Chapters
Comments
- 1 منذ 9 ساعات
<الفصل الأوّل>
الأميرة العرجاء
‘لو كنتُ مكانها لمُتُّ منذ زمن بعيد. لقيطة وفوق ذلك عرجاء. ما الفائدة من التشبّث بالحياة؟’
قهقهة وصوت همس الخادمة التي كانت تُرتّب غرفة النوم لم يعُد يُشكّل أي جرح لِـسِيلِسْت.
وليس قولها خاطئًا.
فقد وُلدت سيلست أميرةً لِرادْنوا، لكنّها كانت لقيطة من خادمة. وحين بلغت عامها الثاني، أُصيبت بحُمّى كادت تقتلها، فتركتها تعرج في إحدى قدميها.
في مملكة رادنوا، حيث لا يُعترف بالأبناء غير الشرعيين، كانت سيلست رمزًا للخطيئة، لا أكثر ولا أقل.
‘إلى متى يجب أن نحتفظ بهذه العرجاء في القصر؟ لقد سمعت أن آلْفِينْسو، حاكم الحدود، يبحث عن زوجة ثانية. فلنرسلها إليه.’
الأمير الأكبر إدوارد لم يتردّد لحظة في اقتراح بيع سيلست، عندما بلغت سِنّ البلوغ، إلى شيخٍ جاوز الثمانين.
كانت حينها في الخامسة عشرة فقط.
الملكة لم تَنْهَ ابنها، بل قالت: “إنّه زواج يفوق قدركِ.” ثمّ جرّدتها من ثيابها وزيّنتها بالمكياج.
‘أبي… لقد أخطأتُ. أرجوك، لا تُرسِلني.’
سيلست ركعت باكيةً عند قدمي أبيها متوسّلة.
‘من قال إنّي أبوك؟’
ملك رادنوا دفعها بغلظة كما لو كان يتخلّص من حشرة مقززة، ثمّ غادر.
ولولا أن العجوز قد مات فجأة قبل ثلاثة أيام من الزفاف، لكانت سيلست قد أصبحت عروسًا له وهي بعدُ في الخامسة عشرة.
كانت حياتها سلسلةً من المصائب العظيمة التي تتبعها نجاتٌ ضئيلة.
مثلاً، بالكاد نجت من الحُمّى، لكنها خرجت منها عرجاء.
وعاشت على طعامٍ فاسد مليء بالديدان إلى أن صارت مرضعةً لشقيقتها الصغرى، فبدأت حينها تعيش كالآدميين.
وحُبِست في جناح جانبي كالمسجونة، فلم يُعثر عليها إلا في وقت متأخّر حين اجتاحت إمبراطورية آسّيوم القصر.
“تقول إنّ هذه الأميرة بقيت وحدها، بينما هرب بقيّة أفراد العائلة الملكية؟”
“نعم. لكن قبل أن يبتعدوا كثيرًا، أُمسك بهم جميعًا. قُتل الأمير الثاني اضطرارًا، وأمّا البقية فقد جرى اقتيادهم.”
“جبناء. إن كانوا قد أشعلوا حربًا، فعليهم أن يتحمّلوا عواقبها على الأقل.”
أُجبرت سيلست على الركوع أمام جَزمةٍ لامعةٍ لرجلٍ غريب.
الحرب التي أشعلتها شهوة ملوك رادنوا انتهت بهزيمة ساحقة خلال نصف عام فقط، وسقط القصر بعد عشرة أيام من حصار عاصمة الإمبراطورية.
عائلتها بأكملها فرّت قبل أن تسقط أبواب القصر، حاملةً الكنوز، تاركين إيّاها خلفهم.
‘أنتِ ابقي لتحافظي على كبرياء رادنوا.’
قال الملك جملته تلك ومضى مسرعًا، كأنّه خشي أن تتوسّل إليه لتأخذها معه.
“اسمك.”
رفعت سيلست رأسها ببطء عند سماع صوته.
فارس التنّين الذهبي.
شقيق إمبراطور آسّيوم الوحيد.
الدوق نيكولاس لِيُوتورن.
لم يُخبرها أحد من هو، لكن ملامحه كانت كافية ليُعرف.
عيناه الذهبيّتان الموروثتان من العائلة المالكة، وشعره الأسود اللامع المتماوج.
“ألستِ قادرة على الكلام؟”
“أنا قادرة.”
“اسمك.”
كرّر كلمته. فرفّت جفون سيلست ببطء ثمّ أطبقت عينيها وأسقطت رأسها.
“سأموت على أيّ حال. ما أهمية الاسم؟ نادِني بما شئت.”
لم يكن قولها خطأ، لكن لم يكُن لائقًا أن يصدر عنها.
