07
رأيتُ المتقدمين، ولكن لأكون صادقًا، لم أجد بينهم من يُلهم الثقة. معظمهم إما يطمعون في حضور الاحتفال السنوي للمعهد الذي يجمع الأطفال وأوصياءهم مرة كل نصف عام، أو يسعون لاصطياد المواهب التي ستتخرج من المعهد.
كان دخول معهد النخبة أمرًا صعبًا، ومن ثم كان الأطفال الذين ينجحون في الالتحاق به يُعتبرون مواهب الإمبراطورية المستقبلية.
لذا، كانت الامتيازات التي يحظون بها وفيرة، والأطفال أنفسهم كانوا ذوي قيمة عالية من نواحٍ عدة.
ونتيجة لذلك، كانت المنافسة على دور الوصي شرسة للغاية.
” الطفلة التي تنحدر من دار الأيتام، وليس لها مكان تعود إليه بعد التخرج، لذا من السهل على الوصي أن يضمها إلى عائلته. وهذا ما يجعل الكثيرين يطمعون فيها.”
عند سماع كلمات وزير الدولة، تجعد جبين كلويس بعبوس.
بعد لحظة تأمل، قال:
“وماذا عنك؟ ألا ترغب أنت أن تكون وصيًا؟”
“لقد وعدتُ منذ زمن بعيد بأن أكون وصيًا لطفل معين إذا ما التحق بالمعهد. إنه حفيد صديق عزيز.”
لا يمكن للمرء أن يكون وصيًا لطفلين في آن واحد، وكسر الوعد الذي قطعه كان أمرًا يثير الحرج.
“فضلاً عن ذلك، إذا عُلم أن جلالتك اختار الطفلة وان كنت وصيا لها … بصراحة، لن يكون ذلك في مصلحة الطفلة.”
وافق كلويس على هذا الرأي.
مجرد اختياره للطفلة كفيل بأن يجلب لها انتباهًا زائدًا عن الحد، فكيف إذا أضيف إلى ذلك أن وزير الدولة هو وصيها؟ ستنشأ متاعب لا داعي لها.
“ألا يوجد شخص آخر يمكن أن نثق به؟”
“ليس الأمر أنه لا يوجد، لكن معظم من يمكنني طلب مساعدتهم قد تلقوا بالفعل طلبات ليكونوا أوصياء.”
“حسنًا.”
إسناد المهمة إلى شخص غريب قد يُسبب الإزعاج. والأسوأ من ذلك هو أن يتصرف ذلك الشخص وكأنه أنجز شيئًا عظيمًا بمجرد توليه المهمة، وهذا بحد ذاته مزعج.
“لستَ هنا دون سبب، أليس كذلك؟ هل لديك اقتراح آخر؟”
“نعم. هناك أستاذ مسجل في المعهد لا يعرفه الكثيرون. كان قد سجل قبل اندلاع الحرب، ثم عاد إلى مسقط رأسه حين اندلعت. كان يحمل لقب بارون صغير، وما زالت وظيفته كأستاذ في المعهد قائمة.”
“إذن، هل تقترح أن نجعله الوصي؟”
“نعم. بما أنه لم يكن له اختلاط كبير بالآخرين، فلا أحد يعرف من هو حقًا، ويمكننا أن ننهي الأمر بسهولة عندما يحين الوقت.”
“ما اسمه؟”
“سيان روشين.”
“حسنًا. سأغض الطرف، فاستخدم اسم هذا الأستاذ كوصي.”
“شكرًا لك.”
أدى وزير الدولة التحية وانسحب.
في الحقيقة، كان بإمكانه أن يتولى هذا الأمر دون استشارة، لكن حرصه على طلب الإذن يعكس نزاهته، وهو ما أعجب كلويس.
وحيدًا، همس كلويس لنفسه:
“إيفي… لا.”
بطريقة غريبة، ظل اسم الطفلة يتردد على لسانه.
والأغرب أن وهم إيفيبيان، الذي كان يظهر عادة في زاوية ما من الغرفة، لم يظهر اليوم على الإطلاق.
شعر كلويس بشيء من الاضطراب، وهو شعور نادر، فخرج إلى الخارج.
