بعد أن توسّلت أغني طالبةً المغفرة على ركبتيها وتبادلت بضع كلمات، انفجرت فجأةً في نوبة غضب.
كان الشعور بالخروج من المكان بعد أن سخرت من يأسها شعورًا رائعًا، لكن ما إن واجهت وثائق الدين، حتى بدأ المبلغ الذي عُرض عليها للتسوية يدور أمام عينيها.
“تسك.”
نقرت سيريس بلسانها بخفة، وسرعان ما غرقت في تفكيرٍ عميق.
هل لا يوجد سبيل لقلب هذه الموازين؟
هل لم يبقَ في هذا المنزل شيء ذو قيمة؟
“آه.”
عندها، خطر في بالها شيء فجأة.
“ربما هذا قد يكون ذا قيمة؟“
من دون تردد، لوّحت سيريس بيدها بسرعة. وكما في السابق، انشق الهواء أمامها عن شقّ أسود تشكّل منه فجوة مظلمة.
وسرعان ما أخرجت من الفجوة صندوقًا خشبيًا فاخرًا.
“همم.”
عندما فتحته، ظهر حجر صغير لا يتعدى حجم ظفر الإبهام.
كان الحجر يتلألأ بضوء أزرق ساحر،
وينبعث منه برودٌ قارس لمجرد النظر إليه.
“قال كاينيل إن هذا الحجر ثمين.”
‘لقد حصلتُ عليه من وحشٍ كان يعيش في الجبال الثلجية.’
‘ما هو؟‘
‘إنه حجر مانا.’
كانت سيريس تعرف جيدًا ذلك الكائن الذي عاش في الجبال الثلجية. لم تكن متأكدة من متى ظهر أول مرة، لكنه عُرف منذ زمنٍ طويل بلقب ‘سيد الجبال الثلجية‘، أفعى هائلة بحجم قصورٍ متراصّة.
كلما سنحت له الفرصة، كان ينقضّ على القرى،
يلتهم الناس، ثم يغادر بهدوء.
إلى أن جاء كاينيل، وقد عزم أمره، فقطع رأس الوحش أخيرًا.
‘ألا يفترض أن تعطي حجر المانا لألتي؟‘
كانت سيريس تدرك جيدًا أن حجر مانا تركه مخلوقٌ عتيق يساوي الكثير.
لكن بما أنها ليست ساحرة، فلم تكن بحاجة له إطلاقًا.
ظنّت أنه سيكون أكثر فائدة لأرثيا، مالك برج السحر، لكن—
‘ولماذا أفعل؟‘
‘…’
إلا أن كاينيل هزّ رأسه بعنف،
وكأنه لا يعترف بوجود أرثيا، صاحب برج السحر أصلاً.
‘إن لم تريديه، ارميه.’
‘هاي، أعطيه لألتي، أقول لك.’
‘سأقوم برميه.’
‘حسنًا، حسنًا. سأحتفظ به.’
‘لكن إن أعطيتِه لذلك الأرثيا اللعين من وراء ظهري…’
“حقًا، هذان الاثنان كانا سخيفين للغاية.”
قهقهت سيريس وهي تتذكر الماضي.
سواء أرثيا، الذي لم يمنح كاينيل أداة الانتقال السحري أبدًا،
أو كاينيل، الذي سلّمها حجر المانا الثمين دون سبب—كلاهما كان تافهًا.
تأمّلت الحجر بنظراتٍ تحمل فضولًا بسيطًا.
“أتسائل كم يساوي الآن؟“
كان يُعتبر ثمينًا حينها، لكنها لم تكن تعرف إن كان لا يزال كذلك.
بعيدًا عن قيمته، لم تكن حتى تعرف أين يمكنها بيعه.
“…إلى تاجر خردة؟“
لقد مضى عليه ثلاثمئة عام. ألن يُعدّ قطعة خردة؟
‘تاجر خـ، خردة؟ لا، هذا ليس صحيحًا! غريس! حقًا! أنتِ لا تعرفين شيئًا سوى التجبير والعلاج، أليس كذلك؟ هذا يُقلقني كثيرًا…’
كادت أن تسمع صوت تلميذها يوبّخها مجددًا.
