الحلقة 79
كانت الأغراض المتناثرة على الأرض مجرد أشياء متفرقة لا قيمة لها: أقلام رصاص مكسورة الرؤوس، أقلام حبر مقطعة، ودفاتر تحمل كتابات ناقصة.
في الحقيقة، كانت هذه الأشياء أقرب إلى النفايات منها إلى مجرد أغراض متفرقة. أمام هذا المشهد الذي خالف توقعاتهم تمامًا، وقف الطلاب المحيطون بالمكان في ذهول.
ومن بينهم، كانت إيزيليرا الأكثر ارتباكًا.
“هذا… هذا ليس صحيحًا…” تمتمت.
في اللحظة التي فتحت فيها إيفي الصندوق، شعرت إيزيليرا بانتصار داخلي. ظنت أن إيفي ستستسلم أخيرًا وتكشف عن الأغراض المسروقة.
لكن ما احتواه الصندوق لم يكن يستحق حتى أن يُسرق، بل كان مما لا يُرغب أحد في أخذه حتى لو عُرض عليه مجانًا.
“مستحيل!” صرخت إيزيليرا وهي تنبش بين الأغراض المتناثرة على الأرض.
لكن، مهما حاولت، لم تجد أيًا من الأساور أو الأغراض الثمينة التي كانت تتخيل أنها تخص أصدقاءها.
ثم لمحت بين الأغراض كيسًا ورقيًا مطويًا بعناية، مغلقًا من الأعلى.
على عكس الأغراض الأخرى الموضوعة بعشوائية، بدا هذا الكيس مخبأ بعناية أكبر.
“هذا هو!” هتفت إيزيليرا، وانتزعت الكيس بقوة، ممزقة طرفه العلوي. فتساقط ما بداخله على الأرض بصوت خفيف.
“ما هذا؟”
ارتفعت أصوات الدهشة من جديد بين الحاضرين.
“كعك؟”
“وهناك حلويات أخرى أيضًا.”
تناثرت فتات الكعك المحطم، فتصاعدت رائحة زكية حلوة. نظرت إيزيليرا إلى داخل الكيس بذهول، لكنها لم تجد سوى بقايا الكعك المفتت.
“لا، مستحيل أن يكون هذا صحيحًا…”
انتزعت الصندوق من يد إيفي، التي كانت لا تزال تمسكه، وهزته بعنف على أمل أن يظهر شيء آخر، لكن لا شيء خرج.
اختفت ثقتها المتعجرفة في لحظة. التفتت إيزيليرا إلى الخلف، فوجدت الطلاب الذين شاركوها في مهاجمة إيفي قد تراجعوا بعيدًا، وجوههم تعكس الخوف. شعرت بجفاف حلقها.
الطلاب الذين كانوا يشجعونها بحماس منذ لحظات، باتوا الآن ينظرون إليها بعيون تقول بوضوح: “يبدو أنك أخطأتِ.”
نهض كلويس وهو يحمل إيفي بين ذراعيه. لقد زالت تهمة السرقة عنها، والآن حان وقت علاج جروحها.
“لحظة! إلى أين تهرب؟”
صرخت إيزرييلا بيأس، متجاهلة خوفها للحظة، وأمسكت بثياب كلويس.
تراجعت بسرعة عندما حدّق بها، لكنها لم تستسلم تمامًا.
“إيفي إلدين ليست كاذبة!”
صحيح أن اتهام إيفي بالسرقة قد فشل، لكنها كانت متأكدة من شيء آخر: هذا الرجل ليس الأستاذ سيان روشين.
لقد أكد لها أخوها الأكبر هذه المعلومة مرات عديدة. أشارت إلى كلويس بإصبعها وقالت: “أنت! أنت مزيف!”
لم يستطع أرسيل ولوسكا تحمل كلام إيزيليرا وسلوكها، فاندفعا للرد، لكن كلويس أشار لهما بالتوقف.
كان فضوليًا لمعرفة مدى مااكتشفته إيزرييلا ومن أين حصلت على معلوماتها.
“عائلتنا تحققت من كل شيء. الأستاذ سيان روشين هو أستاذ جيولوجيا، يبلغ من العمر أكثر من سبعين عامًا. عاد إلى مسقط رأسه، وأصيب بوعكة صحية، فبقي هناك. فلماذا تدّعي أنك سيان روشين؟ هيا، قل! هل أنت حقًا الأستاذ سيان روشين؟”
صرخت إيزيليرا بجنون، فأجابها كلويس بهدوء: “نعم، كما قلتِ، أنا لست سيان روشين.”
أثارت كلماته همهمات بين الحاضرين. “أخيرًا!” تنفست إيزيليرا الصعداء.
كانت في حالة ذعر بعد أن اتهمت إيبي بالسرقة وضربتها دون أن تجد أي دليل. لذا، كان يجب أن يكون اتهامها لهذا الرجل بالتزييف صحيحًا على الأقل.
وبسهولة أكبر مما توقعت، أقرّ الرجل بأنه ليس الأستاذ. “لن يتمكن من الفرار أيضًا.”
كان المكان محاطًا بالطلاب، وكان موظفو الأكاديمية قد وصلوا بالفعل ووقفوا في الممر.
في تلك اللحظة، التفتت إيبي، التي كانت ترتجف بين ذراعي كلويس، وسألته: “أستاذ، ألستَ أنت؟”
“إيفي، أنا…”
حاول كلويس الرد بسرعة، ظنًا أنها تشعر بخيبة أمل لأن الشخص الذي وثقت به كذب عليها.