في يوم اشتاق فيه بشكل خاص إلى زوجته وابنته، توجه نحو مكان سري داخل القصر الإمبراطوري، حيث اعتاد أن يزوره في مثل هذه اللحظات.
وإلى هناك اتجهت خطواته.
—
كانت إيفي تمشي وحيدة بخطوات بطيئة داخل معهد النخبة.
كانت تنتظر رفيقتها التي ستشغل الغرفة المقابلة لها، لكنها لم تصل بعد.
في تلك الأثناء، حان وقت العشاء، فارتدت إيفي زي المعهد، ووضعت كتابًا يحتوي على خريطة في حقيبتها، ثم اتجهت نحو قاعة الطعام.
“كتابي الأول.”
كتاب كتب عليه اسمها، كتاب يخصها وحدها، تتصفحه وتلمسه بيدها.
كانت ترى طلاب المدرسة العليا يحملون كتبهم الخاصة كلما ذهبت لتنظيف المدرسة، وكم كانت تحسدهم على امتلاك كتاب لا يتعين عليهم إعادته.
ضمت إيبي حقيبتها إلى صدرها بحب.
“إنه رائع جدًا.”
أن تبدأ يومها الأول بسعادة كهذه، لا بد أن هذا المكان مليء بالأمور الجميلة.
وصلت إلى قاعة الطعام، فوجدتها تعج بالضجيج.
“لا توجد خادمة لتقديم الطعام؟ هل يعني ذلك أن عليّ أنا من يجلب الطعام؟ أنا، ابن الكونت؟”
كان بعض الأطفال يصرخون مستنكرين فكرة أن يخدموا أنفسهم، فيما كان موظفو المعهد يردون بأن هذه هي القواعد، ومن لا يستطع الالتزام بها فليعُد إلى بيته.
كان هناك من يبكي ومن يغضب.
نظرت إيفي إلى الأجواء الصاخبة، ثم تسللت بهدوء نحو المكان الذي يوجد فيه الطعام.
“ربما يكون من الأفضل أن آكل في الخارج، أو أعود إلى غرفتي.”
كأنهم توقعوا أن يفضل البعض تناول طعامهم خارج القاعة، كانت هناك شطائر ملفوفة في ورق، ومياه ومشروبات في زجاجات.
أخذت إيفي واحدة من كل، ووضعتها في حقيبتها.
عندما خرجت من القاعة، رأت سماءً تكتسي بلون الغروب البرتقالي.
“سيحل الظلام قريبًا.”
حتى في مكان آمن، يصعب التجول عندما يعم الظلام.
بينما كانت إيفي على وشك العودة، لمحت غابة تقع في نهاية المعهد.
فكرت أنها غابة كبيرة، وهمّت بالعودة، لكن نسمة رقيقة مرت بلطف على خدها.
في لحظة، تمتمت دون وعي:
“…أمي؟”
ثم أغلقت فمها بدهشة.
ماذا قلتُ للتو؟ أمي؟
كلمة غريبة. آخر مرة نطقت بها بصوت عالٍ كانت عندما دعت أن تُقبل في المعهد.
لكن لماذا نطقت بها الآن؟ لم تكن تعرف السبب.
بينما كانت تقف مرتبكة، مرت نسمة دافئة أخرى على خدها.
كانت النسمة كأنها يد تمشط شعرها بلطف.
هل هذا هو السبب الذي جعلها تهمس بكلمة “أمي” دون قصد؟
كانت إيفي على وشك العودة إلى المهجع، لكنها، كأنها مسحورة، بدأت تمشي نحو الجهة التي تهب منها الريح.
لم تمشِ كثيرًا حتى وصلت إلى الغابة في نهاية المعهد.
كانت الريح تهب من داخل الغابة.
هل هناك شجرة مزهرة كبيرة في الداخل؟ كانت الريح التي تمر بين أوراق الأشجار تحمل عبير الزهور العطرة.
“كيف أدخل؟”
في العادة، لم تكن لتفكر أبدًا في دخول غابة في مثل هذا الوقت، وهي وحيدة.
لكن إيفي، رغم السماء الحمراء، كانت تبحث عن طريق للدخول إلى الغابة.