“يعني، ليس إلى تاجر خردة؟“
لأنها قضت حياتها في علاج الناس،
لم تكن تعرف الكثير عن شؤون الدنيا.
إذ إن مثل هذه الأمور كانت دومًا تُوكل لغيرها.
نوك، نوك.
قطع صوت الطرق أفكارها.
سارعت سيريس إلى إعادة حجر المانا إلى بُعدها السحري.
كليك.
دخل أنتونيو الغرفة.
كانت قد رأته يلعب مع جوليا قبل قليل.
“أين جوليا؟“
“تقرأ كتابًا.”
كانت جوليا، ذات السنوات السبع، أذكى بكثير مما تبدو عليه.
رغم أنها لم تتلقّ تعليمًا مناسبًا، إلا أنها تعلّمت القراءة بنفسها.
وقد صُدمت سيريس تمامًا حين اكتشفت ذلك.
‘من علّمك؟‘
‘الكتب.’
‘…تعلمتِ فقط من خلال النظر في الكتب؟‘
‘أجل.’
…عبقرية.
الطفلة، التي لم تعد تتناول العشبة السامة،
أصبحت تقضي وقتًا أطول مستيقظة.
بل حتى زاد وزنها مقارنةً بما كانت عليه في دار الرعاية.
لكن المشكلة أن سيريس لم تكن قادرة على استخدام قدرتها في التحكم بالزمن على جوليا.
‘الطفلة صغيرة جدًا.’
لو كانت شخصًا بالغًا، مكتمل النمو، لما شكّلت أي مشكلة.
كان يمكنها ببساطة إعادة جسده إلى الحالة التي كان عليها قبل تناول السم، وبهذا تعالجه.
لكن بالنسبة لجوليا، كانت تلك السنوات الثلاث فترةً حرجة للنمو الجسدي.
إعادة الزمن إلى الوراء؟
‘ذلك سيكون كارثة.’
الخلل بين عمر الجسد وعمر الأعضاء الداخلية قد يؤدي إلى نتيجةٍ أسوأ.
‘لحسن الحظ، أنا أعرف طريقة العلاج المناسبة.’
رغم أن الأمر سيستغرق وقتًا، إلا أنه ليس حالةً مستعصية.
لذلك، قرّرت سيريس اتباع خطة علاجٍ مباشرة ومنهجية بدلًا من المجازفة.
‘لدي ما يكفي من الأعشاب على أي حال.’
فالأعشاب التي تحتاجها للعلاج كانت مخزنة مسبقًا في بُعدها، ولم تكن بحاجة للخروج لجمع المزيد.
وفجأة شعرت بالامتنان لأرثيا، الذي أنشأ لها ذلك البُعد السحري.
إذ كانت الأعشاب اللازمة لعلاج جوليا باهظة الثمن.
وبالنظر إلى حالتها المالية الحالية، كان من شبه المستحيل الحصول عليها حتى لو كانت تعرف الطريقة.
“من أين أتت كل هذه الأعشاب؟“
ربما كانت المشكلة الوحيدة في التعامل مع من يتساءلون عن مصدرها.
أنتونيو، وكذلك الخادمة جاي، لم يخفوا دهشتهم عند رؤية سيريس تسحب فجأة مجموعة من الأعشاب غير المألوفة.
“جمعتها بنفسي.”
“بنفسك؟ متى؟“
“منذ زمن بعيد.”
“……؟“
لم تكن تكذب.
فقط أن ‘منذ زمن بعيد‘ تعني بالنسبة لها قبل ثلاثمئة عام.
‘انـ، انسة سيريس، دعيني أُحضّرها.’
‘لا حاجة. التحكم في الحرارة هو العامل الحاسم في هذا.’
‘عذرًا؟‘
‘سأتولى الأمر، عودي إلى مهامك.’
