استمتعوا 
“مـ، ما الذي تعنينه بذلك؟“
توقفت يد أغني التي كانت ترفع فنجان الشاي إلى شفتيها، وأعادته إلى الطاولة.
رؤية سيريس وهي تبتسم بتلك الطريقة الغريبة جعلت شعورًا غير مريح يتسلل إلى قلبها.
“لقد وجدتُ شيئًا مثيرًا للاهتمام هذه المرة.”
وكأنها تؤكد ذلك الإحساس، وضعت سيريس شيئًا على الطاولة.
“لقد ملأته بالكامل.”
اتسعت عينا أغني وهي تحدّق إلى الأسفل بنظرة متسائلة، 
كأنها تحاول أن تكشف عن الخدعة وراء هذا المشهد.
قارورة زجاجية صغيرة، سداسية الشكل!
“هـ، هذا…!”
أليست هذه هي نفس القارورة التي أعطتها لمدير الدار؟ 
تلك التي أمرته أن يعطيها لجوليا، بجرعات صغيرة فقط!
لو كانت قد وضعت ما بداخلها في هذا الشاي…
“أوغ!”
فجأة، شعرت أغني بالغثيان، وبدأت تُخرج ما شربته للتو دون أن تتمكن من السيطرة على نفسها.
“أنتِ… أنتِ!”
بعد لحظة، رفعت أغني وجهها الشاحب وحدّقت بسيريس بعينين مشحونتين بالغضب.
‘كيف تجرؤ!’
كيف تجرؤ هذه الحمقاء على أن تُطعمها ذلك؟!
“هممم، هذا غريب.”
لكن سيريس لم تُظهر أي اضطراب أمام غضب أغني.
“لماذا تتقيئين؟“
“ماذا؟“
“هل تعلمين حتى ما الذي ترمينه الآن؟“
“تلك القارورة فيها سم…!”
“……”
حين رأت أغني نفسها وقد جمدت في مكانها، 
أطلقت سيريس تنهيدة خفيفة.
يبدو أن كلاً من المدير أرنولد وهذه المرأة بارعان حقًّا في حفر قبورهما بأيديهما.
“كل ما فعلتُه هو أنني أريتُك القارورة، فلماذا كل هذا الذعر؟“
لم تقل حتى إن ما في القارورة سم.
“هـ، هذا…!”
بدأت عينا أغني تدوران في الغرفة، 
تبحثان عن شيء تقوله، لكنها لم تجد الكلمات.
لكن سيريس كانت أسرع.
“المدير أرنولد اعترف بكل شيء بالفعل.”
“ماذا؟“
“قال إنكِ من طلبتِ منه إعطاء جوليا ذلك السم.”
“مـ، ماذا! لا تكذبي!”
هل تطلب منها الآن أن تصدق ذلك؟ أن أرنولد قال كل شيء؟
‘هذا مستحيل.’
وبلا وعي، بدأت أغني تلمس الخاتم المحكم حول إصبعها الأيسر.
ألم يتفقا على ترتيب كل شيء ثم الرحيل معًا بعد أن ينتهي الأمر؟
هل يعقل أنه خانها الآن؟ لا يمكن!
“عمتي تعرفين جيدًا ما هو هذا الدواء…”
رفعت سيريس القارورة التي كانت قد وضعتها على الطاولة، وهزّتها برفق.
“إذا أُخذت بجرعات صغيرة، فإنها تضعف الجسد تدريجيًا،
لكن إذا أُخذت بكمية كبيرة دفعة واحدة…”
قطعت كلامها، وحركت يدها على شكل قطع على الرقبة.
ازداد وجه أغني شحوبًا.
“لقد وضعتُ كل ما تبقّى في الشاي.”
“أووغ!”
ما إن سمعت ذلك حتى بدأت تغرز أصابعها في حلقها محاولة أن تتقيأ بقوة.
“كيف كان طعم السم؟“
“أوغ!”
“هل تشعرين الآن قليلًا بما شعرت به جوليا؟“
وقفت سيريس وربّتت بلطف على ظهر أغني التي ما زالت تتقيأ.
بل إنها مررت يدها على شعرها كما لو أنها تهدئها.
لكن تلك اللمسة اللطيفة لم تجلب الطمأنينة، 
بل أثارت قشعريرة في جسد أغني.
ارتجفت وتراجعت خطوة إلى الوراء.
“لم لا تتوقفين عن التقيؤ؟ لم أضع شيئًا في الشاي.”
“…ماذا؟“
لم تضع شيئًا؟ لا سم؟
فتحت أغني فمها بدهشة، وكأن صدمة أكبر أصابتها.
“هل أبدو لكِ مجنونة؟ أن أتحول إلى قاتلة بسبب شخص مثلك؟“
“أنتِ… أنتِ!”
“هل هناك داعٍ لأُلوّث يدي، 
في حين يمكنني إنهاء الأمر قانونيًا بكل بساطة؟“
“لـ، لم أفعل شيئًا!”
استعادت أغني وعيها أخيرًا، وحاولت الدفاع عن نفسها.
“لا أعلم ما قاله المدير، لكنه كله كذب!”
“نعم، نعم. حافظي على هذا الكلام في المحكمة.”
أجابت سيريس بلا مبالاة وهي تلتقط شيئًا كان موضوعًا حيث كانت تجلس. كانت خرزة شفافة، أكبر قليلًا من قبضة يد البالغ.
“…ما هذا؟“
“كرة تسجيل.”
“ماذا؟ هذا الشيء الغريب هو كرة تسجيل؟“
…غريب؟
حكت سيريس خدها بشيء من الإحراج.
هل لم تعد كرات التسجيل بهذا الشكل هذه الأيام؟
لقد أخرجتها من مخزنها الفراغي، لكن أن توصف بأنها غريبة الشكل؟ يبدو أن التقنية تطورت كثيرًا منذ زمنها.
