استمتعوا 

“أنا المدير أرنولد.”

في مكتب مزخرف بطريقة فاخرة للغاية.

أينما نظرت، كانت هناك زينة باهظة الثمن.

وفي وسط الغرفة، جلس رجل في منتصف الأربعينات من عمره، يبتسم بوجه مشرق على كرسي بدا أكثر فخامة من أي شيء آخر.

“أنتِ الوصية على جوليا، أليس كذلك؟“

“……”

“ما الذي جاء بكِ إلى هنا دون إخطار مسبق؟“

“……”

“أم…”

“……”

لكن تلك الابتسامة لم تدم طويلًا.

كان المدير أرنولد مشغولًا بمسح العرق البارد الذي يتصبب على وجهه.

“عذرًا، ولكن لماذا تحملين ذلك؟“

كانت الجالسة أمامه هي سيريس.

النظرة الصامتة التي اكتفت بالتحديق فيه كانت عبئًا ثقيلًا لا يُحتمل.

وأكثر من كل شيء…

‘تلك بالذات!’

عندما رأى وعاء الحساء في يدها، 

اضطر أرنولد إلى رسم ابتسامة متكلفة على وجهه.

لقد عرف على الفور ما هو ذلك الحساء.

“أخشى أن يُؤخذ مني.”

“عذرًا؟“

“لأنه دليل.”

“…دليل؟“

تجمد تعبير وجه المدير أرنولد أكثر.

شعر بجفاف فمه.

هل يعقل أنها قد شعرت بشيء؟

‘لا، لا!’

حاول أن يحوّل بصره عن الحساء ويطرد القلق المتصاعد في قلبه.

وبينما يُهدئ عينيه المرتجفتين،

رسم ابتسامة مشرقة على وجهه بحكم العادة.

“كما تعلمين، نحن في دار الرعاية هذه نُقيد دخول الغرباء قدر الإمكان حفاظًا على الاستقرار النفسي للمرضى.”

“لماذا؟“

“عذرًا؟“

“لماذا تقيدونه؟“

“حسنًا، كما ذكرتُ، من أجل استقرار المرضى…”

“ألا تشعر أختي بالاستقرار عندما تراني؟“

“لـ، ليس الأمر كذلك، لكن…”

“إذن ما المشكلة؟“

“إنها أقرب إلى كونها مسألة قلق أكثر من كونها مشكلة…؟“

بينما كان يمسح العرق البارد عن جبينه،

وجد أرنولد نفسه في موقف مرتبك.

‘لماذا أشعر بالتوتر؟‘

لقد تعامل مع عدد لا يُحصى من الأوصياء من قبل.

منهم نبلاء وتجار أثرياء كُثر.

لكن لماذا؟ لماذا يشعر أنه محاصر أمام فتاة شابة كهذه؟

‘ولماذا يبدو الحديث بلهجة غير رسمية طبيعيًّا؟‘

لقد سمع أن عائلتها تحمل لقب بارون،

ولكن ألم يُقال إنها مجرد لقب بلا وزن؟

أليست من عائلات النبلاء الذين يعانون من ضائقة مالية فقط…؟

‘ولكن لماذا تبدو بهذه الطريقة؟‘

على عكس ما سمع، فإن المرأة أمامه كانت تحمل هيبة يمكن أن تُخطئها على أنها ملكية.

سلوكها العفوي بدا طبيعيًا بشكل ملحوظ، 

وتصرفاتها تنم عن راحة معتادة لدى ذوي النفوذ.

“رأيتُ الفاتورة.”

“عذرًا؟ آه، نعم.”

استفاق المدير أرنولد من شروده بصوت سيريس.

“لذا، لدي بعض الفضول.”

“اسألي ما تشائين.”

ثم أسقطت سيريس وعاء الحساء الذي كانت تمسكه على الطاولة بصوت مرتفع.

“كيف حال جوليا بالضبط؟“

“كما تعلمين أكثر مني، حالتها الآن غير واضحة من ناحية التشخيص، وتتناقص حيويتها تدريجيًّا، كما أن نوبات الإغماء تزداد يومًا بعد يوم. ولا تبقى مستيقظة لفترات طويلة أيضًا.”

“سمعتُ أنك استخدمت أوراق إيلبيا، ما السبب؟“

“أم؟ أوراق إيلبيا؟ ذلك لأنها كانت تعاني من حمى شديدة…”

“وماذا عن استخدام جذور ديليا؟“

“لـ، لأن جسدها كان ضعيفًا جدًا ونحتاج لتعويض طاقتها…”

“ألا تعرف الآثار الجانبية لجذور ديليا؟ لقد استخدمتَ عشبة ترفع حرارة الجسم مع أوراق إيلبيا التي تُخفض الحرارة، أليس كذلك؟“

“نـ–نعم؟“

“وما السبب في استخدام توت بروس؟“

“تـ–توت بروس؟ لِـ… لأن الطفلة كانت مصابة ونحتاج لإيقاف النزيف…”

“رأيت أيضًا أنك استخدمت أوراق إلشو. إحداها ممتازة لإيقاف النزيف، والأخرى معروفة بتحفيز تدفق الدم بسرعة. تعلم هذا، أليس كذلك؟ فما الذي تعتقد أنه سيحدث عند استخدامهما معًا؟“

“أم…”

ما هذه المرأة؟

شعر أرنولد بعرق بارد يتصبب على ظهره.

أي نوع من النساء هذه التي تعرف كل هذه التفاصيل عن الأعشاب، وهو نفسه لم يكن متأكدًا من تأثير بعضها؟

حتى بعد ذلك، استمرت أسئلة سيريس، 

لكن المدير أرنولد لم يستطع إعطاء إجابة واحدة واثقة.

“واو.”

عند تعجب سيريس المفاجئ، ارتبك أرنولد ونظر إليها بذهول.

“فجأة شعرتُ برغبة عارمة لرؤية شخصٍ لم أرَه منذ زمن طويل.”

“عذرًا؟“

“أرغب في رؤية وجه الأحمق الذي علمك أن تكون هكذا. 

من الذي درّسك؟“

“هـ، هذا ليس لائقًا…”

“هذا.”

ولم يكمل أرنولد جملته مجددًا، بعدما احمر وجهه.

فقد كانت سيريس قد التقطت وعاء الحساء الذي وضعته على الطاولة مرة أخرى.

“أنا فضولية حقًا، أتعرف؟“

“مـ، ماذا تقصدين؟“

بينما تحولت نظراته لا إراديًا إلى الحساء، اهتز تعبير أرنولد.

وبدون أن تُبعد عينيها عن عينيه، واصلت سيريس حديثها بهدوء.

“أتساءل، من هو الحقير الذي أخبرك أن تضع السم في هذا؟“

“عـ، عذرًا؟“

“أو لماذا أردت تسميم أختي؟“

“……!”

هل كانت تعرف حقًا؟

شحب وجه المدير أرنولد في الحال.

وعيناه، التي ارتجفت كما لو كان زلزال قد ضربهما، 

احتاجت وقتًا طويلًا لتستقر قبل أن يتلعثم في كلماته.

“مـ، ما الذي تقولينه! سـ، سم!”

“أنت سيء في التمثيل.”

“عذرًا؟“

“تُدير تعابير وجهك بشكل سيء.”

“لـ، لا! لا يوجد أي سبب يدفعنا لاستخدام السم!”

“بالضبط ما أقوله. لماذا قد تستخدم السم لطفلة لا يتجاوز عمرها سبع سنوات؟“

“أقسم أنه لا يوجد سم فيه!”

“حقًا؟“

بينما كان يهز رأسه بعنف مدعيًا البراءة، 

مدّت سيريس الوعاء الذي كانت تمسكه للأمام.

“إذن، تناوله.”

