08
مدت ايفي يدها ببطء نحو الشاهد القبري.
كان الاسم المكتوب عليه غريبًا، لم تسمع به من قبل، ولم يكن لها به أي صلة. فكيف لشخص تعرفه أن يكون له قبر داخل هذا القصر الإمبراطوري؟
ومع ذلك، شعرت ايفي بألم يعتصر قلبها وهي تنظر إلى الشاهد.
أصابعها الصغيرة النحيلة بدأت تنفض الأوراق اليابسة التي تراكمت على سطحه.
شعرت برغبة ملحة في تنظيفه، كأنها مدفوعة بدافع داخلي لإعادة النقاء إليه.
عادةً ما تُكتب على الشواهد كلمات تروي قصة الراقد تحتها، حياته، ومآثره.
لكن هذا الشاهد كان خاليًا من كل ذلك، لا يحمل سوى اسم وحيد.
وهذا ما جعل ايفي تشعر بالأسى.
من كانت ؟ ولماذا وُضع قبرها هنا؟
ثم انتقلت عيناها إلى شاهد صغير بجواره.
كان هناك اسم آخر محفور بعناية.
**[إيفبيان]**
في تلك اللحظة، فركت ايفي ذراعيها بغريزة.
شعور غريب بالحزن والضيق تسلل إلى قلبها.
ظلت عيناها معلقتين بالشاهد الصغير لوقت طويل، قبل أن تهز رأسها فجأة.
“…يجب أن أعود.”
كانوا قد أخبروها أن جرس حظر التجوال يُقرع بعد انتهاء وقت العشاء.
لذا، كان من الأفضل أن تسرع بالعودة قبل ذلك. ولكن…
“ربما لا بأس بالبقاء حتى يُقرع الجرس؟”
لقد غادرت قاعة الطعام مبكرًا هربًا من الضجيج، مما يعني أن بضع لحظات لا تزال متاحة قبل أن يدوي الجرس.
لكن، ماذا كانت ستفعل لو بقيت هنا أكثر؟
ثم وقعت عيناها على الزهور البيضاء التي كانت تتفتح بوفرة حولها.
“الجميع يضعون الزهور على القبور.”
كثيرًا ما رأت باقات الزهور موضوعة أمام الشواهد في طريقها.
ورغم أن هذا القبر كان لشخص غريب، شعرت أن مغادرته دون فعل شيء كان ينقصه شيء من الوفاء.
وضعت ايفي حقيبتها جانبًا واقتربت من الأجمة القريبة. لحسن الحظ، كانت الزهور البيضاء تتفتح بغزارة.
انحنت ايفي وبدأت تقطف الزهور واحدة تلو الأخرى.
كان النسيم الرقيق لا يزال يداعب شعرها وظهرها، بلطف ووداعة، كأنه يربت عليها بحنان.
—
كان كلويس يسير ببطء عبر الغابة.
كانت هذه الغابة، الواقعة بين القصر الداخلي ومعهد العباقرة، جزءًا من حديقة القصر الإمبراطوري في الماضي، مفتوحة للجميع.
لكنها الآن أصبحت مكانًا لا يدخله سوى كلويس وحده.
فقد أقام هنا قبري زوجته وابنته.
تقليديًا، كانت قبور العائلة الإمبراطورية تُوضع في مقبرة ملكية بعيدة قليلًا عن العاصمة، وفقًا للأعراف.
كان كلويس ينوي دفن ليليان وإيفبيان هناك أيضًا.
لكن كبار الوزراء المسنين عارضوا ذلك، زاعمين أن الاثنتين لم تُسجلا رسميًا في شجرة العائلة الإمبراطورية، وبالتالي لا يحق لهما الرقود في المقبرة الملكية.
شعر كلويس بالذهول. كيف يمكن ألا تُعتبر زوجته وابنته من العائلة الإمبراطورية لمجرد أنهما لم تتلقيا التقديس داخل القصر؟
عادةً، يتلقى الزوجان التقديس معًا عند الزواج، لكن كلويس وليليان لم ينالا هذا الشرف.