“لقد صدر أمر الإمبراطور بأن يُشنق جميع أفراد بيت دِيفِنْسِيُون وتُعلَّق أجسادهم على أبواب المدينة.”
“أمر رحيم.”
فالشنق وسيلة مُهينة يُقتل بها السارقون والمغتصبون. ومع ذلك، لم يرفّ لها جفن.
منذ أن كان في الخامسة عشرة، خاض نيكولاس عشر سنين في ميادين الحرب، وشهد آلاف البشر، لكن لم يرَ أحدًا يواجه الموت بهذه البرودة.
‘هل جُنّت من شدّة الرعب؟’
حدّق بوجهها أكثر.
بشرتها ناصعة البياض حتى بانت عروقها، وشعرها الذهبي الفاتح، وملامحها الدقيقة، وجسدها الهزيل الرقيق.
بالنسبة لرجال الشمال، جمالها قد يسلب العقول.
كان فضوليًا لمعرفة لون عينيها، لكن سرعان ما تلاشى فضوله.
فما جدوى لون عينيها؟ بعد أيام قليلة ستكون جثّة على المشنقة.
أشار بيده إلى الفارس بجانبه.
“ضعوها في السجن.”
“حاضر.”
اختفت سيلست من مجال رؤيته، وتقدّم بدلاً منها فارس ذو شعرٍ أحمر على عجل.
“يا صاحب السمو.”
“سير آنخِل، ماذا هناك؟”
“التنين رقم 138 أثار ضجّة أخرى.”
“ذلك المجنون… لماذا هذه المرّة؟”
“يزعم أنّه وجد عاهده، فانفجر حماسةً ودمّر ربع معسكر الجنود.”
“ماذا؟ عاهده؟”
التنين يولد بقوةٍ هائلة وطباعٍ شرسة، ولا يُروّضه سوى عاهده.
مرّ أكثر من عشر سنوات على بلوغ 138 مرحلة النضج، ولم يجد بعد عاهده.
“لا عجب أن جُنّ. طالما كان يبحث عنه.”
“صحيح. من كان يتوقّع أنّ عاهده سيكون في رادنوا.”
فارس تنينٍ كهذا أثمن من مئة جندي.
وفوق ذلك، التنين 138 هو ثاني أقوى تنين في الإمبراطورية.
“أتساءل من يكون ذلك المحظوظ.”
مضى نيكولاس وأنخِل إلى داخل القصر وهما يتحدّثان بترقّب.
—
لم يعُد الموت يُرعبها.
منذ رحيل تلك الطفلة عنها، توقّفت حياتها.
‘أُختي!’
أصغر أميرات رادنوا، أريادني.
لم تكن قد بلغت سوى الثامنة. صغيرة جدًا على مغادرة الدنيا.
كانت أول مرّة تراها فيها، ضاحكةً في مهدها. أمّا الآن فمُزدانة بالزهور في تابوتٍ بارد.
بدا الأمر غير واقعي.
بكت أمام قبرها عشرة أيام. وبعد عشرين يومًا جفّت دموعها.
وبين غيابٍ وإفاقة، أدركت سيلست أنّ قلبها تحطّم.
زالت كلّ كراهيتها لأسرتها، تبخّر غضبها ورغبة انتقامها، كما زالت فرحتها وآمالها.
‘كنتِ سبب حياتي.’
برعايتها استطاعت أن تعيش كالإنسانة. وجودها جعل لحياتها معنى.
لكن حين ماتت، فقدت سيلست سبب وجودها.
ما منعها من الانتحار أنّ ديانة المملكة كانت تُحرّم الانتحار باعتباره يقود إلى الجحيم.
‘وأنتِ بالتأكيد ذهبتِ إلى الجنّة.’
‘أنظري، أُختي! شوفي، حشرة حمراء!’
ما زالت صورها حيّة في الذاكرة.
كلّما ضمّتها إليها واستنشقت عبيرها، لم يعُد شيء في الدنيا يُخيفها.
حتى حين كان الأمير الأكبر يتركها واقفةً تحت الشمس الحارقة حتى الإغماء، أو حين كان الثاني يتلصّص عليها بنظراتٍ خبيثة، أو حين جلَدتها الملكة بعصاها، تحمّلت.
وأقنعت نفسها أنّ السعادة ستأتي يومًا، وأنها ستضحك يومًا على هذا الماضي.
‘سمعتِ؟ في آسّيوم يعيش التنانين والجِنّيّات! حين أكبر سأذهب لرؤيتهم. ألن تذهبي معي؟’
أريادني.
خلاصها. أملها. كلّها.
بموتها، لم يبقَ لسيلست سبب للحياة سوى أن تموت لتلقاها.
‘اصبري قليلاً، يا أريادني. سأجيء عمّا قريب.’
