70
“أستاذ! مرحبًا!”
ما إن دخل كلويس حتى نهضت إيفي بسرعة واتجهت نحوه. كان هذا أول لقاء مع الأستاذ سيان منذ انتهاء مهرجان الفصول.
“بصراحة، ظننتُ أنه قد لا يأتي اليوم…”
في الرد الذي أرسلته العميدة سيرافينا، كُتب أن الأستاذ سيان قد يصل إلى مكتبه بحلول المساء.
لكنها أضافت أن انشغاله الشديد قد يؤخر عودته، لذا نصحت إيفي ألا تنتظر طويلًا. ومع ذلك، كانت إيفي مصممة على الانتظار حتى موعد الحظر الليلي.
اقتربت إيفي من كلويس، ونظرت إلى وجهه بتمعن قبل أن تسأله بصوت يملؤه القلق:
“أستاذ، هل أنت متعب؟”
“هل انا كذلك؟ ولمَ تعتقدين ذلك؟”
“هنا، تحت عينيك ظلال سوداء. وعينيك مليئتان بالعروق الحمراء، وجفنيك أصبحا أضيق.”
فوجئ كلويس بكلامها ونظر إليها بدهشة. لقد اعتاد إخفاء تعبه أمام الآخرين، وكان ذلك أمرًا لا مفر منه.
بعد توليه العرش، اضطر لفترة إلى فرض هيبته بالخوف على الوزراء والنبلاء.
كان ذلك ضروريًا، إذ كان التمرد يتربص به في أي لحظة. لذا، لم يكن يُظهر أبدًا أي ضعف أمام الآخرين. منذ صغره، تدرب على ذلك، فلم يكن أحد يلاحظ حالته سوى المقربين جدًا منه.
لكن أن تلاحظ طفلة في السابعة ذلك على الفور؟ هل استرخى كثيرًا أم أن عيني إيفي حادتين إلى هذا الحد؟
ابتسم كلويس بمرارة وحوّل مجرى الحديث:
“وأنتِ، هل كنتِ بخير؟ أعتذر لأنني لم أتمكن من وداعك خلال مهرجان الفصول، لقد كنتِ نائمة بعمق.”
“لا، لا بأس!”
قفزت إيفي وكأنها تستنكر كلامه، ومع ذكر مهرجان الفصول، تذكرت الهدايا التي تلقتها.
كانت تريد أن تقول إنها كثيرة جدًا ولا يمكنها قبولها جميعًا، لكن…
“كلها كانت جميلة.”
دبابيس الشعر، الأشرطة، والألعاب الأخرى، كلها كانت أشياء تمنت امتلاكها. والأهم من ذلك، أنها هدايا من الأستاذ سيان.
“شكرًا على الهدايا، سأستخدمها جميعًا بعناية.”
“حسنًا…”
توقع كلويس أن ترفضها كما في السابق، لكن عندما شكرته بدلاً من الرفض، شعر بالارتياح والفخر.
لقد كان دليلًا على أن ما اختاره كان يناسب ذوقها حقًا. أشار إليها بالجلوس، ثم تصفح كتاب اللغة الأجنبية الذي كانت تقرؤه وسأل:
“إذن، أي جزء وجدتِه صعبًا؟”
نظر إلى ساعته. لم يبقَ وقت طويل قبل موعد الحظر الليلي، لذا كان مصممًا على مساعدتها قدر الإمكان في الجزء الذي تجده صعبًا.
إذا واجهت صعوبة في الدراسة، قد تعود للبحث عنه مجددًا.
* * *
رن جرس من بعيد. عند سماعه، تحقق كلويس من الوقت.
“هيا، لننهض. يجب أن تعودي إلى السكن.”
“حسنًا…”
نظمت إيفي كتبها بتردد وأسف.
“لا أدري إن كنتُ قد ساعدتك حقًا.”
“لقد ساعدتني كثيرًا! لقد شرحتَ لي كل ما كنتُ أجهله.”
“لكن شرحي كان صعبًا بعض الشيء، أليس كذلك؟”
“ههه…”
لم تستطع إيفي أن تنكر، فاكتفت بابتسامة محرجة.
عند رؤيتها، عزم كلويس على تخصيص وقت من نومه الليلي ليدرس بجدية ويصبح أستاذًا أكثر مهارة في تدريس اللغات الأجنبية.
لم يكن هدفه مجرد الظهور كأستاذ مقنع، بل وجد متعة حقيقية في تدريس إيفي. كانت إيفي طفلة تفهم أمرين أو ثلاثة بمجرد شرح أمر واحد.
كانت تستوعب المعلومات الجديدة بسرعة، كإسفنجة تمتص الماء، ثم تقف جنبًا إلى جنب مع من سبقوها في التعلم.
شعر كلويس بالدهشة وهو يرى كائنًا كان جاهلاً ينمو بسرعة بهذا الشكل.
“يا لها من متعة لم أكن أتوقعها.”
عندما سمع من سيرافينا عن شغف الأستاذ ماليس، ظن أنها مبالغة من عجوز متحمس، لكنه الآن لم يعد قادرًا على السخرية منه.
بل شعر أنه قد يتجاوز ماليس في حماسته.
أراد أن يمنح هذه الطفلة المتعطشة للمعرفة كل ما تتمناه، وأن يرى إلى أين ستصل. ازدادت رغبته في تدريس إيفي.