رؤية سيريس وهي تغلي الأعشاب بنفسها جعل الجميع مصدومين، وحاولوا منعها، عارضين القيام بالأمر بدلًا منها.
فنادراً ما كانت تتولّى مهامًا كهذه بنفسها.
لكن سيريس غلّت الأعشاب بإصرار.
“متى درستِ الطب العشبي؟“
حتى أنتونيو نظر إليها في البداية بريبة.
رؤية امرأة تمزج أعشابًا مجهولة وتعدّها لتُعطى لطفلة—كان ضربًا من الجنون أن تتركها تفعل ذلك دون تدخل.
‘ماذا تفعلين! هل جننتِ؟ هل تعلمين حتى ما تُعطينه لجوليا؟‘
‘هل من الجنون إعطاء دواء لطفلةٍ مريضة؟‘
‘أي دواء هذا؟‘
‘إنه من أوراق نبتة الغوبيو. يزيل السموم المتراكمة في الجسد.
ثمرة شجرة السيلو تساعد في تعويض الطاقة الضعيفة.
كما أنني غليت معها بذور الزاهيرال وأوراق الكاكاس المجففة.
هذان العشبان يزيلان السموم التي تسربت إلى الدماغ.’
‘…ماذا؟‘
‘هل تريدني أن أشرح مجددًا؟‘
‘…لا.’
في البداية كان متشككًا، لكن مع تحسّن حالة جوليا بوضوح،
لم يشك أحد في طرق علاج سيريس بعد ذلك.
رغم ذلك، بقي هناك سؤالٌ يراود الجميع.
متى تعلّمت كل هذا؟
“منذ زمن بعيد.”
أجابت بنفس الجواب السابق،
مما دفع أنتونيو إلى أن يزفر بعمق.
‘حديثك عن ماضٍ لا تتذكرينه أصلًا. يا لها من مزحة.’
كان يشعر بأنها تخفي شيئًا، لكن لم يكن بيده معرفة ما هو.
في الآونة الأخيرة،
أصبح أنتونيو يشعر بالحيرة كلما نظر إلى سيريس.
هل هذه هي الأخت ذاتها التي عرفها طوال حياته؟
‘مع ذلك، يبدو أنها أصبحت أفضل بكثير.’
قبل أن تفقد ذاكرتها،
كان مجرد النظر إليها يجلب له الضيق والقلق.
ألم يكن قد رآها تحاول الانتحار بنفسه؟ مما أكّد له أسوأ مخاوفه.
أما الآن، فلم يعد يشعر بتلك الكآبة حين يراها.
بل، إن رؤيتها تتعامل مع التحديات بهدوءٍ جعلته يشعر بالطمأنينة بطريقة غريبة.
“إذًا، ما سبب زيارتك؟“
“…ما الذي حدث لعمتنا أغني؟“
بدا أن سيريس لا ترغب في مواصلة الحديث عن الأعشاب أو طرق العلاج، لذلك غيّر أنتونيو الموضوع إلى العمة أغني.
كان قد سمع أنها أُوقِفَت وتخضع للمحاكمة،
لكنه لم يكن يعرف ما جرى بعدها.
“المحاكمة انتهت. حُكِمَ عليها بالسجن بتهمة الشروع في القتل والاحتيال.”
“آه.”
إذًا انتهى الأمر هكذا، كما هو متوقع؟
لم يشعر بالمفاجأة.
لحسن الحظ، لم تمت جوليا،
لكن محاولة قتل طفل بعشبة سامة تُعدّ جريمة خطيرة.
عندما علم أن ضعف صحة جوليا سببه السم الذي أطعمتها إياه العمة أغني، ظل أنتونيو عاجزًا عن الكلام لفترة طويلة.
لم يكن يحب أغني، لكنه لم يكن يومًا يعتبرها غريبة.
فهي التي اعتنت بهم عندما اجتاحهم الحزن إثر وفاة والديهم.
بالطبع، كان كل ذلك مجرد تمثيلية للاستيلاء على ثروة العائلة.
لكن معرفته بالحقيقة لم تُخفف من وطأة الألم.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 13"