فقد رفض كلويس الزواج من المرأة التي اختارها له والده، وتزوج ليليان.
ومع ذلك، لم تبدُ ليليان متأثرة بعدم حصولها على التقديس، بل بدت وكأنها سعيدة بهذا الأمر، كأنها لم تكن ترغب فيه أصلًا.
وإذا كانت ليليان لم تتلقَ التقديس، فكيف كان لإيفبيان، التي وُلدت أثناء الحرب، أن تحصل عليه؟
لكنهما كانتا زوجته وابنته.
وأن يُمنعا من الرقود في المقبرة الملكية؟
“حسنًا، يبدو أنكم على حق.”
بدت نبرة كلويس وكأنه يتراجع، فتفاخر الوزراء المسنون ظنًا منهم أن الإمبراطور الجديد قد انصاع لرأيهم.
لكن كلماته التالية حطمت غرورهم الزائف.
“إنهما زوجتي وابنتي. لذا، من الأفضل أن تكونا بقربي.”
ثم أمر كلويس بإقامة قبريهما في غابة القصر، وطرد كل من عارض قراره.
حينها فقط، تذكر الوزراء أنه الرجل الذي قتل إخوته واستولى على العرش.
منذ ذلك الحين، أصبحت هذه الغابة مكانًا لا يدخله سوى كلويس.
مع حلول الربيع، كانت الأعشاب قد نبتت بكثافة، فشق كلويس طريقه عبرها.
لم يزر المكان منذ أيام، فمن المؤكد أن الأوراق المتساقطة قد تراكمت.
كان يخطط لتنظيف المكان والبقاء حتى ساعة متأخرة من الليل.
بعد مسير طويل، ظهر الشاهد أخيرًا أمام عينيه، لكنه لاحظ على الفور شيئًا غير معتاد.
كان الشاهد نظيفًا للغاية، كأن أحدهم قد سبقه وقام بتنظيفه.
حين أدار عينيه، رأى حقيبة صغيرة ملقاة بالقرب من الشاهد.
في تلك اللحظة، اشتعلت عينا كلويس بنظرة حادة.
“من تجرأ؟!”
لم يقترب أحد من هذا المكان منذ سنوات، باستثناء الأيام الأولى لإقامة القبرين.
بل إن الاقتراب كان مستحيلًا. فمدخل الطريق الوحيد إلى هنا كان تحت حراسة مشددة، والغابة المحيطة لم تكن تحتوي على أي ممرات.
كل ما كان يظهر أحيانًا هو بعض الطيور أو السناجب الصغيرة.
كاد كلويس يطلق صيحة غضب لمعرفة من تجرأ على الدخول، لكنه لمح شيئًا على شاهد ليليان.
خشي أن يكون أحدهم قد تسبب بأذى، فهرع إلى الشاهد وانحنى ليرى ما هناك.
“…زهور؟”
كان هناك إكليل دائري مصنوع من الزهور البيضاء.
صُنع بمهارة متواضعة، لكن بدا أن صانعه بذل جهدًا كبيرًا للحفاظ على الزهور دون إتلافها.
في تلك اللحظة، شعر كلويس بحلقه يضيق.
الزهور المزروعة حول القبر كانت من الأزهار البرية التي أحبتها ليليان.
في الأيام التي قضاها في إقطاعية ليليان، كانت تقطف هذه الزهور وتصنع منها أكاليل، ثم تضعها على رأسه وتضحك.
بصراحة، لم يكن كلويس يبدو متناغمًا مع الأكاليل، لكنه كان يستمتع برؤية وجه ليليان المبتسم، فكان يرتدي أكاليلها دون تذمر ويتجول بها.
استعاد كلويس تلك الذكريات للحظة، ثم عاد إلى وعيه.
ليليان ليست هنا. يجب أن يجد هذا الدخيل الغامض فورًا.
رفع رأسه، وفي تلك اللحظة…
“!”
أمامه، كانت باقة كبيرة من الزهور البيضاء.
وفتاة صغيرة، تحمل تعبيرًا مندهشًا على وجهها.
—
شعرت ايفي بالارتباك.
عندما بدأت بقطف الزهور، كانت تنوي صنع باقة صغيرة فقط.