لكن إيفي قاطعته قائلة: “إذن، هل يعني ذلك أنني لن أراك بعد الآن؟”
سكت كلويس، شعر بحلقه يضيق. لم تكن إيفي تعاتبه على كذبته. كانت تخشى أنه، إذا لم يكن الأستاذ، وكشف أمره، فلن تتمكن من رؤيته مجددًا. عيناها الخضراوان المتلألئتان كانتا ترتجفان.
“ابتعدوا جميعًا!”
بدأ موظفو الأكاديمية يتقدمون إلى الداخل. وقفت إيزيليرا بثقة، مشيرة إلى كلويس وقالت:
“امسكوا هذا المحتال! إنه متآمر مع إيفي، هذه الوضيعة، ويتظاهر بأنه أستاذ…”
قاطعها كلويس: “لماذا تُطلقين على إيفي لقب الوضيعة؟”
“لأنها من دار الأيتام!” ردت إيزيليرا.
“أسألك: لماذا يُعتبر قادم من دار الأيتام وضيعًا؟”
“أه، ذلك…”
ارتبكت إيزيليرا ولم تجد جوابًا. أليس من الطبيعي اعتبار أطفال دار الأيتام وضيعين؟
“هذا… فقط…”
تلعثمت إيزيليرا، ثم لمحت الأغراض المتناثرة على الأرض، فأضاءت عيناها كمن وجدت مخرجًا.
“انظري إلى هذا! تجمع ما يرميه الآخرون، تأكل منه! لو بحثنا جيدًا، سنجد بالتأكيد شيئًا مسروقًا من أغراض الآخرين!”
في تلك اللحظة، فتحت إيفي فمها، وقالت بصوت مرتجف من الخوف: “لا! لم أسرق شيئًا!”
كانت لا تزال ترتعد، واتضح الالم في صوتها.
“كل هذه الأشياء جمعتهم من ما يتركه الآخرون. هنا، الجميع يرمون أغراضهم… فظننت أنه لا بأس إذا أخذتها… لهذا جمعتهم…”
خفت صوتها تدريجيًا.
كان طلاب الأكاديمية إما من عائلات نبيلة أو من أسر ميسورة، حتى لو كانوا من عامة الشعب.
هذه الأسر هي التي تستطيع توفير التعليم لأبنائها، فكان من الطبيعي ألا يهتم معظم الطلاب بأغراضهم. يرمون الأقلام إذا كسرت، ويدفنون الدفاتر بعد استخدام بضع صفحات أو إذا بدت متسخة بنظرهم.
جمعت إيفيت هذه الأشياء وحفظتها. كم كان مهينًا لها أن تقول أمام الجميع إنها تجمع ما يرميه الآخرون؟
شعر كلويس بمرارة وهو يشم رائحة الكعك المنتشرة في الغرفة.
كانت إيفي تلف هذه الأشياء، التي لا يأبه بها أحد، بورق عدة مرات وتحفظها بعناية في الصندوق، كأنها كنز ثمين، لأجل أصدقائها البعيدين.
“الآن أفهم لماذا لم ترغبي في إظهار محتويات الصندوق.”
حتى الأطفال لديهم كبرياء. من الطبيعي ألا ترغب إيفي في أن يعرف الآخرون أنها تجمع ما يرمونه. وأن تخطط لإرسال هذه الأشياء كهدايا لأصدقائها في دار الأيتام، فهذا أمر أكثر حساسية.
بينما كان كلويس يشعر بالأسف لجرح كبرياء إيفي، نظرت هي إلى الأغراض المتناثرة على الأرض.
منذ وصولها إلى الأكاديمية، كانت حياتها مليئة باللحظات الجميلة. صحيح أن هناك من أزعجها مثل ليمورا أحيانًا، لكن الأستاذ سيان، آيرين، أرسيل، لوسكا، والأستاذ ماليس، وغيرهم، كانوا يعاملونها بلطف.
لم يقتصر الأمر على الأشخاص. كانت تنام يوميًا على سرير دافئ ومريح، وتتناول طعامًا لذيذًا بقدر ما تريد، وتجد إجابات لكل تساؤلاتها، وتتصفح أي كتاب تشاء.
“هل هذه الجنة؟”
كانت إيفي تكتب رسائل إلى دار الأيتام يوميًا، تخبرهم عما رأته، وما تعلمته، ومن قابلت، وماذا أكلت. لكن، أثناء الكتابة، كانت تتوقف فجأة.
“أنا وحدي من يعيش هذه الحياة الرائعة.”
أصدقاؤها في دار الأيتام لا يزالون يتناولون البطاطس بعدد محدود، ويتشاركون كتابًا قديمًا واحدًا. بينما هي تعيش هنا أيامًا كالحلم.
بشعور بالذنب، أرادت إيفيت أن تشارك أصدقاءها البعيدين ولو شيئًا بسيطًا مما تتمتع به.
حينها، لاحظت قلم رصاص ملقى على أرضية الصف، مكسور الرأس فقط، لكنه تُرك لأن صاحبه لم يعد يريده.
بدأت تجمع مثل هذه الأشياء. وعرفت أيام رمي الحلويات في المطعم، فكانت تأخذ حفنة منها قبل أن تُرمى.
“لم أسرق شيئًا. لقد أخذت فقط ما تركتموه…”
فجأة، ارتفع صوت قوي من جهة الباب: “ما هذا الهرج؟” كانت سيرافينا.
دفعت الجميع وتقدمت، وعندما رأت كلويس في المنتصف، صرخت بدهشة: “جلالتة الإمبراطور! ما الذي يحدث؟”
“جلالتة الإمبراطور؟”
توقف الجميع، غير قادرين على استيعاب معنى كلماتها. وبعد لحظات، انتشرت موجة من الذهول بين الحاضرين، تفوق كل ما سبق.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 79"