استمتعوا
لماذا ارتفع السعر فجأة؟
أكان يخفي نوايا خفيّة؟
قطبت سيريس حاجبيها قليلًا، فبادر التاجر وقد استشعر شكّها بالتبرير على عجل.
“ أ– أنتِ تبدين في وضعٍ صعب، لذا يمكنني أن أقدّم لكِ ثلاثمئة قطعة ذهبية.”
“……”
“ همم، ثلاثمئة وخمسون! لن تجدي عرضًا أفضل في أيّ مكان.”
“……”
“ أربعمئة؟“
ما خطب هذا الرجل؟
في كل مرّة تُحدّق فيها سيريس بصمت وعبوس، كان رونس، صاحب المتجر، يرفع السعر.
وبينما كانت تراقبه، مدّت يدها لتأخذ الحجر السحري من على المنضدة.
يبدو أن البحث عن متجر آخر سيكون خيارًا أنسب.
“ ألف! سأدفع لكِ ألف قطعة ذهبية!”
قالها رونس صارخًا وكأنه يناشدها.
“…ألف؟ “
فماذا عن عرضه الأوليّ البخس الذي كان مئتي قطعة؟ ضيّقت سيريس عينيها.
إذًا، كنت تختبرني، أليس كذلك؟
“ ألف ذهبية، حقًا؟“
حينها، جاء صوت جديد يتدخّل في الحديث بنبرة عرضيّة.
كانت شابة كانت تتجوّل في المتجر من قبل.
“ مجرد النظر إليه يُظهر أنه حجر سحري عالي الجودة.”
“ آنسة، رجاءً، لا تتدخلي في هذا…”
“ واو، بل يبدو أنه حجر خاصّ، ربما من نوع الجليد؟“
بدت المرأة، والتي يبدو أنها ساحرة، مهتمة بالحجر فورًا.
“ الحجر السحري العادي ذو النقاء العالي يبدأ من خمسة آلاف ذهبية، على الأقل.”
“ خمسة آلاف؟!”
“ أجل. وإن كان ذا خاصية مميزة، فإن سعره قد يبلغ حدًا لا يُقدّر.”
“……”
تحوّلت نظرة سيريس الحادّة نحو التاجر، تسأله بعينيها إن كان ما قالته المرأة صحيحًا.
“ حسنًا، أممم… ترين، الأحجار ذات الخصائص الخاصة تحتاج إلى مشترٍ مناسب لتُباع بقيمتها الحقيقية، وحتى إن ذهبتِ لمكان آخر فقد لا يعرضون…”
“ لكن أن تعرض فقط ألفًا؟ هذه سرقة! ألا تخجل؟“
“ سـ، سرقة؟!”
احمرّ وجه رونس من الحرج، بينما التفتت المرأة مجددًا نحو سيريس.
“ أنصحكِ أن تبيعيه مباشرة إلى برج السحر.”
“ برج السحر؟“
“ أجل، سيقدّمون عرضًا أفضل بكثير من هذا المكان.”
برج السحر… تنهدت سيريس تنهيدة قصيرة، وقد قرّرت أن هذا المتجر ليس هو المكان المناسب للبيع.
أعادت الحجر إلى متعلّقاتها.
“ بالمناسبة، إن لم يكن في ذلك إزعاج، هل لي أن أوثّقه بكرة التسجيل خاصتي؟“
وقبل أن تغادر، أوقفتها المرأة، وضمّت يديها كأنها تتوسل.
“ أريد عرضه على معلمتي، لم أرَ حجرًا بخاصية كهذه من قبل… هل تسمحين؟“
“… افعلي ما شئتِ.”
وبما أن التصوير لا يؤثر في الحجر، أعادته سيريس إلى الطاولة، وسمحت لها بذلك.
“ واو، جودة هذا الحجر مذهلة… ما زلتُ جديدة في عالم السحر، لكن يبدو أن كثافته السحرية عالية على نحو مذهل.”
كانت المرأة تدور بكرة التسجيل حول الحجر، توثّق كل زاوية بانبهارٍ ظاهر.
وحين انتهت، أومأت برضا وابتسمت ببشاشة.
التقطت سيريس الحجر، وهمّت بالخروج.
“ انتظري! أرجوكِ انتظري! سأعرض سعرًا أعلى!”
صرخ رونس، الذي ظلّ يراقبها بتوتر، محاولًا إنقاذ الصفقة.
لكن سيريس لم تلتفت، وغادرت المتجر دون تردّد.
“آه …”
زفر رونس تنهيدة ندم، ومرّر يده على وجهه.
لو أنه قدّم عرضًا جيدًا منذ البداية…
ظنّها ساذجة عن الدنيا، وظنّ أنه يستطيع خداعها بسعر بخس.
رغم سنواته في التجارة، لم يرَ حجرًا سحريًا بتلك النقاء والجودة.
لو أتمّ الصفقة، لحقق ثروة طائلة…
“ عذرًا، سيدي، هل يمكنك مساعدتي في إيجاد هذه المواد؟“
“……”
استدار رونس فرأى المرأة التي أفسدت صفقته، تمدّ له قائمة بابتسامة مشرقة كأن شيئًا لم يكن.
رمقها بنظرة غيظ.
***
“ أحقًا لن تشرب؟“
“لا .”
