة. آسفة. أنا آسفة للغاية.”
على الرغم من أنها لم تكن تعرف لماذا كانت تعتذر، وكان رأسها يدور، إلا أن الكلمات استمرت في الخروج. لقد شعرت بالأسف الشديد على تشارلز. أرادت أن تعتذر. شعرت أن كل شيء آخر كان بعيدًا ومنسيًا.
بدأت الذراعان اللتان كانتا تمسكها بإحكام في الاسترخاء بينما كان تشارلز يستعيد بعضًا من رباطة جأشه. وأصبحت شارلوت التي كانت تربت على ظهره تشهق الآن بهدوء.
وبمجرد أن استعاد رشده، ابتعد تشارلز عنها وأحنى رأسه معتذرًا دون تردد للحظة. كان صوته لا يزال مثقلاً بالعواطف العالقة.
“أنا آسف. لقد تصرفت بعنف تجاهك مرتين. أتفهم أنه من المعقول تماماً أن تغضبي.”
“… عنف، إيـه؟”
كانت الخادمات اللاتي اقتربن من ركبتها المصابة، قد قمن بتطهيرها ووضع الدواء. كان الجرح عميقاً جداً. وبينما كانت تحبس دموعها من اللدغة، سألت شارلوت مرة أخرى.
“بالأمس، أمسكت بذراعك ودفعتك، وقبل ذلك عانقتك دون إذنك. أعلم جيدًا أن ذلك كان وقحًا للغاية. سيكون من المنطقي تمامًا أن تغضبي. سأتقبل أي إجراء تتخذينه.”
تردّد تشارلز قليلاً حول عبارة “عانقتك”. عند سماع ذلك احمرّ وجه شارلوت.
كان تشارلز شخصًا يعرف كيف يميز الصواب من الخطأ، وكما قال، فإن ما فعله كان عنفًا بالفعل، حيث لم يكن هناك تراضٍ متبادل بينهما.
عند الاستماع إلى اعتذار تشارلز الصادق، أدركت شارلوت هذه الحقيقة تمامًا. ومع ذلك، فقد أزعجها الشعور الشائك بأن أفعاله، التي يمكن أن تسمى ببساطة عنفًا، لم تكن مزعجة تمامًا بالنسبة لها.
لقد كان يعتذر بصدق. شعرت شارلوت أنها يجب أن تقبله بصدق. قالت مبتسمة بإشراق.
“أنا أسامحك”.
رفع تشارلز رأسه المنحني بسرعة. وعلى الرغم من أن شارلوت قالت إنها سامحته، إلا أنه لم يستطع النظر في عينيها مباشرة. حاولت أن تقابل نظراته.
ومع ذلك، أخفض تشارلز رأسه مرة أخرى، مثل الخدم الواقفين خلفه. وعلى الرغم من سماعه لكلمات الغفران التي قالتها له، إلا أنه بدا مثقلاً.
عندما رأته يتدلى مثل الجرو، راودت شارلوت فكرة مؤذية. وعلى الرغم من أنها شعرت أنه قد لا يكون من الصواب إغاظته في هذا الموقف، إلا أن رغبتها في استفزاز تشارلز بشكل هزلي انتصرت. نعم، يجب أن أخفف من حدة المزاج، بررت لنفسها قبل أن تتحدث بنبرة مرحة.
“في المقابل”.
توتر تشارلز بمجرد أن خرجت الكلمات من فمها. بدا أنه كان ينتظر سماع حكمها. وانخفضت عيناه في استسلام. بدا وكأنه جرو بائس. بعد توقف، تحدثت شارلوت أخيرًا.
“لنقل أنني أكبر منك سناً. هذا هو الشرط.”
“… ماذا؟”
نطق تشارلز بتمتمة مشوشة. خف التوتر في تعابير وجهه عند سماع كلماتها، وانفرجت شفتاه للحظات في ارتياح. ومع ذلك، سرعان ما عاد إلى نظرة مكتئبة، ولم تلتقط شارلوت ابتسامته العابرة.
“…. هذا شرط متساهل للغاية، بالنظر إلى ما فعلته”.
استشعر تشارلز أن شارلوت كانت تراعي مشاعره، فتحدث بضعف. نظر إلى الأسفل للحظة، ثم وافق بهدوء.
“حسنًا جدًا. شارلوت أكبر مني. أنا ممتن فقط لأنكِ ستسامحيني بهذه الشروط.”
قبوله السهل ترك شارلوت مرتبكة للحظات. لاحظت رد فعله غير المتوقع، فأمالت رأسها قليلاً. هذا ليس صحيحاً. بينما كانت حائرة، تحدث تشارلز بتعبير جاد للغاية.
“إذن، كيف يجب أن أخاطبك الآن؟ يمكنك التحدث إليّ بشكل غير رسمي، وسأناديك بـ” أختي”. آمل أن تتفهمي إذا كنتُ محرجًا قليلاً في البداية.”
“هاه؟ اوه، اه، نعم.”
أجابت شارلوت مرتبكة من الوضع المتسارع فجأة. تابع تشارلز بلطف.
“لا يمكنني التحدث بشكل رسمي إلى شخص أكبر مني سناً. أرجوكِ يا أختاه، استخدمي لغة غير رسمية.”
عندما ناداها بـ “أختاه”، جفلت شارلوت. لم تستطع سوى الإيماء برأسها. لم يكن هناك طريقة يمكنها أن تقول بلا مبالاة ‘حسناً، فهمت.’.
وبينما كانت تومئ برأسها، تحدث تشارلز كما لو كان ينتظر.
أختاه، شكراً لكِ على مسامحتي. أختاه، متى موعد العشاء؟ أختاه، سأريكِ المزيد من الحديقة بعد العشاء. أختاه، أختاه، أختاه……
في كل مرة كانت شارلوت تتحدثُ دون قصد باللغة الرسمية، كان تشارلز يصحح لها ذلك، وكانت ردودها مترددة ومرتبكة. شعرت برعشة تسري في عمودها الفقري وأخيرًا صرخت.
“توقف. توق!! فقط نادني كما كنّا من قبل. دعنا نقول فقط أننا في نفس العمر!”.
في تلك اللحظة، ابتسم تشارلز ابتسامة مشرقة وكأنه كان ينتظر ذلك.
“شكراً لكِ على تفكيرك يا شارلوت.”
عندها فقط أدركت شارلوت أن تشارلز كان يغيظها طوال الوقت. على الرغم من أنها فتحت الباب لمضايقته أولاً، إلا أن تشارلز هو من أغلقه في النهاية.
في الوقت الحالي، كان تشارلز لا يزال متقدمًا على شارلوت بخطوات قليلة.
─────────────────────
لا تنسوا الضغط على النجمة أسفل الفصل ⭐ وترك تعليق لطيف 💬✨
حساب الواتباد: Satora_g
───────────────
قوة الأرواح والقلوب ذكر الله علاّم الغيوب 🌱:
– سُبْحَانَ اللَّه 🪻
- الحَمد لله 🪻
- لا إله إلا الله 🪻
- الله أكبر 🪻
- لا حَول و لا قوة إلا بالله 🪻
- أستغفِرُ الله الْعَلِيُّ الْعَظِيم وَأَتُوبُ إِلَيْهِ 🪻
– لا إِلَهَ إِلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ 🪻
– الْلَّهُم صَلِّ وَسَلِم وَبَارِك عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّد 🪻