ولذلك، حين جُرّت إلى المشنقة بعد ثلاثة أيّام، ابتسمت بفرحٍ صادق وسارت بخطى ثابتة.
لكن باقي العائلة كانوا بعكسها.
“أيُعقل أن يُشنق ملوكٌ أشراف مثلنا كاللصوص؟”
“أطلقوا سراحي! كيف تجرؤون على لمس جسدي؟!”
صرخ الملك بجنون، وصاحت الملكة بعصبية.
بينما سيلست كانت وحدها تُطيل النظر إلى حبل المشنقة بوجهٍ متهلّل.
ضُرِبَت فجأة على كتفها بقوة فسقطت على الأرض.
“كلّ هذا بسبب هذه المشؤومة! هذه الملعونة العرجاء جلبت علينا اللعنة!”
أميرهم الأكبر، إدوارد، انهال عليها ضربًا وركلاً.
“المنحوسة!”
مع ذلك، لم تصرخ سيلست ولم تتأوّه. بل ظلّت بلا ملامح، متقدّمة بخطواتها نحو المشنقة.
‘سأموت… أخيرًا سأموت.’
كانت تُردّدها في سرّها بلا توقّف.
“لتصغِ المتهمة.”
جلس نيكولاس مقابلها يقرأ لائحة طويلة بملل.
“…وعليه، فإنّ آل دِيفِنْسِيُون يقدّمون حياتهم ككفّارةٍ على تمرّدهم على جلالة الإمبراطور.”
انتهى، وأخيرًا سنحت لسيلست الفرصة لتضع رقبتها في الحبل.
وجهها احمرّ، وابتسمت.
‘أخيرًا.’
أغمضت عينيها تتنفّس ببطء، مستسلمة للموت القادم.
لكنّ دقائق مرّت ولم يسحب أحدٌ منصّتها.
بدلاً من ذلك، علا ضجيج في الجمهور.
“تنين!”
“ماذا؟ إنّه حقيقي!”
فتحت عينيها بذهول.
سحابة سوداء عملاقة تهبط. بل لم تكن سحابة، بل تنين ضخم يقترب.
هبط بخفّة فوق منصة المشنقة.
لأول مرّة في حياتها رأت تنينًا، فتجمّدت تنظر إليه مأخوذة.
جسدٌ ضخم كأنّه عشرات الخيول.
عينان كالياقوت الأزرق.
أنياب حادة كالحديد.
قفز نيكولاس إلى المنصّة بسرعة.
“138، ما الذي أتى بك؟”
[أتيتُ لأجد عاهدي.]
لم يفتح فمه، ومع ذلك وصل صوته واضحًا.
نظر إلى مناصب المشنقة، وكأنّ عاهده يقف بينهم.
“إنّه أنا! أنا عاهده!”
صرخ الأمير إدوارد بعينين لامعتين.
“انظروا! لقد اختارني التنين! فكّوا قيدي!”
لم يشكّ لحظة أنّه هو العاهد. كان واثقًا، فهو الأحقّ من أبٍ مُسنّ أو أمٍّ ضعيفة أو أختٍ عرجاء.
حتى نيكولاس شعر بالدوار.
“لماذا… هو بالذات؟”
فقد كان نصف سبب الحرب الكارثية.
لكنّ اختيار التنين لا يُعترض عليه.
“أطلقوه.”
وبأمر نيكولاس، تحرّر الأمير.
اقترب مزهوًّا من التنين.
“أخيرًا وجدتك. تأخرتَ كثيرًا، لكنني أسامحك…”
ثمّ فجأة…
فتح التنين فمه وابتلعه من الرأس حتى الخصر، ثمّ مضغ.
صرخت الملكة وقد غمرها دم ابنها.
“آآآآآه!”
[بُخ. طعمه سيّئ.]
بصق التنين بقاياه أرضًا كأنّه يلفظ قشر خشب.
الملكة أغمي عليها. الملك جثا يحتضن جثّة ابنه يبكي بحرقة.
سيلست بقيت مذهولة، عاجزة عن الكلام. دم ابن أخيها لطّخ ثوبها.
وحده نيكولاس ظلّ متماسكًا.
“قلتُ لك ألا تأكل البشر.”
[لم أكن أنوي أكله. لكنّه اقترب منّي بلا إذن.]
تبادل الاثنان كلامًا عاديًا في مشهدٍ غارق في الدماء.
“ظننت أنّه عاهدك.”
[ليس هو.]
“فمَن إذن؟”
تقدّم التنين بلا مبالاة متجاوزًا الملك الثاكل والملكة المغمى عليها، حتى وقف أمام سيلست.
[لا تعرفين كم بحثتُ عنك. يا عاهدي.]
قالها بصوتٍ رقيقٍ مليء بالمودّة، بينما لا تزال أنيابه تقطر دماء إدوارد.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات