استمتعوا
“ ورقة وقلم.”
“ ماذا؟“
“ قلت. أعطني ورقةً وقلمًا.”
“آه !”
أسرع مارك بإحضار الورقة والقلم الموضوعين إلى جوار المنضدة، وناولهما لـ سيريس.
تناولت سيريس القلم بسرعة، وخطّت شيئًا على الورقة، ثم تقدّمت بخطى حازمة نحو المرتزق المغشي عليه على الأرض.
صفعة.
ألصقت الورقة على جبين المرتزق فاقد الوعي بصوت فرقعةٍ مسموع.
‘ ما هذا؟‘
‘ ما المكتوب فيها؟‘
‘أوه …؟ ‘
المرتزقة القريبون، والذين كانوا يقتربون بحذر ليروا ما كُتب على الورقة، تراجعوا على الفور.
ثم وضعوا أسلحتهم بهدوء، بعدما كانوا يقبضون عليها بشدة منذ لحظات.
وكانت الورقة تنصّ.
[ كل من يتسبّب في شغب داخل هذا المتجر يُمنع من الدخول لأسبوع كامل. وأيّ رفيق لم يتدخّل لإيقافه، يُعاقب بالحظر ذاته.]
كان إجراءً حازمًا وقاطعًا وبالغ السرعة.
“ هممم.”
المرتزق الذي كان يتقاتل مع الرجل المغشي عليه، أنزل سلاحه هو الآخر خلسة، وتوجّه نحو طاولة قريبة.
تناول وعاءً نصف ممتلئٍ بالحساء، وانتقل إلى مقعد آخر متظاهرًا بأنه لا علاقة له بالرجل الملقى على الأرض.
‘ أتمزح؟‘
‘ يا له من وقح لعين. اوه لحظه، بالطبع هو كذلك.’
‘ ذاك يخفي سيفه! أعيدوه إلى يده!’
الأنظار توجّهت بحدّة نحو المرتزق الذي حاول التملّص من الموقف.
‘ لكن… من هذه؟‘
واحدة تلو الأخرى، تحوّلت نظرات المرتزقة نحو سيريس.
لقد أثارت دهشتهم، وفرضت حضورها عبر ورقة واحدة فقط.
“ آه، هذه الآنسة…”
أدرك مارك فضول الجميع، فتقدّم خطوة.
رمق سيريس بنظرة حذرة قبل أن يُعرّفهم بها قائلًا.
“ إنها صاحبة هذا المتجر.”
***
“ إذًا، قررتِ ألّا تبيعي المتجر؟“
“نعم .”
“ حقًا؟“
“أجل .”
“ ولِمَ؟“
عادت سيريس من جولتها التفقدية للمتجر في ديلسي – الجادة الأولى، وقررت تأجيل قرار البيع.
أما أنتونيو، الذي كان قد بدأ يستعدّ على مضض لفكرة بيع المتجر، فقد بُهِت من قرارها المفاجئ.
“ إنهم أكثر طاعة مما ظننتُ.”
“ مَن؟“
“ المرتزقة.”
ملاذ المرتزقة.
ملجؤهم الروحي.
ومصدر طعامهم الذي يحنّ إليه القلب.
كانت هذه بعض الأوصاف الباذخة التي سمعَتها عن المتجر، والتي جعلت سيريس تشعر بالدهشة حين دخلته فعلًا.
فالمكان كان أشبه بالفوضى، لدرجة أنها تساءلت إن كان من المجدي الاحتفاظ به.
لكن …
رغم الفوضى، كان هناك نظام خفي.
فرغم شجارهم، حافظ المرتزقة على سلامة مارك، الطاهي والموظف الوحيد، ولم يُصبه شيء.
وفوق هذا كله، فإن استجابتهم الفورية لحظر الشغب تركت انطباعًا حسنًا لديها.
لم يحتجّوا، بل أنزلوا أسلحتهم دون تردد.
“ لديهم قابلية للتوجيه.”
“ إذًا لهذا قررتِ عدم البيع.”
“أوه … فهمت …”
أشرق وجه أنتونيو حين سمع أن المتجر سيبقى.
فهو يعرف تمامًا كم عانى والديهما الراحلان للحفاظ عليه.
“ لكن المشكلة في المنزل.”
“ المنزل؟“
“ أنت تعلم أن خدم عمّتنا آغني قد غادروا جميعًا، أليس كذلك؟“
حين سُجنت أغني، رحل معها طاقم الخدم الذين أحضرتهم.
ورغم أنهم لم يكونوا أكفاء، فإن غيابهم المفاجئ ترك فراغًا لا يمكن تعويضه.
وحتى قبل ذلك، لم تكن الأمور تُدار كما ينبغي.
الآن، أصبح القصر في حالة من التدهور لدرجة أنه بدا وكأنه على وشك أن يتحوّل إلى أنقاض.
“ أختي، ماذا عن استدعاء كولين؟“
“ كولين؟“
“ كبير الخدم الذي خدمنا منذ عهد الجد.”
“ كبير خدم؟“
“ أجل. طردته عمّتنا أغني بعد أن اتهمته زورًا.”
“ هذا ليس من الحكمة انستي سيريس.”
“ اقتراض المال بهذه الطريقة…”
“ دار تمريض؟ يجب أن تبحثي أكثر أولًا…”
رأت فيه أغني عائقًا دائمًا، إذ كان دائم الاعتراض على قراراتها.