“ ولمَ لا؟“
“ لأني لا أشرب معك، ببساطة.”
“ لكن لماذا؟!”
“ لأنك تتحوّل إلى كلب كلما شربت، هذا هو السبب.”
“ ماذا؟!”
كان المتجر، الذي يُعدّ ملاذًا روحيًا للمرتزقة، مكتظًا كالعادة، لا مقعد شاغر فيه.
لكن… ثمة تغييرٌ طرأ. فقد قلّ عدد طالبي الخمر بشكل ملحوظ.
“ ألا ترى؟“
“ أرى ماذا؟“
أشار أحد المرتزقة إلى ورقة معلّقة في زاوية من الجدار.
[ قوانين المتجر .
1. كل من يُحدث شغبًا بعد الشرب يُمنع من دخول المتجر لثلاثة أيام، ويُعاقب رفاقه إن لم يتدخلوا .
2. يمنع القتال داخل المتجر منعًا باتًا، ومن يخالف يُحظر لأسبوع .
3. من يُمنع ثلاث مرّات، يُمنع كامل نقابته من الدخول لأسبوع كامل . ]
“…ما هذه؟ “
“ ما معنى ما هذه؟ رأيتها بعينيك، فلا تسأل! إن أردت أن تشرب، فافعل حين لا أكون هنا.”
“ متى علّقوها؟ يعني لا أستطيع الشرب هنا بعد الآن؟“
أيعجز حتى عن وعدٍ بسيط بالسلوك؟
نظر إليه رفيقه بدهشة، ثم أشار إلى الورقة مجددًا.
“ أرأيت؟ إن تكرّر الأمر ثلاث مرّات، تُحظر نقابتنا كاملة لأسبوع.”
“أجل …”
“ وقائد طاقمنا لا يستطيع قضاء يوم دون حساء هذا المكان. قال إن كنت تنوي إثارة الفوضى، فاخرج من النقابة أولًا.”
“أغغ …”
منذ أن وُضعت التحذيرات، بدأ المرتزقة يضبطون سلوكهم تحت عين سيريس درو الجديدة والحادة.
أمرٌ كان مدهشًا بحق.
مارك، الطاهي الذي أمضى أطول وقت في المتجر، كان أكثر من ذُهل بالتغيّر.
حين كتبت سيريس تلك القواعد وعلّقتها، ظنّ أنها ستكون بلا فائدة.
فكيف سيلتزم هؤلاء المتمرّدون بورقة واحدة؟
لكن… يا للعجب.
باتوا يلتزمون بها وكأنهم أمام قسمٍ مُقدّس.
أتراها تلك الجملة التي كُتبت في النهاية؟
“ إن لم تُحترم هذه القوانين، سيُغلق المتجر.”
“ إغلاق المتجر؟!”
“ مستحيل!”
“ إن اختفى هذا المكان، أين سأفطر؟ وأتغدى؟ وأتعشى؟“
“… هل تأكل هنا ثلاث وجبات؟ أنت مجنون!”
“ انظر من يتكلّم!”
“ على الأقل أنا أتناول وجبتين فقط!”
“ ماذا؟ لااا! حساء ما بعد السكر— ضاع؟!”
“ أمسكوا به! سيطلب كحولًا!”
هل تعمل حقًا هذه القواعد؟
حتى مارك وهو يرى التغيير بأمّ عينيه، بالكاد صدّق ما يجري.
لطالما أحبّ المرتزقة هذا المكان، لكن بهذا الشكل؟
تذكّر كلمات المدير الراحل.
“ الزبائن هنا طيبون، يحبّون هذا المتجر ويهتمون لأمره بصدق.”
حينها، كان مارك يشكّ في صدق تلك الكلمات، فالفوضى كانت دائمة.
أما الآن… حين رأى المرتزقة جالسين بهدوء يأكلون طعامهم، فقط بفضل ورقة واحدة، شعر بحرارةٍ تغمر عينيه.
من كان يظن أن الهدوء ممكن هنا؟ لو أن المدير رأى هذا، لفاض فخرًا به.
لكن… طبعًا.
“ أيها الوغد! هذا طلبي!”
“ ما هذا الهراء! الأسبقية لمن يصل أولًا!”
“ سأقتلك اليوم!”
“ تبًا لك! هيا!”
لا يزال المتجر يصدح بألفاظهم الفظة.
لكن مجرد اختفاء الأسلحة الطائرة، يكفي ليرسم ابتسامة على وجه مارك.
“ أقسم أني سأرسلك للسماء اليوم—!”
صرير.
حتى الشتائم خفتت فجأة.
طقطقة.
فتح الباب بخفّة، وأطلّ منه جسد صغير.
“……!”
سكنت الأصوات فجأة.
“ أوه! آنسة جوليا!”
ضفيرتان منسّقتان بعناية، زادتاها بهاءً وبراءة.
أسرع مارك نحوها، وعيناها المستديرتان تمسحان أرجاء المتجر.
“ أين أختكِ؟“
“ خرجت قليلًا.”
“ هل جئتِ وحدكِ؟“
هزّت رأسها بنعومة.
وكانت جاي، الخادمة، تدخل خلفها بخطى حذرة.
– يتبع
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O ━O ━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد .
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 16"