شعرت بخديها يدغدغانها حيث مرت الريح، كأنما قُبِّلا بلطف.
كانت تعلم أن ذلك بسبب شعرها الذي حركته الريح، لكنها ظلت تمسح خدها بيدها.
في تلك اللحظة، بينما كانت تبحث في أطراف الغابة، لمحت دربًا بين الشجيرات يمكنها أن تدخله إذا انحنت.
تذكرت ما قرأته في دليل المعهد.
كان هناك تحذير من أن الوحوش قد تظهر أحيانًا في غابة نهاية المعهد.
“لكنهم قالوا إنه بما أنها غابة داخل القصر، فلن تكون هناك حيوانات مفترسة.”
كانت إيفي، التي تجولت في غابات قريبة من دار الأيتام مع أطفال آخرين، تعرف شيئًا.
حتى الحيوانات العاشبة المسالمة عادةً تصبح شرسة جدًا في الربيع عندما ترافق صغارها.
لذا، كان من الأفضل تجنب مثل هذه الدروب…
بينما كانت إيفي تتردد، هبت ريح أخرى.
مر عبير الزهور الكثيف من جديد عبر شعرها.
كان مجرد هبوب ريح، لكنها شعرت وكأن أحدهم يناديها.
―إيفي.
بنبرة حنونة، وشوق عميق.
كان مجرد صوت الريح، لكنها عرفت.
هذا المكان ليس خطرًا.
وهناك، خلف هذه الغابة، من ينتظرها.
قبضت إيبي على يدها بقوة.
كأن الشجيرات كانت تنتظرها، فتحت لها الطريق.
—
كم مشت؟
“ها!”
بعد أن زحفت تقريبًا عبر الشجيرات لفترة، استطاعت أخيرًا أن تقف منتصبة.
على الرغم من الربيع الدافئ، كان جبينها يتصبب عرقًا.
هبيب الرياح.
هبت الريح مجددًا، فبردت عرقها.
تنفست إيبي الصعداء، ثم نظرت حولها.
هل هي فسحة في وسط الغابة؟ كان هناك أرض مستوية في المنتصف، محاطة بأشجار كثيفة.
وتحت الأشجار، كانت الشجيرات مختلطة بزهور بيضاء متفتحة بكثرة.
يبدو أن عبير الزهور الذي حملته الريح كان من هذه الزهور البيضاء.
ثم رأت إيفي صخرة كبيرة في وسط الفسحة. كانت شاهد قبر.
“إنه قبر.”
في دار الأيتام، كانت تمر بجوار مقبرة المدينة فترتعد خوفًا، لكن الغريب أنها الآن، رغم إدراكها أن هذا قبر، لم تشعر بالخوف.
“لكن قبر من؟”
تذكرت إيفي الخريطة التي حفظتها.
كانت الخريطة في الصفحة الأولى من الكتاب تُظهر معالم المعهد الداخلية.
في تلك الخريطة، كان هذا المكان مجرد غابة، وانتهت الخريطة عند هذا الحد.
“لا بد أن ما وراء هذا لا يزال جزءًا من القصر…”
عندما نظرت من بعيد، رأت أطراف مبانٍ كبيرة تظهر خلف الغابة، لذا لا بد أنها لا تزال داخل القصر.
“لكن هل يوجد قبر داخل القصر؟”
لم يكن مفاجئًا أن يكون هناك قبر في مكان واسع كهذا.
كان هناك شاهدين فقط في الفسحة.
أحدهما بنفس طول إيفي تقريبًا.
والآخر منخفض، يصل إلى خصرها فقط.
اقتربت إيفي بحذر من الشاهد الأكبر.
كان الشاهد مصنوعًا من حجر أبيض ناعم، مزين بنقوش جميلة. وفي المنتصف، كان اسم صاحب القبر محفورًا.
قرأت إيفي اسم الشاهد الأكبر أولاً.
“ليليان شيل.”
اسم لم تسمع به من قبل.
ومع ذلك، شعرت إيفي أن الاسم جميل جدًا.
جميل لدرجة أنها أرادت أن تناديه مرات ومرات.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 7"