“لكن قبل ذلك، يجب أن أدرس أنا أولاً.”
نظر كلويس إلى كتاب اللغة الأجنبية في يده. منذ متى لم يقرأ كتابًا لا علاقة له بعمله؟
“في المرة القادمة، سأشرح بطريقة أسهل.”
“حسنًا!”
بينما كانت إيفي تنظم دفترها، نظر كلويس إلى الغرفة التي أمر بتغييرها. لاحظ آثار الاستخدام هنا وهناك.
بما أنه لا يأتي إلى هذا المكان سواه وإيبي، فمن المؤكد أنها كانت تتردد عليه وتستخدمه. شعر بفخر غامض لأنه أصاب ذوقها. لكنه فجأة شم رائحة غريبة.
“…كعك؟”
لم ينتبه لها من قبل، لكن الآن، وهو يتجول في الغرفة، شعر برائحة خافتة للحلوى. بدأ يبحث عن مصدر الرائحة، واكتشف أنها تزداد قوة بالقرب من خزانة الكتب الجديدة.
“أستاذ! هيا نذهب!”
بينما كان يحاول تتبع الرائحة، أمسكت إيفي بيده وسارعت به نحو الخارج. لهذا، لم يعد كلويس يفكر في رائحة الكعك وخرج معها.
“أعطني حقيبتك.”
لم ينتظر إجابتها، بل حمل حقيبتها ومد يده. لم تتردد إيفي هذه المرة، وأمسكت بيده بثقة. سارا معًا في الطريق المظلم نحو السكن.
لكن، من نافذة المبنى المجاور، كان هناك من يراقبهما خلسة.
كانت إيزابيلا. منذ الظهيرة، كانت تتبع إيفي دون أن تلاحظها الأخيرة، إذ لم تخطر ببالها فكرة أن أحدًا قد يتتبعها، خاصة وهي متلهفة للقاء الأستاذ سيان.
استمرت إيزابيلا في التتبع حتى رأت إيبي تدخل مبنى هادئًا، فدخلت هي إلى مبنى مجاور لتجنب أن تُكتشف. لحسن الحظ، وجدت فصلًا فارغًا يطل على المبنى الذي دخلته إيبييييي.
انتظرت هناك، تراقب خروج إيفي، لكن حتى اقتراب موعد الحظر، لم تخرج إيفي.
“الأضواء مضاءة، إذن هي بالداخل…”
لو أن الأضواء أُطفئت، لظنت أن إيفي عادت خلسة وكانت ستعود هي أيضًا إلى السكن. لكن بما أن إيفي لم تخرج، لم تستطع إيزابيلا العودة. وهي وحيدة في الفصل المظلم، ازداد توترها.
الآن، يفترض أن الطلاب الآخرين يدرسون بجد لامتحانات منتصف الفصل. كان عليها أن تكون تدرس بدلاً من هذا العبث.
“قالت إنها تتعلم اللغة الأجنبية من الأستاذ سيان.”
شعرت إيزابيلا بالغضب وهي تتخيل إيفي تدرس براحة بينما هي تختبئ وتراقب.
“حتى الأساتذة يمدحونها باستمرار.”
كانت تعتقد أن إيفي، مهما كانت متميزة في مدرستها الريفية، لن تستطيع المنافسة في معهد النخبة حيث يتلقى الطلاب تعليمًا من أفضل المعلمين منذ الصغر.
توقعت أن تدرك إيفي حدودها هنا، وأن أرسيل ولوسكا سيتخليان عنها بمرور الوقت. لكن كل شيء سار عكس توقعاتها.
سألت بعض الطلاب الذين لا يزالون على صلة بها، فأخبروها أن الأساتذة يثنون على إيفي في كل درس تشارك فيه.
“يبدو أنها ذكية حقًا.”
“حتى في درس الأستاذ ماليس، أنا أغار. في تلك القاعة بالمبنى الرئيسي، الطلاب الثلاثة الآخرون هم من النبلاء العظماء، وكأنها نادي النخبة في المعهد.”
“والأستاذ ماليس نفسه شخصية عظيمة، لكننا لم نكن نعلم ذلك لأنه لم يكن نشطًا. يقال إنه سيؤسس مجموعة باسمه، وإيفي هي تلميذته الوحيدة، لذا ستحصل على كل دعم الخريجين لوحدها.”
كانوا يتحدثون بنبرة حسد وهم يلمحون لإيزابيلا أن تفعل شيئًا، وإلا سيعودون إلى إيرين. شعرت إيزابيلا بالذعر.
“لهذا تتبعتها اليوم.
لم تدرس جيدًا، ولم تجد أي دليل قاطع لتضع إيفي ألدن في مأزق.
“هل أعود فقط؟”
حتى لو تتبعتها بعد الامتحانات، لن يكون ذلك متأخرًا.
بينما كانت تفكر، خرجت إيفي أخيرًا من المبنى، لكنها لم تكن وحدها.
كان معها رجل طويل القامة، أشقر الشعر، يحمل حقيبتها ويمسك بيدها. كان بالتأكيد الرجل الذي ذكرته إيفي في المطعم. خرجت إيزابيلا بهدوء من المبنى وتبعتهما من بعيد جدًا.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 70"