لكن أثناء عملها، وجدت يديها تصنعان إكليلًا دائريًا دون وعي منها.
“لم أصنع واحدًا من قبل قط.”
في دار الأيتام، حاولت مرات عديدة صنع أكاليل من الأزهار البرية، لكنها كانت تجد صعوبة دائمًا وتفشل في كل مرة.
لكن، بشكل غريب، اليوم تمكنت من ربط الأجزاء الصعبة بسهولة، كأن أحدهم كان يرشدها.
عندما استعادت وعيها، كان الإكليل الكبير قد اكتمل بين يديها.
وضعت ايفي الإكليل أمام الشاهد المكتوب عليه اسم ليليان، ثم عادت لقطف المزيد من الزهور.
كانت تريد وضع زهور أمام قبر إيفبيان أيضًا.
ورغم وفرة الزهور، شعرت بالأسف لقطف الأزهار التي بدأت تتفتح للتو، فاختارت بعناية تلك التي كانت في ذروة تفتحها وقاربت على الذبول.
لكن هذا دفعها للتوغل أكثر في الغابة.
سرعان ما امتلأت يداها بالزهور.
“هل أصنع إكليلًا آخر؟”
عادت ايفي إلى القبر وهي تحمل الزهور في حضنها.
لكن عندما رأت القبر، لاحظت وجود شخص راكع على ركبة واحدة بجانبه، يتفحص الإكليل.
“من هذا؟”
كان الظلام يتسلل رويدًا، لكنها رأت شعرًا أشقر قصيرًا يلمع كأشعة الشمس.
رجل بالغ.
في تلك اللحظة، تجمد جسد ايفي.
كانت ايفي تخاف من الرجال البالغين.
حتى سن الخامسة، كان صاحب النزل وزوجته يسيئان معاملتها، وكان الزوج دائمًا يرفع يده عليها.
كان يوجه لها كلمات قاسية ويضربها حسب مزاجه.
حتى في صيف حار أو شتاء قارس، كان يطردها للعمل، مدعيًا أن عليها كسب قوتها.
في الصيف، كانت تنظف الإسطبل دون ماء يكفي للشرب، وفي الشتاء، كانت تغسل الملابس في مياه النهر المتجمدة.
إذا تباطأت ولو قليلًا، كان صوت صاحب النزل يدوي بالتوبيخ. وكان حرمانها من الطعام أمرًا معتادًا.
أحيانًا، كانت تلتقط فتات الخبز المتساقط على أرض النزل بعد أن ينام الجميع، لتتمكن من الصمود.
تذكر ايفي هذا الماضي الذي حاولت نسيانه، فتدفق العرق البارد على ظهرها.
“هل أهرب خلسة؟”
لكن حقيبتها كانت لا تزال ملقاة بالقرب من الرجل.
في الحقيبة، كانت هناك ربطة الزي المدرسي الجديدة وبعض الأغراض الصغيرة.
لم تستطع التخلي عنها. كيف ستشرح فقدان أغراضها التي تسلمتها للتو؟
“لكنه مخيف…”
فكرت في العودة لاحقًا، ربما غدًا، وهمّت بالتراجع. لكن نسيمًا دافئًا مرّ بظهرها في تلك اللحظة.
كأنه يطمئنها، يدفعها بلطف للأمام.
مع النسيم، تبدد خوفها، وتسلل الفضول إلى قلبها. من يكون هذا الشخص الذي جاء إلى هنا؟
جمعت شجاعتها وتقدمت نحو الرجل.
عندما وقفت أمامه، رفع رأسه ببطء. تطاير شعره الأشقر اللامع، ونظرت عيناه الزرقاوان إليها.
“…؟”
“…؟”
لبضع لحظات، تبادلا النظرات دون كلام.
كانت تعلم أن التحديق في شخص بهذا الشكل يُعد تصرفًا غير لائق، لكن ايفي لم تستطع إدارة عينيها.
شعرت، لسبب ما، وكأنها قابلت أخيرًا شخصًا انتظرته طويلًا، وغمرتها فرحة غامرة.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 8"