وحين نجحت في تطويع سيريس لسيطرتها، سارعت بطرده.
“ هل أنتِ تتهمينني باختلاس الأموال؟“
“ أملك الدليل هنا، أليس كذلك؟“
“…تنهد .”
رغم كذب الاتهام، رحل كولين صامتًا بعدما أنهكه الضغط المستمر.
ومع ذلك، لم يغادر دون أن يُوصي سيريس، مذكّرًا إياها بأنها سيدة منزل درو الحقيقية، وحاثًّا إيّاها على الاهتمام بصحتها.
وقد بلغ ذلك حنق أغني إلى أقصاه.
“ كبير خدم، هه…”
اقتراح انتونيو لم يكن سيئًا.
لكن… هل سيقبل رجلٌ طُرد ظلمًا بالعودة؟
“ حسناً، لنفكر في ذلك لاحقاً.”
فالمشكلة الأهم الآن… المال.
فحتى لو أرادوا استدعاء كولين، عليهم أولًا توفير راتبه.
“ ربما بيع ذاك سيكون الحل الأفضل…”
وبينما كانت سيريس تغرق في التفكير، سألت أنتونيو.
“ هل هناك متجر سحرٍ قريب؟“
“ متجر سحر؟“
استغرب أنتونيو، لكن سيريس لم توضح شيئًا.
***
رنّ الجرس.
“ مرحبًا بقدومكم!”
استقبل رونس، صاحب متجر السحر، الزبونة بابتسامته المعتادة، لكن ملامحه سرعان ما تغيّرت.
“ ما هذا؟“
دخلت شابة بثياب بالية.
عادةً، كان معظم زبائنه من أصحاب الأناقة، فالمتجر يبيع مواد سحرية باهظة.
حتى المتدربون في برج السحر يتقاضون أضعاف دخل الناس العاديين.
‘ لكنها… تملك هالةً نبيلة…’
رغم ثيابها المتهالكة، فإن حضورها كان آسرًا، ونظرتها مشبعة بالوقار.
“ هل تبحثين عن شيءٍ معيّن؟“
سألها رونس بحذر، محاولًا استشفاف منزلتها.
تأملت المتجر بعينيها، ثم نظرت إليه وقالت.
“ سمعت أنك تشتري المواد السحرية هنا.”
“ آه، الشراء؟“
تفحّصها رونس سريعًا.
لم يعلم ما جلبته، لكن توقّعاته لم تكن عالية.
“تسك .”
اعتاد على أمثالها. أناسٌ يأتون حاملين حجارة غريبة الأشكال أو الألوان، يدّعون أنها أحجار سحرية.
بدت هذه الفتاة من هذا النوع.
“ أرِيني ما أحضرتِ.”
بدأ لطف رونس يتلاشى، وقد حكم عليها مسبقًا بأنها لا تملك شيئًا ذي قيمة.
دَفعت علبة صغيرة على المنضدة.
“ ما هذا؟“
“ حجر سحري.”
“… حجر سحري؟“
ابتسم رونس بسخرية، وهو ينظر إلى العلبة التي بدت فاخرة بشكل غير متوقع.
ظنّ أنها فقط تحاول التظاهر بشيء لا تملكه.
“ تسعة من أصل عشرة تكون مجرد حصاة من الأرض…”
كليك.
فتح رونس الصندوق بخفة واستخفاف— لكنّ نظرته تزعزعت في اللحظة التالية.
فقد رأى بداخله حجرًا صغيرًا أزرق اللون، تتلألأ منه طاقة سحرية هائلة لا تخطئها العين.
دون وعي، بلع ريقه بصعوبة.
قوة المانا المنبعثة منه كانت واضحة جليّة بمجرد النظر.
إنه حقيقي!
وكما يليق بتاجر بارع، أخفى دهشته بسرعة، ورسم ابتسامة مشرقة على وجهه.
“ نعم، هذا حجر مانا بالفعل.”
أومأت سيريس برأسها بخفة تأكيدًا لكلامه.
هي لا تعرف الكثير عن الأحجار أو السحر، لكن طالما أن كاينيل هو من أعطاها هذا الحجر، فلا يمكن أن يكون مزيفًا.
ولذا، لم يخطر ببالها لحظة أن تشكّ في أصله.
“همم …”
أخذ رونس يتفحّص حجر المانا ذي اللمعان الأزرق الساحر، ثم بدا عليه التردد قليلًا، تمهيدًا للمساومة.
“ أعرض عليكِ 200 قطعة ذهبية.”
“200؟ “
“ بالنسبة لحجر مانا بهذا الحجم، فالسعر ليس سيئًا على الإطلاق.”
“هممم …”
على حدّ علمها، فإن راتب الفارس العادي لشهر كامل يقارب هذا المبلغ… بمعنى آخر، هذا الحجر يساوي نفقات أسرة متوسطة لمدة شهر.
أليس هذا سعرًا جيدًا؟
حجر صغير بحجم الظفر، ويُعرض عليه هذا الثمن؟ لا يبدو عرضًا سيئًا.
ولا يبدو أن هناك متجر سحر قريب آخر… فهل تبيعه فحسب؟
“ هممم، إن أردتِ، يمكنني أن أزيد ثلاثين قطعة ذهبية، كنوع من الكرم.”
وبينما كانت تفكّر بصمت، مزمومة الشفتين، تابع رونس الحديث وقد بدأ يتلمّس ملامح ترددها.
“… خمسون قطعة ذهبية؟“
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 15"