“صحيح أنها قديمة، لكنها تسجل كل شيء بدقة.
حتى تقيؤك المذعور وتخبطك المسعور سُجل بالكامل.”
“……!”
انكمش وجه أغني من شدة الغضب.
“كيف تجرؤين!”
لقد تجاوزت الإحراج الآن إلى الغليان.
خطوة.
تقدّمت سيريس خطوة تجاهها بصمت.
ثم وضعت يديها على كتفي أغني واقتربت منها،
ترتسم على شفتيها ابتسامة خافتة.
“صحيح. كيف تجرأتُ.”
“أنتِ…!”
“كيف تجرؤين على إيذاء طفلة؟“
“……!”
كانت النظرة التي وجهتها إليها سيريس في تلك اللحظة،
أشد برودة وحدة من أي وقت مضى.
وبينما كانت القشعريرة تسري في جسد أغني،
اقتربت سيريس أكثر وهمست في أذنها بصوت هادئ.
“اختفي.”
“…ماذا؟“
“أخرجي من هذا المنزل فورًا.”
“آااااااه!”
صرخت أغني فجأة، متألمة،
وكأن نارًا اشتعلت في كتفيها حيث كانت سيريس تمسك بها.
ثم، وكأن شيئًا لم يحدث، ابتعدت سيريس بخفة وابتسمت بوداعة.
“سأمنحكِ ساعة واحدة. اخرجي خلالها. فأنا رغم طيب مزاجي،
لا أستطيع العيش تحت سقف واحد مع قاتلة حاولت قتل شقيقتي.”
“أوغ… أوغ….”
راحت أغني ترتجف، مزيج من الحقد والخوف يتغلغل في ملامحها، لكنها لم تستطع قول كلمة أخرى.
“آه، لا داعي للذهاب إلى المدير أرنولد. 
لقد سلّمتُه بالفعل للشرطة وهو قيد التحقيق الآن.”
“مـ، ماذا؟“
“فكّري جيدًا في تسليم نفسك قبل أن أبلغ عنك.
ربما حينها، تجدين فرصة لتقدمي استرحامًا أمام القاضي.”
“……!”
هزّت سيريس كرة التسجيل بخفة، وابتسمت بسخرية.
ارتجفت شفتا أغني.
“ساعة واحدة.”
أعطتها تحذيرها الأخير، ثم أدارت ظهرها وغادرت الغرفة بهدوء، وكأن لا شيء يستحق البقاء لأجله.
“أنتِ… أنتِ! آاااااه!”
انفجرت أغني، وراحت تقذف بكل ما طالته يداها.
‘ما الذي عليّ فعله الآن؟‘
من أين أبدأ؟
هل اعترف أرنولد فعلًا بكل شيء؟ بأني كنتُ شريكته أيضًا؟
“سـ، سيدتي؟“
“ماذا…! آه، آه!”
“هاه!”
دخلت الخادمات بعد لحظات، وقد جذبتهن الضجة.
لكن النظرات التي وجّهْنها لأغني كانت غريبة.
وجوههن مشدوهة، عاجزة عن الكلام.
“هاه… هاه…؟“
وهي ما تزال ترتجف من الغضب،
عبست أغني حين رأت الخادمات واقفات في ذهول.
“سـ، سيدتي، شعركِ…!”
…شعري؟
“لقد أصبح أبيض بالكامل…”
…ماذا؟
تأملت أغني الخادمات المرتجفات، ثم نقرت بلسانها بتضايق.
ما هذا الهراء الذي يتفوهْن به؟
“ماذا تقصدون، شعري؟“
اقتربت من المرآة، واتسعت عيناها.
فركت عينيها، ظنًا منها أنها تتخيل، لكن الصورة لم تتغير.
ما… ما هذا؟
مستحيل، هل هذه أنا…؟
“اه…آآآه!”
صرخة مرعبة، لم يسبق أن أطلقت مثلها، خرجت من أعماقها.
شعرها في المرآة كان أبيض تمامًا.
تلك الخصلات البنية اللامعة التي كانت تفخر بها قد اختفت.
استُبدلت بشعر باهت، ضعيف، وهزيل.
“كـ، كيف يمكن…!”
لم تستطع حتى أن تُكمل الجملة.
كيف تحوّل شعرها فجأة إلى هذا الشكل البائس؟
حدّقت في شعرها الأبيض، عاجزة عن الكلام.
“سـ، سيدتي، رجاءً… اهدئي…”
“آآآآآغه!”
ترددت صرخات أغني في أرجاء قصر درو.
***
بعد شهر.
“أرغ، اللعنة. ربما كان عليّ قبول مبلغ التسوية.”
دفعت سيريس شعرها بانزعاج وهي تزفر.
خلال الشهر الماضي، تمكّنت من استعادة أغلب الأموال التي تم ابتزازها بحجة رسوم العلاج من أغني والمدير أرنولد.
لكن المشكلة أن هذه الأموال بالكاد غطّت الفوائد المتراكمة،
دون أن تمس أصل الدين.
“أوه، هذا مزعج جدًا.”
رغم أنهما عرضا مبلغ تسوية مقابل تخفيف العقوبة،
إلا أنها رفضت.
‘هل تظنين أني سأساوم على أرواح أطفال؟ 
لا أحتمل حتى التفكير في ذلك.’
‘آااااه! سيريس درو، أنتِ شيطانة! لن أسامحكِ أبدًا…!’
بلاه، بلاه، بلاه، لا يهم.
   ( ( 
   („• ֊ •„) ♡ 
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد. 
~~~~~~
End of the chapter
             
			
			
		
		
                                            
التعليقات لهذا الفصل " 12"