“…ماذا؟“

“قلت لكَ، تناوله.”

“…آه!”

ارتبك للحظة، لكن أرنولد تمالك نفسه بسرعة.

“أتظنين أنني لا أستطيع؟ أستطيع أكله كله إن أردت!”

وفي محاولة لإثبات براءته، خطف أرنولد الوعاء من يد سيريس وجلب الملعقة إلى فمه دون تردد.

لكن ذلك الحماس لم يدم طويلًا.

فمع سماعه الكلمات التالية من سيريس، تجمد وجهه على الفور.

“بالمناسبة، هل تعلم؟ السم الموجود في هذا الحساء… تأثيره يختلف عندما يدخل جسم رجل.”

“…يختلف؟“

“إذا دخل جسم امرأة، فإنه يضعف قوتها تدريجيًا، يزيد من فترة نومها، وفي النهاية يجعلها تنام للأبد. أما عند الذكور…”

“…وعند الذكور؟“

ابتلع أرنولد ريقه دون أن يدري.

وعندما رأته سيريس على هذا النحو، 

ارتسمت على شفتيها ابتسامة ماكرة.

“إذا دخل الجسم ولو بكمية صغيرة،

فإنه يصبح سامًا للغاية. الموت الفوري.”

“……!”

“ماذا تنتظر؟ ألستَ من قال إنه ليس مسمومًا؟“

“لـ، لا يمكن!”

اليد التي كانت تمسك بالملعقة بدأت ترتجف بعنف.

ونظراته نحو الحساء بدأت تهتز بالمثل.

‘لم تقل هذا!’

كما قالت، كان هناك شيء مخلوط في الحساء بالفعل.

والأعراض التي وصفتها كانت دقيقة.

دواء يُضعف الجسد تدريجيًا ويقضي على الصحة.

لكن لم يُذكر أبدًا أنه قد يسبب الموت الفوري.

كان يُقال إن تناوله باستمرار وبكميات صغيرة قد يكون ضارًّا، 

لكنه لا يسبب مشاكل عند تناوله مرة أو مرتين.

فلماذا رفع الملعقة بهذه الجرأة إلى فمه؟

لكن موت فوري؟

هل التأثير يختلف فعلًا عند الذكور؟

“إنه كذب! ذلك الدواء لا يفعل ذلك…!”

وبينما كان يصرخ دون تفكير، 

أغلق أرنولد فمه فجأة وأدرك خطأه.

‘تسك.’

رأت سيريس تأخره في تصحيح كلماته،

فنقرت لسانها داخلها بامتعاض.

‘هل هو أحمق؟‘

بدا أغبى مما توقعت.

‘ضغطة بسيطة، ويعترف بكل شيء.’

ما الذي يجعله بهذه الهشاشة؟

“إذا كان ما تقوله صحيحًا، فلن يكون هناك مشكلة أبدًا إن لم تضع شيئًا في الطعام، أليس كذلك؟“

“هـ، هذا…”

“كُلْه.”

اهتزاز، اهتزاز.

“كُلْه.”

اهتزاز، اهتزاز، اهتزاز.

“هل أُطعمه لك بنفسي؟“

اهتزاز، اهتزاز، اهتزاز، اهتزاز!

بعد أن رمى الملعقة بعيدًا،

كان أرنولد يهز رأسه بجنون ويداه مشدودتان بقوة على فمه.

نظرت إليه سيريس باحتقار، ثم فتحت فمها من جديد.

“بالمناسبة، هناك شيء آخر يثير فضولي.”

تحولت نظرتها إلى يدي أرنولد، اللتين كانتا تحاولان بيأس سد فمه.

“ما علاقتك بعمتي أغني؟“

“……!”

مرة أخرى، شحب وجه أرنولد.

   ( ( 

   („• ֊ •„) ♡ 

━━━━━━O━O━━━━━━

– تَـرجّمـة: شاد. 

~~~~~~

End of the chapter